بسم الله الرحمن الرحيم
نص الشبهة:
الجواب:
إن النبي « صلى الله عليه وآله » قد أرسل في آخر سني حياته إلى مختلف البلاد والقبائل من ينادي فيهم ويدعوهم إلى الحج في حجة الوداع ، وقد استجاب له عشرات الألوف منهم ، حتى إن الذين حضروا بيعة الغدير ، وبايعوا علياً « عليه السلام » قد بلغوا أكثر من مئة وعشرين أو مئة وثلاثين ألفاً حسب الروايات . .
ومعنى هذا : أن الناس قد جاؤوا إلى الحج من كل قبيلة ، ومن كل حي ، وربما من كل بيت أحياناً ، ورأوا وسمعوا من النبي « صلى الله عليه وآله » وبايعوا في يوم الغدير .
وسمعوا النبي « صلى الله عليه وآله » أيضاً يخطب في منى وعرفات ، ويذكر لهم حديث الثقلين ، وأنه تارك فيهم كتاب الله وعترتة أهل بيته .
ورأوا كيف أن قريشاً وحزبها صاروا يقومون ويقعدون ، وضج الناس وعلا صراخهم ، حتى لم يعد أحد يسمع كلام النبي « صلى الله عليه وآله » ، وهو يقول لهم : يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . كما رواه مسلم وأحمد بن حنبل وغيرهما . .
ثم عاد الناس إلى أهلهم من حجهم ذاك الذي رأوا فيه هذه الغرائب والعجائب التي عامل بها الصحابة نبيهم ، وحدثوا الناس بما سمعوا ورأوا . وبلَّغ الشاهد الغائب ، كما طلب رسول الله « صلى الله عليه وآله » . . وتمت بذلك الحجة على جميع المسلمين ، ولم يكن هناك وسيلة إبلاغ أفضل وأتم من هذه الوسيلة .
وأصبحت المسؤولية بذلك على عاتق الناس . فإن سلَّم الناس وقبلوا ما أمر به رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، فازوا وسعدوا بطاعتهم ، وإن عصوا ورفضوا ، فسيحاسبهم الله تعالى على معصيتهم . .
وبذلك يظهر : أن من أندر النادر أن يبقى أحد لم يبلغه قرار الرسول الأعظم « صلى الله عليه وآله » ، وأمره . . ولو فرض أن بقي أحد على جهله بما جرى ، فإنه يكون معذوراً عند الله تعالى إلى أن يعلم . . ولا بد أن يكون قد علم بعد أن جرى ما جرى بعد وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وتداول الناس ما حدث ، وصاروا يميزون المحق من المبطل ، والمعتدي من المعتدى عليه .
الأمر لا يختص بالإمامة
إن الإشكال الذي ذكره السائل لو صح فهو ينسحب على جميع حقائق الدين ، إذ إن الناس كانوا يأتون إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » فيسلمون على يديه ، ثم يعودون إلى قبائلهم ، ولعل بعضهم لم تسنح له الفرصة للعودة إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » ليسأله عما نزل من القرآن ، وما أبلغه النبي « صلى الله عليه وآله » من أحكام ، وسياسات ، ومفاهيم ، وما صدر منه من توجيهات . فهل إسلام هؤلاء كان ناقصاً ؟! وكيف تممه رسول الله « صلى الله عليه وآله » لهم ؟!
إن قلتم : نعم بقي إسلامهم ناقص . نقول : لو كان كذلك لكان النبي « صلى الله عليه وآله » أولى الناس بتصحيح إسلامهم ، ولم نجده « صلى الله عليه وآله » فعل ذلك .
وإن قلتم : إسلامهم تام مع وجود هذا النقص في معارفهم . قلنا : أن ما نزل من القرآن بعد عودتهم إلى بلادهم ، وما أبلغ من أحكام في حال غيبتهم لم يكن جزءاً من الدين . . وكان يمكن الاستغناء عنه . وهذا ما لا يجوز أن يصدر عن مسلم . .
فما تجيبون به على هذا نجيبكم به فيما يرتبط بولاية علي بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده « عليهم الصلاة والسلام » .
النقض على المستشكل
إذا كان الأشاعرة يعدون خلافة الخلفاء ، وتفاضلهم حسب تتاليهم في الخلافة من قضايا الإيمان . فلا بد أن يكون « صلى الله عليه وآله » قد بينه للناس . فما هو حال البعيدين عن المدينة الذين ربما كان أكثرهم لا يعرف هذا الفضل ، وهذه المراتب للخلفاء ، فهل كان إيمانهم ناقصاً ؟!الإيمان بين الإجمال والتفصيل
إن من يأتي إلى النبي « صلى الله عليه وآله » ويُسْلِم على يديه يقدم التزاماً ضمنياً وإجمالياً بأنه مؤمن بكل ما أتى ويأتي به . وبعد عودته إلى بلده ، فإن حصول بيعة يوم الغدير ، ونزول آيات قرآنية ، وإبلاغ أحكام شرعية ، وصدور قرارات وتوجيهات نبوية لا يضر بإيمان من آمن ، لأنهم مقرون بكل ذلك على سبيل الإجمال ، وإن جاءت معرفتهم التفصيلية به متأخرة ، حيث إنهم كانوا يترصدون أخبارها ، ويتتبعون آثارها ، فقد تصل إليهم بعد وفاته « صلى الله عليه وآله » .
أما الذين يموتون قبل إبلاغ إمامة علي « عليه السلام » أو قبل معرفتهم بها ، أو قبل نزول بقية القرآن والأحكام ، فهم معذورون في جهلهم ، مرضي إسلامهم عند الله تعالى .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . .
ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م . ، الجزء الثاني ، السؤال رقم (64) .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص الشبهة:
كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أناس يرونه مرة واحدة ثم يذهبون لديارهم ، فلم يسمعوا ـ بلا شك ـ عن ولاية علي بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده «رضي الله عنهم» جميعاً . خاصة وأن الشيعة تزعم أن أمر الولاية قد حدث في أوائل الدعوة في مكة محتجين بحديث الدار . فهل إسلامهم ناقص ؟! إن قلتم : نعم . نقول : لو كان كذلك لكان النبي (ص) أولى الناس بتصحيح إسلامهم ، وتبيين أمر الإمامة لهم . ولم نجده فعل ذلك (ص) .
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
النبي صلى الله عليه وآله أقام الحجةوله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
إن النبي « صلى الله عليه وآله » قد أرسل في آخر سني حياته إلى مختلف البلاد والقبائل من ينادي فيهم ويدعوهم إلى الحج في حجة الوداع ، وقد استجاب له عشرات الألوف منهم ، حتى إن الذين حضروا بيعة الغدير ، وبايعوا علياً « عليه السلام » قد بلغوا أكثر من مئة وعشرين أو مئة وثلاثين ألفاً حسب الروايات . .
ومعنى هذا : أن الناس قد جاؤوا إلى الحج من كل قبيلة ، ومن كل حي ، وربما من كل بيت أحياناً ، ورأوا وسمعوا من النبي « صلى الله عليه وآله » وبايعوا في يوم الغدير .
وسمعوا النبي « صلى الله عليه وآله » أيضاً يخطب في منى وعرفات ، ويذكر لهم حديث الثقلين ، وأنه تارك فيهم كتاب الله وعترتة أهل بيته .
ورأوا كيف أن قريشاً وحزبها صاروا يقومون ويقعدون ، وضج الناس وعلا صراخهم ، حتى لم يعد أحد يسمع كلام النبي « صلى الله عليه وآله » ، وهو يقول لهم : يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . كما رواه مسلم وأحمد بن حنبل وغيرهما . .
ثم عاد الناس إلى أهلهم من حجهم ذاك الذي رأوا فيه هذه الغرائب والعجائب التي عامل بها الصحابة نبيهم ، وحدثوا الناس بما سمعوا ورأوا . وبلَّغ الشاهد الغائب ، كما طلب رسول الله « صلى الله عليه وآله » . . وتمت بذلك الحجة على جميع المسلمين ، ولم يكن هناك وسيلة إبلاغ أفضل وأتم من هذه الوسيلة .
وأصبحت المسؤولية بذلك على عاتق الناس . فإن سلَّم الناس وقبلوا ما أمر به رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، فازوا وسعدوا بطاعتهم ، وإن عصوا ورفضوا ، فسيحاسبهم الله تعالى على معصيتهم . .
وبذلك يظهر : أن من أندر النادر أن يبقى أحد لم يبلغه قرار الرسول الأعظم « صلى الله عليه وآله » ، وأمره . . ولو فرض أن بقي أحد على جهله بما جرى ، فإنه يكون معذوراً عند الله تعالى إلى أن يعلم . . ولا بد أن يكون قد علم بعد أن جرى ما جرى بعد وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وتداول الناس ما حدث ، وصاروا يميزون المحق من المبطل ، والمعتدي من المعتدى عليه .
إن الإشكال الذي ذكره السائل لو صح فهو ينسحب على جميع حقائق الدين ، إذ إن الناس كانوا يأتون إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » فيسلمون على يديه ، ثم يعودون إلى قبائلهم ، ولعل بعضهم لم تسنح له الفرصة للعودة إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » ليسأله عما نزل من القرآن ، وما أبلغه النبي « صلى الله عليه وآله » من أحكام ، وسياسات ، ومفاهيم ، وما صدر منه من توجيهات . فهل إسلام هؤلاء كان ناقصاً ؟! وكيف تممه رسول الله « صلى الله عليه وآله » لهم ؟!
إن قلتم : نعم بقي إسلامهم ناقص . نقول : لو كان كذلك لكان النبي « صلى الله عليه وآله » أولى الناس بتصحيح إسلامهم ، ولم نجده « صلى الله عليه وآله » فعل ذلك .
وإن قلتم : إسلامهم تام مع وجود هذا النقص في معارفهم . قلنا : أن ما نزل من القرآن بعد عودتهم إلى بلادهم ، وما أبلغ من أحكام في حال غيبتهم لم يكن جزءاً من الدين . . وكان يمكن الاستغناء عنه . وهذا ما لا يجوز أن يصدر عن مسلم . .
فما تجيبون به على هذا نجيبكم به فيما يرتبط بولاية علي بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده « عليهم الصلاة والسلام » .
إذا كان الأشاعرة يعدون خلافة الخلفاء ، وتفاضلهم حسب تتاليهم في الخلافة من قضايا الإيمان . فلا بد أن يكون « صلى الله عليه وآله » قد بينه للناس . فما هو حال البعيدين عن المدينة الذين ربما كان أكثرهم لا يعرف هذا الفضل ، وهذه المراتب للخلفاء ، فهل كان إيمانهم ناقصاً ؟!
إن من يأتي إلى النبي « صلى الله عليه وآله » ويُسْلِم على يديه يقدم التزاماً ضمنياً وإجمالياً بأنه مؤمن بكل ما أتى ويأتي به . وبعد عودته إلى بلده ، فإن حصول بيعة يوم الغدير ، ونزول آيات قرآنية ، وإبلاغ أحكام شرعية ، وصدور قرارات وتوجيهات نبوية لا يضر بإيمان من آمن ، لأنهم مقرون بكل ذلك على سبيل الإجمال ، وإن جاءت معرفتهم التفصيلية به متأخرة ، حيث إنهم كانوا يترصدون أخبارها ، ويتتبعون آثارها ، فقد تصل إليهم بعد وفاته « صلى الله عليه وآله » .
أما الذين يموتون قبل إبلاغ إمامة علي « عليه السلام » أو قبل معرفتهم بها ، أو قبل نزول بقية القرآن والأحكام ، فهم معذورون في جهلهم ، مرضي إسلامهم عند الله تعالى .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . .
ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م . ، الجزء الثاني ، السؤال رقم (64) .