نعم.. كان الوجوب الكفائي استكشافاً رؤيوياً للأحداث، هو هوية معرفية اكتشفت جوهر الأشياء، وأسست المقاومة كرد تضحوي يؤسس الوجدان.. طبعاً نحن نتحدث الآن عن الوجوب الكفائي، عن قتال تجاوز العام، عن معان انكشفت للعالم ولعوالم الآخر الذي يعني الانسان الثاني، صراعٌ فيه النهايات بدايات، واستشهاد الفدائي الحسيني بداية لوجوده السعيد، صراعٌ دخلناه من أجل أن ننقذ الوطن من هزات مدمرة، وأزمات ذات تحولات عميقة ومعقدة على مستوى الوجود.. كل الوجود الإيماني والفكري والاقتصادي والسياسي تعرض الوطن لكل هذه الكوارث، تحت بوتقة هوية موحدة.
يرى بعض الخائبين أن الوجود الكفائي فرّق الجهد العراقي، وقسّم الوطن، وفكّك أواصر كانت معتدلة بعد دهر وعام، بينما حقيقة الوجود الكفائي هو من وحّد العراقيين، ومن جمع نهضتهم وهمتهم لمواجهة الخطر الإقليمي، والمدعوم بالغرب وخونة الداخل العراقي.
ونعتقد أن الزمن القادم سيكون أكثر توجهاً نحو الوحدة، علينا أن نبدأ الآن من حيث يقظة الوجوب الكفائي الأولى، وتعني مقاومة التشتت، مقاومة الاحتلال، واستعادة الوطن الانسان معافى، وهذا يعني ترسيخ الأمان، ولا يتم هذا الترسيخ إلا بعد أن يتخلص العراق من التدخلات الخارجية من خيانة الانسان لوطنه بحجج واهية، فمحاربة الوجود الخارجي بوجود خارجي آخر هو إبقاء لوجود خارجي ايضاً.
إن النداء المرجعي الذي تبلور وسط عوالم شعبية وطنية غير مؤدلجة، صار مصدر خوف وقلق لتلك المؤدلجات الطفيلية التي حاولت بث اعلامها نحو الاشاعة والتجاوز على قيم بتهم باطلة تسعى لتفخيخ الواقع المعاش بحركات لا تخفى مساعيها على أي مواطن عراقي مثل: المطالبة بتجنيد حشد يدعى (وطني) يجهز بتسليح حكومي يمنح للقوة الداعشية فرصة الانضمام تحت ألوية هذا الحشد، فيتحول الدواعش الى جيش نظامي يمثل كيان دولة وعلم، وعودة الهيمنة الديكتاتورية وتبعية الانسان الى نظم اجتماعية مؤدلجة سياسياً، وانهيار معظم القيم الفكرية التي سررنا بعودتها الى الانسان العراقي، تلك الديمقراطية التي طالما كان يحلم بها الفرد منذ قرون.
انبثق الوجوب الكفائي والعالم يعيش أزمته الأخلاقية تجاه العراق، زرع الإحساس بضياع كل شيء يكرس تعاسة تهدد مستقبل الانسان، فمن المؤكد أن الانسان لا يستطيع في مثل هذه الأجواء أن يعبر عن انسانيته، عن مسؤوليته في عالم عبثي.
وأعتقد أن المرجعية المباركة قد أجابت بوجوبها الكفائي الذي استطاع أن يعلن حضوره رغم الشر والقلق والقبح والخيانة والخراب والقمع الذي ساد الإنسانية جمعاء، واستطاع هذا الوجوب أن يتمسك بشرط وجوده الإنساني، فأدرك بوعي مبكر أن الخطر لابد أن يواجه بتنشيط مسؤوليات الإنسان نفسه، وتعميق أبعاد الرؤية، واستنهاض الوجدان.. وهكذا كانت نهضة الامام الحسين (عليه السلام) في الطف المبارك.
اليوم قد نختلف على تسمية هذا الحشد، أو نتفق حول عنوان معين، لكننا سنتوحد عند مقدار ما تحقق من هذه الفيالق التضحوية، لنجد عند كل مقاتل من مقاتلي الركب الحسيني رؤية واعية، وعالماً متكاملاً يدرك أبعاده.