بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حينَ عادَتْ ابنتي من المدرسةِ، كانَتْ بحالةٍ مختلفةٍ عَن الحالةِ التي ذهبَتْ بها، وبعدَ وجومٍ وعبوسٍ بادرتني بسؤالٍ غريبٍ: أُمي، هل سيُكتبُ لي النجاحُ هذه السنةَ؟
وبعدَ استماعي لروايتها حولَ ما حصلَ معها في اليومِ الأولِ من المدرسةِ، استحضرْتُ ما ينقلُ عَن أحدِ العلماءِ العارفينَ حيث قالَ: إنَّ ما يتحلّى بهِ أهلُ البيت (عليهم السلام) من الصّفاتِ الرحمانيّةِ، ليسَ لمجرّدِ كونهم بابَ رحمةِ الله (تعالى)، بل كذلك لسابقِ علمِهم بأثرِ تلكَ الرحمةِ في نفوسِ النّاسِ، وأثرها على حياتهم.
فهم يجسّدونَ سيرةَ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) وروحَ شريعتِهِ النورانيّةِ، لذا نجدهم يعتنونَ بالأثرِ ولا يكتفونَ بالمؤثّرِ، تماماً كما أوصى جدهم خاتم الانبياء محمد (صلى الله عليه وآله)، حيث قالَ: "إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ". (١)، حتى لو كانَتْ كلمةً!
لكلِّ فعلٍ ردّةُ فعلٍ:
غالباً ما تكونُ البداياتُ مقلقةً ومشوّقةً، لكنّ البداياتِ المدرسيّةَ التي تزدانُ بالملابسِ الجديدةِ الأنيقةِ، والقرطاسيةِ الزاهيةِ بألوانها الجميلةِ، مع دعواتِ الأمهاتِ وتشجيعِ الآباءِ، تمنحُ الطالبَ شعوراً جميلاً يدفعُهُ إلى التغلّبِ على مخاوفِهِ ولو نسبيّاً، وهو الأمرُ الذي يحاولُ الأهلُ تعزيزَهُ في نفوسِ أبنائهم مع بدايةِ رحلةٍ دراسيةٍ جديدةٍ، لكنِ الصدمةُ تحصلُ حينَ يُحبطُ بعضُ المعلمينَ والمدرسينَ هذه الجهودَ، من دونِ قصدٍ، متوهمينَ صوابيّةَ فعلهم، فتأتي النتائجُ مخيبةً للآمالِ، محبطةً للعزائمِ غالباً.
وهذا الأمرُ حاصلٌ ومتكرّرٌ معَ طلّابِ المراحلِ المنتهية خاصّةً، حينَ يحاولُ الأستاذُ تحفيزهم على بذلِ الجهدِ، وجديةِ التعاملِ معَ مرحلتهم الجديدةِ، نظراً لأهميّتها في تحديدِ مصيرهم الدراسي، بأنْ يبالغَ في وصفِ مدى صعوبةِ المادةِ وكثافتها.
مسؤوليّةُ الكلمةِ:
سأضعُ بين أيديكم بعضَ العباراتِ التي سمعتها بنفسي أو نقلها لي أحدُ الطلابِ:
يقولُ أحدُ المعلمينَ: لا تتخيلوا أنَّ النجاحَ في هذه المرحلةِ مسألةٌ هيّنةٌ، لأنَّ فلاناً وفلانةً -وهم من الطلبةِ المعروفينَ بذكائهم وتفوقهم-، رسبوا بسببِ صعوبة الموادِ الدراسيّةِ...
وقالَ آخرُ: اعلموا أنّ موادكم الدراسيّةَ كثيفةٌ ومطولةٌ، وربما لن نتمكّنَ من إكمالِ كلِّ الفصولِ…
أو يقولُ: مهما بذلتم من جهد لن تفلحوا إنْ لم تكونوا قد درستم في العطلةِ، لأنَّ المنهجَ صعبٌ للغايةٍ ومطوّلٌ.
وأخيراً لا أتوقّعُ منكم الكثيرَ، فأنتم مثل كلِّ عامٍ يغلبُ عليكم الكسلُ ولن ينجحَ منكم سوى عددٌ قليلٌ.
فقط تخيّلْ أنّكَ كطالبٍ تستمعُ إلى هكذا كلماتٍ في بدايةِ العامِ الدراسي، فكيفَ ستكونُ ردّةُ فعلِكَ؟!
لو طرحنا هذه العباراتِ على طاولةِ علمِ النفسِ المدرسي، فلا ريبَ أنَّ الاستنكارَ سيكونُ حاضراً وبقوّةٍ، ولرُبّما أُحيلَ أصحابُها إلى محاكمِ الضميرِ الداعي إلى تحمّلِ مسؤوليّةِ الكلمةِ، ونتاجِ هذا البذارِ السّقيمِ، الذي يستبدلُ الهمّةَ والعزيمةَ باليأسِ والإحباطِ، غالباً.
تلكَ المشاعرُ بدَتْ واضحةَ المعالمِ على وجوهِ الطلبةِ الذين تلقّوا هذه الكلماتِ بصمتٍ تختلسُهُ الهواجسُ.
ومِن الأسبابِ هو إهمالُ الجهاتِ التربويةِ لجانبِ الإعدادِ النفسي للمعلمِ والمدرسِ، بغيةَ الارتقاءِ بالمستوى التعلمي والتعليمي.
فهلا سعى أصحابُ هذهِ المهنةِ المقدسةِ إلى استكمالِ عناصرِ العملِ والاستقاءِ من علمِ النفسِ المدرسي، ولو بجهدٍ شخصي، بغيةَ الاطلاعِ على الحقائقِ التي يمكنُ أنْ تساعدهم في تحقيقِ أهدافهم المهنيةِ.
كما أنَّ هذا العلمَ سيكشفُ عَن أهميّةِ العلاقاتِ الإنسانيّةِ داخلَ حجراتِ الدراسةِ في بناءِ شخصياتِ التلاميذِ، وفِهمِ الأساليبِ الدقيقةِ في التعليمِ، وتحسينِ الأداءِ العلمي والأكاديمي لهم، كما يشجّعُ على مراعاةِ القوانين التي تحكمُ هذا العلاقةَ.
الدليلُ من أخلاقِ الأنبياءِ:
التعليمُ رسالةُ الأنبياءِ (عليهم السلام) وهم صفوةُ الخلقِ، وخاتمهم وسيدهم نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، صاحبُ الخلقِ العظيمِ المتجلي في عظيمِ مداراتِهِ للناسِ، لترغيبهم في تقبّلِ شريعةِ الحقِّ سبحانه؛ كما أدّبَهُ الله جل وعلا.
مراعياً المستوى العقلي لكلِّ فردٍ؛ قالَ (صلى الله عليه وآله): "إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ". (٢)
وإنَّ واحداً مِن المعاني المستقاةِ مِن هذا الحديثِ، هو معرفةُ الطاقةِ الاستيعابيةِ لعقليّةِ كلِّ فردٍ، بغيةَ مخاطبتِهِ بالأسلوبِ الذي يمكنُ أنْ يفهمَهُ.
وهو ليسَ بالأمرِ العسيرِ في ظلِّ توفّرِ إمكانيّاتِ التعليمِ النفسي، وبطرقٍ مختلفةٍ، خاصّةً بالنسبةِ لمهنةِ التعليمِ التي تتعاطى مع شريحةٍ مهمّةٍ من المجتمعِ، وهم الأطفالُ والناشئةُ والشبابُ.
ختامُهُ مسكٌ:
"الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ". (٣)
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّـهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [ال عمران: ١٥٩]
ما نفهمُهُ من هذه الآيةِ -على نحو الإجمالِ- هو أنَّ الكلمةَ الطيّبةَ الليّنةَ كفيلةٌ باجتذابِ العقولِ واخضاعِ النفوسِ بعكسِ الكلمةِ الغليظةِ القاسيةِ.
———
1- الكافي: ج8 ص150.
2- الكافي: ج1 ص23.
3- الدرر السنية، الموسوعة الحديثية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حينَ عادَتْ ابنتي من المدرسةِ، كانَتْ بحالةٍ مختلفةٍ عَن الحالةِ التي ذهبَتْ بها، وبعدَ وجومٍ وعبوسٍ بادرتني بسؤالٍ غريبٍ: أُمي، هل سيُكتبُ لي النجاحُ هذه السنةَ؟
وبعدَ استماعي لروايتها حولَ ما حصلَ معها في اليومِ الأولِ من المدرسةِ، استحضرْتُ ما ينقلُ عَن أحدِ العلماءِ العارفينَ حيث قالَ: إنَّ ما يتحلّى بهِ أهلُ البيت (عليهم السلام) من الصّفاتِ الرحمانيّةِ، ليسَ لمجرّدِ كونهم بابَ رحمةِ الله (تعالى)، بل كذلك لسابقِ علمِهم بأثرِ تلكَ الرحمةِ في نفوسِ النّاسِ، وأثرها على حياتهم.
فهم يجسّدونَ سيرةَ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) وروحَ شريعتِهِ النورانيّةِ، لذا نجدهم يعتنونَ بالأثرِ ولا يكتفونَ بالمؤثّرِ، تماماً كما أوصى جدهم خاتم الانبياء محمد (صلى الله عليه وآله)، حيث قالَ: "إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ". (١)، حتى لو كانَتْ كلمةً!
لكلِّ فعلٍ ردّةُ فعلٍ:
غالباً ما تكونُ البداياتُ مقلقةً ومشوّقةً، لكنّ البداياتِ المدرسيّةَ التي تزدانُ بالملابسِ الجديدةِ الأنيقةِ، والقرطاسيةِ الزاهيةِ بألوانها الجميلةِ، مع دعواتِ الأمهاتِ وتشجيعِ الآباءِ، تمنحُ الطالبَ شعوراً جميلاً يدفعُهُ إلى التغلّبِ على مخاوفِهِ ولو نسبيّاً، وهو الأمرُ الذي يحاولُ الأهلُ تعزيزَهُ في نفوسِ أبنائهم مع بدايةِ رحلةٍ دراسيةٍ جديدةٍ، لكنِ الصدمةُ تحصلُ حينَ يُحبطُ بعضُ المعلمينَ والمدرسينَ هذه الجهودَ، من دونِ قصدٍ، متوهمينَ صوابيّةَ فعلهم، فتأتي النتائجُ مخيبةً للآمالِ، محبطةً للعزائمِ غالباً.
وهذا الأمرُ حاصلٌ ومتكرّرٌ معَ طلّابِ المراحلِ المنتهية خاصّةً، حينَ يحاولُ الأستاذُ تحفيزهم على بذلِ الجهدِ، وجديةِ التعاملِ معَ مرحلتهم الجديدةِ، نظراً لأهميّتها في تحديدِ مصيرهم الدراسي، بأنْ يبالغَ في وصفِ مدى صعوبةِ المادةِ وكثافتها.
مسؤوليّةُ الكلمةِ:
سأضعُ بين أيديكم بعضَ العباراتِ التي سمعتها بنفسي أو نقلها لي أحدُ الطلابِ:
يقولُ أحدُ المعلمينَ: لا تتخيلوا أنَّ النجاحَ في هذه المرحلةِ مسألةٌ هيّنةٌ، لأنَّ فلاناً وفلانةً -وهم من الطلبةِ المعروفينَ بذكائهم وتفوقهم-، رسبوا بسببِ صعوبة الموادِ الدراسيّةِ...
وقالَ آخرُ: اعلموا أنّ موادكم الدراسيّةَ كثيفةٌ ومطولةٌ، وربما لن نتمكّنَ من إكمالِ كلِّ الفصولِ…
أو يقولُ: مهما بذلتم من جهد لن تفلحوا إنْ لم تكونوا قد درستم في العطلةِ، لأنَّ المنهجَ صعبٌ للغايةٍ ومطوّلٌ.
وأخيراً لا أتوقّعُ منكم الكثيرَ، فأنتم مثل كلِّ عامٍ يغلبُ عليكم الكسلُ ولن ينجحَ منكم سوى عددٌ قليلٌ.
فقط تخيّلْ أنّكَ كطالبٍ تستمعُ إلى هكذا كلماتٍ في بدايةِ العامِ الدراسي، فكيفَ ستكونُ ردّةُ فعلِكَ؟!
لو طرحنا هذه العباراتِ على طاولةِ علمِ النفسِ المدرسي، فلا ريبَ أنَّ الاستنكارَ سيكونُ حاضراً وبقوّةٍ، ولرُبّما أُحيلَ أصحابُها إلى محاكمِ الضميرِ الداعي إلى تحمّلِ مسؤوليّةِ الكلمةِ، ونتاجِ هذا البذارِ السّقيمِ، الذي يستبدلُ الهمّةَ والعزيمةَ باليأسِ والإحباطِ، غالباً.
تلكَ المشاعرُ بدَتْ واضحةَ المعالمِ على وجوهِ الطلبةِ الذين تلقّوا هذه الكلماتِ بصمتٍ تختلسُهُ الهواجسُ.
ومِن الأسبابِ هو إهمالُ الجهاتِ التربويةِ لجانبِ الإعدادِ النفسي للمعلمِ والمدرسِ، بغيةَ الارتقاءِ بالمستوى التعلمي والتعليمي.
فهلا سعى أصحابُ هذهِ المهنةِ المقدسةِ إلى استكمالِ عناصرِ العملِ والاستقاءِ من علمِ النفسِ المدرسي، ولو بجهدٍ شخصي، بغيةَ الاطلاعِ على الحقائقِ التي يمكنُ أنْ تساعدهم في تحقيقِ أهدافهم المهنيةِ.
كما أنَّ هذا العلمَ سيكشفُ عَن أهميّةِ العلاقاتِ الإنسانيّةِ داخلَ حجراتِ الدراسةِ في بناءِ شخصياتِ التلاميذِ، وفِهمِ الأساليبِ الدقيقةِ في التعليمِ، وتحسينِ الأداءِ العلمي والأكاديمي لهم، كما يشجّعُ على مراعاةِ القوانين التي تحكمُ هذا العلاقةَ.
الدليلُ من أخلاقِ الأنبياءِ:
التعليمُ رسالةُ الأنبياءِ (عليهم السلام) وهم صفوةُ الخلقِ، وخاتمهم وسيدهم نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، صاحبُ الخلقِ العظيمِ المتجلي في عظيمِ مداراتِهِ للناسِ، لترغيبهم في تقبّلِ شريعةِ الحقِّ سبحانه؛ كما أدّبَهُ الله جل وعلا.
مراعياً المستوى العقلي لكلِّ فردٍ؛ قالَ (صلى الله عليه وآله): "إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ". (٢)
وإنَّ واحداً مِن المعاني المستقاةِ مِن هذا الحديثِ، هو معرفةُ الطاقةِ الاستيعابيةِ لعقليّةِ كلِّ فردٍ، بغيةَ مخاطبتِهِ بالأسلوبِ الذي يمكنُ أنْ يفهمَهُ.
وهو ليسَ بالأمرِ العسيرِ في ظلِّ توفّرِ إمكانيّاتِ التعليمِ النفسي، وبطرقٍ مختلفةٍ، خاصّةً بالنسبةِ لمهنةِ التعليمِ التي تتعاطى مع شريحةٍ مهمّةٍ من المجتمعِ، وهم الأطفالُ والناشئةُ والشبابُ.
ختامُهُ مسكٌ:
"الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ". (٣)
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّـهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [ال عمران: ١٥٩]
ما نفهمُهُ من هذه الآيةِ -على نحو الإجمالِ- هو أنَّ الكلمةَ الطيّبةَ الليّنةَ كفيلةٌ باجتذابِ العقولِ واخضاعِ النفوسِ بعكسِ الكلمةِ الغليظةِ القاسيةِ.
———
1- الكافي: ج8 ص150.
2- الكافي: ج1 ص23.
3- الدرر السنية، الموسوعة الحديثية.
