🌷سلسلة دراسات فنية في سور القران الكريم 🌷

🌾سورة البقرة*🌾
قـال اللّه تـعـالـى فـي وصـف الـكـافرين : (ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم و على اءبصارهم غشاوة ...)*((1))

*لـو تاءملت هذه الاية الكريمة , لوجدت اءنها تشتمل على صورتين فنيتين , هما:الصورة القائلة (ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم ), و الصورة القائلة (و على اءبصارهم غشاوة ). و لعلك تتساءل عـن الفارق بين هاتين الصورتين : الصورة القائلة باءن اللّه تعالى قد طبع اءو ختم على قلب الكافر و على سمعه ... و الصورة القائلة باءن اللّه تعالى قدجعل على بصر الكافر غشاوة , اءلم يكن من الممكن مـثـلا اءن يـقـول النص (ختم اللّه على قلوبهم , وعلى سمعهم , وعلى اءبصارهم ) بحيث يجعل صفة (الختم ) على كل من القلب والسمع والبصر؟ الا اءن الملاحظ اءن النص قد خصص كلا من القلب و السمع بطابع (الختم ),وخصص البصر بطابع الغشاوة , فما هو السر الفني وراء ذلك ؟ قـبـل اءن نـجـيـبك على هذا التساؤل , ينبغي اءن نتبين اءولا طبيعة الصياغة لهاتين الصورتين , و ما ترمزان اليه من الدلالات .
الـصـورة الاولـى تتضمن استعارة اءو رمزا هو : عملية (الختم ) على قلب الكافر وسمعه , و معنى (الـخـتـم ) هو : اءن تضع مادة ما على الشي ء بحيث تسده , كما تلاحظ ذلك مثلا فيما تضعه الدوائر الـحـكومية من الاختام على المحال التجارية اءو الدور التي يرادحجزها, و هذا يعني اءن (الختم ) هو : سد الشي ء, حيث استعار النص القرآني هذه الصفة المادية للشي ء, و خلعها على القلب و السمع , فـجـعل للقلب قفلا تسد اءمامه اءبواب الفهم والادراك و التعقل . و مما يساعدنا على استخلاص هذا الـمـعـنـى , اءن الـنص القرآني الكريم يقول في سورة اخرى (سورة محمد ص ) في وصف قلوب الـكـافـرين (اءم على قلوب اقفالها ؟ ) فجعل الاقفال (رمزا) لانسداد الفهم و الادراك بالنسبة الى قلوب الكافرين .
و المهم هو : اءن نلاحظ اءن عملية ((الانسداد)) للقلب و السمع , تتناسب مع طبيعة هذين الجهازين الـمعدين لالتقاط الحقائق و الاصوات , بحيث اذا سدت اءبوابهما لما اءمكن للقلب اءن يعي , و لا للاذن اءن تـسـمـع , و هـذا بـخلاف جهاز ((البصر)) الذي خلع عليه النص طابع ((الغشاوة )), حيث لا تتناسب هذه الصفة مع جهازي القلب و السمع بقدر ماتتناسب مع جهاز البصر لكن كما سترى عندما تواجهك صورة (و على اءبصارهم غشاوة ), تلاحظ اءنك اءمام (رمز) يختلف عن الرمز الذي لـحظته بالنسبة الى القلب والسمع , ... فقد خلع النص على (البصر) طابع الغشاوة , والغشاوة معناها (الـغطاء), بينماخلع النص على القلب و السمع طابع ((الغلق اءو السد)), و السر الفني وراء ذلك , هو:اءن البصر بالرغم من امكان جعله مسدودا كما لو اءغلق الكافر عينيه مثلا, الا اءن النص القرآني في صدد اءن يوضح باءن اللّه تعالى هو الذي جعل الكافر نـتيجة سلوكه المعاندعديم البصر, و لذلك لابد من وضع شي ء على بصره من الخارج , حتى يحجزه من النظر الى ما حوله , و هذا ما يتناسب مع ((الغطاء)), لان وضع اءبسط غطاء على البصر كاف في مـنـعه من عملية الابصار, و هذا ما يفسر سبب عدم انسحاب هذه الصفة على القلب والسمع , و ذلك لان الغطاء لو وضع على القلب اءو الاذن , فحينئذ لا يمنع هذا الغطاء من عملية الادراك و الاستماع , فـلـو قـدر لك اءن تضع غطاء على اءذن اءحد الاشخاص , فهذا لايحجز الاذن من وصول الاصوات الـيـهـا, و كذلك القلب . و هذا على العكس من (الختم )الذي يعني وضع مادة تسد جميع المنافذ التي يتسرب اليها الادراك .
اذن : قـد اءمـكـنـك اءن تـدرك جانبا من الاسرار الفنية وراء هذين الرمزين اللذين انتخبهما النص القرآني و نعني بهما : الختم على قلب الكافر و سمعه , و الغشاوة على بصره حـيـث اسـتهدف من وراء ذلك اءن يشير بهذين الرمزين الى الانغلاق التام في ذهنية الكافر, فيما لا اءمل في اصلاحه اءبدا, مادام قلبه و هو مركز الهداية قد ختم عليه , و مادام سمعه و هو الحاسة التي يمكن لها اءن تستمع الى القول و تفيد منه قد ختم عليه اءيضا و مادام البصر و هـو الـحـاسـة التي يمكن اءن تفيد من النظر الى الظواهر الكونية الدالة على وجود اللّه تعالى و ابداعه قد وضعت الغشاوة عليه .
و اءخـيـرا, اءمـكنك اءيضا اءن تدرك الفارق بين صورتي (الختم ) و (الغشاوة ) من حيث علاقتهما بعملية عدم الادراك الذي يطبع ذهنية الكافر, بالنحو الذي تقدم الحديث عنه .