في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (94)

قال تعالى( أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) سورة البقرة الاية من 184 الى 185.
نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة
اولا :معنى الايام المعدودة

هناك رايان في الايام المعدودة
1- الراي الاول ؛ ان الله فرض الصيام ثلاثة ايام من كل شهر .......
2- والراي الاخر؛ ان الايام المعدودة هو شهر رمضان وهذا هو ما اجمع عليه الاكثر من العلماء والفقهاء ، روي عن الحسن عليه السلام قال «جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنّه قال له: لأي شيء فرض الله (عز وجل) الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوماً، وفرض الله على الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله (عز وجل) عليهم وكذلك كان على آدم عليه السلام، ففرض الله ذلك على أمتي، ثم تلا هذه الآية [من سورة البقرة]: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} "
ثانيا : الافطار في السفر والمرض واجب وليس رخصة

يختلف الشيعة عن المذاهب الاخرى بان الافطار في السفر واجب وليس رخصة،وفقهاء الشيعة انما ذهبوا الى ذلك تبعا لروايات النبي واهل البيت صلوات الله عليهم، فعن النبي صلى الله عليه واله قال ( ليس من البر الصيام في السفر) .وعن علي بن الحسين (عليه السلام) في حديث : قال : (وأمّا صوم السفر والمرض فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك, فقال قوم : يصوم, وقال آخرون: لا يصوم, وقال قوم : إن شاء صام وإن شاء أفطر, وأمّا نحن فنقول : يفطر في الحالين جميعاً, فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء, فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام أخر )
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( سمّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوماً صاموا حين أفطر وقصّر : عصاة, وقال : هم العصاة إلى يوم القيامة, وإنّا لنعرف أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا).
وقد يقال بان السفر في زماننا لا مشقة فيه لوجود الوسائل المريحة من الطائرات والسيارات وغيرها من وسائل النقل ،ولذلك يمكن للمكلف ان يصوم في السفر ولا يفطر .
والجواب عليه : ان الاحكام الشرعية الالهية من عند الله ولا يمكن للعقل البشري ان يدرك حقيقة ملاكات الاحكام والمصالح والمفاسد في نفس الاحكام حتى يستطيع ان يقرر المصلحة من المفسدة وبالتالي على الانسان ان يخضع لهذه الاحكام .
ثالثا : احكام القضاء في شهر رمضان

من فاته صوم شهر رمضان لعذرٍ أو بدونه وجب عليه قضاؤه في غيره من أيام السنة إلا يومي العيدين « الفطر والأضحى » فلا يجوز صومهما مطلقاً ، ويستثنى من وجوب القضاء
1- المريض الذي أستمر مرضه إلى رمضان الأتي فلم يتمكن من القضاء في مجموع السنة فأنه يسقط عنه القضاء ، وعليه الفدية أي يتصدق بدل كل يوم بثلاثة أرباع الكيلو تقريباً من الطعام .
2- الشيخ والشيخة إذا تعذر عليهما الصوم أو كان يسبب لهما حرجاً ومشقة فأنه لا يجب عليهما الصوم ولا يجب عليهما قضاؤه ، ولكن يدفعان الفدية في صورة عدم تعذر الصوم عليهما وإلا فلا شيء عليهما . وقد اشار الله الى الشيخ والشيخة بقوله (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )
3 ـ ذو العطاش أي المريض الذي يشرب الماء ولا يروي فإن حكمه حكم الشيخ والشيخة .
رابعا : الاسلام دين اليسر وليس دين العسر

هذه الجملة ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) وان وردت في سياق حكم الصوم ولكنها لا تختص بالصوم وانما تشمل كل الاحكام الالهية فالاحكام الالهية كلها جاءت ميسورة على المكلف وتتلائم مع الطبيعة النفسية للانسان والله تعالى يقول (لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) وكذلك ورد في الحديث « يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا » .وعلى ذلك فالاسلام دين اليسر وليس دين العسر.
خامسا : القران كتاب هداية انزل في شهر رمضان

القران كما قلنا سابقا هو كتاب هداية وليس كتاب فيزياء او رياضيات او طب ،والقران الكريم يعطي القواعد الصحيحة البينة للحق والباطل والشر والخير والهدى والضلال والعلم والجهل
والقران الكريم انزل في شهر رمضان كما اشاتر الاية المباركة ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) .وفي ليلة القدر كما ال تعالى ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) وقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) .........
قال الطوسي رحمه الله قيل في معناه قولان : أحدهما - قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن : إن الله تعالى أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وآله بعد ذلك نجوما . وهو المروي عن أبي عبد الله ( ع ) .
والثاني - أنه ابتداء إنزاله في ليلة القدر من شهر رمضان . فان قيل كيف يجوز انزاله كله في ليلة ، وفيه الاخبار عما كان ، ولا يصلح ذلك قبل أن يكون ؟قلنا : يجوز ذلك في مثل قوله : " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " وقوله : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين " على إذا كان وقت كذا أنزل " لقد نصركم الله " كما قال تعالى " ونادى أصحاب الجنة " أي إذا كان يوم القيامة " نادى أصحاب الجنة أصحاب النار " .