بسم الله الرحمن الرحيم
مر علم مقارنة الاديان كحال باقي العلوم بمراحل تطور من النشأة الأولى له الى يومنا هذا، يمكن تقسيم هذه المراحل الى ثلاث:
1. مرحلة النشوء والتكوين: من مفاخر المسلمين أنهم هم الذين أنشئوا علم مقارنة الأديان؛ حيث إن العلم لم يظهر قبل الإسلام، لأن الأديان قبل الإسلام لم يعترف أي منها بالأديان الأخرى، وكان كل دين يعد ما سواه من الأديان والأفكار هرطقة وضلالًا، ويتضح هذا من موقف اليهودية من المسيحية والمسيح.
فمثلاً جاء في التلمود أيضًا: "أن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين الزفت والقطران والنار، وأن أمه مريم أتت به من العسكري باندار بمباشرة الزنا، وأن الكنائس النصرانية بمقام قاذورات وأن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة.
وكذلك الحال بالنسبة لموقف النصرانية من اليهودية، فعندما قويت شوكة النصرانية اعتبرت نفسها وريثة لليهودية ولم ترَ مع وجودها وجودًا لليهودية.

ومثل ذلك أيضًا موقف الهندوسية من البوذية، والبوذية من الهندوسية، ومثله موقف النصرانية من الإسلام والمسلمين في الأندلس، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك؛ إذ أنكرت كل طائفة دينية جميع الطوائف الأخرى المنتسبة لنفس الدين، وعدت اتجاهاتها هرطقة وضلالًا، وربما حكمت كل طائفة منها على أتباع الأخرى بالإعدام. مثل ما حدث في مذبحة باريس في 24 أغسطس سنة 572م، التي سطا فيها الكاثوليك على ضيوفهم من البروتستانت.
هؤلاء الذين دعوا إلى باريس لعمل تسوية تقرب وجهات النظر فقتلوا خيانة وهم نيام، فلما أصبحت باريس كانت شوارعها تجري بدماء هؤلاء الضحايا.
والعجيب أن البروتستانت لما قويت شوكتهم مثلوا نفس دور القسوة مع الكاثوليك، ولم يكونوا أقل وحشية في معاملة خصومهم، فهذا هو "مارتن لوثر" الذي كان من أبرز رواد حركة الإصلاح الديني يوجب على الدولة بعد أن توطد نفوذه أن تفرض ما يبدو لها رأيًّا سليمًا، وأن تستأصل الهرطقة؛ لأنها رجس من عمل الشيطان، وجاهر بإعدام طائفة منكري التعميد بالسيف بعد انسلاخها عنه.
ومن هنا فلم يوجد علم مقارنة الأديان قبل الإسلام،؛ لأن المقارنة نتيجة للتعدد وهذا التعدد لم يوجد قبل الإسلام؛ حيث إن كل دين ومذهب لا يعترف بالآخر، ولما جاء الإسلام انبثقت جذور علم مقارنة الأديان، فالإسلام قد جاء واعترف بالأديان السابقة عليه نظريًّا وواقعيًّا، فمن الناحية النظرية يعلن أنه الحلقة الأخيرة في سلسلة الرسالات السماوية، وبالتالي فقد ورث أهم ما في الأديان وأضاف إلى ذلك ما تحتاجه البشرية في مسيرتها إلى يوم الدين.
قال تعالى: ƒشَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.
حصل الاحتكاك الأول بين المسلمين مع باقي الأديان في الجزيرة ايام النبي فقد كان العديد من وجوه العرب وسائر الناس يتدينون بأديان مختلفة كعدي بن حاتم الطائي الذي كان نصرانياً لكن الاحتكاك الأقوى حصل عند فتح العراق لما كان يتمتع به من تنوع ديني وعرقي.
وقد عاش غير المسلمين في كنف المسلمين حتى ان بعضهم تسلم مناصب في الحكومة، وقد نتج عن هذا الاختلاط حصول خصومات فكرية مما استدعى لدراسة ديانة القوم لدرء خطرهم وشبهاتهم.

2. مرحلة التدوين:
لما جاء عصر التدوين في منتصف القرن الثاني الهجري، وبدأ المسلمون يكتبون الفقه والتفسير والحديث، اتجهوا كذلك للكتابة في علم مقارنة الأديان، فهو بذلك علم إسلامي كباقي العلوم الإسلامية، ومن المشاهير الذين كتبوا في مقارنة الأديان: النوبختي المتوفى سنة 202 هـ ألف كتابه "الآراء والديانات"، ويعتبر الباحثون هذا الكتاب أول كتاب في علم مقارنة الأديان.
- والمسعودي المتوفى سنة 346 هـ ألف كتابين في الديانات:
الأول: "المسائل والعلل في المذاهب والملل".
الثاني: "سر الحياة".
- والمسيحي المتوفى سنة 420 هـ وكتب كتابه "درك البغية في وصف الأديان والعبادات" وهو كتاب مطول يقع في حوالي ثلاثة آلاف ورقة.
وكثر بعد ذلك التأليف في هذا المجال، ومن أبرز المؤلفين الذين كتبوا في هذا المجال من يلي:
* أبو الحسن العامري المتوفى سنة 381 هـ ألف كتابه المشهور بـ: "مناقب الإسلام".
* أبو الريحان البيروني المتوفى سنة 425 هـ ألف كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة".
* أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429 هـ ألف كتابه "الملل والنحل" رد فيه على الملل والنحل مدافعًا عن الإسلام.
* ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 هـ ألف كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل".
* الشهرستاني المتوفى سنة 458 هـ ألف كتابه "الملل والنحل".
* الغزالي المتوفى سنة 505 هـ ألف كتابه "الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل".
* أبو البقاء صالح بن الحسين الجعفري المتوفى سنة 661 هـ ألف كتابه "تخجيل من حرف التوراة والإنجيل".
* أحمد بن إدريس القرافي المتوفى سنة 684 هـ ألف كتابه "الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة
هذا قليل من كثير مما ألفه القدامى في مجال الملل والنحل.

3. مرحلة الظهور والاستمرار في الوجود:
في هذه المرحلة تطور علم مقارنة الأديان تطورًا عظيمًا، وكثرت فيه الأبحاث والدراسات والمؤلفات وخاصة في القرن الثالث الهجري والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن، حتى القرن التاسع تجد فيه كتاب "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب" ألفه عبد الله الترجمان سنة 823 هـ، وطبع في مطبعة التمدن في القاهرة سنة 1904م.
ومن علمائنا المتأخرين محمد جواد البلاغي كتب الهدى الى دين المصطفى والرحلة المدرسية ويروى انه تعلم العبرية للاطلاع على التوراة بنفسه لنقدها، كذا الشيخ رشيد رضا صاحب المنار وهو تلميذ الشيخ محمد عبده كتب شبهات النصارى وحجج المسلمين، بعد جاء عباس محمود العقاد كتب كتابا هاما جدا هو (الله) ولعله اهم كتاب في مجاله استعرض بحثا خاصا في بروز النظرية الإلهية، له كتاب حقائق الإسلام واباطيل خصومه، وله كتاب ما يقال عن الاسلام، وكذا الشيخ محمد ابو زهرة كتب كتابا بعنوان محاضرات في النصرانية، والدكتور محمد شلبي كتب سلسلة مقارنة الأديان فكتب عن اليهودية وجزء عن المسيحية وجزء عن الإسلام وكتب جزء عن اديان الهند الكبرى كالبوذية والهندوسية، كمال جعفر كتب الدين المقارن ولعله من ادق الأبحاث في مجاله ناقش فيه فكرة الدين وتطورها، والدكتور احمد سوسة كتاب اسمه العرب واليهود في التاريخ، وهو عالم جغرافي جليل وهو عالم عراقي يهودي فاسلم.
ولابد من الاشارة الى كتبه الدكتور جعفر هادي حسن عن فرقة القرائيين له بحث معمق كتب فرقة الدونما وكتاب فرقة القرائيين.