في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (62)

قال تعالى (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ، وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ،بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سورة البقرة الاية من 115الى 117
نتعرض في هذه الايات الى مطالب عدة
اولا : التفصيل في قبلة الصلاة
قد يفهم من هذه الاية المباركة جواز الصلاة الى اي جهة كانت فوجه الله لا يمكن حصره في جهة معينة وهي الكعبة الشريفة ،ولكن ليس مطلقا لذلك نحتاج الى التفصيل .
1- قبلة الانسان العالم بالقبلة وفي الفرائض اليومية هي الكعبة الشريفة كما في قوله تعالى (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ)
2- قبلة المتحير والجاهل والذي لا يعرف ويهتدي الى القبلة تكفيه الصلاة الى جهة واحدة
وقد استدل بعض الاعلام بهذه الاية ولله المشرق والمغرب فاينما تولو فثم وجه الله وكذلك ببعض الروايات .كمرسلة ابن أبي عمير عن زرارة ، « سألت أبا جعفر عليهما السّلام عن قبلة المتحيّر ؟ قال عليه السّلام : يصلَّي حيث يشاء »
وصحيح زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السّلام : « يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة »
3- صلاة النافلة ،وهي الرواتب اليومية كنافلة الصبح والظهر والعصر ونافلة المغرب ونافلة الليل ،فقد استدل الفقهاء على جواز الصلاة في حالة الاختيار في الصلاة الى اي جهة كانت وليس جهة الكعبة شرطا في صحة الصلاة بل يجوز للمؤمن ان يصلي في السيارة او الطائرة ماشيا وقاعدا وقائما الى جهة القبلة والى غير جهة القبلة ،كما عن حمّاد بن عيسى قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى تبوك فكان يصلّي على راحلته صلاة الليل حيث توجّهت به ويومىء ايماءً . محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره عن حريز قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : أنزل الله هذه الآية في التطوّع خاصّة : ( فأينما تولوا فثمّ وجه الله إنّ الله واسع عليم ) (1) وصلّى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إيماءً على راحلته أينما توجّهت به حيث خرج إلى خيبر ، وحين رجع من مكّة ، وجعل الكعبة خلف ظهره .
ثانيا : الاهتمام بالجوهر وليس بالمظهر
جوهر الاسلام العمل الصحيح والمنظم والقانوني والذي يؤدي الى بناء الانسان الفرد والمجتمع وعلى كل الاصعدة وليس جوهر الاسلام المظاهر الذي ربما يتمسك به بعض الناس ،ولعلنا نستفيد من هذه الاية المباركة (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ..... إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ان الله تعالى يريد ان يوجه الناس الى الاهتمام بجوهر الاسلام وجوهر الاسلام القيم والاخلاق والصدق والامانةوالعبادة الخالصة لله تعالى النابعة من الصدق،والتوجه الى القبلة (الكعبة ) احد مظاهر الاسلام الظاهرية فاذا الانسان كان محتارا او لا يعرف جهة القبلة فليس عليه ان يهلك نفسه من اجلها بل عليه ان يتوجه الى العبادة والصلاة الى اي جهة فان لله المشرق والمغرب واينما تولوا فثم وجه الله ..........؟
ثالثا :ليس لله ولد بل له ملك السموات والارض
هذا رد على من يزعم ان الله له ولد ، فقد روي أنّ اليهود قالوا : عزير ابن اللَّه ، والنصارى قالوا : المسيح ابن اللَّه ، ومشركو العرب قالوا : الملائكة بنات اللَّه ، فنزلت في شأنهم : هذه الاية المباركة (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) .
وفي الحقيقة ان الله غني عن العالمين فهو ليس بحاجة الى الولد وهذا القول يدل على جهل قائله لانه قول شنيع كما قال تعالى ( لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )
بل ان الله خالق الوجود وقد خلقه فابدع في خلقه ووجوده قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « إن الله عز وجل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السماوات والأرضين ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله : وكانَ عَرْشُه عَلَى الْماءِ .؟

رابعا : الله لا يحتاج الى مقدمات في خلق الاشياء
صحيح ان الله تعالى قادر على خلق الاشياء بلا مقدمات والات وكل الاشياء في العالم والكون هو طوع ارادته وامره وقضائه واذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ،ولكن مع ذلك فالله تعالى يخلق لغاية ومن اجل مصلحة في خلقه للاشياء فلا يمكن ان يخلق الاشياء بلا فائدة