بسم الله الرحمن الرحيم
حث الشرع الكريم على حسن المعاشرة مع العامة من خلال الصلاة في عشائرهم، وعيادة مرضاهم، وحضور جنائزهم، وما شاكل، حفظا للوحدة الاسلامية، وتأييدا للدين، واعلاء لكلمة الاسلام والمسلمين في مقابل الكفار والمشركين. ويشهد لمطلوبية هذا الأمر الآيات الداعية الى الاتحاد والناهية عن التفرق. كقوله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[1]،وقوله تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم[2]، وقوله عز وجل: ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ[3]، الى غير ذلك من الآيات الكثيرة الداعية الى الاتحاد والاتفاق وعمل الائمة المعصومين (%)، فهذا امير المؤمنين ((8 مع غصب حقه وايذائه بما هو فوق حد التصور حتى قال في خطبته الشقشقية: Sفصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجىR كان يحضر (8) جماعة المسلمين، ويعود مرضاهم، ويشيع جنائزهم، وكان يؤيدهم عند وقوع الحرب بينهم وبين الكفار والمشركين وكثير من الروايات: كخبر هشام الكندي عن ابي عبد الله (8)، قال: Sاياكم أن تعملوا عملا نعير به! فان ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا، ولا تكونوا علينا شينا! صلوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم الى شئ من الخير، فأنتم أولى به منهم، والله ما عبد الله بشئ احب إليه من الخباء؛ قلت: وما الخباء؟ قال(8): التقيةR[4]. وخبر مدرك بن الهزهاز عن ابي عبد الله(8): Sرحم الله عبدا جر مودة الناس الى نفسه، فحدثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرونR[5]. وخبر معاوية بن وهب، قال قلت له: كيف ينبغي لنا ان نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا مما ليسوا على امرنا؟ فقال: Sتنظرون الى ائمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فو الله انهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدون الامانة إليهمR[6]. وخبر الخثعمي عن ابي عبد الله(8): Sعليكم بالورع والاجتهاد، واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى، واحضروا مع قومكم مساجدكم، واحبوا للناس ما تحبون لانفسكم، اما يستحيي الرجل منكم ان يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جارهR[7]، ونحوها غيرها من الاخبار البالغة حد التواتر مما يقرب هذا المضمون. وفي بعض خطب نهج البلاغة أشير الى ذلك، بل في الصحيفة السجادية الدعاء (27) دعاؤه لاهل الثغور، فانه يدعو (8)في ذلك الدعاء لاهل الثغور للملكة الاسلامية التي كان الحاكم عليها من بني امية، حفظا للوحدة واعلاءا للكلمة، يدع لهم بأبلغ دعاء مشحون بالحقائق، وهو يبين وظيفتهم ووظيفة الحكام معهم بصورة الدعاء.وعلى الجملة، فالمستفاد من الآيات الشريفة والسنة المتواترة وعمل المعصومين عليهم السلام الاهتمام بالوحدة الاسلامية، والحذر من التشتت والتفرق، والتجربة القطعية ايضا تدلنا على ذلك، إذ في كل عصر كانت الوحدة الاسلامية محفوظة وكان المسلمون كيد واحدة على من سواهم، آل أمر المجتمع الى الصلاح والعزة وذاقوا حلاوة النعم المادية والمعنوية، وكل عصر ظهر الاختلاف والنفاق فيه بين المسلمين - كزماننا هذا - آل امر المجتمع الى الفساد، وسلط عليهم الاجانب واستعمروهم. ومن المؤسف عليه جدا ان الاجانب والكفار عرفوا ذلك منذ عهد بعيد، فأخذوا يسعون بشتى الطرق والوسائل لإيجاد التفرقة بين المسلمين، ولما رأوا ان هذا الامر لا يتم ما دام القرآن هو الكتاب الذي يتبعه المسلمون ويجرون احكامه وقوانينه، ويتبعون ارشاداته وتعاليمه، سعوا في ابعاده عن الامة. وبهذا صرح جولادستون رئيس وزراء بريطانيا في وقته، فقد صرح في مجلس العموم البريطاني قائلا: ان لا نفوذ لبريطانيا في الشرق الاسلامي والقرآن عندهم يعملون به ويهتدون بهداه! فأخذوا يسعون بمحو ما علق في نفوس المسلمين من التعلق بالقرآن، والعمل بأحكامه والسير على هداه، وحاولوا ازالة القرآن من بينهم ليخلو لهم الجو ويفعلوا ما يشاؤوا. ولما رأوا ان هذا الامر لا يمكن ما دام العلماء هم القوة المجرية لقوانين القرآن، والناس تابعون لهم، وهم الآمرون والناهون أخذوا يسعون في تضعيف العلماء والروحانيين بشتى الطرق والوسائل، ومن جملتها نصب رجال هم اعداء للدين والعلماء مصادر للأمر، وناصروهم جهد طاقتهم، فكانوا هؤلاء الرجال عند حسن ظنهم، حتى آل أمر المجتمع الى ما نرى بالعيان من تسلط الكفار والاجانب على البلدان، الاسلامية، وضعف الاسلام في نفوس المسلمين ووو... فانا لله وانا إليه راجعون.
وليس معنى الوحدة الاسلامية كتمان الحقائق و العلوم، بل يعني بها تجلي المشاركات الاصيلة الموجودة بينهم و المبادلات العلمية و تشديد العلاقات السياسية و الاقتصادية و حفظ الآداب و الحرم، وجهادهم معا ضد الكفر العالمي المسيطر علي بلادنا و شؤوننا. فديننا واحد و نبينا واحد و كتابنا واحد و قبلتنا و مشاعرنا واحدة، و نشارك في الكتاب و السنة . فيجب المراقبة لان لا يستفيد العدو من القاء الخلافات و ايجاد الضغائن . فهذا هو عمدة وسيلتهم للسلطة علينا، كما حكي عن أحد رؤساء دولة بريطانيا أنه قال : "فرق تسد".
[1] آل عمران: 104
[2] الانفال: 46.
[3] الانعام: 159.
[4] الوسائل، باب - 26 - من ابواب الامر والنهى، حديث 2.
[5] الوسائل، باب - 26 - من ابواب الامر والنهى، حديث 4.
[6] الوسائل، باب - 1 - من ابواب احكام العشرة من كتاب الحج حديث 1.
[7] الوسائل، باب - 1 - من ابواب احكام العشرة، حديث 4.