بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[1].
﴿قُرْآنًا﴾، بدل عن «الهاء» أو توطئة للحال وهو ﴿عَرَبِيًّا﴾، كقولك: مررت بزيد رجلا صالحا، لأن أعصى وأعتى امّة عاصرت نزوله هي امّة العرب لاشتداد نخوتها واغراقها في الجهل بالنسبة الى غيرها، ﴿قُرْآنًا﴾، بلسان العرب ليتمكّنوا من فهمها والمعرفة بها، والتقدير: إنّا أنزلنا هذا الكتاب الّذي فيه قصّة يوسف الّتي طلبتموها في حال كونه قرآنا عربيّا و «القرآن» اسم جنس يطلق على البعض والكلّ.
فلا تعني كلمة ﴿عَرَبِيًّا﴾، فقط العرب، فإنه ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[2]، بل تعني كافة العقلاء.
فالقرآن المبين، المنزل على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله) في هذه الحروف الرمزية أم سواها من رموز، ليس عربيا يعقله غير الرسول، وقد جعله الله بتنزيله للعالمين ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ واضحا مكشوفا لا تعقيد فيه ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. فهو عربي اللفظ والمعنى، عربي الدلالة والمدلول، عربي في التفهم والتطبيق، لا تعقيد فيه دعوة وداعية، وروي عَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَامِرٍ اَلطَّائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اَلرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْكُوفَةِ فِي اَلْجَامِعِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ ... وَسَأَلَهُ عَنْ كَلاَمِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَقَالَ: كَلاَمُ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ بِالْعَرَبِيَّةِ..))[3]. فالقرآن ونبيّه عربيان واضحان دون خفاء، والجنة عربية واضحة لأهلها! ﴿لَّعَلَّكُمْ﴾، ايها العقلاء ﴿تَعْقِلُونَ﴾، فالعاقل قد يعقل إذا تعقّل وشاء الهدى، وقد لا يعقل إذا لم يتعقل أو شاء الردى، ف «لعل» التي تفيد الترجي هنا وفي سائر القرآن، لا تعني شكا في ترجّ لساحة الربوبية، وإنما هما فيمن خوطب بالقرآن، فالهدى محتوم في دعوة القرآن لأنه غير ذي عوج، وهو غير محتوم في المدعوين بالقرآن بما فيهم من عوج.
وَفي حَدِيثِ اَلسُّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((تَعَلَّمُوا اَلْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا كَلاَمُ اَللهِ اَلَّذِي كَلَّمَ بِهِ خَلْقَهُ اَلْحَدِيثَ))[4].
واحتجّوا بحدوث الكلام بوجوه بهذه الآية: -
الأوّل: قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾، يدلّ على الحدوث فإنّ القديم لا يجوز إنزاله وتحويله من حال إلى حال.
الثاني: وصفه بكونه عربيّا والقديم لا يكون عربيّا ولا فارسيّا.
الثالث أنّه لمّا قال عز وجل: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُعَرَبِيًّا﴾، دلّ على أنّه كان قادرا على أن ينزله لا عربيّا وذلك يدلّ على حدوثه.
الرابع أنّ قوله تعالى في الآية السابقة: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾، يدلّ على أنّه مركّب من الآيات والكلمات وكلّما كان مركّبا كان محدثا.
﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، وكلمة «لعلّ» يجب حملها على الجزم أي أنزلناه لكي تعقلوا معانيه في أمور الدين وتعلموا أنّه من عند الله إذا كان عربيّا وقد عجزتم الإتيان بمثله فهو من جهة ما تعقلون مضامينه حتى تعيروا حقائقه، عيونا ناظرة واسماعا واعية وقلوبا غير مغلّفة فقال عز وجل في الآية اللاحقة: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾، ونبيّن لك أحسن البيان كقولك: قمت أحسن القيام ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا﴾، أي بوحينا ﴿إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾، وإنّما وصف القرآن بأحسن القصص ودخلت الباء لتبيّن القصص، إذ القصص تكون قرآنا وغير قرآن وهذه القصص بوحي القرآن لأنّه بلغ النهاية في الفصاحة وحسن المعاني وعذوبة اللفظ مع التلازم المنافي للتنافر، وجميع ما يحتاج إليه العباد إلى يوم القيامة بأعذب لفظ وأحسن نظم.
وقيل: المراد بأحسن القصص سورة يوسف وحدها، وكيف كان وهو أيضا من القرآن وهل يجوز أن يقال في حقّه: «قاصّا» لا يجوز؟ لأنّ الأسماء توقيفيّة كما لا يجوز أن يقال: معلّم أو مفتي ولأنّ هذه الإطلاقات والاستعمالات في العرف إنّما يقال لمن تمسّك بهذه الطرق على أنّه سوء الأدب، وإن وصف نفسه سبحانه بأنّه علّم القرآن وبأنّه يفتيكم في النساء.
[1] سورة يوسف، الآية: 2.
[2] سورة البقرة، الآية: 185.
[3] بحار الأنوار، ج 10، ص 75.
[4] وسائل الشيعة، ج 17، ص 327.
