بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إن أفضل طريق وأكمل سبيل للوصول إلى مقام الإنسانية الشامخ هو أن يرى الإنسان نفسه دائماً في محضر الله. لا أن يعلم أن الله مطلع على أعماله ويحاسبه عليها فحسب، وإنما أن يشاهد نفسه دائماً في مشهد الله العظيم الله العظيم الكريم وفي ساحة حساب يوم القيامة.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إن أفضل طريق وأكمل سبيل للوصول إلى مقام الإنسانية الشامخ هو أن يرى الإنسان نفسه دائماً في محضر الله. لا أن يعلم أن الله مطلع على أعماله ويحاسبه عليها فحسب، وإنما أن يشاهد نفسه دائماً في مشهد الله العظيم الله العظيم الكريم وفي ساحة حساب يوم القيامة.
فلو كانت معارف الإنسان بهذا الشكل ورأى نفسه في محضر الله، فإنه لن يقوم بالأعمال التي لا ترضي الله. فهو لا يرتكب القبيح فحسب، وإنما لا يقوم بالعمل الذي يكون تابعاً لميل النفس أيضاً. يسعى أن يقوم بما يطابق إرادة الله لا غير. وهذا الإنسان المتكامل لا يحمله الخوف من النار على ترك الرذائل، ولا الشوق إلى الجنة على فعل الفضائل، إنما يقوم بالفعل على أساس المحبة.
وقد نقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزَّ وجلَّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلباً للثواب فتلك عبادة الإجراء وقوم عبدوا الله عزَّ وجلَّ حباً فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة". وقال أيضاً: "هل الدين إلا الحب".
فالدين الذي يحمل كمال الإنسان لا يقوم على أساس الخوف أو الطمع بالجنة وإنما على أساس المحبة. فالذي يعبد خوفاً من النار إنما يريد نفسه. كذلك الذي يعبد طلباً للجنة، وقد جعل العبادة وسيلة لاتقاء الخطر أو تحصيل المنفعة، أما الإنسان الكامل فهو الذي يعرف الله ويعشقه وعلى أساس المحبة يعبده...
إن الوصول إلى هذه المرحلة إنما يصبح ميسوراً إذا رأى الإنسان نفسه في حضور الله؛ ولأن الله هو محض الحياة والعلم والقدرة والكمال، فالإنسان الذي يشاهد هذه الصفات لن يفكر بعدها بنفسه. ولن يكون حينها أي حديث عن الطمع بالجنة والخوف من النار. إنما الحديث عن لقاء الله ومشاهد الجمال والجلال الإلهيين.
ولكي يصل الإنسان إلى نيل هذه المرتبة. فغن الله قد جعل رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قدوة وأسوة للبشر وقال فيه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ (القلم: 4).
ولأنه صاحب الخلق العظيم، فإن كلامه ومسلكه عظيمان، واتّباع صاحب الخلق العظيم يجعل الإنسان صاحب خلق عظيم. ولأنه حبيب الله، فإن اتباعه يجعل الإنسان حبيب الله، ويوصله إلى المقام الشامخ لمحبة الله حيث ينزه عن الخوف من النار والطمع بالجنة.
* اتباع حبيب الله يجعل الإنسان حبيب الله: ﴿إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾.
وعندما يصبح الإنسان محباً لله، فإنه سوف يتحول شيئاً فشيئاً إلى محبوب عند الله، وأعماله توصله إلى هذه المرتبة. وإذا اعتق نفسه من أسر الخوف والطمع فسوف يصبح حبيب الله. وأي كمال أعظم من أن يكون "نور السموات والأرض" محباً له؛ أي كمال أعلى من أن يكون الإنسان محبوباً من الحياة المحضة والعلم المحض والقدرة المحضة.
فلأجل الوصول إلى هذا المقام العالي، عرّف الله لنا نبيه في المقام العلمي والبعد العلمي بالإنسان الكامل بقوله: ﴿إنك لعلى خلق عظيم﴾.
وعندها جعل كلامه وسيرته سنداً للبشرية: ﴿ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ (الحشر: 7). ثم قال: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ (الأحزاب: 21).
فمعنى الاقتداء هو أن نحيي في نفوسنا أخلاق الرسول واحدة بعد أخرى. ولا يمكن أن يحصل هذا الأمر إذا لم نشاهد أنفسنا في حضور الرب العليم الخبير.
الإنسان الذي يشاهد نفسه في محضر الله عليه أن يقوم بهذه الوظيفة: المراقبة. وهو مكلف بالمحاسبة فيكون رقيباً على نفسه وحسيباً عليها أيضاً. فلا ينسى ذلك للحظة واحدة. فاللحظة التي لا يفكر الإنسان فيها بكماله يكون قد نسي نفسه ولأنه قد خرج من نطاق روحه فقد ضيع وجوده. والدقيقة التي يصرفها الإنسان في اصلاح غير ذاته تكون دقيقة غفلة. تلك الدقيقة التي تكون أحياناً خوفاً من الخسائر النفسانية وتكون أيضاً نسياناً للنفس.
وقد نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "عجبت لمن ينشد ضالته وقد أضل نفسه فلا يطلبها".
فالذي لا يكون في موطن العبودية ولا في مقام شهود الله يكون قد أضل نفسه. وعليه أن يجدها. كل حديث لا يكون في اصلاح الذات فهو ناشئ عن غفلة الذات. فالمراقبة الدائمة والحساب المستمر هما اللذان يوصلان الإنسان إلى المكان الذي لا ينظر فيه إلا إلى الله، وهذا الإنسان، بدون شك، سوف يكون حبيب الله.
ويبين القرآن الكريم هذين الأصلين في سورة الحشر المباركة بقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون﴾.
ففيها أمران بالتقوى. الأول: التقوى في المراقبة. والثاني: التقوى في المحاسبة.
ومعنى المراقبة مشتق من "الرقبة". فالذي يرفع رقبته ليشاهد أكثر يكون مراقباً. وعلى الإنسان أن يراقب كل شيء في حياته، من الكلام والفعل والنظر و... فالله "يعلم خائنة الأعين" واعلموا أنه "ويل لكل همزة لمزة". "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" فهو مستعد وجاهز ليسجل كل شيء: "نكتب ما قدّموا وآثارهم".
هذا الإنسان الذي قد وصل إلى مقام المراقبة يواظب على كل أعماله حتى لا يرتكب أي مخالفة. ويحتاج هذا المقام إلى التقوى فلا يترك السيئات ويسجل الحسنات، لأن مثل الذي يفعل ذلك مثل الشجرة التي تغرز جذورها ولبها في التراب بينما ترفع غصونها وفروعها في السماء. لأن الشجرة لا ترتقي أبداً، وما يرتقي منها هو الفروع ويبقى أصلها في التراب. فالذي لا يفكر إلا بالمنافع المادية وعمارة الأرض يكون كالشجرة التي لا تفكر إلا بالنفوذ إلى باطن الأرض فلا تعرف شيئاً آخراً.
الإنسان الذي لا يفكر إلا بالطبيعة ليس صاحب قلب. ﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون﴾ (الحشر: 19).
"فسق عن الطريق" يعني انحرف عنها. ولأن طريق الوصول إلى مقام المحبة يكون بمعرفة النفس ومراقبتها ومحاسبتها. فإن الذي يترك معرفة النفس ومراقبتها ومحاسبتها يكون فاسقاً: ﴿ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم﴾.
ولهذا الآية عكس نقيض في روايات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
نحن إذا أدركنا وجودنا في حضور مبدئنا فسوف نصل إلى هذه الكمالات إن شاء الله...