بسم الله الرجمن الرحيماللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى في محكم كتابه الكريم:
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ 46 فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام47 يَوْمَ تُبَدَّلُ الاَْرْضُ غَيْرَ الاَْرْضِ وَالسَّمَوَتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ48 سورة ابراهيم
قرأنا في الآيات أعلاه أنّ في يوم القيامة تبدّل الأرض غير هذه الأرض وكذلك السّماوات، فهل التبديل تبديل ذاتي، أي أن تفنى هذه الأرض وتُخلق مكانها أرض أُخرى للقيامة؟ أم المقصود هو تبديل الصفات، يعني دمار ما في الأرض والسّماوات وخلق أرض وسماوات جديدة على أنقاضها؟ حيث تكون النسبة بينهما أنّ الثانية أكمل من الأُولى.
الظاهر في كثير من الآيات القرآنية أنّها تشير إلى المعنى الثاني، ففي الآية (21) من سورة الفجر يقول تعالى: (كلاّ إذا دكّت الأرض دكّاً دكّاً) وفي الآية الأُولى من سورة الزلزال يقول تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها)وفي الآية (15) من سورة الحاقة (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكّة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة) وقوله تعالى: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً - لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً - يومئذ يتّبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلاّ همساً)،(2)وقوله تعالى: (إذا الشمس كُوّرت وإذا النّجوم إنكدرت وإذا الجبال سيّرت) وقوله تعالى في سورة الإنفطار (إذا السّماء إنفطرت وإذا الكواكب إنتثرت وإذا البحار فجّرت وإذا القبور بُعثرت).
يستفاد من مجموع هذه الآيات والآيات الأُخرى التي تتحدّث عن بعث الناس من القبور، أنّ النظام الحالي للعالم لا يبقى بهذه الصورة التي هو عليها، ولا يفنى فناءً تامّاً، بل تتغيّر صورة العالم وتعود الأرض مسطّحة مستوية ويبعث الناس في أرض جديدة (بالطبع تكون الأرض أكثر كمالا لأنّ الآخرة كلّ ما فيها أوسع وأكمل). وفي المجمع من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم
ومن الطبيعي أنّ عالمنا اليوم ليس له الإستعداد لتقبّل مشاهد الآخرة، وهو محدود المجال بالنسبة لحياتنا الاُخروية وكما قلنا مراراً: إنّ نسبة عالم الآخرة إلى عالم الدنيا كنسبة عالم الجنين في الرحم إلى الدنيا.
والآيات التي تقول: (يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون) دليل واضح على هذه الحقيقة.
من الطبيعي أنّنا لا نستطيع أن نصوّر الآخرة وخصائصها بشكل دقيق - كما هو حال الجنين في بطن اُمّه لو إفترضنا أنّ له عقلا كاملا، فإنّه لا يستطيع أن يتصوّر عالم الدنيا - إلاّ أنّنا نعلم أنّه سوف يحدث تغيير عظيم لهذا العالم، حيث يتمّ تدميره وتبديله بعالم جديد، ومن الطريف ما ورد في الرّوايات من أنّ الأرض تبدّل بخبزة نقيّة بيضاء يأكل الناس منها حتّى يفرغ من الحساب.
وقد وردت هذه الرّوايات بطرق مختلفة في تفسير نور الثقلين، وأشار إليها القرطبي في تفسيره كذلك.
وليس من المستبعد أن يكون المقصود من هذه الرّوايات أنّ الأرض سوف تغطّيها مادّة غذائية يمكن للإنسان أن يستعملها بسهولة، ووصفها بالخبز لأنّه الأكثر احتواءً لهذه المادّة الغذائية
وفي تفسير الصافي في الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب قيل إن الناس لفي شغل يومئذ عن الأكل والشرب فقال لهم في النار لا يشتغلون عن أكل الضريع وشرب الحميم وهم في العذاب فكيف يشتغلون عنه في الحساب وفي رواية أخرى إن الله خلق ابن آدم أجوف لا بد له من الطعام والشراب أهم أشد شغلا يومئذ أم من في النار فقد استغاثوا والله يقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب.
والقمي والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب منهما وعن السجاد عليه السلام تبدل الأرض غير الأرض يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة.
ذكر صاحب الميزان قدس سره أن للمفسرين في معنى تبدل الأرض والسماوات أقوال مختلفة: فقيل: تبدل الأرض فضة والسماوات ذهبا وربما قيل إن الأرض تبدل من أرض نقية كالفضة والسماوات كذلك.
وقيل: تبدل الأرض نارا والسماوات جنانا.
وقيل: تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها طول يوم القيامة.
وقيل: تبدل الأرض لكل فريق مما يقتضيه حاله فتبدل لبعض المؤمنين خبزة يأكل منها ما دام في العرصات ولبعض آخر فضة وتبدل للكافر نارا.
وقيل: التبديل هو أنه يزاد في الأرض وينقص منها وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الأديم وتصير مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتتغير السماوات بذهاب الشمس والقمر والنجوم وبالجملة يتغير كل من الأرض والسماوات عما هو عليه في الدنيا من الصفات والأشكال.
ومنشأ اختلافهم في تفسير التبديل اختلاف الروايات الواردة في تفسير الآية مع أن الروايات لو صحت واتصلت كان اختلافها أقوى شاهد على أن ظاهرها غير مراد وأن بياناتها واقعة موقع التمثيل للتقريب.(لميزان)
************************************************** *****************************
تفسير الأمثل
تفسير الميزان
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى في محكم كتابه الكريم:
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ 46 فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام47 يَوْمَ تُبَدَّلُ الاَْرْضُ غَيْرَ الاَْرْضِ وَالسَّمَوَتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ48 سورة ابراهيم
قرأنا في الآيات أعلاه أنّ في يوم القيامة تبدّل الأرض غير هذه الأرض وكذلك السّماوات، فهل التبديل تبديل ذاتي، أي أن تفنى هذه الأرض وتُخلق مكانها أرض أُخرى للقيامة؟ أم المقصود هو تبديل الصفات، يعني دمار ما في الأرض والسّماوات وخلق أرض وسماوات جديدة على أنقاضها؟ حيث تكون النسبة بينهما أنّ الثانية أكمل من الأُولى.
الظاهر في كثير من الآيات القرآنية أنّها تشير إلى المعنى الثاني، ففي الآية (21) من سورة الفجر يقول تعالى: (كلاّ إذا دكّت الأرض دكّاً دكّاً) وفي الآية الأُولى من سورة الزلزال يقول تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها)وفي الآية (15) من سورة الحاقة (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكّة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة) وقوله تعالى: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً - لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً - يومئذ يتّبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلاّ همساً)،(2)وقوله تعالى: (إذا الشمس كُوّرت وإذا النّجوم إنكدرت وإذا الجبال سيّرت) وقوله تعالى في سورة الإنفطار (إذا السّماء إنفطرت وإذا الكواكب إنتثرت وإذا البحار فجّرت وإذا القبور بُعثرت).
يستفاد من مجموع هذه الآيات والآيات الأُخرى التي تتحدّث عن بعث الناس من القبور، أنّ النظام الحالي للعالم لا يبقى بهذه الصورة التي هو عليها، ولا يفنى فناءً تامّاً، بل تتغيّر صورة العالم وتعود الأرض مسطّحة مستوية ويبعث الناس في أرض جديدة (بالطبع تكون الأرض أكثر كمالا لأنّ الآخرة كلّ ما فيها أوسع وأكمل). وفي المجمع من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم
ومن الطبيعي أنّ عالمنا اليوم ليس له الإستعداد لتقبّل مشاهد الآخرة، وهو محدود المجال بالنسبة لحياتنا الاُخروية وكما قلنا مراراً: إنّ نسبة عالم الآخرة إلى عالم الدنيا كنسبة عالم الجنين في الرحم إلى الدنيا.
والآيات التي تقول: (يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون) دليل واضح على هذه الحقيقة.
من الطبيعي أنّنا لا نستطيع أن نصوّر الآخرة وخصائصها بشكل دقيق - كما هو حال الجنين في بطن اُمّه لو إفترضنا أنّ له عقلا كاملا، فإنّه لا يستطيع أن يتصوّر عالم الدنيا - إلاّ أنّنا نعلم أنّه سوف يحدث تغيير عظيم لهذا العالم، حيث يتمّ تدميره وتبديله بعالم جديد، ومن الطريف ما ورد في الرّوايات من أنّ الأرض تبدّل بخبزة نقيّة بيضاء يأكل الناس منها حتّى يفرغ من الحساب.
وقد وردت هذه الرّوايات بطرق مختلفة في تفسير نور الثقلين، وأشار إليها القرطبي في تفسيره كذلك.
وليس من المستبعد أن يكون المقصود من هذه الرّوايات أنّ الأرض سوف تغطّيها مادّة غذائية يمكن للإنسان أن يستعملها بسهولة، ووصفها بالخبز لأنّه الأكثر احتواءً لهذه المادّة الغذائية
وفي تفسير الصافي في الكافي عن الإمام الباقر عليه السلام خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب قيل إن الناس لفي شغل يومئذ عن الأكل والشرب فقال لهم في النار لا يشتغلون عن أكل الضريع وشرب الحميم وهم في العذاب فكيف يشتغلون عنه في الحساب وفي رواية أخرى إن الله خلق ابن آدم أجوف لا بد له من الطعام والشراب أهم أشد شغلا يومئذ أم من في النار فقد استغاثوا والله يقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب.
والقمي والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب منهما وعن السجاد عليه السلام تبدل الأرض غير الأرض يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة.
ذكر صاحب الميزان قدس سره أن للمفسرين في معنى تبدل الأرض والسماوات أقوال مختلفة: فقيل: تبدل الأرض فضة والسماوات ذهبا وربما قيل إن الأرض تبدل من أرض نقية كالفضة والسماوات كذلك.
وقيل: تبدل الأرض نارا والسماوات جنانا.
وقيل: تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها طول يوم القيامة.
وقيل: تبدل الأرض لكل فريق مما يقتضيه حاله فتبدل لبعض المؤمنين خبزة يأكل منها ما دام في العرصات ولبعض آخر فضة وتبدل للكافر نارا.
وقيل: التبديل هو أنه يزاد في الأرض وينقص منها وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وتمد مد الأديم وتصير مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتتغير السماوات بذهاب الشمس والقمر والنجوم وبالجملة يتغير كل من الأرض والسماوات عما هو عليه في الدنيا من الصفات والأشكال.
ومنشأ اختلافهم في تفسير التبديل اختلاف الروايات الواردة في تفسير الآية مع أن الروايات لو صحت واتصلت كان اختلافها أقوى شاهد على أن ظاهرها غير مراد وأن بياناتها واقعة موقع التمثيل للتقريب.(لميزان)
************************************************** *****************************
تفسير الأمثل
تفسير الميزان
تفسير الصافي