بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾[1].
﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾، أم هنا منقطعة بمنزلة بل ﴿افْتَرَاهُ﴾، أي محمد زوّره ونسبه الى الله، ﴿قُلْ﴾، لهم محمد بشر مثلكم، ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ﴾، أي يقول صلى الله عليه وآله: لو كنت مفتريا لكان اللازم امكان اتيانكم بمثل سورة منه، فإن السورة بعض القرآن خصوصا وبعض السور في غاية القصار، والسورة مصطلحة في القرآن لمجموعات ثلاث: القرآن كله، المجموعات المفصولة بالبسملات، المجموعات غيرهما وهي الآيات المرتبطة ببعضها البعض في عناية خاصة.
ولأن أقل سورة مفصولة بالبسملة هي آيات أربع كالكوثر، فهي أقل المتحدى به، ثم كل آية مستقلة المعنى هي من المتحدى بها لكونها آية وعلامة لربانية صدورها ومصدرها.
والقرآن يتحدى بسورة، وهي أية مجموعة منه ومنها نفسه كله، أم عشر مجموعات مفصولات بالبسملات وسواها، أم مجموعة واحدة أقلها آيتان، بل وآية واحدة لمكان كونها آية، ما تعني معنى مستقلا كالبسملة وما أشبه.
ومع اجتماع ارباب الكمال من الفصحاء يمكن ان يؤتى بمثله، بل الله يساعدكم على ذلك، لإظهار بطلان من افترى عليه، وبعبارة اخرى، في صورة كونه من غير الله يكون المقتضي لقدرتكم موجودا، من كونكم عربا فصيحا، والآخرون ايضا يساعدونكم في القاء المطالب والمعاني، لإبطال أمري وللهيئة الاجتماعية، من القدرة ما لا يكون لغيرهم في مورد يمكن أن يجتمع، والمانع ايضا مفقود، من اخذ الله قدرتكم.
فمع عدم اتيانكم، ولو بضميمة من تدعونهم من غير الله مع وجود الداعي لكم في ابطال أمري، فإما يكون من فقد المقتضي، أو وجود المانع، فإن كان الاول فيثبت كونه من عند الله، اذ ما لا قدرة للجماعة الكثيرة، في الامر الذي يكونون ماهرين فيه وعالمين به، أن يأتون بمثل شيء قليل منه، وقد اتى الواحد به، فهو فوق حد اهل الملك، ولا بد أن يصدر من الفاني في الله، الذي كلامه كلام الله.
وكذا إن كان الثاني أي إذا كان لهم في حد ذاتهم القدرة، وغير الله لا يمنعهم من الاتيان بالمثل، لعدم الممانعة من قبل أحد، فلا بد ان يكون المانع من قبل الله وهو ايضا يدل على المطلوب، ثم قال الله: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾[2]، أي لا يأتون ولا يمكنهم الاتيان، وتكذيبهم ايضا غير ناشئ عن علم ومأخذ، بل كذبوا بما لا يحيط به علمهم، من كونه صدقا ومن الله أم لا؟ وكذلك تكذيبات بقية المكذبين للأنبياء فإنها ناشئة من غير العلم، وهذه الفقرة سيقت للترقي في تجهيلهم أي أنهم فضلا عن عجزهم عن الإتيان بسورة من مثله، لم يحيطوا بمعارف هذا الكتاب العظيم وجهلهم به هو الذي زهّده في انظارهم وذلك شيمة كل جاهل بالنسبة الى ما يجهله.
ثم إن التقييد بقوله تعالى: ﴿مِّن دُونِ اللهِ﴾، ليس لأجل انهم إذا دعوا الله يقدرهم على الاتيان، بل لأجل إنهم لما قالوا: أن هذا غير صادر من الله، ويكون من البشر فيقول الله: لو كان كذلك، فادعوا غير الله، فهذا لا يكون الا من عند الله وإما أن الله يستجيب الدعوة أم لا، فالعقل قد دل على إن اجراء فوق الطبيعة، بيد غير النبي المرهون بالطبيعة غير معقول، وقبيح.
ثم أنبأ الله فيما بعد آيتين بالأنباء الغيبية، أن بعض المكذبين من اهل مكة، يؤمنون بك بعد ذلك وبعضهم لا يؤمن والله يعلم المفسد وغيره ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾[3]، بعد هذا التحدي وعدم قدرتهم على الاتيان، فأعرض وقل: ﴿لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾، وكلنا بريء من الاخر، فإن الحجة قد تمت من قبلي.
وكونها على طبق العقل في نهاية الوضوح.
[1] سورة يونس، الآية: 38.
[2] سورة يونس، الآية: 39.
[3] سورة يونس، الآية: 41.