في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (80)

قال تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ )سورة البقرة الاية 158 .
نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة
اولا : الشعائر والشرائع والصفا والمروة
1- (شَعَآئِرِ) : جمع: شعيرة، وهي العلامة، وشعائر اللّه العلامات التي تذكّر الإنسان باللّه وتوحي إليه بالمشاعر الروحية، وجاء في مجمع البيان: «والشعائر: المعالم للأعمال، وشعائر اللّه: معالمه التي جعلها مواطن للعبادة، وكلّ معلم لعبادةٍ من دعاء أو صلاة أو غيرهما فهو مشعر لتلك العبادة»
2- الشرائع: لغة: جمع شريعة وشرعة، ومشرعة الماء (هي مورد الشارب)، وهو الموضع الذي ينحدر منه الماء، بحيث يكون ظاهرا. ومعنى الشريعة هي الطريقة وهي اخص من الدين فكأن الشريعة هي الطريقة الممهدة لأمة من الأمم أو لنبي من الأنبياء الذين بعثوا بها كشريعة نوح وشريعة إبراهيم وشريعة موسى وشريعة عيسى وشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدين هو السنة والطريقة الإلهية العامة لجميع الأمم فالشريعة تقبل النسخ دون الدين بمعناه الوسيع.
3- ( الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ ) : الصفا: في الأصل الحجر الأملس، مأخوذ من الصفو، واحده صفاة. والمروة: في الأصل الحجارة اللينة، وقيل: الحصاة الصغيرة، وقد صارا عَلَمين لجبلين صغيرين في مكة يفصل بينهما 430 متراً تقريباً، وارتفاع الصفا خمسة عشر متراً، والمروة ثمانية أمتار.

ثانيا : ان السعي واجب بين الصفا والمروة في عمرة التمتع وحج التمتع.
قد يتوهم بعضهم فيقول ان السعي جاء هنا بعدم الجناح وهو لا يفيد الا جواز الفعل فقط والذي هو اعم من الواجب والمستحب والمباح وعدم الاثم ، مع ان الفقهاء جميعا يقولون ان السعي واجب بالاجماع فتامل ؟.
اقول :
1- كان بعض المسلمين يشعر بالحرج بالطواف بين الصفا والمروة لانه يرى ان الصفا والمروة يرتبط بمظاهر الشرك قبل الاسلام ،وذلك لان الاصنام كانت منصوبة في هذين المكانين ،ومن اجل بتديد وازالة هذه الفكرة من اذهان المسلمين جاءت هذه الاية المباركة لكي تضع شعيرة الصفا والمروة في خط التوحيد وان وجود الاصنام في موقع معين لا يضر بالتوحيد كما كانت الكعبة المشرفة وحولها الاصنام، فقال تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) .
عن الصادق عليه السلام : في حديث حج النبي عليه السلام : بعد ما طاف بالبيت وصلى ركعتيه قال : صلى الله عليه وآله وسلم إن الصفا والمروة من شعائر الله فابدا بما بدا الله عز وجل ، وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شئ صنعه المشركون فأنزل الله إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما .
وفي الدرّ المنثور عن عامر الشعبي قال: «كان وثن بالصفا يدعى إساف ووثن بالمروة يدعى نائلة، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويمسحون الوثنين، فلمّا قدم رسول اللّه (ص) قالوا: يا رسول اللّه، إنَّ الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنَيْن، وليس الطواف بهما من الشعائر! فأنزل اللّه: ] إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ[ الآية. فذكَّر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه، وأُنِّثَتْ المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنّثاً»
2- اما بيان حكم الصفا والمروة وهل هو فرض أو ندب فيستفاد من دليل آخر ، وقد تواترت السنة النبوية ، وأجمع المسلمون على وجوب السعي في عمرة التمتع وحج التمتع . واليك بعض الروايات التي تدل على وجوب السعي بين الصفا والمروة
عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل ترك السعي متعمدا، قال: عليه الحج من قابل.
عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) أنه قال في رجل ترك السعي متعمدا، قال: لا حج له.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: رجل نسي السعي بين الصفا والمروة، قال: يعيد السعي، قلت: فإنه خرج " فاته ذلك حتى خرج خ ل " قال: يرجع فيعيد السعي .
3- استحباب السعي بين الصفا والمروة (ومَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهً شاكِرٌ عَلِيمٌ ) . أي من تبرع بالسعي بين الصفا والمروة بعد ما أدى الواجب الذي عليه فان اللَّه يجزيه بالإحسان على إحسانه .

ثالثا : فلسفة السعي بين الصفا والمروة
كل افعال الحج لها فلسفة ،والسعي بين الصفا والمروة له فلسفة خاصة فان السعي يعني الكدح والحركة في الحياة على المستوى المادي والمعنوي (يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ) وعلى الانسان ان يسعى من اجل القرب الالهي وان يسعى من اجل عمارة الحياة كما قال امير المؤمنين عليه السلام اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كانك تموت غدا .
ان ابراهيم عليه السلام ترك زوجته هاجر وولده في ارض جرداء لا ماء فيها ولا زرع ،لذلك لما احتاجت الى الماء سعت من اجل الحصول على الماء ولم تتكل وتقول ان الماء سوف ياتي وانا جالسة مع يقينها بالله والتوكل عليه لانها قالت لزوجها عندما تركها إلى من تكلنا؟ الله أمرك بذلك؟ فقال سيدنا إبراهيم : نعم. فقالت : إذن لن يضيعنا ،لذلك وبينما هي تبحث اذ نبع الماء وهو ماء زمزم من رجل اسماعيل عليه السلام ، وهنا نستفيد مع الثقة بالله والتوكل عليه يجب ان لا يترك الانسان السعي من اجل بناء النفس والحياة وعمارة الارض من اجل سعادة الانسان في الدنيا والاخرة.