دَعَتْ المَرجَعيَّةُ الدينيّةُ العُليَا في النَجَفِ الأشرَفِ ,
اليَومَ , الجُمْعَةَ , الثَامِن والعشرين مِنْ ِ ذي الحجّةِ الحَرَامِ
,1437 هجري, المُوافقَ , ل, الثلاثين مِنْ , أيلولِ ,2016م .
وعلى لِسَانِ , وَكيلِها الشَرعي , السَيّد أحمَد الصَافِي
, خَطيبِ , وإمَامِ الجُمعَةِ في الحَرَمِ الحُسَيني الشَريفِ.

إلى الالتِزَامِ بالقَوانينِ العُقَلائيّةِ , والتي أمضتْهَا الشَريعَةُ الإسلاميّةُ المُقدّسَةُ.

واعتَبرتْهَا نَوعَاً مِنْ التَربيّةِ للإنسَانِ ورِعَايةَ حُقوقِه وحِفظاًَ لنِظَامِه البَشَري.

... وقَرَأتْ الآيَاتِ الشَريفةَ في قَولِه تَعَالَى:

((الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22))) الرَعد.

... إنَّ هذه الآيَاتِ الشَريفةَ ,و مَا قَبلَهَا ,ومَا بَعدهَا تَتَحَدّثُ عن التزَامَاتٍ بَين اللهِ وعِبَادِه .

فاللهُ تعََالى يٌشَدّدُ على أنّ هذه الالتزاماتْ , لا بُدّ مِنْ الإيفَاءِ بِهَا .

وإنَّ هذه الالتِزَامَاتِ والمَواثيقَ , هي نَوعٌ مِنْ احترَامِ الشَخصِ لنَفسِه .

والإنسانُ عندما يَحترم نفسَه, يَلتَزِم بالعهودِ والمَواثيقِ التي أبرمَها مع اللهِ تعالى والآخرين.

وبِخِلافِ ذلك , أي إنْ لم يلتزم الإنسَانُ سَتَكون هناك عَاقبةٌ سَيّئةٌ ,

لأنّه يدرك في قرارةِ نفسه , أنّه قد خَالفَ وكَابرَ حينما يَنقض العَهدَ وسَيُؤنِبَه ضَميرُه , ولاتَ حين مَندَمِ.

وكُلّمَا كانَتْ الالتزاماتُ واسِعةً ,كُلمَا كانتْ المسؤوليةُ أعظمَ

وإنَّ مَسَألةَ الحِسَابِ والثوابِ والعقابِ , هي مسألةٌ عُقلائيةٌ دَرجَ عليها العُقلاءُ في تنظيمِ أمورهِم الحياتيّةِ,

تَعايشاً وسُلُوكاً وضَبطَاً ونِظامَا.

وقَننَوا لذلك قَوانينَ , ثم احترموها وحَاسبوا مَنْ يُخالفُ وأثابوا مَنْ يَلتزمُ.

ونحن عندنا قانونُ اللهِ فلا بُدّ مِنْ أنْ يُحتَرمَ والشَريعةُ الحَكيمةُ قد أمضَتْ القوانينَ التي وضعها العُقلاءُ

بما تتَطابقُ مع أغراضها ومَقاصدِها الصحيحةِ ,سواء أكانتْ هذه القوانينُ قَوانينَ للأسرةِ أو للدولةِ.

وأما إذا ضَربنَا القَانونَ عَرضَ الحائطِ , لقوةٍ أم مُكنَةٍ أو مَرتبةٍ

أو لم نَضَع قانوناً أصلاً , سَتتَحولُ الحيَاةُ إلى فَوضى وسَتَحكمُها شَريعةُ الغََابِ .

وإن كان العِلمُ الحديثُ قد أثبتَ أنّ لبعض فئاتِ وأصنافِ الحيواناتِ قَوانينٌ خاصةٌ بها وبحسبها.
والبشرُ سيَتحَولُ حاله إلى أسوءِ مِنْ شَريعةِ الغَابِ,

إذا لم يلتزم بالقوانين الصحيحةِ, عُقلائياً والمًوافقةِ للشريعةِ الإسلاميّةِ .
لأنّ مَنْ يَأمَن الحِسَابِ سَيرتَكِبُ مَا هو أسوَأ .

وإنّ عمليةَ الالتزامِ أو احترامَ القانونِ , تكون بالمُحاسبةِ والمُراقبةِ الذاتيةِ والخارجيّةِ ,

وإنّ المُراقبَةَ الذاتيةَّ (الوجدان والضمير ) هي أفضلُ أنواعِ الضَبطِ .

وإذا لم يكن هناك ضابطٌ ذاتي ولا خارجي بمؤسّسةٍ أو بكاميراتٍ أو بغيرها سَيتَمَلّصُ الإنسانُ وسَيُخالِفُ .

والآياتُ الشَريفةُ تَحدّثتَْ عَن حَالةِ الالتزامِ بالمواثيقِ والعهودِ

بما هو أعمُ وأشمَلُ, للأسرةِ والسياسةِ والمِدينةِ والدولةِ والمُجتمعِ.

... ومِنْ النَاسِ مَن يَرى نفسه هو القانونَ ,وقد يُحَدِدَه على مَقاسَاته ووفقِ مَا يُريدُ .

وهذا أسوأ ما يُبتلى به النَاسُ , ولذلك قَالَ اللهُ تعالى :

((وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ))(25)الرعد.

فالذين لا يلتزمون بكُلِّ شَيءٍ , هم مُفسدون في الأرضِ و يتّخِدَهم الفاسدون قُدوةً لهم.

وأما :
((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ))

فيصبرون على البلاءِ بنفسٍ عارفةٍ وصابرةٍ ومُتوقعةٍ لرجاءِ اللهِ ورحمته.

... فهناك صبرٌ وإقامةُ صلاةٍ وانفاقٌ سراً وعلانيةُ, ودرءُ للسيئةِ بالحَسَنةِ.

فمَنْ يتصفُ بتلك الصِفَاتِ السَاميّةِ والكبيرةِ فهو ذو نفسٍ ساميةٍ وكبيرةٍ

ومَنْ لا يلتزم فهو ذو نفسٍ وضيعَةٍ .

ومَنْ يُحَارِبُ الآخرين مِمَنْ بيده مُقَدّراتِ الناسِ المَاليّةِ, حاله حال قارون ,الذي كان يَكنزُ المَالَ

الذي جمعه
بكَسب غير مشروعٍ وبتعدٍ وظلمٍ وانتهاكٍ.

... إنّ أميرَ المؤمنين عَليّأً – عليه السَلامُ- كان يكنسُ بيتَ المَالِ

ولا يَمنعُ المَالَ ولا يحبسه عن مُستحقيه وأهله .

فمنعُ المَالِ عن مُستحقيه جَريمةٌ وإنّ إعطاءه لغيرِ أهله جريمةٌ.

إذ قيمةٌ المًالٍ بإنفاقه في مواضعه ومَصالحه العَامَةِ.

وعلينا أنْ نتحلى بدفعِ السيئاتِ بالحسناتِ, وهذا هو الخُلقُ العَالي والرفيعُ

ومَنْ يَظنُ أنّ الحديثَ عن قارونَ يَشملُ مَن في وقته ولا يشمله فهو كلامٌ وفَهم مَغلوطٌ.

ونحن في ظرفٍ فيه بلاءٌ وتُوجدُ حالةُ مِن الصَبرِ والإقدام على ما أراده اللهُ تعالى لنا.

فَنَحتاجُ للالتزامِ بالعهودِ والمَواثيقِ , لأنّ مَن يَحبسُ الحَقَّ ويَمنَعَه

ويَقطعُ ما أمرَ اللهُ به أن يُوصَلَ ومَنْ يفسد في الأرضِ ستكون له النقمةَ وسوءَ العاقبةِ وسوءَ الدارِ.

دُعَائُنا للمُجَاهِدين والمُقاتلين في الجبهاتِ بالحفظِ والنَصرِ

وأنْ تكون هذه السَنةُ الجديدةُ سنةَ خيرٍ

للمؤمنين والمؤمناتِ في مَشَارِق الأرضِ ومَغارِبهَا.

______________________________________________


حَفَظَ اللهُ ونَصَرَ قواتَنَا المُجَاهِدَةَ وحَشْدَنَا المُقَاوِمَ .

والرَحمَةُ والرضوانُ على شُهدائِنَا الأبرَارِ

______________________________________________

تَدْوينُ – مُرتَضَى عَلي الحِليّ –

______________________________________________

الجُمعَةُ - الثامِنُ والعشرون مِنْ ذي الحجةِ الحَرَامِ - 1437, هجري .

الثلاثون مِنْ أيلول - 2016 م .

______________________________________________