بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾[1].
اليوم الآخر المسمى بيوم القيامة، عندما يحشر الناس في عرصات يوم القيامة وفيه مواقف. حيث تعرض الآية واحدا من أشكال ردود الفعل التي يصدر الناس عنها في لحظة مواجهتهم لهذا اليوم، وهو الإحساس بالزمن، حيث تقول الآية بأن إحساسهم بالزمن يقوم على هذا النحو ﴿كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ﴾.
إن الإحساس بالزمن يشكل واحدا من عناصر العمل الفني الذي تعنى به تجربة الأدب البشري، وحينما ننقل هذا الإحساس إلى الفن التشريعي وهو القرآن الكريم نجد أن صياغة هذا الإحساس بالزمن تأخذ بعدا فنيا له إثارته وطرافته الفكرية والجمالية، بخاصة إذا تمت صياغته بهذا النحو الذي عرضته الآية الكريمة، حينما لفته بشيء من الغموض الفني.
إن النصوص المفسرة تتراوح في تفسير المقصود من عبارة ﴿سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ﴾، كما أن القارئ نفسه يظل مستخلصا أكثر من دلاله دون أن يستطيع أن يرسو على يقين محدد، حيث يتردد بين الذهاب إلى أن المقصود من ذلك هو إحساس البشر بأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة، أو إحساسهم بأنهم لم يلبثوا في القبور إلا ساعة، بالقياس إلى الزمن الذي يواجهونه في تلكم اللحظة.
بشكل طبيعي قدم النص القرآني الكريم صورة تشبيهية تعتمد الأداة [كأن] لبلورة هذا الإحساس بالزمن، لأن هذه الأداة بالقياس إلى أدوات التشبيه الأخرى تظل ملتقطة لا وجه الشبه بين الشيئين بنحو يقل عن الأدوات الأخرى، مما يعني أن الإحساس بالزمن وكأن الدنيا أو القبر هو ساعة من النهار هو إحساس لا حقيقة واقعية له من حيث القياس الطبيعي بقدر ما يفرضه أهوال يوم القيامة حيث أن طول النهار الذي يستغرقه يوم الحشر، يجعلهم يتحسسون بأن الدنيا وكأنها ساعة من هذا اليوم.
ومن الطبيعي أنّ نهار القيامة كما ورد في قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾[2]، يجعل الإحساس بزمن الدنيا ساعة من نهار الآخرة.
لكن هل يستخلص القارئ بأن المقصود هو مقايسة نهار الآخرة بزمن الدنيا، أم يمكنه أن يستخلص شيئا آخر هو إن نهار الدنيا أو نعيمها يبدو الآن وكأنه ساعة من النهار ليس بالقياس إلى نهار الآخرة بل بالقياس إلى نهار الدنيا نفسها، لأن الإمتاع الذي كانوا يتحسسونه في الدنيا قد تصرم ولا أثر له الآن مما يجعل الإحساس به وكأنه ساعة أو لحظة تصرمت؟ إن كلا من الاحتمالين وارد دون أدنى شك، فالاحتمال الأول تفرضه قرائن أخرى تشير إلى طول يوم القيامة واستغراقه خمسين ألف سنة، والاحتمال الآخر تفرضه قرائن فنية هي أداة التشبيه [كأن]، ولعل هذا الاحتمال هو الأصح، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن استخدام التشبيه يسوغ لنا هذا الاحتمال، لأن الذهاب إلى أن نهار الدنيا كأنه ساعة من الآخرة لا يحتاج إلى التشبيه ما دامت الآخرة تخضع لمقاييس زمنية أخرى، وهذا على العكس من إحساس الإنسان بماضيه الذي يبدو الآن وكأنه لحظة تصرمت، أي أن الإنسان حتى في تجربته الدنيوية كأن يستعرض لذائذ الماضي حتى يتحسسها قصيرة في لحظته الحاضرة مع أن الماضي يمتد سنوات طوالا. وأيا كان الأمر، فإن خضوع هذه الصورة الفنية لأكثر من احتمال فني، يهبها قيمة جمالية ضخمة دون أدنى شك، فضلا عما تنطوي عليه من دلالات متنوعة تصب جميعا في هدف واحد هو إن الحياة الدنيا تبدو وكأنها ساعة، حيث ينبغي للشخصية أن تعتبر بهذه الحقيقة وأن تعدّل سلوكها وتوظفه من أجل العمل بمبادئ الله تعالى.
أخيرا يجب ألا نغفل عن أن سورة يونس تحوم على فكرة اليوم الآخر، وأن هذه الآية الكريمة جاءت في سياق الفكرة المشار إليها، مما يكشف ذلك عن الإحكام الهندسي للسورة من حيث علاقة أجزائها بعضا مع الآخر.
[1] سورة يونس، الآية: 45.
[2] سورة المعارج، الآية: 4.