بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إنّ ثمّة مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الأبوين بالدرجة الأولى تتمثّل بتعليم الولد العقائد الصحيحة وإبعاده وتحذيره من العقائد المنحرفة، وينبغي أن يتمّ ذلك بأسلوب يتّسم بالحكمة ويراعي مدركات الطفل وطاقته العقلية والذهنية، ويمكن الإشارة إلى أهم المعارف الدينية التي علينا إقناع الطفل بها وتوجيهه نحوها:
1- الإيمان بالله سبحانه وتعالى:
يقول الإمام زين العابدين(ع) فيما روي عنه في رسالة الحقوق وهو يبيّن حقوق الولد على ولده: "... وإنّك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة على طاعته"(1)، فثمّة مسؤولية -إذن- على الأب في أن يدلّ ابنه على ربّه وخالقه، بذكر البراهين التي تناسب عقله وعمره دون أن تقدّم له انطباعاً سلبياً أو صورة خاطئة عن الله وصفاته، لأنّ الطفل كثيراً ما يتخيّل الإله بصورة حسيَّة وأنه جسم وله رأس ورجلان ويدان وما إلى ذلك، ما يفرض تقديم تصوّر مقبول عن الإله يبتعد قدر المستطاع عن أجواء التشبيه والتجسيم، ومن جهة أخرى فإنّ الحكمة تقضي تعريفه على الله سبحانه من خلال صفات الرحمة والمحبة ونحوها من الصفات التي يرتاح الطفل لها وتشدّه نحو خالقه، ومن الخطأ البيّن أن نبادر إلى تقديم "الله" إليه من خلال صفات الجبروت والقهارية، بطريقة توحي إليه بأنّ خالقه أشبه بكائن جلّاد يُعذِّب ويجلد ويشنق... إلى غير ذلك من صفات القسوة التي يكثر تردادها مع الطفل ومخاطبته بها، في محاولة للحدّ من تصرفاته المزعجة للأبوين، إنّ المطلوب اجتناب هذا الأسلوب حتى لا تغدو صورة الله جلّ جلاله في ذهنه مرادفة لصور الرعب والخوف، إنَّ المربي مسؤول أن يزرع في الطفل حبّ الله لا الخوف والذعر منه، ليشعر -الطفل- بالارتياح عند ذكر الله والحديث عنه، بدل أن يشكّل ذكره كابوساً يوتّر أعصابه.
هذا كلّه فيما لو بلغ الطفل مرحلة من الإدراك يصبح معها قادراً على تفهّم مسألة الاعتقاد بالله ودلائل وجوده أو وحدانيّته، إمّا إذا لم يصل بعد إلى تلك المرحلة فإنّ من المناسب حينئذٍ تعليمه كلمة التوحيد ليردّدها ويحفظها وإن لم يدرك معناها في هذه المرحلة لتكون هذه الكلمة هي أول كلمة يختزنها في ذهنه، ففي الحديث عن رسول الله(ص): "إذا أفصحوا -أولادكم- فعلموهم لا إله إلا الله"(2) وفي رواية أخرى عنه(ص): "افتحوا على صبيانكم أول كلمة: لا إله إلا الله..."(3).
2 ــ الإيمان بيوم الحساب:
وعلينا أن نقرّب فكرة القيامة إلى الطفل بما تمثّله من معنى المحاسبة وإقامة العدل وإحقاق الحقّ ومحاسبة المجرمين وإكرام المحسنين، الأمر الذي يخلق لديه -كما لدى الكبير- شعوراً برقابة إلهية تدفعه للالتزام بكلّ قيم الصدق والمحبة والرحمة والتعاون... والابتعاد عن الكذب والخداع والظلم، لأنّه -أي الطفل- بعين الله الذي لا تخفى عليه خافية وسوف يحاسب الإنسان يوم القيامة على كلّ صغيرة وكبيرة، وينبغي قدر المستطاع الابتعاد عن الصور المرعبة لنار جهنّم والتي قد لا يتحملها عقل الطفل وقد تترك لديه انطباعات سلبية عن الخالق أو تخلق له بعض المشاكل النفسية كما أشرنا سابقاً.
3 ــ محبّة النبيّ(ص) وأهل بيته(ع):
ومن مسؤولية التربية الدينية أن تُعرِّف الطفل على رسول الله(ص) بما يمثّل من قيمة إنسانية وأخلاقية سامية وما يحمل من رسالة سماوية خالدة تهدف إلى خير الإنسان وسعادته في الدارين، والأمر عينه ينطبق على أئمّة أهل البيت(ع) بما يمثّلون من امتداد لرسول الله(ص) واستمرار لمعنى رسالته، ويجدر بنا التركيز على طفولة النبيّ(ص) والأئمة(ع) وعلى سلوكياتهم وأخلاقياتهم في هذه المرحلة، فإنّ ذلك أدعى لارتباط الطفل بهم.
4 ــ ربطه بالقرآن:
وهكذا ينبغي توجيه الطفل نحو القرآن بما يمثّله من غذاء للروح والجسد والعقل وكتاب للحياة يستهدف هداية الإنسان والانتقال به من ظلمات الجهل والظلم والكفر إلى نور العلم والعدل والإيمان، وقد جمع النبيّ(ص) ذلك كلّه في جملة واحدة فقال -فيما روي عنه- :"أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن، فإنَّ حملة القرآن في ظلّ الله يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلّه مع أنبيائه وأصفيائه"(4).
ويلاحظ أن الحديث المذكور لم يطلب من الآباء أو الأمهات مجرّد تعريف الولد برسول الله(ص) وأهل بيته، بل دعاهم إلى تأديبه وتربيته على محبّتهم(ع)، والمحبة لا تقوم بغير المعرفة، فالمطلوب -إذن- بذل جهد مزدوج يعمل على إدخال النبيّ(ص) وأهل بيته(ع) إلى عقل الطفل ثم إلى قلبه، كيلا تكون المعرفة جامدة جافة بل حيوية فاعلة.
وبالعودة إلى تعليم القرآن، فإنّ بعض الروايات تؤكّد بأنّ ذلك حقّ من حقوق الولد على والده(5)، وتتحدّث روايات أخرى عن الأجر العظيم للأبوين إذا ما علّما إبنهما القرآن، فقد ورد عنه(ص): "... ومن علَّمه القرآن دعي بالأبوين فيكسيان حلتين يضيئ من نورهما وجوه أهل الجنّة"(6).
التحذير من العقائد المنحرفة:
ولا تنتهي مسؤولية التربية الدينية والقائمين عليها عند توجيه الطفل نحو العقائد الإيمانية الصحيحة، بل لا بدَّ أن يواكبها عمل آخر يكمّلها ويحصّنها، ألاَ وهو إبعاده أو تحذيره من العقائد المنحرفة والباطلة المتمثّلة بالإلحاد أو الكفر بالله ورسله وكتبه ونعمه أو غير ذلك، وتعتبر مهمة التحصين أصعب بكثير من مهمة البناء العقائدي، لأنَّ البناء عمل سهل نسبياً يعتمد على أُسس واضحة وأدّلة فطرية، بينما التحصين يستدعي استنفاراً في ردّ الشبهات وملاحقتها بغية تفنيدها قبل أن تأتي على البناء العقائدي برمّته وتشوّه نقاءه، وتحوّل -في حال استفحالها- المؤمن إلى ملحد عنيد يحارب الدين وأهله، قال الشاعر:
أرى ألف بانٍ لا يقوم بهادم فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم؟
ويزداد أمر التحصين صعوبة في زماننا هذا الذي انتشرت فيه الأفكار المنحرفة وتنوّعت، وأضحت تغزو عقول الأطفال وتلوّث فطرتهم الصافية متسللة من خلال وسائل التواصل الحديثة من التلفاز إلى عالم الانترنت وغيره، ووصل الأمر إلى حدّ انتشار ما يعرف بعبادة الشيطان مع ما يرافق هذه العبادة من أعمال منحرفة تدميريّة، وقد وجدنا في النصوص الإسلامية أن الأئمة من أهل البيت(ع) قد نبّهوا إلى ضرورة متابعة أفكار الأبناء ومعتقداتهم في سبيل توجيههم وتركيز إيمانهم على قاعدة سليمة،
ففي الحديث عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): "بادروا أحداثكم(7) بالحديث (يقصد الحديث عن العقائد الصحيحة) قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة"(8)، وفي الحديث المعروف بحديث الأربعمائة الذي رواه الشيخ الصدوق في الخصال بسنده إلى أبي عبد الله الصادق(ع) عن أبيه(ع) عن جدّه عن عليّ(ع) قال: "علِّموا صبيانكم مِنْ علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها"(9)، والمرجئة: فرقة إسلامية لها بعض الآراء الباطلة من أخطرها: أنّ العمل لا أصالة له في الإيمان، وأنّ القيمة كلّ القيمة هي للنوايا الطيبة فحسب، إنّ فكرة الأرجاء هذه التي تجد لها الكثير من الأنصار في زماننا تشكّل خطراً على استقرار المجتمع وأخلاقه، لأنّها بشكل أو بآخر تشجّع على التحلّل أو التفلُّت الأخلاقي، لأنّ الفهم -وفق هذه الفكرة- أن تكون نيّة المرء سليمة، وأما فعله وسلوكه فليس بذي شأن أو أهمية، وربّما يكون هذا الاعتقاد الذي عُرفت به هذه الفرقة هو السِّر في تحذير الإمام منها تحديداً على الأحداث، لأنّهم وبحكم فوران الغريزة لديهم أسرع للانسياق وراء الشهوات، لاسيما إذا ما وجدوا مبرّراً دينياً لذلك.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إنّ ثمّة مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الأبوين بالدرجة الأولى تتمثّل بتعليم الولد العقائد الصحيحة وإبعاده وتحذيره من العقائد المنحرفة، وينبغي أن يتمّ ذلك بأسلوب يتّسم بالحكمة ويراعي مدركات الطفل وطاقته العقلية والذهنية، ويمكن الإشارة إلى أهم المعارف الدينية التي علينا إقناع الطفل بها وتوجيهه نحوها:
1- الإيمان بالله سبحانه وتعالى:
يقول الإمام زين العابدين(ع) فيما روي عنه في رسالة الحقوق وهو يبيّن حقوق الولد على ولده: "... وإنّك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة على طاعته"(1)، فثمّة مسؤولية -إذن- على الأب في أن يدلّ ابنه على ربّه وخالقه، بذكر البراهين التي تناسب عقله وعمره دون أن تقدّم له انطباعاً سلبياً أو صورة خاطئة عن الله وصفاته، لأنّ الطفل كثيراً ما يتخيّل الإله بصورة حسيَّة وأنه جسم وله رأس ورجلان ويدان وما إلى ذلك، ما يفرض تقديم تصوّر مقبول عن الإله يبتعد قدر المستطاع عن أجواء التشبيه والتجسيم، ومن جهة أخرى فإنّ الحكمة تقضي تعريفه على الله سبحانه من خلال صفات الرحمة والمحبة ونحوها من الصفات التي يرتاح الطفل لها وتشدّه نحو خالقه، ومن الخطأ البيّن أن نبادر إلى تقديم "الله" إليه من خلال صفات الجبروت والقهارية، بطريقة توحي إليه بأنّ خالقه أشبه بكائن جلّاد يُعذِّب ويجلد ويشنق... إلى غير ذلك من صفات القسوة التي يكثر تردادها مع الطفل ومخاطبته بها، في محاولة للحدّ من تصرفاته المزعجة للأبوين، إنّ المطلوب اجتناب هذا الأسلوب حتى لا تغدو صورة الله جلّ جلاله في ذهنه مرادفة لصور الرعب والخوف، إنَّ المربي مسؤول أن يزرع في الطفل حبّ الله لا الخوف والذعر منه، ليشعر -الطفل- بالارتياح عند ذكر الله والحديث عنه، بدل أن يشكّل ذكره كابوساً يوتّر أعصابه.
هذا كلّه فيما لو بلغ الطفل مرحلة من الإدراك يصبح معها قادراً على تفهّم مسألة الاعتقاد بالله ودلائل وجوده أو وحدانيّته، إمّا إذا لم يصل بعد إلى تلك المرحلة فإنّ من المناسب حينئذٍ تعليمه كلمة التوحيد ليردّدها ويحفظها وإن لم يدرك معناها في هذه المرحلة لتكون هذه الكلمة هي أول كلمة يختزنها في ذهنه، ففي الحديث عن رسول الله(ص): "إذا أفصحوا -أولادكم- فعلموهم لا إله إلا الله"(2) وفي رواية أخرى عنه(ص): "افتحوا على صبيانكم أول كلمة: لا إله إلا الله..."(3).
2 ــ الإيمان بيوم الحساب:
وعلينا أن نقرّب فكرة القيامة إلى الطفل بما تمثّله من معنى المحاسبة وإقامة العدل وإحقاق الحقّ ومحاسبة المجرمين وإكرام المحسنين، الأمر الذي يخلق لديه -كما لدى الكبير- شعوراً برقابة إلهية تدفعه للالتزام بكلّ قيم الصدق والمحبة والرحمة والتعاون... والابتعاد عن الكذب والخداع والظلم، لأنّه -أي الطفل- بعين الله الذي لا تخفى عليه خافية وسوف يحاسب الإنسان يوم القيامة على كلّ صغيرة وكبيرة، وينبغي قدر المستطاع الابتعاد عن الصور المرعبة لنار جهنّم والتي قد لا يتحملها عقل الطفل وقد تترك لديه انطباعات سلبية عن الخالق أو تخلق له بعض المشاكل النفسية كما أشرنا سابقاً.
3 ــ محبّة النبيّ(ص) وأهل بيته(ع):
ومن مسؤولية التربية الدينية أن تُعرِّف الطفل على رسول الله(ص) بما يمثّل من قيمة إنسانية وأخلاقية سامية وما يحمل من رسالة سماوية خالدة تهدف إلى خير الإنسان وسعادته في الدارين، والأمر عينه ينطبق على أئمّة أهل البيت(ع) بما يمثّلون من امتداد لرسول الله(ص) واستمرار لمعنى رسالته، ويجدر بنا التركيز على طفولة النبيّ(ص) والأئمة(ع) وعلى سلوكياتهم وأخلاقياتهم في هذه المرحلة، فإنّ ذلك أدعى لارتباط الطفل بهم.
4 ــ ربطه بالقرآن:
وهكذا ينبغي توجيه الطفل نحو القرآن بما يمثّله من غذاء للروح والجسد والعقل وكتاب للحياة يستهدف هداية الإنسان والانتقال به من ظلمات الجهل والظلم والكفر إلى نور العلم والعدل والإيمان، وقد جمع النبيّ(ص) ذلك كلّه في جملة واحدة فقال -فيما روي عنه- :"أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن، فإنَّ حملة القرآن في ظلّ الله يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلّه مع أنبيائه وأصفيائه"(4).
ويلاحظ أن الحديث المذكور لم يطلب من الآباء أو الأمهات مجرّد تعريف الولد برسول الله(ص) وأهل بيته، بل دعاهم إلى تأديبه وتربيته على محبّتهم(ع)، والمحبة لا تقوم بغير المعرفة، فالمطلوب -إذن- بذل جهد مزدوج يعمل على إدخال النبيّ(ص) وأهل بيته(ع) إلى عقل الطفل ثم إلى قلبه، كيلا تكون المعرفة جامدة جافة بل حيوية فاعلة.
وبالعودة إلى تعليم القرآن، فإنّ بعض الروايات تؤكّد بأنّ ذلك حقّ من حقوق الولد على والده(5)، وتتحدّث روايات أخرى عن الأجر العظيم للأبوين إذا ما علّما إبنهما القرآن، فقد ورد عنه(ص): "... ومن علَّمه القرآن دعي بالأبوين فيكسيان حلتين يضيئ من نورهما وجوه أهل الجنّة"(6).
التحذير من العقائد المنحرفة:
ولا تنتهي مسؤولية التربية الدينية والقائمين عليها عند توجيه الطفل نحو العقائد الإيمانية الصحيحة، بل لا بدَّ أن يواكبها عمل آخر يكمّلها ويحصّنها، ألاَ وهو إبعاده أو تحذيره من العقائد المنحرفة والباطلة المتمثّلة بالإلحاد أو الكفر بالله ورسله وكتبه ونعمه أو غير ذلك، وتعتبر مهمة التحصين أصعب بكثير من مهمة البناء العقائدي، لأنَّ البناء عمل سهل نسبياً يعتمد على أُسس واضحة وأدّلة فطرية، بينما التحصين يستدعي استنفاراً في ردّ الشبهات وملاحقتها بغية تفنيدها قبل أن تأتي على البناء العقائدي برمّته وتشوّه نقاءه، وتحوّل -في حال استفحالها- المؤمن إلى ملحد عنيد يحارب الدين وأهله، قال الشاعر:
أرى ألف بانٍ لا يقوم بهادم فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم؟
ويزداد أمر التحصين صعوبة في زماننا هذا الذي انتشرت فيه الأفكار المنحرفة وتنوّعت، وأضحت تغزو عقول الأطفال وتلوّث فطرتهم الصافية متسللة من خلال وسائل التواصل الحديثة من التلفاز إلى عالم الانترنت وغيره، ووصل الأمر إلى حدّ انتشار ما يعرف بعبادة الشيطان مع ما يرافق هذه العبادة من أعمال منحرفة تدميريّة، وقد وجدنا في النصوص الإسلامية أن الأئمة من أهل البيت(ع) قد نبّهوا إلى ضرورة متابعة أفكار الأبناء ومعتقداتهم في سبيل توجيههم وتركيز إيمانهم على قاعدة سليمة،
ففي الحديث عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): "بادروا أحداثكم(7) بالحديث (يقصد الحديث عن العقائد الصحيحة) قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة"(8)، وفي الحديث المعروف بحديث الأربعمائة الذي رواه الشيخ الصدوق في الخصال بسنده إلى أبي عبد الله الصادق(ع) عن أبيه(ع) عن جدّه عن عليّ(ع) قال: "علِّموا صبيانكم مِنْ علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها"(9)، والمرجئة: فرقة إسلامية لها بعض الآراء الباطلة من أخطرها: أنّ العمل لا أصالة له في الإيمان، وأنّ القيمة كلّ القيمة هي للنوايا الطيبة فحسب، إنّ فكرة الأرجاء هذه التي تجد لها الكثير من الأنصار في زماننا تشكّل خطراً على استقرار المجتمع وأخلاقه، لأنّها بشكل أو بآخر تشجّع على التحلّل أو التفلُّت الأخلاقي، لأنّ الفهم -وفق هذه الفكرة- أن تكون نيّة المرء سليمة، وأما فعله وسلوكه فليس بذي شأن أو أهمية، وربّما يكون هذا الاعتقاد الذي عُرفت به هذه الفرقة هو السِّر في تحذير الإمام منها تحديداً على الأحداث، لأنّهم وبحكم فوران الغريزة لديهم أسرع للانسياق وراء الشهوات، لاسيما إذا ما وجدوا مبرّراً دينياً لذلك.
________________________________________
(1) من لا يحضره الفقيه: 2/622.
(2) كنز العمال: 16/440.
(3) المصدر السابق: 16/441.
(4) كنز العمال: 16/456.
(5) الكافي: 6/48.
(6) المصدر السابق: 6/49.
(7) وفي نسخة أولادكم.
(8) الكافي: ج6/47.
(9) الخصال: 611.
المصدر: كتاب "حقوق الطفل في الإسلام": الشيخ حسين الخشن