مسرحية ... عيادة طبيب
بارعة مهدي بديرة
( تسلط الانارة على سرير عيادة طبيب ، يجلس عليه ممثل اربعيني يرتدي ملابس عصرية ...
الطبيب :ـ اسمك ؟
الممثل :ـ انا يزيد
الطبيب:ـ ( يقرأ اسمه ) انت تحسين ، نعم اسمك تحسين صاحب خلف ( برهة ) عملك
الممثل :ـ خليفة
الطبيب :ـ ( يقرأ ) ممثل مسرحي ... ماذا تشكو ؟
الممثل :ـ اشكو الارق الخوف على سلطاني وعرشي واخاف من تلك الكوابيس التي صارت تخنق ليلي ( صمت ... يدور حول السرير ، يعود ليجلس على عرشه )
تتناثر امام عيني دائما دماء الحسين وصحبه ، كلما اغمض العين ارى الطف وكاني عشت هذه الواقعة بكل تفاصيلها
الطبيب :ـ وما هي الاصوات التي تسمعها ؟ اسمع صهيل الخيول ، وصليل السيوف واسمع النياح ، نياح نساء وانين اطفال ودعاء ..دعاء الحسين ، يعذبني ليل نهار ،
(مع جند متخيلين ) مالكم يا جند .. اهجموا لاتدعوا الحسين يرفع يده للدعاء .. اخفضوها .. اسمع صوتا قويا يكرر جملته عند كل لقاء
الطبيب :ـ ماذا يقول ؟
الممثل :ـ يقولها بوجهي
صوت الحسين :ـ ( هيهات منا الذلة )
الطبيب :ـ من أي تاريخ بدات عندك الحالة ؟
الممثل :ـ منذ مقتل الحسين ... لاقبل ذلك .. منذ اول يوم استلمت فيه عرش ابي ، عرش بناه ابي على السياسة واللين والمراوغة والدهاء حتى ا حتشد عند ابوابنا الطامعون ، انا ( يصعد على الكرسي ـ ليخطب ) انا يزيد بن معاوية ، سيف انا يحز رقاب من رفضوا بيعتي ( مع الطبيب ) ولذلك كان الطف هو النتيجة ( يغير صوته الى التوسل ) لكني ما ان انام حتى لو بقيلولة متعبة ـ تلسعني نيران الخيام واسمع صراخ اطفالها لعنات ترجمني .. آه لو تعرف كم تؤلمني تلك اللعنات ، وانا اصرخ ( آخ ... آخ ) قفوا اصيح ... اتوسل بهم قفوا .. انا الخليفة يزيد بن معاوية ... سلطاني .. عرشي ... قوتي .. سطوتي .. ورغم هذا انا خائف ، كل المدائح التي كانت تمجدني تصير هباء تصبح كالهشيم بين ايديهم ..( خلفية اصوات ركضة حسينية مليونية ضخمة وهي تنادي لبيك يا حسين يتقي بالطبيب ) انهم قادمون .. ابعدهم عني ايها الحاجب ... انظر .. ماذا يريدون ؟ امنعهم من الدخول
الطبيب :ـ هل تعرفهم ؟
الممثل :ـ نعم اعرفهم يطلعون صف من المقاتلين ( تسلط الاضواء في احدى جوانب المسرح صف من اانصار الحسين بكامل عدتهم التاريخية من سيوف ودروع ) وجوه عنيدة فيها اصرار الحرب والانتقام سيوفهم ممشوقة ـ مجانين جننهم حب الحسين وهم يهتفون
المجموعة :ـ ( تهتف ) لبيك يا حسين
الممثل :ـ مجاميع بشرية ملايين من البشر الناس وهم يمشون اليه ، شباب ـ شيوخ رجال نساء ـ اطفال ( يعرض في الجانب الاخر فلم داتشوب عن مشاية الاربعين ) يطلعون لي يسحقوني يفوتون على راسي وهم يصرخون
المشاية :ـ لبيك يا حسين( مع الطبيب ) اتسمع ، وانا يرموني باللعنات لايهمك هناك الكثير من الناس يمجدون نصري كل يوم ، يباركني المخرج عند كل عرض والممثلون والجمهور يصفق لي الجميع ، وفي الليل يبدا الوجع من جديد
الطبيب :ـ المشكلة يا تحسين كبيرة حين يختار الانسان ان يتقمص دور سلطان جائر
الممثل :ـ يطلع حشد من المسحوقين بسنابك الخيول يركبون جيادا مطهمة ويسحقوني ، تتكسر اضلاعي ... اصرخ .. آخ .. آخ .. ارحمني ارجوك يا حسين ـ استحلفك بضلع الزهراء ارحمني ( مع الطبيب بهدوء ) وهكذا يمر بي كل ليل الوجع وانا اتوسل الحسين وهوينادي ، يقتلني بذلك النداء الذي تضج به اذناي ،
الطبيب :ـ ماهو ؟
الممثل :ـ هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من ناصر ينصرنا ؟
صوت يعمم على كل الاجيال لتصبح لعنات لاتموت
الطبيب :ـ صوت من هو ؟
الممثل :ـ هو صوت الحسين ، اتوسل به منذ قرون وصوته يلاحقني اينما اروح ، يعذبني لدرجة اني صرت اكره المسرح ومن اسس المسرح ،
عشرات الممثلين أخذوا ادوار الشمر بن جوشن وعمر بن سعد وابن زياد ولست وحدي من اخذ دور يزيد فلماذا وحدي انا دون الناس احمل اللعنات ؟ وملايين من الزوار ينادون يا حسين كل تاريخ امية لايشفع لي عند غضبة زائر
( مع الطبيب) ما ذا لو كان بايعني الحسين وانتهى الامر ،
صوت الحسين :ـ والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا ماوى لما بايعت يزيد بن معاوية
الممثل :ـ ( مع الطبيب ) هل سمعته ( يصعد فوق السرير جاعلا منه عرشا ) ( مع الطبيب) أكتب من يزيد امير المؤمنين الى الوليد بن عتبة .. خذ حسينا اخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايع والسلام ،
( طرق على باب العيادة )
الممثل :ـ ( مع الطبيب ) ايها الحاجب انظر من هناك ،
الطبيب:ـ كتاب ورد من عبد الله بن مسلم
( احدى جوانب المسرح ـ يسلط الضوء على عبد الله بن مسلم )
عبد الله بن مسلم :ـ اما بعد .. فان مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة ، بايعته الشيعة للحسين بن علي ـ فان كان لك بالكوفة حاجة فابعث اليها رجلا قويا ينفذ امرك ويعمل مثل عملك في عدوك فان النعمان بن بشير رجل ضعيف
الممثل :ـ وماذا بعد ؟
الطبيب :ـ كتاب بنفس المعنى من عمارةبن عقبة وكتاب آخر من عمر بن سعد بن ابي وقاص
الممثل :ـ ( مع نفسه ) كل ما في الكوفة يصرخ من شدة ما يعاني ـ لابد من حل قوي مدرك ينقذ الكوفة ...اني اسمعها كانها تستغيث بي ( مع الطبيب ) اكتب يا حاجب الى ابن زياد .. من يزيد بن معاوية الى ابن زياد قد بلغني ان حسينا سار الى الكوفة وقد ابتلى به زمانك فاما ان تعتق او تعود عبدا ( مع نفسه ) لابد ان يقتل الحسين لابد ان يقتل الحسين ..
الطبيب :ـ نعم كلنا نعرف ان يزيد امر بن زياد بقتل الحسين يا تحسين .. وكلنا نعرف ان دور يزيد دور مركب وصعب في المسرح .. وكلنا نعرف انك انت ممثل قدير وقد اجدت الدور بامتياز وصفق الجميع لفنك واداءك الرائع
( برهة صمت ثم تطرق الباب ثانية ) يدخل زحر بن قيس المذحجي )
زحر:ـ ابشر يا امير المؤمنين فتح الله ونصره فقد ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من اهل بيته وستين رجلا من شيعته قتلناهم وها هي سباياهم في باب القصر
( يلتفت صوب الجمهور ويخاطب احدهم بلا تعيين ...خطابا مباشرا .. ) اتقر لي بانك عبد من عبيدي ؟ ها اتقر انك عبد لي ـ ان شئت بعتك وان شئت استرقتك ؟ ( مع الطبيب ) انزلوا اليه اقتلوه ( مع زحر ) ادخلوا الاسرى
( على جانب من المسرح ، ينشد يحي بن الحكم )
سمية امسى نسلها عدد الحصى
وليس لآل المصطفى اليوم من نسل
الممثل :ـ ( يصرخ بغضب ) اسكت
الطبيب :ـ لم قتل يزيد الحسين ؟
الممثل :ـ لأرتاح من ند عنيد ، من نقيض لايرحم ، تضاد يذكرني بضعتي والامن الذي سنعيشه بدونه
الطبيب :ـ والمدينة المنورة والاعراض التي هتكت والكعبة التي رماها جند يزيد بالمنجيق
الممثل :ـ هي كلها من حسين .. هو الذي زرع فيهم الرفض والعناد ، هذا الرفض وليد لاءه المريرة في كربلاء ولولاها لعم السلام
الطبيب :ـ ايصل الحقد حد العبث بثنايا الحسين ؟
الممثل :ـ اردت ان اغيض التواريخ كلها واتشفى من التواريخ كلها ، اردت ان اعبث بقداسة الدين .. اردت ان اقول اني انا اكبر من الدين كله
( يسلط الضوء على جانب بعيد من المسرح )
ابو برزة :ـ اتنكت بقضيبك في ثغر الحسين ؟
الممثل:ـ نعم لأغيضك واهينك يا ابا برزة الاسلمي
ابو برزة :ـ بل لتغيض نبي الله محمد صل الله عليه وسلم فانا رأيته يرشف الثغر بعيني
الممثل :ـ ( يصرخ) النعمان بن بشير
النعمان :ـ موجود سيدي
الممثل :ـ ( يبحث عنه ، يقف امامه ) كيف رايت فعل ابن زياد بالحسين
النعمان :ـ الحرب دول
الممثل :ـ الحمد لله
النعمان :ـ كان ابوك معاوية يكره ما فعل
الممثل :ـ لابد من حرب ، لابد من قتل ..فتك ...ارهاب يحصر الفتنة ، انا لااعرف مثل ابي السياسة والمداهنة ( مع الطبيب ) اصعد على المنبر وانهي لي هذا الضجيج الذي يملأ راسي .. اصعد وذم الحسين واباه وبالغ في ذمهم حتى ارتاح
الطبيب :ـ اسمع تحسين .. اهدا قليلا .. انت تحب الحسين عليه السلام ، و تلعن يزيد
( يدخل الغرفة العيادة راس الجالوت وما ان يراه الممثل حتى يصرخ )
راس الجالوت :ـ ( يشير الى الجمهور ) رأس من هذا ؟
الممثل :ـ ( مع الطبيب ) هو يعرفه اكثر مني
رأس الجالوت :ـ فيمن استوجب القتل ؟
الممثل :ـ لم يقر لي بالحكم ، اجج الفتنة وفرق العباد
راس الجالوت :ـ بيني وبين داود سبعين جدا ، واليهود يعظموني ولايرون التزويج الا برضاي ، وياخذون التراب من تحت اقدامي ، ويتبركون بي وانتم بالامس كان نبيكم بين اظهركم واليوم قتلتموه .. تبا لكم
الطبيب :ـ او لهذا قتل يزيد راس الجالوت
الممثل :ـ لولا ان بلغني عن النبي انه قال من قتل معاهدا كنت خصمه يوم القيامة لقتلتك
راس الجالوت :ـ يا يزيد اتخاف ان تكون خصم دم معاهد ولا تخشى خصومة النبي بقتل ولده ( برهة صمت ) السلام عليك سيدي ومولاي يا ابا عبد الله الحسين .. اشهد لي عند جدك النبي (ص) باني انا اشهد ان لااله الا الله وحده لاشريك له وان محمد عبده ورسوله
الطبيب:ـ او بعد هذا الاقرار يقتله يزيد ؟
الممثل :ـ لاشأن لك ـ هذا الرجل قد خرج من دينه ودخل دين الاسلام ونحن برئنا منه فقتلناه
الطبيب :ـ تحسين انت ممثل بارع
الممثل :ـ ( يبحث عن ابن عباس في الغرفة )
ابن عباس . اين انت يا ابن عباس ؟ ... لقد محا ضوء حقنا ظلمة باطلكم
ابن عباس :ـ (يطلع من احدى زوايا المسرح ) والله ما صفت القلوب لكم منذ تكدرت عليكم ولا دنت محبة
الطبيب :ـ تحسين تمثيلك رائع يا تحسين
الممثل :ـ ( يصرخ من الالم ـ ) آخ ... آخ
( مع الطبيب ) من انت ؟ وماذا جئت تفعل هنا ؟ او تظن اني لااعرفك ؟ لا انا اعرفك حق المعرفة ، انت المعلم ، معلم ولي العهد ابني معاوية
الطبيب:ـ انا طبيبك تحسين
الممثل :ـ اعرفك ... كف عن تعليم ولدي التمرد علي ، فاني فعلا صرت اخاف المستقبل بسبب ابني معاوية ، لقد علمته الكثير من الصلف انا سمعته يقول
معاوية الحفيد :ـ جدي معاوية نازع الامر من كان اولى بالامر منه
الممثل :ـ ( يصرخ ) معاوية
معاوية الحفيد :ـ وأبي غير خليق بالامر ، اي خلافة يصلح لها ابي ؟
الممثل :ـ انا ؟
معاوية الحفيد :ـ استحسنت خطأك لهذا يسنقطع اثرك .. يا ابي
الممثل :ـ ( مع الطبيب ) كيف لابن ان يعق اباه ؟
الطبيب :ـ وكيف لأب لايعرف الحق من الباطل
.. تحسين عزيزي
الممثل :ـ انهد العرش بما فيه وهلكت ولاذكر لي
الطبيب :ـ مالك تحسين اي ذكر يبقى لمن يقتل الحسين عليه السلام ؟
الممثل :ـ من انت
الطبيب :ـ تحسين ردد خلفي لبيك يا حسين
الممثل :ـ لبيك ... يا ... حسين
الطبيب :ـ انت ممثل جيد واديت ادوارا كثيرة في غاية الابداع و اجدت جميع ادوار الشر لكن اياك ان تتقمصها يا ولدي
الممثل :ـ انا
الطبيب :ـ نعم انت تحسين .. نادي معي لبيك يا حسين .. سيزول عنك كل هواجس الشر وتحب الحياة
الممثل :ـ لعنة الله على يزيد .... لبيك يا حسين .. لبيك يا حسين