في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (109)

قال تعالى(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة البقرة الاية 215 .
نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة

اولا : فلسفة الانفاق

يجب ان يعلم الانسان بان الفقر والحاجة من اهم الاسباب للانحراف والفساد في الاخلاق والعقيدة ، قال علي عليه السلام مخاطباً ابنه محمد بن الحنفية: "يا بني ! إني أخاف عليك من الفقر، فاستعذ بالله منه، فأنه منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت)ومن هنا سعى الاسلام من اجل تطويق الفقر والحاجة في المجتمع عبر مجموعة من الاحكام اما بنحو الوجوب كالخمس والزكاة والكفارات الواجبة او بنحو الاستحباب كالصدقة والهدية والهبة ،وكلما اتسعت دائرة الانفاق من قبل الناس كلما ضاقت دائرة الفقر والحاجة والعوز في المجتمع ،ثم يجب ان يعرف الانسان بان الله المالك الحقيقي للمال، بما اعطى الله للانسان القوة والقدرة والذكاء من اجل تحصيله ،وقد جعل الله المال وسيلة في الحياة وليس غاية، والانسان خليفة الله على هذا المال ووكيله في التصرف فيه فعلى الانسان ان يكون كريما جوادا ولا يبخل بمال الله تعالى الذي عنده .؟
ثانيا : حكمة اولوية العطاء للوالدين

الاب والام اصل وجود الانسان في الحياة ، لذلك يجب على الابناء الانفاق والاحسان والاهتمام والرعاية الكاملة للابوين جزاء لما قاما به من وجوده في هذه الحياة ورعايته عندما كان صغيرا ،لذلك نرى الله تعالى من خلال القران الكريم يؤكد ذلك بقوله تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) فاذا بخل الابن على ابويه فاي قيمة تبقى له امام الله او امام الناس .
ثالثا : الاقربون اولى بالعطاء

الاقارب والارحام والعشيرة هم المجتمع المصغر للانسان ، ويمكن لهذا المجتمع الصغير من الامة ان يلعب دورا على الكثير من الاصعدة الثقافية والسياسية والعلمية وبناء المعامل والمصانع والعمل المشترك والقيام بالكثير من المشاريع بما يخدم ابناء العشيرة اولا وبما يخدم ابناء المجتمع الكبيرثانيا وبه يمكن القضاء على الفقر والحاجة والتكافل الاجتماعي بين الاقارب والارحام ،ولكن في تطبيق هذه المفاهيم نحتاج الى قيادات عشائرية نزيهة ومؤمنة وصالحة وكفوءة .؟ولذلك ورد في الروايات ان افضل الصدقة على الاقارب والارحام ولا سيما الاقارب الذين بينهم عدم انسجام حتى ترجع المحبة والالفة بينهم كما ورد في الحديث «أفضل الصدقة صدقة على ذي الرحم الكاشح» يعني الصدقة على ذي الرحم الذي اضمر العداوة في كشحه؛ لأنها تكون صلة وصدقة لذي رحم مقاطع.وكذلك قال صلى الله عليه واله «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» .
رابعا : المجتمع الدائرة الاوسع لعمل الخير والانفاق

ثم الانسان بعد ان استطاع ان ينفق على الارحام والاقارب تاتي دائرة اخرى للخير والاحسان والانفاق وهم المجتمع واول فرد من الذين يستحقون الانفاق هم الايتام حيث قال عنهم النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم(انا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين…"، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، وقال أيضاً: "من وضع يده على رأس يتيم رحمة كتب الله له بكل شعرة مرّت عليها يده حسنة". فعدم الاهتمام بالايتام يعني ضياعهم في المجتمع وربما تتلاقفهم الايادي الخبيثة حيث الفساد والانحراف .
ثم بعد ذلك ( وَالْمَسَاكِينَ ) وقد يفرق العلماء بين الفقير والمسكين فالمراد بالفقير من لا يملك مؤونة سنته اللائقة بحاله لنفسه وعائلته، لا بالفعل ولا بالقوة، فلا يجوز اعطاء الزكاة لمن يجد من المال ما يفي ـ ولو بالتجارة و الاستنماء ـ بمصرفه ومصرف عائلته مدة سنة، أو كانت له صنعة أو حرفة يتمكن بها من اعاشة نفسه و عائلته وان لم يملك ما يفي بمؤونة سنته بالفعل، والمسكين أسوأ حالاً من الفقير كمن لا يملك قوته اليومي.
ثم بعد ذلك (وَابْنِ السَّبِيلِ ) وهو المنقطع عن اهله ووطنه فلا يوجد لديه المال الكافي كي يرجع الى بلده وقضاء حاجته في سفره فقد يكون قد ضاع ماله او سرق وما اشبه ذلك ولا توجد لديه فرصة للعمل في في غير بلده لذلك دعى الاسلام المجتمع الاسلامي ان يهتم بمثل هذه الحالات الانسانية .
خامسا : الانسان مسؤول عن واقع الحياة

من خلال اجواء هذه الاية الكريمة المباركة نستفيد فائدة كبيرة وعظيمة ان الانسان يجب عليه ان يستشعر واقع الحياة والمجتمع فهو ليس مسؤولا عن نفسه وحياته بما يلبي رغباته المادية والانفاقية وانما هو مسؤول عن جميع دوائر الحياة في المجتمع سواء الدائرة القريبة وهم الارحام والاقارب اوالدائرة البعيدة وهم اليتامي والمساكين وابن السبيل، وان اي تقصير وظهور للفقر والحاجة في المجتمع فهو مسؤول امام الله تعالى وليس الحكومة والدولة فقط هي المسؤولة ،(وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّه بِهِ عَلِيمٌ) ،فهو لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء ...
اللهم بحق الحسين اشف صدر الحسين بظهور المهدي عليه السلام .