إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التفاوت في عملية التربية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التفاوت في عملية التربية

    التفاوت في عملية التربية
    الاختلاف بين تربية الفتيات والفتيان
    من خصائص النظام التربويّ في الإسلام أنّه يتوجّه إلى الجنسين معاً؛ الذكر والأنثى. فالإسلام شريعة كاملة وراقية، تتّصف تعاليمه بالحكمة والعمق والسلاسة. والنساء والرجال من جهة أصل خِلْقَة الإنسان هما على حدّ سواء، ولكنهما يتفاوتان من ناحية التكاليف والمسؤوليات، وبالتالي سيتفاوت برنامج تربية هذين الجنسين.

    وهذا الاختلاف يعود منشؤه إلى ثلاثة أنواع من الاختلافات؛ الاختلاف الجسماني والطبيعيّ، والاختلاف في العاطفة والإحساس، والاختلاف في التكاليف ومسؤوليات الحياة. فالبنية الوجودية للفتاة والصبيّ تتفاوت من الناحية الظاهرية والباطنية. وحيث إنّ الفتيات يتمتّعن بعواطف وأحاسيس أرقّ فإنّ طبيعتهنّ الوجوديّة لا تتحمّل إيكالهنّ أعمالاً ومهمّات شاقّة؛ لأنّه يضرّ بسلامتهن وحيويّتهن، وبالتالي يضرّ باستمرارية الحياة في هذا العالم.

    وعليه، فإنّ التربية الصحيحة والجديرة بالاعتناء هي التي تأخذ هذه الاختلافات بعين الاعتبار، وتراعي هذه المصالح عند وضعها للبرامج. وعند مراجعة النصوص الإسلامية نجدها تحكي عن هذا الأمر، فالإسلام قد أخذ هذه النواحي بعين الاعتبار، وهذا بحدّ ذاته علامة على جامعيّة وشموليّة تعاليمه وكونها حكيمة. وقبل أن نشرع بتناول جملة من الاختلافات بين تربية الفتاة والصبيّ، نتوقّف عند نظرة الإسلام إلى الفتيات.

    الإسلام والفتيات
    كان دأب عصر الجاهلية على هذا المنوال: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ1، ولكنّ دين الإسلام المقدّس نهض لمناصرة الفتيات، وحمايتهنّ من غضب الآباء وقهرهم وعدم رضا الأمّهات.

    ففي الرؤية الإسلاميّة تتمتّع الفتيات بامتيازات خاصّة وتفضيل واضح؛ إذ ذُكرن في الروايات على أنّهنّ أفضل من الأبناء، كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "خير أولادكم البنات"2، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "البنات حسنات، والبنون نعمة فالحسنات يثاب عليها، والنّعم يسأل عنها"3. وأنّ الله أرحم بهنَّ منه بالصبيان، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: "إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذّكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله تعالى يوم القيامة"4.

    وجُعلت للفتيات امتيازاتٌ أكثر من امتيازات الفتية. جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "نعم الولد البنات؛ ملطّفات، مجهّزات، مؤنسات، مباركات، مفليات"5.
    وحثّ الإسلام الرجال على رعاية البنات، فاستطاع من خلال إعلانه عن الثواب الأخروي ورفعه لمنزلة المرأة الاجتماعية، أن يدفع بالوالدين لقبول الفتاة واستحسانها ورعايتها.

    فقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه؛ كانت له منعة وستراً من النار"6.

    وعنه صلى الله عليه واله وسلم أيضاً: "ما من بيت فيه البنات إلا نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت؛ يكتبون لأبيهم كلّ يوم وليلة عبادة سنة"7.

    وعنه صلى الله عليه واله وسلم قال: "نعم الولد البنات المخدّرات؛ من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النّار، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بها الجنّة، ومن يكن له ثلاث أو مثلهنّ من الأخوات وضع عنه الجهاد والصّدقةُ"8.
    وعن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا بُشّر بجارية قال ريحانة ورزقها على الله"9.

    فكلّ هذه الرعاية، وهذا الاهتمام بالفتيات في الإسلام لا للتمييز بين الفتيات والفتيان، بل لدور الفتيات المهمّ والتكاليف المُلقاة على عاتقهنّ في المستقبل. فالفتيات في المستقبل سوف يتعهّدن تربية جيلٍ شجاع، صادق ومؤمن، وسيكُنّ أساسَ وركنَ العائلة في المستقبل وأساسَ السكون والهدوء في نظام الحياة.

    الاختلاف في التربية بين الفتاة والصبي
    يتمتّع كلّ من الفتاة والصبّي بالكرامة الإنسانية ذاتها، فجوهرهما بالأصل طاهر ونفيس، وكلاهما خُلِقا على فطرة التوحيد. من هنا، وبالرغم من كلّ الاختلافات الظاهريّة الحاصلة بين هذين الموجودين، ينبغي على الوالدين والمربّين أن يجعلاهما مورد تربية وعناية خاصّة؛ لينعما في المستقبل بالرشد والكمال الجسمانيّ والروحانيّ. فالتربية حقٌّ للفتاة والصبي معاً، وينبغي أن يتمتعا بهذا الحقّ؛ ولكنّ تربيتهما بطبيعة الحال تتفاوت وتختلف في ما بينهما بعض الشيء. ونحن سنتناول بعض هذه الاختلافات في المحاور التالية:

    1. التربية الدينيّة والأخلاقيّة:
    يتشارك كلّ من الفتاة والصبي في حقّهما بأصل التربية الدينيّة والأخلاقيّة، ولكن بالالتفات إلى أنّ الفتيات يصلن أبكر إلى سنّ التكليف، لذا يتوجّب تعليمهنّ التكاليف الشرعيّة والعباديّة، وحمْلهن على أداء هذه التكاليف قبل سنّ التاسعة، حتى لا يغدو أداء الفرائض الدينيّة أمراً شاقّاً وعسيراً عليهنّ عندما يتكلّفن.
    ومن الضروريّ ـ أيضاً ـ الاعتناء بتربية الفتيات على المستوى الأخلاقيّ؛ حتى يكون أداء الأعمال الأخلاقية سهلاً عليهنَّ حين يكبرن، وحتى يتخلّصن باكراً من الرذائل الأخلاقية، ويتحلّين بالأخلاق الحسنة، فإنّ حسن أخلاق الفتيات يُساهم في سعادة الأفراد وشقائهم في المجتمع بنحوٍ يفوق التصوّر. وليس مبالغةً إن قلنا إنّ تقدّم الاجيال البشريّة أو سقوطها مرتبط بالتربية الأخلاقيّة، وبحسن أخلاق بنات اليوم أو نساء وأمّهات المستقبل.

    2. التربية العاطفيّة:
    في الكلّيّات والأصول لا يوجد اختلاف في التربية العاطفيّة للفتيات والفتيان، ولكن من الناحية التطبيقية والعمليّة ينبغي أن يُبذل توجّهٌ أكبر نحو الفتيات. ففي تعاليم الإسلام تمّ التأكيد على إظهار المودّة للفتيات أكثر منها للفتيان؛ لأنّ حاجاتهنّ إلى المحبّة أكثر، وهذا الأمر يتمتّع بأهمّيّةٍ خاصّة إذا ما التفتنا إلى حساسيّة البعد العاطفيّ عند الفتيات ولطافة روحِهِنّ.

    لقد أفرد المرحوم الشيخ الحرّ العاملي في كتابه وسائل الشيعة باباً تحت عنوان: "باب استحباب الرقّة على البنات والشفقة عليهنّ أكثر من الصبيان". وقد أورد باباً آخر هو: "باب استحباب إكرام البنت التي اسمها فاطمة وترك إهانتها". وأيضاً: "باب استحباب طلب البنات وإكرامهنّ"10.

    90

    عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور؛ فإنّه من فرّح ابنة فكأنّما أعتق رقبة من ولد اسماعيل، ومن أقرَّ عينَ ابن فكأنّما بكى من خشية الله، ومن بكى من خشية الله أدخله جنّات النعيم"11.

    وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "البنات حسناتٌ والبنون نِعمةٌ وإنّما يُثاب على الحسنات ويُسأل عن النّعمَةِ"12.

    روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: "من عال ثلاث بنات أو مثلهنّ من الأخوات وصبر على لأْوَائِهِنَّ حتّى يَبِنَّ إلى أزواجهنّ أو يَمُتْنَ فيصرن إلى القبور، كنت أنا وهو في الجنَة كَهاتَيْن وأشار بالسَّبَّابة والوُسْطَى، فقيل يا رسول الله واثْنتَيْن، قال واثْنتَيْن،‏ قيل وواحِدَةً، قال ووَاحِدَةً"13.

    وعن الإمام الصّادق عليه السلام: "من عَالَ ابْنَتَيْنِ أو أُخْتَيْنِ أو عَمَّتَيْنِ أو خَالَتَيْنِ حَجَبَتَاهُ من النّار"14.
    ويجدر الإشارة إلى أنّه لا ينبغي أن يُقام بهذا العمل على نحو يظنّ الفتيان أنّ هناك نوعاً من التمييز وعدم الإنصاف؛ فيؤدّي إلى بروز دوافع الحسد في نفوسهم.

    3. التوعية الجنسيّة:
    ينبغي للأمّ أن تقف إلى جانب ابنتها التي بلغت سنّ التكليف حديثاً بكلّ عطفٍ ومحبّة، وأن تكون دائماً موضع أسرارها ومرشدة لها؛ تطلعها على ما تحتاجه من معرفة.
    فوجود الحواجز والحياء الزائد عن حدّه وغير العقلائي في هذا المجال قد يؤدّي إلى وقوع مشاكل كثيرة لدى الأبناء، ويدفعهم إلى طرقٍ ملتوية، والالتجاء إلى أشخاصٍ

    لا يُطمأن إليهم. كما لا بدّ في كافّة هذه المراحل أن يتواءم الإرشاد والمعرفة مع العفّة ومراعاة اللّطافة؛ كي لا يخرق حجاب الحياء الفطريّ والطبيعيّ لديهنّ. وعلى الأمّ أن تعلّم الفتاة بدقّة المسائل التي تتعلّق بالصحّة والتكاليف الشرعيّة، وأن تضع سلفاً بين يديها المعرفة المطلوبة. كما ويتعهّد الأب بتحمّل نفس هذه الوظيفة تجاه ولده الصبي.

    4. التربية الأسريّة:
    الاختلاف بين الفتاة والصبي في التربية الأسريّة يرتبط بالوظائف التي ينبغي لهما أداؤها في المستقبل. فوفقاً للشريعة الإسلامية والواقع التكويني والاجتماعي والعرف السائد أيضاً فإنّ البنت تتزوّج باكراً أو لنقل بنحو أبكر من الصبي. فلا نتوقّع أن يتزوّج صبي في الخامسة عشرة أو ربّما الثامنة عشرة في هذا الزمن إلا في الحالات النادرة، بخلاف البنت إذ من الممكن تحقّق ذلك بالنسبة لها. لذا يقع على عاتق الأهل والمربّين أن يعرّفوا الفتاة أكثر على طبيعة سير الحياة، وكيفيّة التدبير المنزليِّ وتربية الأبناء، وأن يذكِّروها بأهمّيّتها. ولا نقصد هنا أن تؤدّي الفتيات تلك الوظائف بنحو جدّي منذ سنّ الطِّفولة، ولكن مرادنا أن نؤسّس للأدوار منذ البداية؛ حتى تكون منسجمةً مع اختلاف دنيا المرأة عن دنيا الرجل في المستقبل. وبما أنّ الفتاة في مرحلة الطّفولة هي دائماً برفقة أمّها، لذا من المفيد ـ على سبيل المثال ـ أن تفسح الأمّ في المجال أمام ابنتها لتشاركها في الأعمال المنزلية؛ حتى تتعرّف رويداً رويداً على كيفيّة إنجاز هذه الأعمال.

    5. التربية الاجتماعيّة:
    في ما يتعلّق بالشأن الاجتماعي على كلّ من الفتاة والفتى أن يطَّلعا على وظائفهما وواجباتهما الاجتماعية بدقَّة. وهنا أيضاً يوجد اختلاف وتفاوتٌ في وظائفهما الاجتماعيّة. وينبغي أن يكون حضورهما في المجتمع على أساس الضوابط التي حدّدها

    الإسلام. فالإسلام يرى أنّ حضور المرأة في الساحة الاجتماعية مشروطٌ بعدّة شرائط يجب أن تُراعى؛ من قبيل مراعاة الستر والحجاب الإسلامي، وعدم الاختلاط مع الرجال، ورعاية الموازين الشرعية في العلاقات الاجتماعية، وتنبيههنَّ إلى ماهيّة الأخطار التي تحدق بهنّ في المجتمع، والإجابة على أسئلتهنّ بكلّ موضوعية وصراحة. فالبنت ينبغي أن تعرف أين تكمن قيمتها وعزّتها وكرامتها الحقيقية؟ ولماذا ينبغي أن تبقى عفيفة وطاهرة، ولا ينبغي لها أن تعاشر بحرّيّة، وأن تحترز من مخالطة الرجال، وغيرها من الأسئلة الحسّاسة التي تشغل بال وفكر كلّ فتاة في هذا الزمن.

    إنّ القدرة على ممارسة الحياة الاجتماعية، والتعاطي الإنسانيّ والإسلاميّ مع الآخرين، وحسّ المواساة والتعاون، والانسجام مع سائر أفراد المجتمع، والقدرة على مواجهة مشاكل الحياة، وعدم التفلّت من تحمّل المسؤوليّات، والتضحية والصفح... كلّها أمور تحتاج إلى خصوصيّات ومقوّمات ينبغي التأسيس لأصولها على يد كلٍّ من الوالدين والمربّين التربويّين.

    93

    المفاهيم الرئيسة
    1. النساء والرجال من ناحية أصل خِلْقَة الإنسان هما على حدّ سواء، ولكنّهما يتفاوتان من ناحية التكاليف والمسؤوليّات، وبالتالي سيتفاوت برنامج تربية هذين الجنسين.
    2. التربية الصحيحة والجديرة بالاعتناء هي التي تأخذ هذا التفاوت والاختلاف بعين الاعتبار، وتراعي هذه المصالح عند وضعها للبرامج التربويّة.
    3. في الرؤية الإسلاميّة تتمتّع الفتيات بامتيازات خاصّة وتفضيل واضح؛ إذ ذُكِرن في الروايات على أنّهنّ أفضل من الأبناء، وجعلت لهنّ امتيازات أكثر من الفتيان.
    4. كلّ هذه الرعاية وهذا الاهتمام بالفتيات في الإسلام لا للتمييز بين الفتيات والفتيان، بل لدور الفتيات المهمّ والتكاليف المُلقاة على عاتقهنّ في المستقبل.
    5. الفتيات يصلن أبكر إلى سنّ التكليف، لذا يتوجّب تعليمهنّ التكاليف الشرعيّة قبل سنّ التاسعة، حتى لا يغدو أداء الفرائض الدينيّة أمراً شاقّاً عليهنّ عندما يتكلّفن.
    6. في تعاليم الإسلام تمّ التأكيد على إظهار المودّة للفتيات؛ لأنّ حاجاتهنّ إلى المحبّة أكثر من حاجة الفتيان، ولهذا الأمر أهمّيّة خاصّة إذا ما التفتنا إلى حساسيّة البعد العاطفيّ عندهنّ ولطافة روحِهِنّ.
    7. على الأم أن تقف إلى جانب ابنتها التي بلغت سنّ التكليف حديثاً؛ بكلّ عطفٍ ومحبّة، وأن تكون دائماً موضع أسرارها ومرشدة لها؛ تطلعها على ما تحتاجه من معرفة. كما ويتعهّد الأب بتحمّل نفس هذه الوظيفة تجاه ولده الصبي.
    8. في ما يتعلّق بالشأن الاجتماعي، على كلٍّ من الفتاة والفتى أن يطَّلعا على وظائفهما وواجباتهما الاجتماعيّة بدقَّة. وهنا ـ أيضاً ـ يوجد اختلاف وتفاوتٌ في وظائفهما الاجتماعيّة.

    للمطالعة
    من حقّه أن يكون إنساناً
    هؤلاء الصغار الذين في أيدي المعلّمين في المرحلة الابتدائية من حيث الصف، هؤلاء الأطفال من حقّهم أن يكون كلّ واحد منهم إنساناً، ويحق لكلّ واحد منهم أن يكون إنساناً بتمام معنى الكلمة. كما لديهم استعداد أن يكون كلّ واحد منهم شيطاناً وحيواناً.

    التربية هي التي تدفع الطفل نحو طريق الإنسانية أو إلى طريق الحيوانية فإذا زيّن الإنسان لهم مقامات الدنيا ومناصبها وأكثَرَ من الحديث عن هذه الأمور وملأ قلب الطفل بها فإنّه ينشأ على هذا الشيء ويشبّ عليه. الشيء الذي تعلّمه في هذه المرحلة ووقع في قلبه - ولأنّ قلبه صاف ونوراني - فإنّه يُقبل بسرعة. وفي المرحلة التالية عندما يذهب ليحصل على شهادة وعمل فإمّا أن يتحوّل إلى موظّف بطرق شرعية وإمّا أن يتحوّل إلى ناهب.

    إذا ملأتم أذهان الأطفال بالحديث عن العمل والمنصب... وأنّه كيف يكون منصبك وهل سيكون لديك مالٌ ومزرعة، فإنّ كلّ اهتمام الأطفال يصبح هذه الأشياء، وكأنّه لا شي‏ء غيرها. ولو أنّكم لقّنتموهم هذا المعنى أنّه يجب أن نعيش في هذا البلد بشرف إنساني، فإنّ هذا المعنى يرسخ في ذهن هذا الطفل إذا عمل لله كما رسخ ذلك المعنى في ذهن اللصّ ومن ينهب أموال الناس أو ذلك المنحرف الذي يقبض الراتب. ولكن هناك فرقاً بين الاثنين، فأحدهما امتلك بيتاً مثلاً من خلال الخيانة والآخر وصل إلى هذا البيت من خلال عبادة الله، أحدهما لم يكترث بالبيت ولكنّه امتلكه كحاجة طبيعية له والآخر لا يهتم بشي‏ء سوى الحصول عليه.

    إذا لم يهتد الإنسان إلى الطريق المستقيم الذي وضعه الله تبارك وتعالى أمام الإنسان، إذا لم يسلك هذا الطريق فإنّ بقية الطرق جميعها انحراف واعوجاج. وإذا وصل المنحرفون والمعوجون في بلد ما إلى مقدّراته فإنّ ذلك البلد سيؤول إلى الانحطاط والانحراف. وإذا وصل الأفاضل والعلماء ذوو الفضائل الإنسانية إلى السلطة فإنّ فضائل ذلك البلد ستزداد لأنّهم وبحسب المنزلة التي هم فيها فإنّ الناس يهتمّون بكلامهم، وكلامهم يؤثّر في أفكار العامة من الناس. وكم من الممكن أن تؤدّي كلمة من شخص في المجتمع له مكانته ونفوذه إلى توجيه المجتمع نحو الفساد. وبالمقابل من الممكن أن تؤدّي كلمة تخرج من فم شخص له مكانته في المجتمع نحو الصلاح.

    وأنتم أيها السادة تريدون أن تقدّموا للمجتمع مثل هؤلاء الأفراد. لا تتوهّموا أنّهم أفراد عاديّون. هذا الفرد العادي من المحتمل أن يصبح رئيساً لبلد وأن يصبح لديه منصبٌ. وعندما يصبح لديه منصب سيكون الميزان. فإذا كان منحرفاً، وانحرف‏ عندكم أثناء التعلم، فهذا من الممكن أن يفسد فرداً ومجتمعاً. النبي كان فرداً ولكن من باب أنّه كان إنساناً عبر من مقام العبودية إلى مقام الرسالة وكلّ شي‏ء فيه كان إنسانياً فإنّه أصلح المجتمعات الكبرى من زمانه إلى فترات لاحقة، كان شخصاً واحداً ولكن فرداً كان يصلح مجتمعات 15.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X