بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
تمرُّ حياة الإنسان بعدة محطات، ولكل محطة دروسها ومغزاها.
لكن من المؤلم أن كثيرًا من الناس لا يتوقفون ليتأملوا في مسار عمرهم، حتى يأتي اليوم الذي يقفون فيه أمام الحقيقة، فيقول أحدهم نادمًا:
"يا ليتني قدمت لحياتي."
هذه الكلمة ليست مجرد حسرة، بل صرخة ضمير غافل، استيقظ بعد فوات الأوان.
فكيف نعيش أعمارنا دون أن نصل إلى تلك اللحظة المؤلمة؟
تعالوا نسافر معًا في ثلاث محطات العمر: الماضي، الحاضر، والمستقبل.
المحطة الأولى: الماضي
الماضي صفحة لا يمكن أن نعيد كتابتها، لكنها تظل مرآة لنا، فيها نتعلم ونحاسب أنفسنا.
كثير من الناس يحملون هموم الماضي، نادمين على ما فرّطوا فيه من أيام أو أعمال.
يقول أحدهم: "يا ليتني فعلت"، أو "يا ليتني لم أفعل"...
لكن الندم — إذا صُرف في طريقه الصحيح — يمكن أن يكون نعمة، لا نقمة.
لأنه يوقظ الضمير، ويدفع إلى التوبة والتدارك.
فالماضي ليس نهاية الطريق، بل بداية الوعي.
والمؤمن الذكي هو من يجعل من خطأ الأمس زادًا لصواب اليوم
🌞 المحطة الثانية: الحاضر
أما الحاضر، فهو ميدان القرار، وساحة العمل.
إنه اللحظة الوحيدة التي نملكها حقًّا.
فما نزرعه اليوم هو ما سنحصده غدًا، وما نتجاهله الآن سيصبح حسرة في المستقبل.
الإنسان العاقل لا يعيش أسير الأمس، ولا ينتظر الغد بلا عمل،
بل يملأ يومه بالخير، ووقته بالمعنى.
قال الإمام علي عليه السلام:
«إنما الدنيا ساعة، فاجعلها طاعة.»
الحاضر هو ميزان العطاء، وبه تُكتب صفحات حياتنا.
فكل يوم يمرّ دون ذكر، دون إحسان، دون عمل صالح، هو خسارة لا تُعوّض.
لا تؤجل التوبة، ولا تؤخر المعروف، ولا تستهِن بعمل الخير مهما كان صغيرًا،
فالعمر يمضي سريعًا، والفرصة لا تُعاد.
المحطة الثالثة: المستقبل
المستقبل ليس شيئًا ننتظره، بل نبنيه.
هو النتيجة الطبيعية لأفعالنا اليوم.
قد لا نملك أن نعرف تفاصيله، لكننا نملك أن نوجّه مساره.
إذا أردت مستقبلًا مطمئنًا، فابدأ بصلاح يومك.
وإذا أردت أن يذكرك الناس بخير، فكن اليوم نافعًا لهم.
وإن كنت تريد النجاة في الآخرة، فاجعل كل خطوة في الدنيا خطوة نحو الله.
قال تعالى:
"وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ"
أي: ليقف الإنسان مع نفسه، ويسألها: ماذا أعددت ليوم غد؟
هل قدمت ما ينفعني حين أقف بين يدي الله؟
هل كتبت في دفتري أعمالًا تُرضيه؟
🌹 “يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي” — نداء الوعي
أي: ليقف الإنسان مع نفسه، ويسألها: ماذا أعددت ليوم غد؟
هل قدمت ما ينفعني حين أقف بين يدي الله؟
هل كتبت في دفتري أعمالًا تُرضيه؟
🌹 “يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي” — نداء الوعي
هذه الآية الكريمة تجسد ندم الإنسان حين يرى أن حياته الحقيقية لم تكن هنا، في الدنيا، بل هناك، بعد الموت.
فهو لم يقدم لحياته الباقية شيئًا، ولم يستثمر عمره القصير في زاد الأبد.
لكن من يحاسب نفسه اليوم، قبل أن يُحاسب غدًا، لن يقول “يا ليتني”.
بل سيقول عند لقائه بربه:
“ربِّ، هذا ما وعدتني، وها أنا قدمت لحياتي.”
إنّ الذين يعيشون وعي الآخرة، لا يخافون من المستقبل، لأنهم يعدّون له كل يوم.
هم الذين يعيشون حياة ممتلئة بالعطاء، مليئة بالرضا، بعيدة عن الندم.
💫 رسائل عملية
- لا تؤجل عمل الخير.
فالفرصة التي تملكها اليوم قد لا تتكرر غدًا. - اجعل لك مشروعًا للحياة.
مشروعًا أخلاقيًّا، علميًّا، روحيًّا، أو خيريًّا يخلّد أثرك بعد رحيلك. - حاسب نفسك يوميًا.
اسألها بصدق: هل أنا اليوم أقرب إلى الله من الأمس؟ هل أضفت معنى لحياتي؟ - استثمر كل لحظة في طاعة الله.
فالوقت رأس مالك الحقيقي، فإذا ضاع، ضاع كل شيء. - جدّد نيتك كل يوم.
وقل: “يا رب، أعني ألا أندم حين أقف بين يديك. - ”العمر يمرّ بسرعة، والسنوات تتبدل كأوراق الخريف.
فلنجعل من محطات العمر سلّمًا إلى الله،
ولنقدّم لحياتنا الباقية قبل أن نُفاجأ بنداء الندم:
"يا ليتني قدمت لحياتي."
نسأل الله أن يجعلنا من الذين قدّموا لحياتهم خيرًا،
وأن يختم أعمارنا برضاه ومغفرته،
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.