تويت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾[1].
عندما دخل اخوة يوسف التسعة على ابيهم يعقوب عليه السلام وقصوا عليه ما جرى بخصوص اخوهم بنيامين حسبما لقّنهم اخوهم يهودا فقال لهم ابوهم عليه السلام: هبوا أنّه سرق، ولكن كيف عرف الملك أنّ شرع بني إسرائيل بأنّ من سرق يسترق؟ فلم تكن لكم براءة من التقصير في حقّه وتصرفتم بحيلة عظيمة، وهي تهمة بنيامين بالسرقة مع أنّه بريء، أو إخراجه معكم إلى مصر بظنّ النفع فترتب عليه هذا الضرر، أو فتواكم عند الملك بأنّ جزاء السارق استرقاقه فالصبر هو دوائي ولا شكوى فيه إلى الخلق، باعتبار تكليفي ووظيفتي.
وقيل: لمّا أخبروا أبيهم بالواقعة بكى، وقال: يا بنيّ لا تخرجون من عندي مرة إلاّ ونقص بعضكم، ذهبتم مرة فنقص يوسف، وفي الثانية نقص بنيامين، وفي هذه المرة نقص كبيركم لاوي، ثمّ بكى.
هنا يختص يوسف بذكراه إذ لا يتأكد بعد من حياته أو أن يأتيه، ولكن أخاه وكبيرهم فالثلاثة بعد موجودون بمكان معلوم، ثم ويوسف هو القمة العالية الغالية في حبّه، وما فاصل الزمان البعيد بالذي ينسيه، لا سيما والحادث الجلل الجديد يذكر جلل القديم.
﴿وَتَوَلَّى﴾، وأعرض ﴿عَنْهُمْ﴾، بوجهه كراهة لما سمع منهم، وذهب إلى بيت الأحزان، وهاج حزنه على يوسف لكون مصيبته أصل مصائبه، ولأنّه كان يعلم بحياة غيره دونه، وكان يتسلّى برؤية بنيامين عن رؤيته، لكونهما من امّ واحدة، وفي غاية المشابهة، فضاق قلبه، وهي كلمة قالها عن عميق حزن وقد أعطيت أمّة محمّد بدل هذه الكلمة ما لم يعط الأسبقين حتى الأنبياء أنفسهم مثلها وهي ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[2]، فإنها تفيد من التسلية ما لا تفيده تلك فكوننا لله أننا ملك غيرنا وكل مملوك لا بدّ من رجوعه الى مالكه فليس في البين ما يهتمّ له اهتماما زائدا، اعتراضا عليهم وإعراضا عنهم، منقطعا إلى الله.
﴿وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾، إذ ما هوّنت من مصابه طائل السنون، والنكبة الجديدة في أخيه ثم كبيرهم تجدده أكثر مما كان طيلة السنين، وذلك غاية الأسف والأسى على أعز الأبناء وأغرهم الذي تتلوه غائلة فوق غائلة، فالأسف هو الحزن أي يا طول حزني على يوسف و﴿يَا﴾، حرف نداء حذف مناداه، أي «يا قوم».
﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾، حيث أذهب الحزن بسواده فانظّم في سائر بياضه، ولكنه على حزنه الذي بلغ به إلى العمى لم يكن ليشكوا حزنه إلى أحد إلاّ لله، والبكاء على يوسف، نسب الابيضاض إلى الحزن، مع أنه من البكاء، من باب نسبة الشيء إلى سببه، قالوا وقد ثبت في الطب الحديث، أن نفس بعض الطبقات في العين تبيض، لا أن ماء ينزل، كما ظن بعض الأطباء القدامى، فإن كان الأمر كما ذكروا، فذاك من خوارق القرآن.
عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِيهِ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ يُصَلِّي فِي اَلْيَوْمِ وَاَللَّيْلَةِ اَلْفَ رَكْعَةٍ.. وَلَقَدْ بَكَى عَلَى أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ عِشْرِينَ سَنَةً مَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إِلاَّ بَكَى، حَتَّى قَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللهِ اَمَا آنَ لِحُزْنِكَ أَنْ يَنْقَضِيَ؟ فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ إِنَّ يَعْقُوبَ اَلنَّبِيَّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَانَ لَهُ اِثْنَا عَشَرَ اِبْناً فَغَيَّبَ اَللهُ عَنْهُ وَاحِداً مِنْهُمْ فَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ عَلَيْهِ، وَاِحْدَوْدَبَ ظَهْرَهُ اَلْغَمُّ، وَكَانَ اِبْنُهُ حَيّاً فِي اَلدُّنْيَا، وَأَنَا نَظَرْتُ إِلَى أَبِي وَأَخِي وَعَمِّي وَسَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَقْتُولِينَ حَوْلِي فَكَيْفَ يَنْقَضِي حُزْنِي))[3].
﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾، مملوء من الغيظ على أولاده، ممسك له في قلبه، ولا يظهره.
وهو على وزن فعيل بمعنى مفعول، كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾، من: كظم السقاء إذا شدّه على ملئه.
أو بمعنى فاعل، كقوله: ﴿وَاَلْكاظِمِينَ اَلْغَيْظَ﴾، من: كظم الغيظ إذا اجترعه.
[1] سورة يوسف، الآية: 84.
[2] سورة البقرة، الآية: 156.
[3] الخصال، ج 2، ص 517.