بسم الله الرحمن الرحيم
الأقوال في سبب عدم استجابة الدعاءاختلفوا في سبب استجابة الدعاء على أقوال منها:
الأول: ما اختاره الفيض الكاشاني من اصحابنا والبيضاوي من العامة، ونسبه الشيخ الطبرسي (ره) الى ابن عباس([1])، وهو انه تعالى لم يعد باستجابة مطلق الدعاء حتى يرد ما تقدم من الإشكال وقوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ([2])، معناه: وحدوني وأعبدوني أُثبكم، عن ابن عباس، واستدلوا عليه بقول النبي (ص): الدعاء هو العبادة ، ولما عبر عن العبادة بالدعاء، جعل الإثابة استجابة لتجانس اللفظ؛ قال البيضاوي في تفسيره: ادْعُونِي اعبدوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ أثب لكم لقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ، وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلاً منزلته للمبالغة، و المراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها. انتهى([3]).
الثاني: ما اختاره البعض منهم الشيخ ابو جعفر الطوسي (المتوفى 460 هجري) في التبيان وأبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ( المتوفى 548 هجري) في المجمع، وهو ان الاستجابة متوقفة على وجود المصلحة، قال الطوسي (ره): وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ([4]) ، يعني استجب لكم إذا اقتضت المصلحة اجابتكم. ومن يدعو الله ويسأله فلا بد أن يشترط المصلحة إما لفظاً او اضماراً ، وإلاّ كان قبيحاً، لأنه إذا دعا بما يكون فيه مفسدة ولا يشترط انتفاؤها كان قبيحاً([5]).
وبعين العبارة فسر الشيخ الطبرسي الآية قال: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، يعني إذا اقتضت المصلحة إجابتكم وكل من يسأل الله شيئاً ويدعوه فلا بد أن يشترط المصلحة في ذلك إما لفظاً أو إضماراً وإلاّ كان قبيحاً لأنه ربما كان داعياً بما يكون فيه مفسدة ولا يشترط انتفاؤها فيكون قبيحاً([6]).
الثالث: ما نقله الشيخ الطوسي (ره) عن ابي علي الجبائي –من ائمة المعتزلة- وهو ان الوعد بالإجابة مختص بالمؤمنين دون الكفار والفاسقين، قال (ره): في الناس من قال : إن الله وعد بإجابة الدعاء منه عند مسألة المؤمنين دون الكفار، والفاسقين([7]).
وقال في موضع آخر: قال: أبوعلي: لا يكون إلاّ ثواباً ، لأن من أجابه الله ، يستحق المدح في دين المسلمين ، فلا يجوز أن يجيب كافراً ، ولا فاسقاً. فاتضح ان مراده من الناس هو ابو علي الجبائي المعتزلي([8]).
الرابع: انه تعالى يستجيب كل الدعوات بلا استثناء غاية ما في الأمر انه تعالى تارة يستجيب الدعاء في الدنيا وتارة في الآخرة وأحياناً تتحقق الاجابة بدفع ضرر ما فيكون عوضاً عن إجابة الدعاء، يقول صاحب تفسير هميان الزاد: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، أعطكم ما تسألون ، قال الله تعالى : فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ، وان لم يعط ادخر له في الآخرة لدعائه ما هو أفضل ، حتى يتمنى لو لم يستجب له في الدنيا ، والتعويض في الآخرة ، من معنى الاستجابة ، وقد يعطيه في الدنيا عوض ما دعا اليه ، أو يدفع عنه مضرة ، وما لم يستجب فخلل فيه ، فلاشتغال القلب فيه أو فيه قطع رحم أو نحو ذلك ، وعنه صلى الله عليه وسلم : S ما من رجل يدعو الله تعالى الا استجيب له ، فأما أن يعجل له فى الدنيا ، وام أن يؤخر له فى الآخرة واما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا لم يدع بإثم أو قطع رحم أو يقل دعوت فلم يستجب لي ([9]).
الخامس: قال ابن جزي في التسهيل: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم الدعاء هنا هو الطلب والرغبة وهذا وعد مقيد بالمشيئة وهي موافقة القدر لمن أراد أن يستجيب له([10]).
السادس: قال ابن الأنباريِّ : « أُجِيبُ » ههنا بمعنى « أًسْمَعُ » ؛ لأن بين السماع والإجابة نوع ملازمةٍ ، فلهذا السبب يقام كلُّ واحدٍ منهما مُقام الآخر ، فقولنا : « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » ، أي : أجاب الله ، فكذا هاهنا قوله : أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع، أي : أَسْمَعُ تلكَ الدَّعوة ، فإذا حَمَلنا قوله تعالى ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ على هذا الوجه ، زال الإشكال([11]).
السابع: وقيل : المرادُ من الدعاءِ التَّوْبة مِنَ الذُّنُوب؛ وذلك لأنَّ التائب يدعُو الله تعالى بتوبته ، فيقْبَلُ توبته ، فإجابته قبول توبته إجابة الدُّعَاء ، فعلى هذا الوجه أيضاً يزول الإشكال([12]).
الثامن: إِنَّ الله يجيب دعاء المؤمِنِ في الوقت ، ويؤخِّر إعطاءَ مَنْ يجيب مراده ، ليدعوه فيسمع صوته ، ويعجِّل إعطاء من لا يُحِبُّه؛ لأنه يبغض صوته([13]).
([1]) مجمع البيان: ج8 ص451.
([2]) غافر: 60.
([3]) تفسير البيضاوي: ج5 ص99.
([4]) غافر: 60.
([5]) تفسير التبيان في تفسير القرآن: ج9 ص89-90.
([6]) تفسير مجمع البيان: ج8 ص451.
([7]) تفسير التبيان في تفسير القرآن: ج2 ص128.
([8]) تفسير التبيان في تفسير القرآن: ج2 ص130.
([9]) تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد محمد بن يوسف اطفيش (ت 1332 هـ).
([10]) التسهيل لعلوم التنزيل: ج2 ص485.
([11]) اللباب في علوم الكتاب المؤلف: أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني (المتوفى: 775هـ) المحقق: الشيخ عادل أحمد ..
([12]) نفس المصدر السابق.
([13]) نفس المصدر السابق.