في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (106)

في قال تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ، سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) سورة البقرة من الاية 210 الى 212 .
نتعرض في هذه الايات الى مطالب عدة
اولا : العقل السليم يكتفي بالدلائل التي جاء بها النبي .

في هذه الاية نوعا من الابهام ، فقد يتصور البعض ان الله يريد ان ينزل العذاب على المنحرفين والذين لم يستقيموا في جادة المنهج القويم ، ولكن التمعن في الاية يعطي انطباعا اخر وهو ان الله تبارك وتعالى يقول ان العقل السليم يكتفي بالدلائل والبينات التي جاء بها النبي صلى الله عليه واله من اجل الايمان برسالة السماء ولا يحتاج ان ياتي الله والملائكة كي يؤمنوا بالرسالة الالهية فان مجيء واتيان امر الله تعالى يكون عندما ينتهي التكليف وتغييرمعالم العالم وتتبدل الصور والاحوال وبعد ذلك لا ينفع نفس شيئا ما لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا .
ثانيا : الله لا يرى لانه ليس جسما

قلنا سابقا عند الحديث في شرح هذه الاية المباركة (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ([1]). سورة البقرة الاية من54 ،بانه يمتنع الرؤية على الله تبارك وتعالى لان الله ليس جسما ،فلو كان جسما كان ممكنا (اي يتساوى الى الوجود والعدم ) والله تعالى واجب الوجود اي وجوده من صميم ذاته فلا يحتاج في وجوده الى علة
نعم كما قلنا لا مانع من الرؤية القلبية وهي تجلي الاسماء والصفات في قلب العبد كما جاء في دعاء المناجاة الشعبانية لاميرالمؤمنين وسيد العارفين علي بن ابي طالب عليه السلام ( الهي هب لي كمال الانقطاع اليك وانر ابصار قلوبنا بضياء نظرها اليك حتى تخرق ابصار القلوب حجب النور فتصل الى معدن العظمة وتصير ارواحنا معلقة بعز قدسك ) ([2]).
ثالثا : الانسان لا يتعظ بالعبر والدروس

بنواسرئيل هم اكثر الامم التي ضرب الله بها المثل في القران الكريم لان الله بعث لهم مجموعة كثيرة من الانبياء من اجل هدايتهم وقد ذكر الله معاناة موسى عليه السلام فقد جاءهم بالمعجزات والبينات ، واليد البيضاء ، وقلب العصا حية ، وفلق البحر وتظليل الغمام وانزال المنّ والسلوى ونتق الجبل ، ومع ما راوا من هذه المعجزات كلها فقد عصوا الله تعالى واتبعوا اهوائهم ،لذلك ايها المسلمون لا تكونوا مثل بني اسرائيل في الاعراض والتكذيب بل يجب عليكم التسليم والاذعان لرسالة السماء وخاتم الانبياء .وهذه الدلائل التي جاء بها النبي صلى الله عليه واله نعمة من الله بل هي من اعظم النعم الالهية لانها توضح طريق الحق والايمان ولا تستبدلوا هذه النعمة وتسالوا عن دلائل اخرى ، او تحرفون هذه الدلائل فان الله تعالى شديد العقاب كما قال تعالى ( ومَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهً شَدِيدُ الْعِقابِ ) ([3]).
رابعا : الفوقية والتكبر الزائف

يعيش الكافرون والمنافقون وان كانوا يؤمنون بالاسلام بحسب النظرية او الظاهر فوقية وتعالي ويسخرون من المؤمنين في الحياة الدنيا بما عندهم من حطام الدنيا كما قال ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا) ([4]). ، ولكن الله تعالى يطيب خاطر المؤمنين بان هذه الفوقية زائفة وليست حقيقية وذلك لان الدنيا كلها زائلة لا قيمة لها بل المهم هي الفوقية الاخروية لانها هي الدائمة وهي خاصة بالمؤمنين كما قال تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .وهذه الاية نظير الاية ( قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) ([5]). ...........؟
اللهم بحق الحسين اشف صدر الحسين بظهور المهدي عليه السلام