يسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
من هو الملك الذي كان يوسف (عليه السلام) وزيرا له ؟
قالوا : لم يَعهد من تأريخ مصر القديمة أنّ ملوكها استوزَروا أجانب في سُلطانهم ، فمَن هذا المَلِك الذي استوزرَ يوسف العِبراني لإدارة شؤون الاقتصاد في البلاد ؟
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ... ﴾ 1 ( أي أجعله من خاصّتي ) ﴿ ... فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ 1 ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ 2 ، فأصبح يوسف عزيز مصر !
وتَحذلق بعضهم القول بعدم معهوديّة التوزير من أبناء اليهود 3 ولم يدرِ المسكين أنّ يوسف سَبق اليهوديّة بقرون ! وكان الذي خوّله إرادة شؤون الاقتصاد من المُلوك الرُعاة ( الهِكسوس ) وهم أجانب ومِن جالية الشعوب الهنديّة الأُوروبيّة تغلّبوا على الشعب المصري وحكموا البلاد قسراً ، والذي بدأ حوالي سنة 1800 ق . م ، وهو العهد الذي يُمثّل الأُسرتَين الخامسة عشرة والسادسة عشرة ثُمّ السابعة عشرة في الشمال حتّى عام 1570 ق . م ، ليقوم ( أحمس الأَوّل ) في وجههم ويَطردهم ويُؤسّس الدولة الحديثة الأُسرات من الثامنة عشرة إلى آخر العشرين ، وكان إذ ذاك أوان خروج العِبرانيّين من مصر على عهد موسى وفرعون 4 .
﴿ ... عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ 5
ويسترسل ( نولدكه ) في توهّماته عن القرآن ، ليزعم أنّ هذا التعبير بشأن صعيد مصر الذي تشح فيه الأمطار يَنمّ عن جهلٍ بموضع هذا البلد الذي تعود خُصوبته إلى فيضان النيل لا الأمطار ، جاء في فقرةٍ من كتابه ( ...Sketches ص30 ـ 31 ) حول هامان ومريم : ( بالإضافة إلى هذا التصوّر غير المعقول ، يوجد تحويرات مزاجيّة شتّى ، بعضها يدعو للسُخرية ويُنسب إلى محمّدٍ نفسه ، والمثال على جهله لكلّ الأُمور خارج الجزيرة هو جَعْلُ الخُصوبة في مصر ـ التي تشحّ فيها الأمطار ـ مرهونةً بالأمطار وليس بفيضان النيل ) 6 .
هذا الانتقاد في غاية الغَباء وينمّ عن جهل ( نولدكه ) ـ المستشرق ـ للّغة العربيّة وللشؤون المصريّة بالذات .
لقد جاء في الآية التي يستشهد بها ما يلي : ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ 7 .
وكلمة ( يُغاث ) تَحتمل أن تكون من ( الغَوث ) ـ وهو النُصرة ـ أو مِن ( الغيث ) أي المطر ، ﴿ ... فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ... ﴾ 8 أي استَنصَره ؛ ومِن ثَمّ جاء في تفسير الآية ﴿ ... عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ... ﴾ 5 أي يُنْجى الناسُ من الجَدب ومحنة القحط ، قالوا : ويكون من قولهم : أغاثه اللّه ، إذا أَنقذه من كَربٍ أو غمّ ، يُنقَذُ الناس فيه من كَرب الجَدب ، وقوله ﴿ ... وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ 5 أي يَعصرون السِّمسم دُهناً والعِنب خمراً والزيتون زيتاً ، وهذا يَدلّ على ذهاب الجَدب وحصول الخِصب ووفور الخير 9 .
أمّا لو أُخذت من ( الغيث ) أي المطر فيكون المعنى : فيه يُمْطَرون ، غير أنّ بلاد مصر العُليا تَنعم بغزارة الأمطار أربعة أشهر متتالية في فصل الشتاء ، فالمصريّون الّذين يعيشون في الصعيد في الدلتا يعلمون جيّداً أنّ الأمطار تتساقط بغزارة خلال فصل الشتاء أي خلال أربعة أشهر ( من ديسمبر إلى مارس ) ، وأنّ زراعة القمح والبِرس والشعير والفول وأمثالها تعتمد أساساً على الأمطار الّتي تتساقط هذه الفترة ، الأمر الذي يجهله أمثال ( نولدكه ) مِن المتخصّصين في الدراسات العربيّة الإسلاميّة ، وهو لم تطأ قدمه بعدُ البلدان الإسلاميّة ولم يغادر أُوربا طَوال عمره ( 1836 ـ 1931م ) ، فلا غَرْوَ أن يخطأ ( نولدكه ) خطأً مزدوجاً ، فهو لم يَفهم النصّ العربي للآية ، ثُمّ إنّه يؤكّد أنّ المطر يكاد يَنعدم في مصر ، وأهلُها لم يشعروا أبداً باحتياجهم له ! وهو الخطأ الذي لا يقع فيه أحد من صبية مصر ! على حدّ تعبير الأُستاذ البدوي 10 .
والعجب أنّه لم يَطّلع على ما كَتبه ( سال Sale ) في تَرجمة القرآن التي أَنجزها وانتشرت خلال القرن الثامن عشر ، إنّه يترجم الآية هكذا :
Then shall there come, after this a year wherein men shall have plenty of rain , end wherein they shall press wine and oil .
ونجده في ملاحظةٍ سجّلها في أسفل الصفحة يقول علينا أن نُفنّد ما كَتَبه بعض المؤلّفين القدامى ، فلقد كانت تمطر عادةً في الشتاء خاصّة في الوجه البحري ، وقد لُوحظ الثلج في الإسكندريّة على نقيض ما يزعمه ( Seneca ) صراحةً ، فعلاً تُصبح الأمطار أكثر ندرةً في الوجه القبلي في اتجاه شلاّلات النيل ، وعلى أيّة حالٍ فإنّنا نفترض أنّ الأمطار التي ذُكرت هنا ـ في الآية ـ قُصد بها تلك التي تَسقط في ( إثيوبيا ) وتُسبّب ارتفاع منسوب النيل 11 .
فيا تُرى كيف لم يَطّلع ( نولدكه ) على هذه الترجمة وهذه المُلاحظة التي سجّلها ( سال ) وكانت في متناوله ؟!
الأُستاذ محمّد هادي معرفة
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
من هو الملك الذي كان يوسف (عليه السلام) وزيرا له ؟
قالوا : لم يَعهد من تأريخ مصر القديمة أنّ ملوكها استوزَروا أجانب في سُلطانهم ، فمَن هذا المَلِك الذي استوزرَ يوسف العِبراني لإدارة شؤون الاقتصاد في البلاد ؟
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ... ﴾ 1 ( أي أجعله من خاصّتي ) ﴿ ... فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ﴾ 1 ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ 2 ، فأصبح يوسف عزيز مصر !
وتَحذلق بعضهم القول بعدم معهوديّة التوزير من أبناء اليهود 3 ولم يدرِ المسكين أنّ يوسف سَبق اليهوديّة بقرون ! وكان الذي خوّله إرادة شؤون الاقتصاد من المُلوك الرُعاة ( الهِكسوس ) وهم أجانب ومِن جالية الشعوب الهنديّة الأُوروبيّة تغلّبوا على الشعب المصري وحكموا البلاد قسراً ، والذي بدأ حوالي سنة 1800 ق . م ، وهو العهد الذي يُمثّل الأُسرتَين الخامسة عشرة والسادسة عشرة ثُمّ السابعة عشرة في الشمال حتّى عام 1570 ق . م ، ليقوم ( أحمس الأَوّل ) في وجههم ويَطردهم ويُؤسّس الدولة الحديثة الأُسرات من الثامنة عشرة إلى آخر العشرين ، وكان إذ ذاك أوان خروج العِبرانيّين من مصر على عهد موسى وفرعون 4 .
﴿ ... عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ 5
ويسترسل ( نولدكه ) في توهّماته عن القرآن ، ليزعم أنّ هذا التعبير بشأن صعيد مصر الذي تشح فيه الأمطار يَنمّ عن جهلٍ بموضع هذا البلد الذي تعود خُصوبته إلى فيضان النيل لا الأمطار ، جاء في فقرةٍ من كتابه ( ...Sketches ص30 ـ 31 ) حول هامان ومريم : ( بالإضافة إلى هذا التصوّر غير المعقول ، يوجد تحويرات مزاجيّة شتّى ، بعضها يدعو للسُخرية ويُنسب إلى محمّدٍ نفسه ، والمثال على جهله لكلّ الأُمور خارج الجزيرة هو جَعْلُ الخُصوبة في مصر ـ التي تشحّ فيها الأمطار ـ مرهونةً بالأمطار وليس بفيضان النيل ) 6 .
هذا الانتقاد في غاية الغَباء وينمّ عن جهل ( نولدكه ) ـ المستشرق ـ للّغة العربيّة وللشؤون المصريّة بالذات .
لقد جاء في الآية التي يستشهد بها ما يلي : ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ 7 .
وكلمة ( يُغاث ) تَحتمل أن تكون من ( الغَوث ) ـ وهو النُصرة ـ أو مِن ( الغيث ) أي المطر ، ﴿ ... فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ... ﴾ 8 أي استَنصَره ؛ ومِن ثَمّ جاء في تفسير الآية ﴿ ... عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ... ﴾ 5 أي يُنْجى الناسُ من الجَدب ومحنة القحط ، قالوا : ويكون من قولهم : أغاثه اللّه ، إذا أَنقذه من كَربٍ أو غمّ ، يُنقَذُ الناس فيه من كَرب الجَدب ، وقوله ﴿ ... وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ 5 أي يَعصرون السِّمسم دُهناً والعِنب خمراً والزيتون زيتاً ، وهذا يَدلّ على ذهاب الجَدب وحصول الخِصب ووفور الخير 9 .
أمّا لو أُخذت من ( الغيث ) أي المطر فيكون المعنى : فيه يُمْطَرون ، غير أنّ بلاد مصر العُليا تَنعم بغزارة الأمطار أربعة أشهر متتالية في فصل الشتاء ، فالمصريّون الّذين يعيشون في الصعيد في الدلتا يعلمون جيّداً أنّ الأمطار تتساقط بغزارة خلال فصل الشتاء أي خلال أربعة أشهر ( من ديسمبر إلى مارس ) ، وأنّ زراعة القمح والبِرس والشعير والفول وأمثالها تعتمد أساساً على الأمطار الّتي تتساقط هذه الفترة ، الأمر الذي يجهله أمثال ( نولدكه ) مِن المتخصّصين في الدراسات العربيّة الإسلاميّة ، وهو لم تطأ قدمه بعدُ البلدان الإسلاميّة ولم يغادر أُوربا طَوال عمره ( 1836 ـ 1931م ) ، فلا غَرْوَ أن يخطأ ( نولدكه ) خطأً مزدوجاً ، فهو لم يَفهم النصّ العربي للآية ، ثُمّ إنّه يؤكّد أنّ المطر يكاد يَنعدم في مصر ، وأهلُها لم يشعروا أبداً باحتياجهم له ! وهو الخطأ الذي لا يقع فيه أحد من صبية مصر ! على حدّ تعبير الأُستاذ البدوي 10 .
والعجب أنّه لم يَطّلع على ما كَتبه ( سال Sale ) في تَرجمة القرآن التي أَنجزها وانتشرت خلال القرن الثامن عشر ، إنّه يترجم الآية هكذا :
Then shall there come, after this a year wherein men shall have plenty of rain , end wherein they shall press wine and oil .
ونجده في ملاحظةٍ سجّلها في أسفل الصفحة يقول علينا أن نُفنّد ما كَتَبه بعض المؤلّفين القدامى ، فلقد كانت تمطر عادةً في الشتاء خاصّة في الوجه البحري ، وقد لُوحظ الثلج في الإسكندريّة على نقيض ما يزعمه ( Seneca ) صراحةً ، فعلاً تُصبح الأمطار أكثر ندرةً في الوجه القبلي في اتجاه شلاّلات النيل ، وعلى أيّة حالٍ فإنّنا نفترض أنّ الأمطار التي ذُكرت هنا ـ في الآية ـ قُصد بها تلك التي تَسقط في ( إثيوبيا ) وتُسبّب ارتفاع منسوب النيل 11 .
فيا تُرى كيف لم يَطّلع ( نولدكه ) على هذه الترجمة وهذه المُلاحظة التي سجّلها ( سال ) وكانت في متناوله ؟!
الأُستاذ محمّد هادي معرفة