بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



قرب هذه الأيام هي ذكرى مناسبة استشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام فعلينا أن لا ندع هذه الذكرى تمر دون أن نستنشق من أريجها ما يشفي الصدور فإن اسمها دواء وذكرها شفاء في مستخلصة من عطور الجنة.
إن توقفنا في هذه المحطة التي هي محطة الذكرى للفاجعة الأليمة العظيمة يدل على اعتصامنا بها عليها السلام ووفاءنا لأبيها صلى الله عليه وآله وهي أم أبيها وهذا ما إن فردت به في الكون كله إذ كيف لإبنة أن تكون أم أبيها. ولم يأتِ اعتصامنا بالزهراء عليها السلام من فراغ أو التحاق عفوي إنما ما جذبنا وحثنا على ذلك تلك الآثار التي تركتها سلام الله عليها والصورة الحضارية لواقع المرأة التي عكستها والمواقف التي سجلها التأريخ بأحرف من نور.
تتحدى الظلم والظلمات
لا يخفى على الجميع إنها أول امرأة في الإسلام وقفت بوجه الظلم والاستبداد والجبت والطاغوت وأعلت استنكارها واستهجانها واحتجاجها على القرار الجائر الذي يصدره الحاكم غير الفقيه وانتفضت ضده.
قد وقفت لتطالب بحقها المغتصب لا لتسترده ولكن لكي تفضح الدجى بإشراقة نور الحق ولكي تلفت أنوار المجتمع للأساليب الملتوية التي يستخدمها بعض الحكام لتشويه الحقائق وأعلت أن هذا الحاكم قد اغتصب الحكم من ناحية وخالف كل الشرائع الإسلامية من ناحية أخرى ففضحته وكشفت حقائق كثيرة. وإذا كانت للمرأة العصرية ميزة أو اختصاص يمكن أن يمزها فإن ما صنعته الزهراء عليها السلام من أهم مميزات المرأة العصرية وهي رفض الباطل وكسر طوق الصمت في بيان مظلوميتها ومطالبتها بالحقوق حتى من السلطان الجائر مهما كانت نسبة جوره. هذا الجانب انفردت وبذلك أوجدت الفيصل بين الحكومة الجائرة وعدالة الإسلام.
صورة الإيثار تتألق
الإيثار حالة تظهر سمو الفرد وعظمته ونكران ذاته والتخلي عن كثير من الرغبات والمنافع والمكتسبات. تلك صفة يندر أن يتحلى بها أغلب الرجال ناهيك عن جميع النساء. لكن الزهراء عليها السلام تعمقت فيها هذه الصفة بل ربما هي جزء منها فرغم أنها عليها السلام مصدر من مصادر الإيثار لكنها كانت تعتبر ما تصنعه في هذا المجال عملاً صغيراً لا يتناسب مع سمو وعظمة الإيمان المغروس فيها وهو لا يساوي شيئاً في حساب عبادة الأحرار المخلصين لله. فتبرعت بأعز ما تملك وهو قميص أهداه إليها والدها في زواجها. فهو ذكرى الأب العزيز وذكرى الزوج الكريم وابن العم الذي لا كفؤ لها سواه. لكنها تدفعه لمن تحتاجه بطيبة خاطر.
وللجهاد الأكبر أيضاً نصيب:
يصوم الناس جميعاً وكل منهم يمد مائدة تنتشر عليها كل ما تشتهي النفس منتظرين موعد الإفطار. فتحمل الزهراء عليها السلام كل ما تحتوي مائدة مدّت لها ولأبنائها فلذة كبدها وزوجها لثلاث ليال متوالية فتسد رمق المسكين واليتيم والأسير. لتعلم المرأة الصبر والجلد والدخول لميدان الجهاد الأكبر الذي فرّ منه القادة والحكام والأثرياء والأغنياء.
ثم تضرب مثلاً آخر إن امتثلت له المرأة فإنها ستكون كما يراد لها مصانة كريمة، فتأمرها أن تحجب نفسها عن أنظار الرجال الأجانب لأنها جوهرة كريمة ثمينة لا يحق إلا لمالكها النظر والتمتع بإشعاعاتها فتقول لأبيها (خيرٌ للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا رجل يراها).