بسم الله الرحمن الرحيم
قال الامام الحسين: (مرضت مرضاً شديداً، فقال لي أبي : ما تشتهي؟ فقلت: أشتهي أن أكون ممّن لا اقترح على الله ربّي سوى ما يدبّره لي.

فقال لي: أحسنت، ضاهيت إبراهيم الخليل (صلوات الله عليه)، حيث قال له جبرئيل : هل من حاجة؟ فقال: لا أقترح على ربّي، بل حسبي الله ونعم الوكيل).(1)

لا شكّ أنّ استقلال الإنسان الفكري والروحي لا يسمح له أن يستسلم لأحد بدون قيد أو شرط، لأنّه إنسان مثله، ومن الممكن أن تكون له أخطاء واشتباهات في المسائل.
أمّا إذا انتهت المسألة إلى اللَّه العالم والحكيم، والنّبي الذي يتحدّث عنه ويسير بأمره، فإنّ عدم التسليم المطلق دليل على الضلال والانحراف، حيث لا يوجد أدنى اشتباه في أوامره سبحانه. إضافةً إلى أنّ أمره حافظ لمنافع الإنسان نفسه، ولا يعود شي‏ء على ذاته المقدّسة، فهل يوجد إنسان عاقل يسحق مصالحه برجله بعد تشخيص هذه الحقيقة؟
إنّ «الإسلام» أخذ من مادّة «التسليم»، وهو يشير إلى هــــــــــــــــــذه الحـــــــــــــــقــــــــــــــــــــــيــــــــ ــقـــــــــــــــة، وبناءً على هذا فإنّ كلّ إنسان يتمتّع بروح الإسلام بمقدار تسليمه للَّه‏ سبحانه وينقسم الناس عدّة أقسام من هذه الناحية: فقسم يسلّمون لأمر اللَّه في الموارد التي تنفعهم فقط، وهؤلاء في الحقيقة مشركون انتحلوا اسم الإسلام، وعملهم تجزئة لأحكام اللَّه تعالى، فهم مصداق «نؤمن ببعض ونكفر ببعض» فإيمانهم في الحقيقة إيمان بمصالحهم لا باللَّه تعالى.
وآخرون جعلوا إرادتهم تبعاً لإرادة اللَّه، وإذا تعارضت منافعهم الزائلة مع أمر اللَّه سبحانه، فإنّهم يغضّون الطرف عنها ويسلّمون لأمر اللَّه، وهؤلاء هم المؤمنون والمسلمون الحقيقيون.
والقسم الثالث أسمى من هؤلاء، فهم لا يريدون إلّا ما أراد اللَّه، وليس في قلوبهم إلّا ما يشاؤه سبحانه، فقد بلغوا مرتبة من التسامي لا يحبّون معها إلّا ما يحبّه اللَّه، ولا يبغضون إلّا ما أبغضه اللَّه عزّ وجلّ.
هؤلاء هم الخاصّة والمخلصون والمقرّبون لديه، فقد صبغ التوحيد كلّ وجودهم، وغرقوا في حبّه، وفنوا في جماله‏.


( دعوات الراوندي: ص 168.