ق
مهمة كتابة التاريخ مهمة صعبة، وخاصة تلك التي تخصّ الواقعة الحسينية؛ لكونها تحتاج الى إحاطة شاملة لمعرفتها كنتاج إبداعي فكري تضحوي، لابد من استلهام أثره الحي ودراسته دراسة تحليلية، والوقوف عند أهمّ جوانبه وحيثياته ومكوّناته وأسسه، والبحث في سبل انعكاساته التأثيرية، ورؤى وأفكار تجسّد لنا خصوصية هذه التجربة الإنسانية، فجاء في مقدمة كتاب (دماءٌ تروي الانسانية)، وهو من إعداد الكاتبة (آيات حسون)، ومن (إصدار العتبة العباسية المقدسة - شعبة إذاعة الكفيل).
الرواء هنا تعبير إنزياحي يعكس لنا شعورية الظمأ الحسيني، ويبذر الأرض بثمر العز والعدل والسلام، وقد ورد فيها أن الفعل التضحوي الحسيني لا يُقاس مع سائر الأفعال النهضوية الأُخَر. وتطرق البحث في حلقته الأولى عن وصايا معاوية بن سفيان لابنه يزيد(لعنهم الله)، وأرى أن الوصية قد حُرّف معناها عبر القرون، حتى بات أمرها يحتاج الى يقظة تأملية تستعرض حرفيات الوصية، وكشف ألاعيب التفسير الأموي، فالوصية كانت عبارة عن تحذير يزيد من ثلاث شخصيات هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسين بن علي.
ونجد أن المعالجة المقترحة وضعت خصوصية كل شخصية على حدة، فعبد الله بن عمر هش لايمكن له الوقوف أمام السلطة وقفة الند ما دامت له مصالح خاصة؛ وشخصية عبد الله بن الزبير لابد أن تُرد بقسوة؛ لكونها تمتلك طموحات سياسية غير مسندة بشرعية. أما الحسين بن علي فله خصوصية في هذه الوصية حسبما وردت في نصها الذي لايمكن الاعتماد عليه، بما احتوت من تناقضات، حيث يقول معاوية لابنه عن شخصية الحسين(ع): (فقد عرفت حظه من رسول الله(ص) وهو من لحمه ومن دمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه، فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله(ص)، ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فأن لنا به خلطة ورحماء، وإياك أن تناله بسوء، أو يرى منك مكروها..).
فلابد لنا من الحذر في التعامل مع هكذا بؤر هندمتها السياسة، ولابد من توضيح المعنى القصدي للتحذير الذي لم يأتِ اعترافاً بالمكانة الحسينية وهيبة الإمامة والنبوة، لكنه أدرج كتحذير سياسي يوضح خطورة جماهيرية الحسين(ع)، وتخمين أن الأمة ستنهض ثائرة لدمه، أي أن التحذير جاء برؤيا محترف سياسة يخشى على سلطة الوريث، ولو كان فعلاً يهيب القدسية لما قاتل الإمام الحسن(ع)، ولعرف مكانته من رسول الله(ص)؟!
والقراءة هي ولادة ثانية للنص التاريخي، لا من حيث تغيير وقعه الخارجي بل سعياً للوصول لاستبطاناته الداخلية، بعيداً عن التداول الاستنساخي.. والتشخيص الثاني الذي يفسر منحى آخر من مناحي الوصية رؤية معاوية للنهضة الحسينية كمفهوم استفزازي، يحمل نفس الرؤيا الوهابية اليوم للقضية الحسينية بأن الكوفة هي التي أخرجت الحسين(ع) وخذلته؛ فالحسين(ع) بهذا المنطوق كان قد خدع وتطاول على حق غيره، ولكي نصل الى قراءة فكرية تليق بعظمة الموضوع، نجد أن الرواية أساساً صدرت عن محمد بن عمر البغدادي نقلاً عن مجموعة من النساء، مريسة بنت موسى بن يونس بن ابي إسحق، عن صفية الهمداني، عن بهجة بنت الحارث بن عبد الله الثعلبي.. وهذا يعني أن الرواية غير مسندة، لكنها منقولة عبر أمالي الصدوق.. وكل هذه القصديات المبطنة تأويلياً لابد لنا أن نتداركها بالبحث والتأمل.
مهمة كتابة التاريخ مهمة صعبة، وخاصة تلك التي تخصّ الواقعة الحسينية؛ لكونها تحتاج الى إحاطة شاملة لمعرفتها كنتاج إبداعي فكري تضحوي، لابد من استلهام أثره الحي ودراسته دراسة تحليلية، والوقوف عند أهمّ جوانبه وحيثياته ومكوّناته وأسسه، والبحث في سبل انعكاساته التأثيرية، ورؤى وأفكار تجسّد لنا خصوصية هذه التجربة الإنسانية، فجاء في مقدمة كتاب (دماءٌ تروي الانسانية)، وهو من إعداد الكاتبة (آيات حسون)، ومن (إصدار العتبة العباسية المقدسة - شعبة إذاعة الكفيل).
الرواء هنا تعبير إنزياحي يعكس لنا شعورية الظمأ الحسيني، ويبذر الأرض بثمر العز والعدل والسلام، وقد ورد فيها أن الفعل التضحوي الحسيني لا يُقاس مع سائر الأفعال النهضوية الأُخَر. وتطرق البحث في حلقته الأولى عن وصايا معاوية بن سفيان لابنه يزيد(لعنهم الله)، وأرى أن الوصية قد حُرّف معناها عبر القرون، حتى بات أمرها يحتاج الى يقظة تأملية تستعرض حرفيات الوصية، وكشف ألاعيب التفسير الأموي، فالوصية كانت عبارة عن تحذير يزيد من ثلاث شخصيات هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسين بن علي.
ونجد أن المعالجة المقترحة وضعت خصوصية كل شخصية على حدة، فعبد الله بن عمر هش لايمكن له الوقوف أمام السلطة وقفة الند ما دامت له مصالح خاصة؛ وشخصية عبد الله بن الزبير لابد أن تُرد بقسوة؛ لكونها تمتلك طموحات سياسية غير مسندة بشرعية. أما الحسين بن علي فله خصوصية في هذه الوصية حسبما وردت في نصها الذي لايمكن الاعتماد عليه، بما احتوت من تناقضات، حيث يقول معاوية لابنه عن شخصية الحسين(ع): (فقد عرفت حظه من رسول الله(ص) وهو من لحمه ومن دمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه، فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله(ص)، ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فأن لنا به خلطة ورحماء، وإياك أن تناله بسوء، أو يرى منك مكروها..).
فلابد لنا من الحذر في التعامل مع هكذا بؤر هندمتها السياسة، ولابد من توضيح المعنى القصدي للتحذير الذي لم يأتِ اعترافاً بالمكانة الحسينية وهيبة الإمامة والنبوة، لكنه أدرج كتحذير سياسي يوضح خطورة جماهيرية الحسين(ع)، وتخمين أن الأمة ستنهض ثائرة لدمه، أي أن التحذير جاء برؤيا محترف سياسة يخشى على سلطة الوريث، ولو كان فعلاً يهيب القدسية لما قاتل الإمام الحسن(ع)، ولعرف مكانته من رسول الله(ص)؟!
والقراءة هي ولادة ثانية للنص التاريخي، لا من حيث تغيير وقعه الخارجي بل سعياً للوصول لاستبطاناته الداخلية، بعيداً عن التداول الاستنساخي.. والتشخيص الثاني الذي يفسر منحى آخر من مناحي الوصية رؤية معاوية للنهضة الحسينية كمفهوم استفزازي، يحمل نفس الرؤيا الوهابية اليوم للقضية الحسينية بأن الكوفة هي التي أخرجت الحسين(ع) وخذلته؛ فالحسين(ع) بهذا المنطوق كان قد خدع وتطاول على حق غيره، ولكي نصل الى قراءة فكرية تليق بعظمة الموضوع، نجد أن الرواية أساساً صدرت عن محمد بن عمر البغدادي نقلاً عن مجموعة من النساء، مريسة بنت موسى بن يونس بن ابي إسحق، عن صفية الهمداني، عن بهجة بنت الحارث بن عبد الله الثعلبي.. وهذا يعني أن الرواية غير مسندة، لكنها منقولة عبر أمالي الصدوق.. وكل هذه القصديات المبطنة تأويلياً لابد لنا أن نتداركها بالبحث والتأمل.