بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين
فصل في شرائط وجوب زكاة الفطرة
المقدمة
قال (رحمه الله): «فصلٌ في شرائط وجوب زكاة الفطرة».
وهي أمور:
الأمر الأوّل: التكليف
لا تجب زكاة الفطرة على الصبيّ ولا على المجنون، ولا على الوليّ أداءها عنهما من أموالهما.
وهذا ما نصّت عليه كلمات الفقهاء قاطبة، قال في الشرائع: «الأول التكليف، فلا تجب على الصبي ولا على المجنون».
وقال صاحب المدارك: هذا قول علمائنا أجمع، حكاه المصنّف في المعتبر والعلامة في المنتهى.
الدليل على عدم الوجوب
يدلّ على ذلك عدّة أمور:
الأول:
أنّ غير المكلّف لا يتوجّه إليه إطلاق الأمر الشرعي، لأنّ الخطابات المتوجّهة إلى المكلّفين ـ كقوله تعالى:
﴿أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾،
و﴿قد أفلح من تزكّى﴾ ـ
مختصّة بمن هو صالح لتعلّق التكليف به، أي بالعاقل البالغ.
فالصبيّ والمجنون خارجان عن موضوع الخطاب، فلا يشملهما الأمر بالزكاة أصلًا.
الثاني:
أنّ الوليّ أيضاً غير مكلّف بأداء الزكاة من مال الصبي، إذ الأصل في الأحكام هو عدم التكليف ما لم يرد دليل خاص، ولم يثبت دليل يُلزم الوليّ بإخراجها من مال الصبيّ.
الثالث:
أنّ شمول الأدلة للوليّ يحتاج إلى دليلٍ خاص، ولم يقم دليل على ذلك، فالأصل عدم الوجوب.
الاستدلال بالروايات
حديث رفع القلم
يستدلّ أيضاً بحديث رفع القلم، وهو قوله (ص):
«رُفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق».
وهذا الحديث يدلّ بظاهره على رفع المؤاخذة والتكليف عن غير البالغ وغير العاقل.
وقد علّق صاحب الحدائق على هذا الحديث قائلاً:
إنّه يرفع أصل التكليف، سواء أكان وجوبًا أم حرمة.
وقال النراقي: إنّ دليل نفي التكليف بالصبيّ هو حديث رفع القلم مع أصالة عدم تكليف الوليّ.
وكذلك وافقهم صاحب الجواهر وغيرهم.
مناقشة دلالة حديث رفع القلم
إلّا أنّ صاحب الجواهر (رحمه الله) أورد إشكالًا على الاستدلال بالحديث، فقال:
«إنّ الاستدلال بحديث رفع القلم مشكل، لأنّ ظاهر الحديث رفع الحكم التكليفي لا الحكم الوضعي، فلا يصلح للحكومة على ما دلّ على اشتغال الذمّة بها، وحينئذٍ يجب على الوليّ أداؤها كسائر الحقوق المالية إن اقتضاه دليل الولاية».
تحقيق معنى الرفع في الحديث
المقصود من رفع القلم هل هو رفع الأحكام التكليفية فقط (كالوجوب والتحريم)، أم يشمل الأحكام الوضعية (كالضمان والملكية والحق المالي) أيضاً؟
التحقيق:
الظاهر أنّ الحديث ناظر إلى رفع الحكم التكليفي دون الوضعي، أي أنّ الصبيّ لا يُكلّف بالصلاة أو الزكاة أو الصوم، لكنّ الأحكام الوضعية كالصحة والضمان تبقى ثابتة.
فلو أتلف الصبيّ مالَ غيره وجب ضمانه، ولو زوّج نفسه بإذن الوليّ صحّ زواجه، ولو أحرم صحّ إحرامه.
فحديث الرفع لا يرفع مثل هذه الأحكام، لأنّها لا ترتبط بالمؤاخذة بل بالحقوق والذمم.
الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي
• الحكم التكليفي: ما يكون متعلّقًا بفعل المكلّف مباشرة، كالوجوب والحرمة.
• الحكم الوضعي: ما يكون منشأً لحقٍّ أو أثرٍ في الذمّة، كحقّ الفقير في مال المزكّي.
ومن هنا نقول: إنّ زكاة الفطرة إن كانت حقًّا لله تعالى أو للفقراء في ذمّة الإنسان، فهي حكم وضعيّ ثابت لا يُرفع بحديث الرفع، لأنّ الحديث مختصّ برفع التكليف والمؤاخذة، لا رفع الحقّ المالي الثابت.
الإشكال على السيد الحكيم (قده)
ذكر السيد الحكيم (قده) أنّ زكاة الفطرة حقّ ثابت في الذمّة، وأنّ حديث الرفع لا يشمل الأحكام الوضعية، فيبقى الحقّ المالي في مال الصبيّ ثابتًا، ويجب على الوليّ إخراجه.
ولكن يُناقَش عليه بأمرين:
1. الدعوى الأولى:
أنّ ثبوت الزكاة في الذمّة كحقٍّ وضعي يحتاج إلى دليلٍ خاص، وليس لدينا نصّ يدلّ على أنّ زكاة الفطرة حقٌّ ثابت في ذمّة الصبيّ كما في زكاة المال.
فالدليل على ثبوت الحق في زكاة المال لا يستلزم ثبوته في زكاة الفطرة.
2. الدعوى الثانية:
أنّ حديث الرفع وإن كان وارداً مورد الامتنان، فإنّ رفع الأحكام الوضعية التي تضرّ بالآخرين ليس فيه امتنان على الناس، بل على الغير، فلا يشمله الحديث.
وأمّا ما كان من الأحكام التي لا تتعلّق إلاّ بالصبيّ نفسه، فإنّ رفعها امتنانٌ عليه، فيُرفع تكليفُها ووضعُها معاً.
خلاصة التحليل
إذن يمكن التفصيل على النحو الآتي:
• فيما يرتبط بحقوق الله تعالى: كوجوب الصلاة والزكاة، يُرفع التكليف عن الصبيّ والمجنون.
• وفيما يرتبط بحقوق الناس: كالإتلاف والضمان والديّة، لا يُرفع الحكم الوضعيّ، لأنّ الحديث وارد مورد الامتنان، ولا امتنان في رفع حقّ الغير.
• وأمّا في الأحكام الخاصة بالصبيّ نفسه، فترتفع عنه جميع الأحكام التكليفية والوضعية معًا، لعدم صلاحيته للخطاب ولا لموضوع التشريع.
تنبيه فقهي
ينبغي التفريق بين أمرين:
1. أن تكون الزكاة واجبة على الصبيّ نفسه من ماله، وهذا لا دليل عليه.
2. أن يكون الوليّ مأمورًا بإخراجها عن من يعوله (ومنهم الصبيّ)، فهذا بحث آخر يأتي في موضعه، إذ إنّ المكلف يجب عليه إخراج الفطرة عن نفسه وعن من يعوله لا عن مال الصبيّ بما هو صبيّ.
خاتمة البحث
يتبيّن من مجموع الأدلة والتحقيقات:
• أنّ زكاة الفطرة لا تجب على الصبيّ والمجنون.
• وأنّ الحديث الشريف «رفع القلم» إنما يرفع الأحكام التكليفية دون الوضعية.
• وأنّ حقوق الله تعالى التي تتعلق بالمكلّف لا تشمل غير البالغ، لأنّ المشروعية مرفوعة عنه.
• أمّا ما يتعلّق بحقوق الناس، كضمان المال أو الجناية، فهو باقٍ بحكم الوضع وإن رُفع التكليف.
وبذلك يظهر دقّة ما عليه المشهور من العلماء من أنّ شرط وجوب زكاة الفطرة التكليف، وأنّها لا تجب على الصبيّ والمجنون، والله العالم.
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين
فصل في شرائط وجوب زكاة الفطرة
المقدمة
قال (رحمه الله): «فصلٌ في شرائط وجوب زكاة الفطرة».
وهي أمور:
الأمر الأوّل: التكليف
لا تجب زكاة الفطرة على الصبيّ ولا على المجنون، ولا على الوليّ أداءها عنهما من أموالهما.
وهذا ما نصّت عليه كلمات الفقهاء قاطبة، قال في الشرائع: «الأول التكليف، فلا تجب على الصبي ولا على المجنون».
وقال صاحب المدارك: هذا قول علمائنا أجمع، حكاه المصنّف في المعتبر والعلامة في المنتهى.
الدليل على عدم الوجوب
يدلّ على ذلك عدّة أمور:
الأول:
أنّ غير المكلّف لا يتوجّه إليه إطلاق الأمر الشرعي، لأنّ الخطابات المتوجّهة إلى المكلّفين ـ كقوله تعالى:
﴿أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾،
و﴿قد أفلح من تزكّى﴾ ـ
مختصّة بمن هو صالح لتعلّق التكليف به، أي بالعاقل البالغ.
فالصبيّ والمجنون خارجان عن موضوع الخطاب، فلا يشملهما الأمر بالزكاة أصلًا.
الثاني:
أنّ الوليّ أيضاً غير مكلّف بأداء الزكاة من مال الصبي، إذ الأصل في الأحكام هو عدم التكليف ما لم يرد دليل خاص، ولم يثبت دليل يُلزم الوليّ بإخراجها من مال الصبيّ.
الثالث:
أنّ شمول الأدلة للوليّ يحتاج إلى دليلٍ خاص، ولم يقم دليل على ذلك، فالأصل عدم الوجوب.
الاستدلال بالروايات
حديث رفع القلم
يستدلّ أيضاً بحديث رفع القلم، وهو قوله (ص):
«رُفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق».
وهذا الحديث يدلّ بظاهره على رفع المؤاخذة والتكليف عن غير البالغ وغير العاقل.
وقد علّق صاحب الحدائق على هذا الحديث قائلاً:
إنّه يرفع أصل التكليف، سواء أكان وجوبًا أم حرمة.
وقال النراقي: إنّ دليل نفي التكليف بالصبيّ هو حديث رفع القلم مع أصالة عدم تكليف الوليّ.
وكذلك وافقهم صاحب الجواهر وغيرهم.
مناقشة دلالة حديث رفع القلم
إلّا أنّ صاحب الجواهر (رحمه الله) أورد إشكالًا على الاستدلال بالحديث، فقال:
«إنّ الاستدلال بحديث رفع القلم مشكل، لأنّ ظاهر الحديث رفع الحكم التكليفي لا الحكم الوضعي، فلا يصلح للحكومة على ما دلّ على اشتغال الذمّة بها، وحينئذٍ يجب على الوليّ أداؤها كسائر الحقوق المالية إن اقتضاه دليل الولاية».
تحقيق معنى الرفع في الحديث
المقصود من رفع القلم هل هو رفع الأحكام التكليفية فقط (كالوجوب والتحريم)، أم يشمل الأحكام الوضعية (كالضمان والملكية والحق المالي) أيضاً؟
التحقيق:
الظاهر أنّ الحديث ناظر إلى رفع الحكم التكليفي دون الوضعي، أي أنّ الصبيّ لا يُكلّف بالصلاة أو الزكاة أو الصوم، لكنّ الأحكام الوضعية كالصحة والضمان تبقى ثابتة.
فلو أتلف الصبيّ مالَ غيره وجب ضمانه، ولو زوّج نفسه بإذن الوليّ صحّ زواجه، ولو أحرم صحّ إحرامه.
فحديث الرفع لا يرفع مثل هذه الأحكام، لأنّها لا ترتبط بالمؤاخذة بل بالحقوق والذمم.
الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي
• الحكم التكليفي: ما يكون متعلّقًا بفعل المكلّف مباشرة، كالوجوب والحرمة.
• الحكم الوضعي: ما يكون منشأً لحقٍّ أو أثرٍ في الذمّة، كحقّ الفقير في مال المزكّي.
ومن هنا نقول: إنّ زكاة الفطرة إن كانت حقًّا لله تعالى أو للفقراء في ذمّة الإنسان، فهي حكم وضعيّ ثابت لا يُرفع بحديث الرفع، لأنّ الحديث مختصّ برفع التكليف والمؤاخذة، لا رفع الحقّ المالي الثابت.
الإشكال على السيد الحكيم (قده)
ذكر السيد الحكيم (قده) أنّ زكاة الفطرة حقّ ثابت في الذمّة، وأنّ حديث الرفع لا يشمل الأحكام الوضعية، فيبقى الحقّ المالي في مال الصبيّ ثابتًا، ويجب على الوليّ إخراجه.
ولكن يُناقَش عليه بأمرين:
1. الدعوى الأولى:
أنّ ثبوت الزكاة في الذمّة كحقٍّ وضعي يحتاج إلى دليلٍ خاص، وليس لدينا نصّ يدلّ على أنّ زكاة الفطرة حقٌّ ثابت في ذمّة الصبيّ كما في زكاة المال.
فالدليل على ثبوت الحق في زكاة المال لا يستلزم ثبوته في زكاة الفطرة.
2. الدعوى الثانية:
أنّ حديث الرفع وإن كان وارداً مورد الامتنان، فإنّ رفع الأحكام الوضعية التي تضرّ بالآخرين ليس فيه امتنان على الناس، بل على الغير، فلا يشمله الحديث.
وأمّا ما كان من الأحكام التي لا تتعلّق إلاّ بالصبيّ نفسه، فإنّ رفعها امتنانٌ عليه، فيُرفع تكليفُها ووضعُها معاً.
خلاصة التحليل
إذن يمكن التفصيل على النحو الآتي:
• فيما يرتبط بحقوق الله تعالى: كوجوب الصلاة والزكاة، يُرفع التكليف عن الصبيّ والمجنون.
• وفيما يرتبط بحقوق الناس: كالإتلاف والضمان والديّة، لا يُرفع الحكم الوضعيّ، لأنّ الحديث وارد مورد الامتنان، ولا امتنان في رفع حقّ الغير.
• وأمّا في الأحكام الخاصة بالصبيّ نفسه، فترتفع عنه جميع الأحكام التكليفية والوضعية معًا، لعدم صلاحيته للخطاب ولا لموضوع التشريع.
تنبيه فقهي
ينبغي التفريق بين أمرين:
1. أن تكون الزكاة واجبة على الصبيّ نفسه من ماله، وهذا لا دليل عليه.
2. أن يكون الوليّ مأمورًا بإخراجها عن من يعوله (ومنهم الصبيّ)، فهذا بحث آخر يأتي في موضعه، إذ إنّ المكلف يجب عليه إخراج الفطرة عن نفسه وعن من يعوله لا عن مال الصبيّ بما هو صبيّ.
خاتمة البحث
يتبيّن من مجموع الأدلة والتحقيقات:
• أنّ زكاة الفطرة لا تجب على الصبيّ والمجنون.
• وأنّ الحديث الشريف «رفع القلم» إنما يرفع الأحكام التكليفية دون الوضعية.
• وأنّ حقوق الله تعالى التي تتعلق بالمكلّف لا تشمل غير البالغ، لأنّ المشروعية مرفوعة عنه.
• أمّا ما يتعلّق بحقوق الناس، كضمان المال أو الجناية، فهو باقٍ بحكم الوضع وإن رُفع التكليف.
وبذلك يظهر دقّة ما عليه المشهور من العلماء من أنّ شرط وجوب زكاة الفطرة التكليف، وأنّها لا تجب على الصبيّ والمجنون، والله العالم.
