بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الإمام علي سلام الله عليه مرسي دعائم الحرية في العالم
الأولى: ما الذي كان سيحدث لو أن الغدير تحقَّق وكان الإمام هو الحاكم مباشرة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وماذا خسر المسلمون والعالم بتغييب الغدير وإقصاء الإمام سلام الله عليه؟
الثانية: ماذا ينبغي لنا أن نعمل الآن؟ أي ما هي مسؤوليتنا تجاه ما حدث وقد مرّ عليه زهاء 1400 عام، وما هو واجبنا حسب الأدلّة الشرعية؟
أما عن النقطة الأولى فالكلام كثير والروايات عديدة في المقام؛ ولو وُفّق أحد الباحثين لجمعها لألّف منها موسوعة وليس كتاباً واحداً، ولكن اُشير هنا إلى بعضها ليتبيّن لنا أننا إذا كنا نشهد اليوم بعض الحرية في العالم، في أيّ بقعة من الأرض وبأيّ درجة، فإن الفضل في ذلك يعود لأمير المؤمنين سلام الله عليه، لأنّه هو الذي وضع أساسها وأرسى دعائمها ـ طبعاً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؛ فحديثنا عن مرحلة الغدير وما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله .
فكلّ من يتمتع اليوم بشيء من الحرية فهو مدين فيها لأمير المؤمنين سلام الله عليه، وكلّ من كان محروماً من الحرية فالسبب في ذلك يعود لعدم قيام واستمرار الغدير، ولإبعاد الإمام سلام الله عليه عن تحقيق ما أراده الله تعالى ورسوله له.
وإذا كانت هناك اليوم حرية في الغرب، فهي في أساسها مدينة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، مع فارق أن الحرية الغربية خاطئة ومبتلاة بالإفراط والتفريط في حين أن الحرية التي طبّقها الإمام سلام الله عليه حرّية صحيحة ومعتدلة.
لنطالع الرواية التالية ثم نقارن مبادئ الحرية عند الإمام سلام الله عليه مع الحريات الموجودة اليوم في الدول التي ترفع شعار الحرية لنرى أيّهما أعظم.
لقد جاء الإمام إلى سدّة الحكم بعد مرور 25 سنة من الغصب والظلم وغياب العدالة وكبت الحريات، فحتى تدوين الحديث ـ بل روايته ـ كان ممنوعاً يعاقَب مرتكبه وإن كان من أتباع السلطة وأنصارها؛ حتى أن عبد الله بن عمر نفسه لم يستطع أن يروي في زمن أبيه عمر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله . في ظلّ أوضاع كهذه ـ حيث الحرية مغيَّبة إلى هذا الحدّ والمشاكل تحيط بالأمة من كلّ جهة ـ استلم الإمام سلام الله عليه زمام الحكم، ترى فكيف تصرّف مع الناس، وما هي حدود الحريات التي سمح بها لهم، سواءً في عاصمته الكوفة، حيث اختلاف المذاهب والمشارب والأعراق والأذواق، أو في البصرة بعدما تمرّدت بعض الطوائف ضدّه في حرب الجمل بقيادة عائشة وطلحة والزبير، أو مع غيرهم من المارقين والقاسطين كالخوارج بقيادة الأشعث بن قيس وأهل الشام بقيادة معاوية؟
عندما حلّ شهر رمضان المبارك في السنة الأولى من حكومة الإمام نهى صلوات الله عليه أن تصلى النافلة في ليالي شهر رمضان المبارك جماعةً وأوصى بأن تصلَّى فرادى، كما سنّها رسول الله صلى الله عليه وآله، واحتجَّ سلام الله عليه لرأيه بقوله: «إنه ما زال هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من يشهدون أنه صلى الله عليه وآله جاء إلى المسجد الليلة الأولى من الشهر الكريم يريد أداء النافلة فاصطفَّ المسلمون للصلاة خلفه فنهاهم وقال: هذه الصلاة لا تؤدَّى جماعة ثم ذهب إلى بيته للصلاة»(3).
ولكن عمر عندما استلم الحكومة قال: «أرى أن يصلّي الناس هذه الصلاة جماعة»(4). فصلاَّها الناس كذلك وأسموها بالتراويح.
أما الإمام سلام الله عليه فقد احتجَّ ببطلانها بنهي رسول الله عنها، فإنه صلى الله عليه وآله لم يُجِز أن تصلَّى جماعة ولم يقبل أن يؤمَّ المسلمين فيها وهو المبلّغ للصلاة والمؤسّس لها بأمر الله تعالى، بل قال: تصلَّى فرادى.
ومن هنا كان نهي الإمام سلام الله عليه من أن تصلى النوافل جماعة وأعلن ذلك وأوصى المسلمين أن يصلّوا نوافل الليل في شهر رمضان فرادى سواء في المساجد أو في البيوت.
إلا أن أولئك الذين اعتادوا على أدائها طيلة سنين لم يطيقوا منعها، فخرجوا في مظاهرات تطالب بإلغاء المنع، وكان شعارهم «واسنّة عمراه»، فماذا كان ردّ فعل الإمام سلام الله عليه؟
انظروا إلى عدالة الإمام والحرية التي يؤمن بها. فبالرغم من أنّه قال شيئاً واستدلّ عليه وكان استدلاله محكماً لم يستطع أن يشكّك فيه حتى أولئك الذين ما برحوا يختلقون الإشكالات الباطلة ويثيرونها في وجهه، حتى بلغ الأمر بهم أن يعدّوا بعض فضائله رذائل، كما عابوا عليه خلقه الذي هو فضيلة عظيمة فقالوا: «إنّه امرؤ فيه دعابة»(5).. حتى أولئك لم يشكّكوا في الاستدلال الذي طرحه الإمام لإثبات صحَّة ما ذهب إليه.
ومع ذلك ماذا فعل الإمام مع المتظاهرين الذين خرجوا ضدَّه؟ هل واجههم بالسلاح؟ هل اعتقلهم وسجنهم، أم نفى أحداً منهم؟ هل أحال بهم إلى المحاكم على أقلّ تقدير؟ كلا ثم كلا. إنه سلام الله عليه لم يفعل أيَّ شيء من ذلك معهم. فلم يقمع المظاهرة ولا استعمل العنف والقوة ضدهم، بل الأعظم من ذلك أنّه سلام الله عليه استجاب لمطالبهم ورفع المنع الذي أصدره وسمح لهم بممارسة سنّتهم هذه رغم أن تلك السنَّة لم تكن حتى من الباطل المدلَّس بالحق بل كانت باطلاً واضحاً لا شكّ في بطلانها ولا شبهة، وهو الإمام الحق - كما نعتقد وكما قال الرسول صلى الله عليه وآله: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار(6) - والحاكم الذي يجوز له أن يُعمل ولايته ويحكم بما رأى كما فعل من سبقه
ـ على رأي القوم على أقلّ تقدير ـ ومع ذلك قال الإمام لابنه الحسن سلام الله عليه: قل لهم صلّوا(7).
والآن قارنوا هذا الموقف مع ما تدّعيه أرقى الدول التي تزعم أنّها راعية الحرية اليوم. أجل إن المسؤولين في تلك الدول لا يوجهون بنادقهم للمتظاهرين ـ كما تفعل بعض الدول الإسلامية مع الأسف! ـ ولكن غالباً ما تنتهي المظاهرات بوقوع قتلى أو جرحى واعتقال بعض وإحالتهم إلى المحاكم والسجون.
فما قيمة ما وصل إليه الغرب إذا ما قيس إلى الحرية في ظلّ حكم الإمام علي سلام الله عليه؟ أما في البلاد الإسلامية فلا وجود حتى لذلك القدر من الحرية الموجودة في الغرب!
والأعجب من هذا أن الإمام سلام الله عليه منح هذه الحريات للناس في عصر كان العالم كلّه يعيش في ظلّ الاستبداد والفردية في الحكم، وكان الإمام رئيس أكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة أو العدد، لأن الإمام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم.
قد توجد اليوم في العالم حكومة تحكم ما ينيف عن المليار إنسان كالحكومة الصينية ولكنها ليست الأقوى. وقد توجد حكومة تحكم دولة قوية كالولايات المتحدة ولكنها لا تحكم أكبر عدد من الناس؛ أما الإمام علي سلام الله عليه فكان يحكم أكبر رقعة من الأرض وأكبر عدد من الناس، وكانت الحكومة الإسلامية يومذاك أقوى حكومة على وجه الأرض، فالإمام سلام الله عليه لم تنقصه القوة، وكان يكفي أن يقول للرافضين: لا، ولكنه لم يقلها وأعلن للبشرية عملياً أنه (لا إكراه في الدين)(8).
فلئن كان في العالم شيء من الحرية اليوم فلا يعود الفضل فيه إلا لإمامنا ومولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.
:. كيف تعامل الإمام سلام الله عليه مع مثيري الحرب ضده؟
لم يبادر الإمام بأية حرب ابتداء، فكُلّ حروبه فُرضت عليه، وأوّلها حرب الجمل، والتي ما إن وضعت أوزارها وهُزم جندها حتى هرب الذين أشعلوا فتيلها واختبأوا في حجرات إحدى الدور في موضع من البصرة، فتوجّه أمير المؤمنين سلام الله عليه في كوكبة من جنوده إلى ذلك المحلّ حتى انتهى إلى الحجرة التي كانت فيها عائشة فعاتبها أولاً قائلاً لها: أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله صلى الله عليه وآله؟(9) ثم أمرها بالتهيؤ لإرجاعها إلى المدينة المنورة.
يروى أنه عليه السلام قبل أن ينتهي إلى الحجرة التي كانت فيها عائشة تظاهرت نسوة المحاربين الذين خسروا المعركة وهتفن بشعارات في وجه الإمام من قبيل: «هذا قاتل الأحبّة»(10). ولكن الإمام لم يبالِ بهنَ ولم يُظهر أيّ رد فعل إزاءهن! فعدن إلى التظاهر والهتاف ضد الإمام سلام الله عليه بالشعار نفسه، وكان الإمام يهمّ بمغادرة المكان ولكنه توقف هنيئة ثم عاد وقال جملة واحدة فقط سكتن كلّهن على أثرها.. لقد قال لهن: لو قتلت الأحبة لقتلت من في تلك الدار - وأومأ بيده إلى ثلاث حجر في الدار(11)!
فبالرغم من أن عائشة قد ألّبت على الإمام حتى فرضت عليه الحرب وبالرغم من أنها ومن خرج معها خسروا الحرب وانهزموا وتلبدوا، إلا أن الإمام اكتفى بعتابها ثم أمر بعد ذلك بإرجاعها مجلَّلة إلى المدينة وأمر أن لا يتعقَّب قادة الجيش المعادي ولا يلقى القبض عليهم ليعدمهم أو يسجنهم أو ينفيهم أو يحاكمهم!
إننا لم نعهد تعاملاً من هذا القبيل في تاريخ البشر، بل لم نعهده حتى في هذا اليوم وفي الدول التي ترفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان، فإنهم ما إن ينتصروا في معاركهم الباطلة ويقبضوا على رؤوس الجهة المعادية حتى يسجنوهم أو يحيلوهم إلى محاكم خاصّة بصفتهم مجرمي حرب أو خونة ومتآمرين وقد يعدمونهم.
نعم، هذه هي الحرية التي نقول عنها لو أن الغدير قد حكم الأمّة طيلة الثلاثين سنة من عمر الإمام علي بعد الرسول صلى الله عليه وآله، لنعمنا بظلّها إلى الآن، ولما شهدنا كلَّ هذه الويلات والمحن منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا وإلى أن يظهر منقذ البشرية الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
:.كيف تعامل الإمام مع الخوارج؟
بعد أن اضطرّ الإمام سلام الله عليه لخوض معركة صفين وسقط القتلى من الطرفين وكان النصر قاب قوسين أو أدنى من أمير المؤمنين سلام الله عليهم، تدارك الجيش المعادي الأمر بحيلة رفع المصاحف وانطلت حيلتهم على قسم كبير ممن كان يحارب في ركاب أمير المؤمنين عليه السلام فطالبوه بوقف الحرب وهدَّدوه إن لم يفعل. فاضطُرّ الإمام لوقف الحرب كما اضطُرَّ لخوضها وطلب من مالك الأشتر التوقّف عن التقدم، ثم أجبروه على قبول التحكيم ثم اعترضوا على قبوله له بعد ذلك مطلقين شعاراً ينطوي على مغالطة فقالوا: «لا حكم إلا لله»(12). وهكذا نشأت فرقة الخوارج من بطن جيش الإمام نفسه!
ولم يكتفِ هؤلاء بمروقهم حتى تظاهروا ضد الإمام أيضاً، ورفعوا في وجهه هذا الشعار عندما دخل المسجد وكان يوم الجمعة وهو إمام وحاكم لأكبر وأقوى دولة على وجه الأرض يومذاك(13).
ومع ذلك لم يعاقبهم الإمام سلام الله عليه بل لم يسمح لقادة جيشه أن يمنعوهم ولا أحال أحداً منهم إلى القضاء أو السجن؛ مع أنهم كانوا يعلمون ـ كما كان الإمام نفسه يعلم ـ بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: علي مع الحق والحق مع علي.
وهذا معناه أن الباطل كان يهتف بشعاراته في وجه الحق، ومع ذلك لم يمنع الحق أصحاب الباطل من حرية التعبير. فأين تجدون مثل هذه الحرية؟ هل عهدتم حرية كهذه حتى ممن يدعي حرصه عليها في هذا اليوم المعروف بعصر الحريات؟
والأعظم من هذا أن الإمام سلام الله عليه لم يسمّ هولاء الذين خرجوا عليه وهتفوا بهذا الشعار في وجهه - ولا رضي أن يسمّوا - بالمنافقين(14) مع أنهم كانوا أجلى مصداق لهذه المادة، لأن هناك رواية متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو كافر(15).
إن الذين خرجوا ضدَّ الإمام أمير المؤمنين هم المنافقون الحقيقيون، ولكن سياسة الإمام التي هي سياسة النبي والإسلام ومنهجهما في الحكم هو أن لا يستخدم سيف التخويف هذا ولا يقال عن المعارضين للحكم أنهم منافقون وإن كانوا هم المنافقين حقاً!
فمن أجل إدارة الحكومة ومراعاة المصلحة الأهمّ وملاحظة التزاحم ومراعاة حال الأمَّة والمعارضين أيضاً نهى الإمام أن يقال عنهم إنهم منافقون.
:. ماذا كنّا سنربح لو تحقق الغدير؟
لو حكم الإمام وتحقّق الغدير لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلى يوم القيامة. ففي رواية أنّه قال سلمان لأبي بكر: قم عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به رغداً إلى يوم القيامة(16). فلفظة «الرغد» تشير إلى الكيف ولفظة «إلى يوم القيامة» تشير إلى كمّ السعادة التي كان سيتحقق فيما لو تحقق الغدير.
فالرغد في اللغة هو المعيشة التي لا ضنك فيها أبداً ولا أدنى ما يعكرها، فلا مرض ولا فقر ولا جهل ولا حروب ولا نزاع ولا قلق ولا مشكلات ولا حبس ولا ويلات. هذا هو معنى الرغد. ولذلك قيل فيه: وإنما العيش الرغد في الجنة(17).
وهذا معناه أنّه لو كان الإمام يحكم كما أراد الرسول صلى الله عليه وآله لما وُجد اليوم مريض ولا سجين واحد في العالم، ولا أُريقت قطرة دم ظلماً ولا وجد فقير ولا تنازع زوجان ولا قُطع رحم. فهذا هو مفهوم الرغد.
فهل تبيّن لماذا كان الغدير أعظم الأعياد في الإسلام؟ إن المفاهيم التي ينطوي عليها الغدير لا تتوفر حتى في عيدي الفطر والأضحى وغيرهما من أعياد الإسلام. فقارنوا بين كلّ الأعياد الإسلامية ومنها الجمعة وبين عيد الغدير وانظروا هل يؤيدنا التاريخ في كونه أعظم الأعياد أم لا؟
إذن لم يعد يخفى علينا معنى قول الإمام الصادق سلام الله عليه يوم غدير خم ... هو عيد الله الأكبر(18).
:. ماذا حدث بإقصاء الغدير؟
والآن بعدما سُلب الإمام حق الخلافة واُقصي عن الحكومة ولم يُمتثل أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله في يوم الغدير، فما الذي حدث؟
أقول: بعد جلوس الإمام 25 سنة في الدار بل منذ السنة الأولى التي اُنكر فيها الغدير عملياً بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله، ظهرت المشاحنات والقتل والحروب والظلم بدءاً من الظلم الذي حاق بمولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليه وإسقاطها محسناً(19) ثم بالحروب التي أسماها القائمون بها بحروب الردة واستمراراً بما تلاها من حروب حتى يومنا هذا، حيث قتل الملايين من البشر! كلّ ذلك بسبب إقصاء الغدير وتجاهل قول رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا وليكم من بعدي(20) أي متولّي أموركم وحاكمكم.
هناك رواية تستدعي التأمل وتؤيد ما ذهبنا إليه؛ مفادها أنه لو تحقق الغدير لما اختلف في هذه الأُمّة سيفان(21) أي لما تحارب اثنان وهذه حقيقة واقعية. أما الحروب التي خاضها الإمام فلم تكن لتقع لو تحقق الغدير كما أراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ولكنها فُرضت على الإمام سلام الله عليه من قِبل أولئك الذين مكّنهم الأسبقون الذين لم يروقهم تحقق الغدير.
فصرنا نشهد على مرّ التاريخ حروباً ودماراً وظلماً وفساداً وهتكاً للحرمات حتى آل الأمر إلى ما نشهد اليوم من حروب وتفجيرات وقتل وعنف في كل بقاع العالم تقريباً، فهذا يقتل ذاك وذاك يظلم هذا، وعمليات خطف وإبادة ودمار في كل مكان! وهذا ما حذّرت منه مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بقولها: ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً(22).
بعبارة أخرى: إن الهدف الذي سيظهر من أجله الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف كان سيتحقق على يد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، لو استقاموا على دين النبي صلى الله عليه وآله وائتمروا به.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الإمام علي سلام الله عليه مرسي دعائم الحرية في العالم
الأولى: ما الذي كان سيحدث لو أن الغدير تحقَّق وكان الإمام هو الحاكم مباشرة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وماذا خسر المسلمون والعالم بتغييب الغدير وإقصاء الإمام سلام الله عليه؟
الثانية: ماذا ينبغي لنا أن نعمل الآن؟ أي ما هي مسؤوليتنا تجاه ما حدث وقد مرّ عليه زهاء 1400 عام، وما هو واجبنا حسب الأدلّة الشرعية؟
أما عن النقطة الأولى فالكلام كثير والروايات عديدة في المقام؛ ولو وُفّق أحد الباحثين لجمعها لألّف منها موسوعة وليس كتاباً واحداً، ولكن اُشير هنا إلى بعضها ليتبيّن لنا أننا إذا كنا نشهد اليوم بعض الحرية في العالم، في أيّ بقعة من الأرض وبأيّ درجة، فإن الفضل في ذلك يعود لأمير المؤمنين سلام الله عليه، لأنّه هو الذي وضع أساسها وأرسى دعائمها ـ طبعاً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؛ فحديثنا عن مرحلة الغدير وما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله .
فكلّ من يتمتع اليوم بشيء من الحرية فهو مدين فيها لأمير المؤمنين سلام الله عليه، وكلّ من كان محروماً من الحرية فالسبب في ذلك يعود لعدم قيام واستمرار الغدير، ولإبعاد الإمام سلام الله عليه عن تحقيق ما أراده الله تعالى ورسوله له.
وإذا كانت هناك اليوم حرية في الغرب، فهي في أساسها مدينة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، مع فارق أن الحرية الغربية خاطئة ومبتلاة بالإفراط والتفريط في حين أن الحرية التي طبّقها الإمام سلام الله عليه حرّية صحيحة ومعتدلة.
لنطالع الرواية التالية ثم نقارن مبادئ الحرية عند الإمام سلام الله عليه مع الحريات الموجودة اليوم في الدول التي ترفع شعار الحرية لنرى أيّهما أعظم.
لقد جاء الإمام إلى سدّة الحكم بعد مرور 25 سنة من الغصب والظلم وغياب العدالة وكبت الحريات، فحتى تدوين الحديث ـ بل روايته ـ كان ممنوعاً يعاقَب مرتكبه وإن كان من أتباع السلطة وأنصارها؛ حتى أن عبد الله بن عمر نفسه لم يستطع أن يروي في زمن أبيه عمر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله . في ظلّ أوضاع كهذه ـ حيث الحرية مغيَّبة إلى هذا الحدّ والمشاكل تحيط بالأمة من كلّ جهة ـ استلم الإمام سلام الله عليه زمام الحكم، ترى فكيف تصرّف مع الناس، وما هي حدود الحريات التي سمح بها لهم، سواءً في عاصمته الكوفة، حيث اختلاف المذاهب والمشارب والأعراق والأذواق، أو في البصرة بعدما تمرّدت بعض الطوائف ضدّه في حرب الجمل بقيادة عائشة وطلحة والزبير، أو مع غيرهم من المارقين والقاسطين كالخوارج بقيادة الأشعث بن قيس وأهل الشام بقيادة معاوية؟
عندما حلّ شهر رمضان المبارك في السنة الأولى من حكومة الإمام نهى صلوات الله عليه أن تصلى النافلة في ليالي شهر رمضان المبارك جماعةً وأوصى بأن تصلَّى فرادى، كما سنّها رسول الله صلى الله عليه وآله، واحتجَّ سلام الله عليه لرأيه بقوله: «إنه ما زال هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من يشهدون أنه صلى الله عليه وآله جاء إلى المسجد الليلة الأولى من الشهر الكريم يريد أداء النافلة فاصطفَّ المسلمون للصلاة خلفه فنهاهم وقال: هذه الصلاة لا تؤدَّى جماعة ثم ذهب إلى بيته للصلاة»(3).
ولكن عمر عندما استلم الحكومة قال: «أرى أن يصلّي الناس هذه الصلاة جماعة»(4). فصلاَّها الناس كذلك وأسموها بالتراويح.
أما الإمام سلام الله عليه فقد احتجَّ ببطلانها بنهي رسول الله عنها، فإنه صلى الله عليه وآله لم يُجِز أن تصلَّى جماعة ولم يقبل أن يؤمَّ المسلمين فيها وهو المبلّغ للصلاة والمؤسّس لها بأمر الله تعالى، بل قال: تصلَّى فرادى.
ومن هنا كان نهي الإمام سلام الله عليه من أن تصلى النوافل جماعة وأعلن ذلك وأوصى المسلمين أن يصلّوا نوافل الليل في شهر رمضان فرادى سواء في المساجد أو في البيوت.
إلا أن أولئك الذين اعتادوا على أدائها طيلة سنين لم يطيقوا منعها، فخرجوا في مظاهرات تطالب بإلغاء المنع، وكان شعارهم «واسنّة عمراه»، فماذا كان ردّ فعل الإمام سلام الله عليه؟
انظروا إلى عدالة الإمام والحرية التي يؤمن بها. فبالرغم من أنّه قال شيئاً واستدلّ عليه وكان استدلاله محكماً لم يستطع أن يشكّك فيه حتى أولئك الذين ما برحوا يختلقون الإشكالات الباطلة ويثيرونها في وجهه، حتى بلغ الأمر بهم أن يعدّوا بعض فضائله رذائل، كما عابوا عليه خلقه الذي هو فضيلة عظيمة فقالوا: «إنّه امرؤ فيه دعابة»(5).. حتى أولئك لم يشكّكوا في الاستدلال الذي طرحه الإمام لإثبات صحَّة ما ذهب إليه.
ومع ذلك ماذا فعل الإمام مع المتظاهرين الذين خرجوا ضدَّه؟ هل واجههم بالسلاح؟ هل اعتقلهم وسجنهم، أم نفى أحداً منهم؟ هل أحال بهم إلى المحاكم على أقلّ تقدير؟ كلا ثم كلا. إنه سلام الله عليه لم يفعل أيَّ شيء من ذلك معهم. فلم يقمع المظاهرة ولا استعمل العنف والقوة ضدهم، بل الأعظم من ذلك أنّه سلام الله عليه استجاب لمطالبهم ورفع المنع الذي أصدره وسمح لهم بممارسة سنّتهم هذه رغم أن تلك السنَّة لم تكن حتى من الباطل المدلَّس بالحق بل كانت باطلاً واضحاً لا شكّ في بطلانها ولا شبهة، وهو الإمام الحق - كما نعتقد وكما قال الرسول صلى الله عليه وآله: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار(6) - والحاكم الذي يجوز له أن يُعمل ولايته ويحكم بما رأى كما فعل من سبقه
ـ على رأي القوم على أقلّ تقدير ـ ومع ذلك قال الإمام لابنه الحسن سلام الله عليه: قل لهم صلّوا(7).
والآن قارنوا هذا الموقف مع ما تدّعيه أرقى الدول التي تزعم أنّها راعية الحرية اليوم. أجل إن المسؤولين في تلك الدول لا يوجهون بنادقهم للمتظاهرين ـ كما تفعل بعض الدول الإسلامية مع الأسف! ـ ولكن غالباً ما تنتهي المظاهرات بوقوع قتلى أو جرحى واعتقال بعض وإحالتهم إلى المحاكم والسجون.
فما قيمة ما وصل إليه الغرب إذا ما قيس إلى الحرية في ظلّ حكم الإمام علي سلام الله عليه؟ أما في البلاد الإسلامية فلا وجود حتى لذلك القدر من الحرية الموجودة في الغرب!
والأعجب من هذا أن الإمام سلام الله عليه منح هذه الحريات للناس في عصر كان العالم كلّه يعيش في ظلّ الاستبداد والفردية في الحكم، وكان الإمام رئيس أكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة أو العدد، لأن الإمام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم.
قد توجد اليوم في العالم حكومة تحكم ما ينيف عن المليار إنسان كالحكومة الصينية ولكنها ليست الأقوى. وقد توجد حكومة تحكم دولة قوية كالولايات المتحدة ولكنها لا تحكم أكبر عدد من الناس؛ أما الإمام علي سلام الله عليه فكان يحكم أكبر رقعة من الأرض وأكبر عدد من الناس، وكانت الحكومة الإسلامية يومذاك أقوى حكومة على وجه الأرض، فالإمام سلام الله عليه لم تنقصه القوة، وكان يكفي أن يقول للرافضين: لا، ولكنه لم يقلها وأعلن للبشرية عملياً أنه (لا إكراه في الدين)(8).
فلئن كان في العالم شيء من الحرية اليوم فلا يعود الفضل فيه إلا لإمامنا ومولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.
:. كيف تعامل الإمام سلام الله عليه مع مثيري الحرب ضده؟
لم يبادر الإمام بأية حرب ابتداء، فكُلّ حروبه فُرضت عليه، وأوّلها حرب الجمل، والتي ما إن وضعت أوزارها وهُزم جندها حتى هرب الذين أشعلوا فتيلها واختبأوا في حجرات إحدى الدور في موضع من البصرة، فتوجّه أمير المؤمنين سلام الله عليه في كوكبة من جنوده إلى ذلك المحلّ حتى انتهى إلى الحجرة التي كانت فيها عائشة فعاتبها أولاً قائلاً لها: أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله صلى الله عليه وآله؟(9) ثم أمرها بالتهيؤ لإرجاعها إلى المدينة المنورة.
يروى أنه عليه السلام قبل أن ينتهي إلى الحجرة التي كانت فيها عائشة تظاهرت نسوة المحاربين الذين خسروا المعركة وهتفن بشعارات في وجه الإمام من قبيل: «هذا قاتل الأحبّة»(10). ولكن الإمام لم يبالِ بهنَ ولم يُظهر أيّ رد فعل إزاءهن! فعدن إلى التظاهر والهتاف ضد الإمام سلام الله عليه بالشعار نفسه، وكان الإمام يهمّ بمغادرة المكان ولكنه توقف هنيئة ثم عاد وقال جملة واحدة فقط سكتن كلّهن على أثرها.. لقد قال لهن: لو قتلت الأحبة لقتلت من في تلك الدار - وأومأ بيده إلى ثلاث حجر في الدار(11)!
فبالرغم من أن عائشة قد ألّبت على الإمام حتى فرضت عليه الحرب وبالرغم من أنها ومن خرج معها خسروا الحرب وانهزموا وتلبدوا، إلا أن الإمام اكتفى بعتابها ثم أمر بعد ذلك بإرجاعها مجلَّلة إلى المدينة وأمر أن لا يتعقَّب قادة الجيش المعادي ولا يلقى القبض عليهم ليعدمهم أو يسجنهم أو ينفيهم أو يحاكمهم!
إننا لم نعهد تعاملاً من هذا القبيل في تاريخ البشر، بل لم نعهده حتى في هذا اليوم وفي الدول التي ترفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان، فإنهم ما إن ينتصروا في معاركهم الباطلة ويقبضوا على رؤوس الجهة المعادية حتى يسجنوهم أو يحيلوهم إلى محاكم خاصّة بصفتهم مجرمي حرب أو خونة ومتآمرين وقد يعدمونهم.
نعم، هذه هي الحرية التي نقول عنها لو أن الغدير قد حكم الأمّة طيلة الثلاثين سنة من عمر الإمام علي بعد الرسول صلى الله عليه وآله، لنعمنا بظلّها إلى الآن، ولما شهدنا كلَّ هذه الويلات والمحن منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا وإلى أن يظهر منقذ البشرية الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
:.كيف تعامل الإمام مع الخوارج؟
بعد أن اضطرّ الإمام سلام الله عليه لخوض معركة صفين وسقط القتلى من الطرفين وكان النصر قاب قوسين أو أدنى من أمير المؤمنين سلام الله عليهم، تدارك الجيش المعادي الأمر بحيلة رفع المصاحف وانطلت حيلتهم على قسم كبير ممن كان يحارب في ركاب أمير المؤمنين عليه السلام فطالبوه بوقف الحرب وهدَّدوه إن لم يفعل. فاضطُرّ الإمام لوقف الحرب كما اضطُرَّ لخوضها وطلب من مالك الأشتر التوقّف عن التقدم، ثم أجبروه على قبول التحكيم ثم اعترضوا على قبوله له بعد ذلك مطلقين شعاراً ينطوي على مغالطة فقالوا: «لا حكم إلا لله»(12). وهكذا نشأت فرقة الخوارج من بطن جيش الإمام نفسه!
ولم يكتفِ هؤلاء بمروقهم حتى تظاهروا ضد الإمام أيضاً، ورفعوا في وجهه هذا الشعار عندما دخل المسجد وكان يوم الجمعة وهو إمام وحاكم لأكبر وأقوى دولة على وجه الأرض يومذاك(13).
ومع ذلك لم يعاقبهم الإمام سلام الله عليه بل لم يسمح لقادة جيشه أن يمنعوهم ولا أحال أحداً منهم إلى القضاء أو السجن؛ مع أنهم كانوا يعلمون ـ كما كان الإمام نفسه يعلم ـ بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: علي مع الحق والحق مع علي.
وهذا معناه أن الباطل كان يهتف بشعاراته في وجه الحق، ومع ذلك لم يمنع الحق أصحاب الباطل من حرية التعبير. فأين تجدون مثل هذه الحرية؟ هل عهدتم حرية كهذه حتى ممن يدعي حرصه عليها في هذا اليوم المعروف بعصر الحريات؟
والأعظم من هذا أن الإمام سلام الله عليه لم يسمّ هولاء الذين خرجوا عليه وهتفوا بهذا الشعار في وجهه - ولا رضي أن يسمّوا - بالمنافقين(14) مع أنهم كانوا أجلى مصداق لهذه المادة، لأن هناك رواية متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أو كافر(15).
إن الذين خرجوا ضدَّ الإمام أمير المؤمنين هم المنافقون الحقيقيون، ولكن سياسة الإمام التي هي سياسة النبي والإسلام ومنهجهما في الحكم هو أن لا يستخدم سيف التخويف هذا ولا يقال عن المعارضين للحكم أنهم منافقون وإن كانوا هم المنافقين حقاً!
فمن أجل إدارة الحكومة ومراعاة المصلحة الأهمّ وملاحظة التزاحم ومراعاة حال الأمَّة والمعارضين أيضاً نهى الإمام أن يقال عنهم إنهم منافقون.
:. ماذا كنّا سنربح لو تحقق الغدير؟
لو حكم الإمام وتحقّق الغدير لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلى يوم القيامة. ففي رواية أنّه قال سلمان لأبي بكر: قم عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به رغداً إلى يوم القيامة(16). فلفظة «الرغد» تشير إلى الكيف ولفظة «إلى يوم القيامة» تشير إلى كمّ السعادة التي كان سيتحقق فيما لو تحقق الغدير.
فالرغد في اللغة هو المعيشة التي لا ضنك فيها أبداً ولا أدنى ما يعكرها، فلا مرض ولا فقر ولا جهل ولا حروب ولا نزاع ولا قلق ولا مشكلات ولا حبس ولا ويلات. هذا هو معنى الرغد. ولذلك قيل فيه: وإنما العيش الرغد في الجنة(17).
وهذا معناه أنّه لو كان الإمام يحكم كما أراد الرسول صلى الله عليه وآله لما وُجد اليوم مريض ولا سجين واحد في العالم، ولا أُريقت قطرة دم ظلماً ولا وجد فقير ولا تنازع زوجان ولا قُطع رحم. فهذا هو مفهوم الرغد.
فهل تبيّن لماذا كان الغدير أعظم الأعياد في الإسلام؟ إن المفاهيم التي ينطوي عليها الغدير لا تتوفر حتى في عيدي الفطر والأضحى وغيرهما من أعياد الإسلام. فقارنوا بين كلّ الأعياد الإسلامية ومنها الجمعة وبين عيد الغدير وانظروا هل يؤيدنا التاريخ في كونه أعظم الأعياد أم لا؟
إذن لم يعد يخفى علينا معنى قول الإمام الصادق سلام الله عليه يوم غدير خم ... هو عيد الله الأكبر(18).
:. ماذا حدث بإقصاء الغدير؟
والآن بعدما سُلب الإمام حق الخلافة واُقصي عن الحكومة ولم يُمتثل أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله في يوم الغدير، فما الذي حدث؟
أقول: بعد جلوس الإمام 25 سنة في الدار بل منذ السنة الأولى التي اُنكر فيها الغدير عملياً بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله، ظهرت المشاحنات والقتل والحروب والظلم بدءاً من الظلم الذي حاق بمولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليه وإسقاطها محسناً(19) ثم بالحروب التي أسماها القائمون بها بحروب الردة واستمراراً بما تلاها من حروب حتى يومنا هذا، حيث قتل الملايين من البشر! كلّ ذلك بسبب إقصاء الغدير وتجاهل قول رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا وليكم من بعدي(20) أي متولّي أموركم وحاكمكم.
هناك رواية تستدعي التأمل وتؤيد ما ذهبنا إليه؛ مفادها أنه لو تحقق الغدير لما اختلف في هذه الأُمّة سيفان(21) أي لما تحارب اثنان وهذه حقيقة واقعية. أما الحروب التي خاضها الإمام فلم تكن لتقع لو تحقق الغدير كما أراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ولكنها فُرضت على الإمام سلام الله عليه من قِبل أولئك الذين مكّنهم الأسبقون الذين لم يروقهم تحقق الغدير.
فصرنا نشهد على مرّ التاريخ حروباً ودماراً وظلماً وفساداً وهتكاً للحرمات حتى آل الأمر إلى ما نشهد اليوم من حروب وتفجيرات وقتل وعنف في كل بقاع العالم تقريباً، فهذا يقتل ذاك وذاك يظلم هذا، وعمليات خطف وإبادة ودمار في كل مكان! وهذا ما حذّرت منه مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بقولها: ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً(22).
بعبارة أخرى: إن الهدف الذي سيظهر من أجله الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف كان سيتحقق على يد الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، لو استقاموا على دين النبي صلى الله عليه وآله وائتمروا به.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) بحار الأنوار: 97 / 362 ح 6، زيارات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام المختصة.
(2) راجع الهداية للصدوق: 157 – 162، حديث المنزلة والاستدلال عليه.
(3) نهج الحق: 289.
(4) روي عن عبد الرحمن بن عبد الباري قال : خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر: نعمت البدعة هذه. عن دلائل الصدق للمظفّر: 3 / 78. صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 342.
(5) راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير: 2 / 460 أحداث سنة 23.
(6) الشافي في الإمامة للشريف المرتضى: 1 / 202.
(7) روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: لمّا قدم أمير المؤمنين سلام الله عليه الكوفة أمر الحسن بن علي سلام الله عليه أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة. فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليهما السلام، صاحوا: وا عمراه وا عمراه! فلمّا رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام، قال: ما هذا الصوت؟ ... فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم صلّوا. تهذيب الأحكام: 3 / 70 ح 30.
(8) البقرة: 256.
(9) راجع أمالي المفيد: 14 مجلس3.
(10) انظر تفسير فرات الكوفي: 111 ح113 الآية69 من سورة النساء.
(11) المصدر نفسه.
(12) قال عليه السلام: «كلمة حقّ يراد بها باطل»! انظر نهج البلاغة: 82، رقم40 من كلام له عليه السلام في الخوارج لمّا سمع قولهم «لا حكم إلاّ لله».
(13) راجع بحار الأنوار: 33 / 343 - 419 باب23 قتال الخوارج واحتجاجاته صلوات الله عليه.
(14) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/490، عنه بحار الأنوار: 33/343 باب23 رقم587.
(15) تاريخ دمشق لابن عساكر: 2/209 ح703 ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام _ المحمودي _ .
(16) كتاب سليم: ص252.
(17) بحار الأنوار: 6 / 215.
(18) التهذيب: 3 / 143 ح1 باب صلاة الغدير.
(19) راجع أعيان النساء للحكيمي: 349، ترجمة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام.
(20) الكافي: 1 / 253، ح9.
(21) حلية الأبرار للبحراني: 2/76 ح1 الباب9 من خطبة الإمام الحسين عليه السلام.
(22) راجع معاني الأخبار للصدوق: 336 _ 338، باب معنى قول فاطمة عليها السلام لنساء المهاجرين والأنصار في علّتها.