بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم

وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

تحوَّلت مشكلة الظاهرة التكفيريّة إلى خطر على الواقع الإسلامي كلّه، فيما يقوم به هؤلاء من المجازر الوحشيّة الّتي تطاول الرّجال والنّساء والأطفال من دون أيّ ذنب، وهذا ما أدّى إلى تشويه صورة الإسلام لدى الآخرين، واعتباره دين عنف وإرهاب، انطلاقاً من الأوضاع السلبيّة الّتي أصبحت في مستوى الظّاهرة في أكثر من بلدٍ إسلاميّ.
وربّما امتدّ هذا الاتجاه السلبيّ في تكفير من ليس كافراً، وتضليل من ليس ضالاً، إلى بعض المواقع الحوزويّة في المذهب الإمامي الشيعيّ الإثني عشري، في اعتبار بعض الأمور التفصيليّة في العقيدة أو في التّاريخ، من ضروريّات الدّين، أو من ضروريّات المذهب، في المواقع الّتي وقعت محلاً للخلاف لدى القدماء، أو الّتي ترتكز على بعض الخطوط النظريّة الّتي لا تصل إلى مستوى الضّرورة أو البداهة، أو الّتي تنطلق من قضايا تاريخيّة تأخذ قداستها الشعوريّة من خلال العاطفة المرتبطة بأشخاصها.
ومن المؤسف أنّ مثل هذه الأحكام بالكفر أو الضّلال تنطلق من مواقع مرجعيّة دينيّة، لا تقبل الجدل أو النّقاش في أحكامها الّتي تمنحها القداسة من دون أيّ أساس.
إنّ المشكلة لدى الاتجاه التكفيريّ، أنّ كثيراً من أصحابه ينطلقون من حالة جهل مغلق لا ينفتح على الآخر من خلال عناصر العلم، وذلك بما أراده الله للمسلمين من الجدال بالّتي هي أحسن، حتّى بالنّسبة إلى غير المسلمين، ومن ردّ الخلافات والمنازعات الفكريّة أو الفقهيّة إلى الله والرّسول، بالرّجوع إلى القواعد العلميّة الموضوعيّة المنفتحة على الحقيقة في الأخذ بحقائق الكتاب والسنّة، بالعقل المفتوح والقلب المنفتح.
فقد يحكم أهل مذهبٍ بكفر أهل مذهب آخر نتيجة إيمانهم ببعض المفردات الّتي يرونها، لأنَّها مرتبطة بالإسلام عقيدةً، بحيث يكفّرون منكرها، كما هو الحال في إنكاره التّوحيد والنبوّة واليوم الآخر. وربّما ينطلق هذا الحكم بالتّكفير من خلال الاختلاف في الالتزام بمضمون حديثٍ موثّق عند البعض، وغير موثّق عند البعض الآخر، أو بتفسير آيةٍ بمعنىً لا يتَّفق فيه أهل مذهب مع تفسيرٍ لها عند أهل مذهبٍ آخر، فيرون أنّ إنكار المضمون هناك تكذيبٌ للرَّسول ورفضٌ لرسالته، وهو موجبٌ للكفر، كما يرون أنّ رفض تفسيرهم للآية الَّذي يمثّل الحقّ عندهم، يدلّ على تكذيب القرآن في بعض آياته.
وقد تتمثَّل المسألة في وجهة نظر البعض حول صحابيّ هنا أو صحابيّ هناك، في موقفٍ سلبيّ منه، أو في إساءة إليه، فينافي ذلك ما ورد في الكتاب والسنّة حول قدسيّة الصحابة، ما قد يوحي بأنّ الّذي يقف موقفاً سلبيّاً من بعضهم، يقف موقفاً سلبيّاً من كتاب الله وسنّة نبيّه؛ ما يؤدِّي إلى خطّ من خطوط الكفر.
وقد تمتدّ مسألة التَّكفير إلى الحديث عن الجنّة والنّار، في استحقاق هذا الفريق للعذاب في النّار، وذاك الفريق للنّعيم في الجنّة، في شكلٍ حاسمٍ؛ حتّى إنّ هناك رفضاً لأيّة إمكانيّة لرحمة الله وغفرانه للجهة الّتي يختلف معها هذا الفريق السلبي في نظرته إلى الآخر.
وقد يتطوّر الأمر، في خطورة الموقف، إلى استحلال أهل هذا المذهب لدماء أهل المذهب الآخر وأموالهم وأعراضهم، من خلال استحلال ما يتّصل بالكافر أو المرتدّ من ذلك.
ولعلّ هذا الواقع التّكفيريّ، هو أحد أبرز أسباب الأوضاع التاريخيّة المدمّرة للواقع الإسلاميّ، إذ كان المسلمون، في مناخ الفتن المذهبيّة، يقتل بعضُهم بعضاً، ويُصادر بعضهم أموال بعض، ويهتك بعضهم أعراض بعض، من خلال الفتاوى الصّادرة عن بعض علماء هذا المذهب أو ذاك، بحيث يشعر أتباعهم بأنّهم يتقرَّبون إلى الله بذلك كما يتقرّبون إليه بقتال الكفّار ونهب أموالهم وهتك أعراضهم.
وقد ترك هذا الاتجاه السلبيّ الخطير تأثيره على الأمّة الإسلاميّة، فامتنع الحوار الموضوعيّ بينهم فيما دعا إليه تعالى: {فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسُولِ}[النّساء: 59]، وابتعدت المجتمعات الإسلاميّة عن الاتّصال والتّرابط بين أفرادها، وتحرّكت الفتاوى لتحرّم ذبيحة هذا المسلم على المسلم الآخر، وزواج هذه المسلمة من مذهبٍ من مسلمٍ من مذهبٍ آخر، ولتمنع صلاة مسلمٍ شيعيّ خلف مسلمٍ سنّي أو العكس.
وهكذا تطوّرت الأحداث التقسيميّة والأوضاع التكفيريّة الّتي دخلت في النّسيج الثقافيّ الكلاميّ والعقيديّ، وتحرّكت الفتن المذهبيّة بين وقتٍ وآخر، لتخلق حالاً من التمزّق في واقع المسلمين سمح لأعداء الإسلام، في الشّرق والغرب، وأجهزة المخابرات الدوليّة، بالتدخّل في شؤونهم، لإثارة المشاكل السياسيّة والاجتماعيّة من خلال إثارة المشاكل المذهبيّة، بالمستوى الّذي تطوّر، في بعض المراحل والأماكن، إلى حربٍ أهليّة تتغذّى من فتنة طائفيّة مذهبيّة هنا، أو خلاف فكريّ وثقافيّ هناك؛ الأمر الّذي أدّى إلى إضعاف الأمّة الإسلاميّة في العالم، وسقوطها أمام الدّول الاستكباريّة والمجتمعات الكافرة، وابتعدت الدّعوة إلى الوحدة الإسلاميّة، على الرّغم من منظّمات التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة والمؤتمرات الدّاعية إلى الوحدة الإسلاميَّة، وذلك من خلال محاولة بعض المتعصّبين إثارة مفردةٍ سلبيَّة هنا، ومفردة سلبيَّة هناك، في عمليّة للتّعقيد ضدّ الوفاق الإسلامي ـ الإسلامي.
وما زالت المشاكل تتفاعل في الأمَّة كلِّها، فلم تعد لدينا أمّة إسلاميّة موحّدة التطلّعات والأهداف، بل أصبح العالم الإسلامي مِزَقاً متناثرة، يتناهشها الآخرون بأنيابهم، لخدمة مصالحهم الاقتصاديَّة والسياسيّة والأمنيّة والاستراتيجيّة؛ باعتبار الإسلام بالنّسبة إليهم هو العدوّ الّذي لا بدّ من محاربته والتّخطيط لتدميره في كلّ مواقعه