بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين
تمهيد البحث
يقع الكلام في تتمّة البحث المتعلّق بـ حكم المغمى عليه في زكاة الفطرة، وهل يجب عليه القضاء أو الأداء، أو يُعفى مطلقًا.
وقد قُسّم البحث إلى أربعة محاور رئيسة:
1. محور الأدلّة العامة على إعفاء المغمى عليه من القضاء ودفع زكاة الفطرة.
2. محور الأصل العملي في المقام.
3. محور النصوص والروايات الخاصة الدالة على الحكم.
4. محور الثمرات الفقهية والتطبيقات العملية المترتبة على البحث.
المحور الأول: الأدلة العامة على الإعفاء
ذكرنا أن الدليل الأوّل هو الإجماع والتسالم الفقهي، وهو في غاية القرب من الثبوت، بل يُورث الاطمئنان بصدوره، إذ لم يُعرف في كلمات الفقهاء من القدماء خلافٌ واضحٌ في إعفاء المغمى عليه من القضاء وزكاة الفطرة.
المحور الثاني: الأصل العملي في المقام
الوجه الثاني هو أصالة عدم التكليف، أو أصل البراءة عن الإلزام بالفعل.
وهذا الأصل يُصار إليه عند فقدان الدليل الاجتهادي، فإذا لم يكن لدينا دليلٌ قطعي ولا ظني معتبر على وجوب الفطرة على المغمى عليه، فإن مقتضى الأصل العملي هو البراءة.
وعليه:
• الأصل عدم اشتغال ذمّة المغمى عليه بالتكليف،
• كما أن الأصل براءة ذمّته من الإلزام بالفعل حال الإغماء،
• لأن التكليف موقوف على الشعور والاختيار، وهما منتفيان في حال الإغماء.
المحور الثالث: النصوص والروايات الخاصة
هنا يقع بيت القصيد، إذ نحاول استنطاق الروايات لإثبات الموقف الشرعي الدقيق تجاه المغمى عليه في زكاة الفطرة، وهل يجب عليه شيء بعد الإفاقة أم لا؟
أولاً: روايات وقت الوجوب
تقدّم في الدرس السابق أن وقت وجوب زكاة الفطرة هو من حين رؤية هلال شوال إلى صلاة العيد، بل إلى زوال يوم العيد على بعض الأقوال.
فإذا كان المغمى عليه مغمى عليه في وقت الوجوب، لم يتوجّه إليه الخطاب التكليفي، لأن شرط التوجّه هو الوعي والقدرة.
وبناءً على هذا، يمكن القول إن ما ذكره غير المشهور – كصاحب المدارك والسيد الحكيم والسيد الخوئي والنراقي وغيرهم – قولٌ متين، إذ استندوا إلى أن المغمى عليه في هذه الفترة لا يجب عليه شيء.
أمّا المشهور فقد قالوا: إنّ من أُغمي عليه ولو خمس دقائق عند هلال العيد سقطت عنه الفطرة، لأنّ وقت الوجوب مضى وهو مغمى عليه.
ثانياً: محاولة إثبات قول المشهور
تُطرح هنا المعضلة الكبرى:
هل يمكننا إثبات رأي المشهور من خلال النصوص؟
الجواب: بالرغم من التتبّع في الروايات، لا نجد دليلاً صريحاً يثبت هذا التحديد الدقيق لوقت الوجوب عند أول الهلال فقط.
ثالثاً: التفصيل بين وقت الوجوب ووقت التعلّق
ينبغي التمييز بين وقت الوجوب الفعلي (وقت الأداء) وبين وقت تعلّق التكليف أو مشروعية العمل.
فالروايات التي دلت على جواز تقديم الفطرة في شهر رمضان تُثبت أن المشروعية تبدأ من أول الشهر، أي أن التكليف قد شُرّع فعلاً في ذمة المكلف منذ أول الشهر، وإن كان وقت الأداء يبدأ من غروب ليلة العيد إلى صلاة العيد.
فمن أدرك شهر رمضان، ثم أُغمي عليه ليلة العيد، يُعدّ قد أدرك وقت المشروعية والتكليف فعلاً، وإن لم يدرك وقت الأداء إلا متأخراً.
الشاهد الروائي على ذلك
1. صحيحة معاوية بن عمار
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولود وُلِد ليلة الفطر، عليه فطرة؟
قال: «لا، قد خرج الشهر».
هذه الرواية تشير إلى أن الشرط في وجوب الفطرة هو إدراك شهر رمضان، لأن من لم يدرك الشهر لا تجب عليه الفطرة.
2. تتمة الرواية: في اليهودي الذي أسلم ليلة الفطر
قال: لا، عليه فطرة.
أي أن من أسلم بعد خروج الشهر لا تجب عليه، لأن وقت تعلّق التكليف كان في شهر رمضان، وقد خرج الشهر في حقه.
فهاتان الروايتان تؤكدان أن المعيار في اشتغال الذمّة هو إدراك شهر رمضان لا خصوص ليلة العيد، وبالتالي من أدرك الشهر ثم أُغمي عليه ليلة العيد فقد أدرك المشروعية والتكليف فعلاً.
المحور الرابع: الروايات العامة في حكم المغمى عليه
وردت عدة روايات تصرّح بأن المغمى عليه معذور شرعاً، منها:
1. رواية حفص بن البختري عن الإمام الصادق عليه السلام
قال: سمعته يقول في المغمى عليه: «ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر».
وهذه الرواية مطلقة تشمل جميع أبواب التكليف: الصلاة، الصوم، الحج، بل وحتى زكاة الفطرة.
لكن يُلاحظ أن كلمة العذر في نفسها تتناسب مع رفع المؤاخذة والعقاب، فهي أقرب إلى نفي الحكم التكليفي لا الوضعي، أي أنها ترفع اللوم لا بالضرورة الاشتغال.
الموازنة بين الروايات
توجد روايات أخرى تدل على أن المغمى عليه يقضي ما فاته من الصلاة، مثل قوله عليه السلام:
«عن المغمى عليه شهراً، ما يقضي من الصلاة؟ قال: يقضيها كلها، إن أمر الصلاة شديد».
وهذا يدل على الفرق بين المغمى عليه والمجنون، إذ المجنون لا يقضي، بينما المغمى عليه يقضي في بعض الموارد.
ومن هنا يظهر أن قياس المغمى عليه بالمجنون قياس مع الفارق، لأن المغمى عليه فاقدٌ للوعي ارتباطًا بالجسد، لا فقدانًا للعقل بالمعنى الكامل.
نتيجة البحث
1. الروايات الدالة على تقييد الوجوب بوقت الهلال غير تامّة سندًا ولا دلالةً.
2. الروايات العامة التي تجعل المغمى عليه في حكم المعذور لا تثبت رفع الحكم الوضعي (وجوب الفطرة) بالضرورة، بل ترفع استحقاق العقاب.
3. ما دلّ على إدراك الشهر شرطًا في الوجوب أقوى دلالةً وأقرب انسجامًا مع القواعد.
4. بناءً عليه، فالمغمى عليه إذا أدرك شهر رمضان ثم أغمي عليه ليلةالعيد، تجب عليه الفطرة، ما دام التكليف قد تعلق بذمته في الشهر، وإن لم يكن حين الأداء واعياً.
5. أمّا من أُغمي عليه قبل شهر رمضان أو لم يدرك الشهر أصلاً، فلا تجب عليه الفطرة.
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين
تمهيد البحث
يقع الكلام في تتمّة البحث المتعلّق بـ حكم المغمى عليه في زكاة الفطرة، وهل يجب عليه القضاء أو الأداء، أو يُعفى مطلقًا.
وقد قُسّم البحث إلى أربعة محاور رئيسة:
1. محور الأدلّة العامة على إعفاء المغمى عليه من القضاء ودفع زكاة الفطرة.
2. محور الأصل العملي في المقام.
3. محور النصوص والروايات الخاصة الدالة على الحكم.
4. محور الثمرات الفقهية والتطبيقات العملية المترتبة على البحث.
المحور الأول: الأدلة العامة على الإعفاء
ذكرنا أن الدليل الأوّل هو الإجماع والتسالم الفقهي، وهو في غاية القرب من الثبوت، بل يُورث الاطمئنان بصدوره، إذ لم يُعرف في كلمات الفقهاء من القدماء خلافٌ واضحٌ في إعفاء المغمى عليه من القضاء وزكاة الفطرة.
المحور الثاني: الأصل العملي في المقام
الوجه الثاني هو أصالة عدم التكليف، أو أصل البراءة عن الإلزام بالفعل.
وهذا الأصل يُصار إليه عند فقدان الدليل الاجتهادي، فإذا لم يكن لدينا دليلٌ قطعي ولا ظني معتبر على وجوب الفطرة على المغمى عليه، فإن مقتضى الأصل العملي هو البراءة.
وعليه:
• الأصل عدم اشتغال ذمّة المغمى عليه بالتكليف،
• كما أن الأصل براءة ذمّته من الإلزام بالفعل حال الإغماء،
• لأن التكليف موقوف على الشعور والاختيار، وهما منتفيان في حال الإغماء.
المحور الثالث: النصوص والروايات الخاصة
هنا يقع بيت القصيد، إذ نحاول استنطاق الروايات لإثبات الموقف الشرعي الدقيق تجاه المغمى عليه في زكاة الفطرة، وهل يجب عليه شيء بعد الإفاقة أم لا؟
أولاً: روايات وقت الوجوب
تقدّم في الدرس السابق أن وقت وجوب زكاة الفطرة هو من حين رؤية هلال شوال إلى صلاة العيد، بل إلى زوال يوم العيد على بعض الأقوال.
فإذا كان المغمى عليه مغمى عليه في وقت الوجوب، لم يتوجّه إليه الخطاب التكليفي، لأن شرط التوجّه هو الوعي والقدرة.
وبناءً على هذا، يمكن القول إن ما ذكره غير المشهور – كصاحب المدارك والسيد الحكيم والسيد الخوئي والنراقي وغيرهم – قولٌ متين، إذ استندوا إلى أن المغمى عليه في هذه الفترة لا يجب عليه شيء.
أمّا المشهور فقد قالوا: إنّ من أُغمي عليه ولو خمس دقائق عند هلال العيد سقطت عنه الفطرة، لأنّ وقت الوجوب مضى وهو مغمى عليه.
ثانياً: محاولة إثبات قول المشهور
تُطرح هنا المعضلة الكبرى:
هل يمكننا إثبات رأي المشهور من خلال النصوص؟
الجواب: بالرغم من التتبّع في الروايات، لا نجد دليلاً صريحاً يثبت هذا التحديد الدقيق لوقت الوجوب عند أول الهلال فقط.
ثالثاً: التفصيل بين وقت الوجوب ووقت التعلّق
ينبغي التمييز بين وقت الوجوب الفعلي (وقت الأداء) وبين وقت تعلّق التكليف أو مشروعية العمل.
فالروايات التي دلت على جواز تقديم الفطرة في شهر رمضان تُثبت أن المشروعية تبدأ من أول الشهر، أي أن التكليف قد شُرّع فعلاً في ذمة المكلف منذ أول الشهر، وإن كان وقت الأداء يبدأ من غروب ليلة العيد إلى صلاة العيد.
فمن أدرك شهر رمضان، ثم أُغمي عليه ليلة العيد، يُعدّ قد أدرك وقت المشروعية والتكليف فعلاً، وإن لم يدرك وقت الأداء إلا متأخراً.
الشاهد الروائي على ذلك
1. صحيحة معاوية بن عمار
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولود وُلِد ليلة الفطر، عليه فطرة؟
قال: «لا، قد خرج الشهر».
هذه الرواية تشير إلى أن الشرط في وجوب الفطرة هو إدراك شهر رمضان، لأن من لم يدرك الشهر لا تجب عليه الفطرة.
2. تتمة الرواية: في اليهودي الذي أسلم ليلة الفطر
قال: لا، عليه فطرة.
أي أن من أسلم بعد خروج الشهر لا تجب عليه، لأن وقت تعلّق التكليف كان في شهر رمضان، وقد خرج الشهر في حقه.
فهاتان الروايتان تؤكدان أن المعيار في اشتغال الذمّة هو إدراك شهر رمضان لا خصوص ليلة العيد، وبالتالي من أدرك الشهر ثم أُغمي عليه ليلة العيد فقد أدرك المشروعية والتكليف فعلاً.
المحور الرابع: الروايات العامة في حكم المغمى عليه
وردت عدة روايات تصرّح بأن المغمى عليه معذور شرعاً، منها:
1. رواية حفص بن البختري عن الإمام الصادق عليه السلام
قال: سمعته يقول في المغمى عليه: «ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر».
وهذه الرواية مطلقة تشمل جميع أبواب التكليف: الصلاة، الصوم، الحج، بل وحتى زكاة الفطرة.
لكن يُلاحظ أن كلمة العذر في نفسها تتناسب مع رفع المؤاخذة والعقاب، فهي أقرب إلى نفي الحكم التكليفي لا الوضعي، أي أنها ترفع اللوم لا بالضرورة الاشتغال.
الموازنة بين الروايات
توجد روايات أخرى تدل على أن المغمى عليه يقضي ما فاته من الصلاة، مثل قوله عليه السلام:
«عن المغمى عليه شهراً، ما يقضي من الصلاة؟ قال: يقضيها كلها، إن أمر الصلاة شديد».
وهذا يدل على الفرق بين المغمى عليه والمجنون، إذ المجنون لا يقضي، بينما المغمى عليه يقضي في بعض الموارد.
ومن هنا يظهر أن قياس المغمى عليه بالمجنون قياس مع الفارق، لأن المغمى عليه فاقدٌ للوعي ارتباطًا بالجسد، لا فقدانًا للعقل بالمعنى الكامل.
نتيجة البحث
1. الروايات الدالة على تقييد الوجوب بوقت الهلال غير تامّة سندًا ولا دلالةً.
2. الروايات العامة التي تجعل المغمى عليه في حكم المعذور لا تثبت رفع الحكم الوضعي (وجوب الفطرة) بالضرورة، بل ترفع استحقاق العقاب.
3. ما دلّ على إدراك الشهر شرطًا في الوجوب أقوى دلالةً وأقرب انسجامًا مع القواعد.
4. بناءً عليه، فالمغمى عليه إذا أدرك شهر رمضان ثم أغمي عليه ليلةالعيد، تجب عليه الفطرة، ما دام التكليف قد تعلق بذمته في الشهر، وإن لم يكن حين الأداء واعياً.
5. أمّا من أُغمي عليه قبل شهر رمضان أو لم يدرك الشهر أصلاً، فلا تجب عليه الفطرة.
