بسم الله الرحمن الرحيم
يتضح لكل باحث بنظرة فاحصة ، في شخصية المتوكل وحياته ، أنه :
ـ شاب مترف كان يطيل شعره من الخلف ، ليكون كشعر المرأة ، على طريقة المخنثين ، ويعيش مع أصدقائه أبناء القادة الأتراك الفاسدين .
ـ أمر الواثق بحبسه ومنعه من الخروج ، لئلا يكثر لغط الناس على بيت الخليفة .
ـ ولما مات الواثق جاؤوا به من سجن التخنث ، وبايعوه خليفة .
ـ كان حقوداً قاتلاً ، فلم يترك أحداً له فضل عليه إلا وقتله أو عزله . فقد قتل القائد إيتاخ التركي الذي رباه في بيته ، وعزل القاضي ابن أبي دؤاد الذي اختاره خليفة . وهكذا أكثر وزرائه وكتابه ! وكان يأمر بضرب الشخص ألف سوط حتى يموت ، وهذا لا يقره شرع ولا عقل !
ـ كان مسرفاً في البذخ والترف ، يبنى قصوراً لا يحتاجها ، وينفق عليها وعلى حفلاته ألوف الملايين من أموال المسلمين .
ـ كان يبغض علياً والحسن والحسين عليهمالسلام ويعادي من يحبهم ، ويعقد مجالس للغناء يسخر فيها من علي عليهالسلام ! وقد قتل ابن السكيت لأنه فضل علياً والحسنين عليهمالسلام عليه وعلى ولديه !
ـ لم يَدَّعِ المتوكل لنفسه ما ادعوه له : أنه من أهل الدين والتقوى !
فما هو الموجب إذن ، لأن يتبناه الوهابية ، ويقتلوا أنفسهم في الدفاع عنه ؟
الجواب : أنهم أهل هوى وتعصب ، ولاتوجد مقومات إيجابية في شخصية المتوكل ، إلا أنه مؤسس حزبهم المجسم الناصبي التكفيري !
ولزيادة المعرفة بتهافت منطقهم نورد فقرة من حوارات شبكة النت ، حيث سأل رجل شيخاً وهابياً عن هدم المتوكل لقبر الإمام الحسين عليهالسلام ، وكتب له :
فهل يكفيك أخي الكريم ما سبق لإثبات ما كان عليه المتوكل من نُصب ؟ ألا يكون النُّصْب بدعةً عندك وانحرافاً عن منهج السلف ، وهذه أعظم وأشنع وأشد ، وأعيذك بالله منها ، فالإنحراف عن آل البيت انحراف عن الدين وتضييع لوصية لرسول الله ، ونقص في محبته ، وهو بدعةٌ ضلالة ، ورذيلةٌ منكرة باء بكبرها بنو أمية ، وورثها عنهم جماعة من المنتسبين إلى السنة ، وأخاف أن يكون عدم استثنائك لهذا الناصبي الخبيث ، من بقايا هذا الإرث !
لقد ورثت عن أجدادك العباسيين ، بغضهم للعلويين ، وإعلانهم الحرب عليهم بعد أن سلبوهم الحكم ، ونقضهم ما عاهدوهم عليه من أخذ البيعة للرضا من آل محمد ، بل قتلهم والتنكيل بهم كما فعلوا بمحمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم وكل أقاربهم وشيعتهم ! ولئن كان هذا هو السبب فلبئس ما أتيت ، إذ لو كان رسول الله محور حبنا وولائنا ، فآل علي أحب إلينا من آل العباس ، فهم أحفاد سيدة نساء العالمين ، وأحفاد أمير ومولى المؤمنين ، وأحفاد السبطين ، وأجدادهم هم خاصة آل البيت ، بل أولى الناس بذلك وأحراهم ، فقد جللهم المصطفى بكسائه وقال هؤلاء أهل بيتي ، ولم يجلل معهم العباس ولا الزوجات المرضيات رضي الله عن الجميع ، وقد جمعهم دون غيرهم لمباهلة أهل نجران ولم يجمع معهم غيرهم ، فكان أولى بك الإنتصار لهم ، حباً لرسول الله ، وليس الإنتصار لمن آذاهم وأبغضهم من أمثال أبي جعفر وهارون ، فهذه هي حقيقة المحبة لآل البيت ، المحبة المجردة عن كل عصبية أو قبلية أو قومية .
أن تعتبر ما كان منه في قضية خلق القرآن ، ماحياً لهذه السيئات العظيمة ، والله ما ذلك بماحٍ ولا مكفر ، فبدعة النصب أخزى وأشنع وأقبح . فبدعة الخلق لأصحابها تأويلات ومتمسكات قربت أو بعدت ، أما النصب فلا متمسك له إلا العداء لآل البيت النبوي ، وخاصة آل علي الذين هم خاصة آل البيت وخلاصتهم . وعليه فحتى لو كان موقفه ذلك حسنةً ودوافع ذلك محل دراسة ، فهي مغمورة في بحر هذه السيئات والخطايا المقيتة ، عليه من الله ما يستحق !
فأجابه الوهابي أبو عبد الرحمن ، الذي يدعي أنه من ذرية العباسيين ، قال :
أما بالنسبة لما كتبته ، فكما أشرت في بداية كلامي أن النَّفَسَ الشيعي واضحٌ في كلامك وأسلوبك ، وحنقك على بني العباس أبقاهم الله شوكة في حلوق أهل البدع أجمعين . وسأرد على كلامك رداً تفصيلياً ، لكن سأبدأ بنقل كلام أئمة أهل السنة عن جدي الإمام ناصر السنة والدين ، وقامع البدعة والمبتدعين ، وعدو المعتزلة والروافض المشركين ، أمير المؤمنين وخليفة المسلمين المتوكل رحمهالله :
الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : قال عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه السنة : ١ / ١٣٤ : كتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، يعني المتوكل ، أمرني أن أكتب إليك أسألك عن أمر القرآن ، لا مسألة امتحان ولكن مسألة معرفة وبصيرة . وأملى علي أبي إلى عبيد الله بن يحيى : أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها ، ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة برحمته ، فقد كتبت إليك رضي الله عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين أيده الله ، من أمر القرآن بما حضرني ، وإني أسأل الله عز وجل أن يديم توفيق أمير المؤمنين أعزه الله بتأييده ، فقد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد ينغمسون فيه ، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين أيده الله عز وجل ، فنفى الله تعالى بأمير المؤمنين أعزه الله كل بدعة وانجلى عن الناس كل ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس ، فصرف الله عز وجل ذلك كله ، وذهب به بأمير المؤمنين أعز الله نصره ، ووقع ذلك من المسلمين موقعاً عظيماً ، ودعوا الله عز وجل لأمير المؤمنين . فأسأل الله تعالى أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء .
وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين أدام الله عزه ، وأن يزيد في نيته ويعينه .
قال الخلال في كتابه السنة « ١ / ٨٤ » : أخبرنا أبو بكر المروذي قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ، وذكر الخليفة المتوكل رحمهالله فقال : إني لأدعو له بالصلاح والعافية ، وقال: لئن حدث به حدث لتنظرن ما يحل بالإسلام .
قال العباسي السلفي : وهذا من أصح الأسانيد للإمام أحمد رحمهالله .
الإمام الدارمي رحمهالله : قال في نقضه على المريسي الجهمي العنيد « ١ / ٥٣٤ » : فلم تزل الجهمية سنوات يركبون فيها أهل السنة والجماعة ، بقوة ابن أبي داؤد المحاد لله ولرسوله ، حتى استخلف المتوكل رحمهالله ، فطمس الله به آثارهم ، وقمع به أنصارهم حتى استقام أكثر الناس على السنة الأولى ، والمنهاج الأول .
الإمام شيخ الإسلام بن تيمية رحمهالله : قال في مجموع الفتاوى « ٤ / ٢١ » : وكان في أيام المتوكل قد عز الإسلام ، حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية ، وألزموا الصغار ، فعزت السنة والجماعة ، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم . ففي عهده رفعت المحنة بخلق القرآن .
وقال في مجموع الفتاوى « ٣ / ٢٥ » : ثم إن الله كشف الغمة عن الأمة في ولاية المتوكل على الله ، الذي جعل الله عامة خلفاء بني العباس من ذريته دون ذرية الذين أقاموا المحنة لأهل السنة ، فأمر المتوكل برفع المحنة وإظهار الكتاب والسنة ، وأن يروى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين .
الإمام بن كثير رحمهالله : قال في البداية والنهاية « ١٤ / ٣١٧ » : وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكناني ، صاحب كتاب الحِيدة ، على المتوكل وكان من خيار الخلفاء .
وقال أيضاً « ١٤ / ٤٥٤ » : وكان المتوكل محبباً إلى رعيته قائماً في نصرة أهل السنة ، وقد شبهه بعضهم بالصديق في قتله أهل الردة ، لأنه نصر الحق ورده عليهم حتى رجعوا إلى الدين . وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني أمية .
وقد أظهر السنة بعد البدعة ، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها واشتهارها فرحمه الله . وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهو جالس في نور ، قال فقلت : المتوكل ؟ قال : المتوكل . قلت : فما فعل بك ربك ؟ قال : غفر لي . قلت : بماذا ؟ قال : بقليل من السنة أحييتها .
قال الشريف أبو عبد الرحمن العباسي السلفي حفيد المتوكل : فالحمد لله أن أهل السنة الفرقة الناجية أهل الحديث والأثر ، يعرفون فضل هذا الإمام قديماً وحديثاً ، ويثنون عليه ويترحمون عليه ولا يذكرونه إلا بالجميل ، ولا يتتبعون زلاته ، لأنهم يعلمون أنه لا أحد معصوم من الزلل ، ولأنهم يعلمون حسناته الكبيرة وجهوده العظيمة في نصرة السنة وأهلها ، ويعلمون مدى بغض أهل البدع له ، وخاصة الروافض والمعتزلة .
وقد كتب في ذمه في هذا العصر المبتدع حسن المالكي ، وقد رد عليه أهل السنة وذبوا عن المتوكل رحمهالله ، راجع كتاب قمع الدجاجلة لعبد العزيز الراجحي ، تقديم العلامة الفوزان .
وأما اتهامك له بالنصب رحمهالله فلنا مقال في تبرئته من هذه التهمة الخبيثة ، والرد على ما استند عليه في اتهامه بذلك رحمهالله وأعلى درجته ، وهي ثلاث حوادث أو قصص ، فصلنا الكلام عنها في مقالنا ذلك .
وأنت في تسويدك هذا قد ذكرت كلام ثلاثة من المؤرخين ، الأول منهم وهو إمامهم ابن جرير الطبري ولم يذكر شيئاً من النُّصب ، بل نقل عملاً عظيماً من أعمال جدي « ! » الخليفة المتوكل الجليلة في نصرة العقيدة والسنة ، وهو هدم ما بني على قبر سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه ، وقد ذكرنا هذا ضمن جهوده في نصرة العقيدة والسنة ، في كتابنا عقيدة بني العباس .
والثاني هو الإمام الذهبي رحمهالله وقد اضطرب كلامه في هذا ، فمرة يقول : وكان في المتوكل نصب . ومرة يقول : وكان معروفاً بالنصب . ومرة قال : ولم يصح عنه النصب . كما في تاريخ الإسلام . فلذلك كان لابد من الرجوع لما يذكرونه من قصص وحوادث يستدلون بها على نصبه رحمهالله ، وحاشاه ، فهو الذي قال عنه أحمد : إن الله نفى به كل بدعة ، وهذا الذي فعلناه في مقالنا الآنف الذكر . انتهى .
أقول : لاحظ ما في جواب هذا الناصبي من عجرفة وتزوير :
١. فقد بدأ بالفخر بنفسه بأنه من خيرهم قبيلةً وعشيرةً وبيتاً ! لأنه هاشمي عباسي كما يدعي ، ففضل نفسه على الناس ، لأنه من عشيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله !
٢. ثم تغاضى عن ظلامة العترة النبوية وهم أقرب منه الى النبي صلىاللهعليهوآله ، ودافع عمن ظلمهم ! فهو يفتخر بابن العشيرة ويغمط حق الإبن الصلب !
ويعطي الحق لنفسه بقرابة العشيرة ، وينكر حق العترة بنص القرآن والسنة !
٣. وبَّخ مخاطبه بأن كلامه فيه نَفَسٌ شيعي ، فالنفَس المحب لعترة النبي صلىاللهعليهوآله جريمة ، لكنه يفتخر بالنفس العباسي وكأنه هو الإسلام !
٤. دافع عن المتوكل بكلمات من مؤيديه : ابن حنبل ، والخلال ، والدارمي ، وابن تيمية ، والذهبي ، وابن كثير . فهل انتهى علماء الإسلام بهؤلاء ؟
وأين آراء الذامين وهم أعظم منهم ؟ ثم ماذا قال هؤلاء ، وهل نفوا عنه النُّصب ونفوا عنه شرب الخمر ، والتخنث ، والزنا ، والقتل ، وهدم قبر الحسين عليهالسلام ؟
ثم لاحظ قوله : « فالحمد لله أن أهل السنة الفرقة الناجية أهل الحديث والأثر ، يعرفون فضل هذا الإمام قديماً وحديثاً ، ويثنون عليه ويترحمون عليه ولا يذكرونه إلا بالجميل » .
فهو يُدّلِّسُ على القارئ بأن أهل الحديث والأثر هم أهل السنة والجماعة ، وأنهم يمدحون المتوكل ، وإنما يثني عليه مجسمة الحنابلة ، الذين نصحهم ابن الجوزي بكتابه : رد شبه التشبيه ، وقال إنهم شانوا مذهب ابن حنبل وشوهوه !
٥. وإذا كان المتوكل من أئمة الهدى كما زعم ، فلماذا يمدحون ابن حنبل بأنه لم يدخل بيته ، ولم يأكل من طعامه ، ولا أخذ من ماله ، لأنه حرام أو مشبوه !
٦. ثم كابر الناصبي وأنكر أن المتوكل ناصبيٌّ ، وهو أمرٌ أوضح من الشمس قال : وأما اتهامك له بالنصب رحمهالله فلنا مقال في تبرئته من هذه التهمة الخبيثة !
يتضح لكل باحث بنظرة فاحصة ، في شخصية المتوكل وحياته ، أنه :
ـ شاب مترف كان يطيل شعره من الخلف ، ليكون كشعر المرأة ، على طريقة المخنثين ، ويعيش مع أصدقائه أبناء القادة الأتراك الفاسدين .
ـ أمر الواثق بحبسه ومنعه من الخروج ، لئلا يكثر لغط الناس على بيت الخليفة .
ـ ولما مات الواثق جاؤوا به من سجن التخنث ، وبايعوه خليفة .
ـ كان حقوداً قاتلاً ، فلم يترك أحداً له فضل عليه إلا وقتله أو عزله . فقد قتل القائد إيتاخ التركي الذي رباه في بيته ، وعزل القاضي ابن أبي دؤاد الذي اختاره خليفة . وهكذا أكثر وزرائه وكتابه ! وكان يأمر بضرب الشخص ألف سوط حتى يموت ، وهذا لا يقره شرع ولا عقل !
ـ كان مسرفاً في البذخ والترف ، يبنى قصوراً لا يحتاجها ، وينفق عليها وعلى حفلاته ألوف الملايين من أموال المسلمين .
ـ كان يبغض علياً والحسن والحسين عليهمالسلام ويعادي من يحبهم ، ويعقد مجالس للغناء يسخر فيها من علي عليهالسلام ! وقد قتل ابن السكيت لأنه فضل علياً والحسنين عليهمالسلام عليه وعلى ولديه !
ـ لم يَدَّعِ المتوكل لنفسه ما ادعوه له : أنه من أهل الدين والتقوى !
فما هو الموجب إذن ، لأن يتبناه الوهابية ، ويقتلوا أنفسهم في الدفاع عنه ؟
الجواب : أنهم أهل هوى وتعصب ، ولاتوجد مقومات إيجابية في شخصية المتوكل ، إلا أنه مؤسس حزبهم المجسم الناصبي التكفيري !
ولزيادة المعرفة بتهافت منطقهم نورد فقرة من حوارات شبكة النت ، حيث سأل رجل شيخاً وهابياً عن هدم المتوكل لقبر الإمام الحسين عليهالسلام ، وكتب له :
فهل يكفيك أخي الكريم ما سبق لإثبات ما كان عليه المتوكل من نُصب ؟ ألا يكون النُّصْب بدعةً عندك وانحرافاً عن منهج السلف ، وهذه أعظم وأشنع وأشد ، وأعيذك بالله منها ، فالإنحراف عن آل البيت انحراف عن الدين وتضييع لوصية لرسول الله ، ونقص في محبته ، وهو بدعةٌ ضلالة ، ورذيلةٌ منكرة باء بكبرها بنو أمية ، وورثها عنهم جماعة من المنتسبين إلى السنة ، وأخاف أن يكون عدم استثنائك لهذا الناصبي الخبيث ، من بقايا هذا الإرث !
لقد ورثت عن أجدادك العباسيين ، بغضهم للعلويين ، وإعلانهم الحرب عليهم بعد أن سلبوهم الحكم ، ونقضهم ما عاهدوهم عليه من أخذ البيعة للرضا من آل محمد ، بل قتلهم والتنكيل بهم كما فعلوا بمحمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم وكل أقاربهم وشيعتهم ! ولئن كان هذا هو السبب فلبئس ما أتيت ، إذ لو كان رسول الله محور حبنا وولائنا ، فآل علي أحب إلينا من آل العباس ، فهم أحفاد سيدة نساء العالمين ، وأحفاد أمير ومولى المؤمنين ، وأحفاد السبطين ، وأجدادهم هم خاصة آل البيت ، بل أولى الناس بذلك وأحراهم ، فقد جللهم المصطفى بكسائه وقال هؤلاء أهل بيتي ، ولم يجلل معهم العباس ولا الزوجات المرضيات رضي الله عن الجميع ، وقد جمعهم دون غيرهم لمباهلة أهل نجران ولم يجمع معهم غيرهم ، فكان أولى بك الإنتصار لهم ، حباً لرسول الله ، وليس الإنتصار لمن آذاهم وأبغضهم من أمثال أبي جعفر وهارون ، فهذه هي حقيقة المحبة لآل البيت ، المحبة المجردة عن كل عصبية أو قبلية أو قومية .
أن تعتبر ما كان منه في قضية خلق القرآن ، ماحياً لهذه السيئات العظيمة ، والله ما ذلك بماحٍ ولا مكفر ، فبدعة النصب أخزى وأشنع وأقبح . فبدعة الخلق لأصحابها تأويلات ومتمسكات قربت أو بعدت ، أما النصب فلا متمسك له إلا العداء لآل البيت النبوي ، وخاصة آل علي الذين هم خاصة آل البيت وخلاصتهم . وعليه فحتى لو كان موقفه ذلك حسنةً ودوافع ذلك محل دراسة ، فهي مغمورة في بحر هذه السيئات والخطايا المقيتة ، عليه من الله ما يستحق !
فأجابه الوهابي أبو عبد الرحمن ، الذي يدعي أنه من ذرية العباسيين ، قال :
أما بالنسبة لما كتبته ، فكما أشرت في بداية كلامي أن النَّفَسَ الشيعي واضحٌ في كلامك وأسلوبك ، وحنقك على بني العباس أبقاهم الله شوكة في حلوق أهل البدع أجمعين . وسأرد على كلامك رداً تفصيلياً ، لكن سأبدأ بنقل كلام أئمة أهل السنة عن جدي الإمام ناصر السنة والدين ، وقامع البدعة والمبتدعين ، وعدو المعتزلة والروافض المشركين ، أمير المؤمنين وخليفة المسلمين المتوكل رحمهالله :
الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : قال عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه السنة : ١ / ١٣٤ : كتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، يعني المتوكل ، أمرني أن أكتب إليك أسألك عن أمر القرآن ، لا مسألة امتحان ولكن مسألة معرفة وبصيرة . وأملى علي أبي إلى عبيد الله بن يحيى : أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها ، ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة برحمته ، فقد كتبت إليك رضي الله عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين أيده الله ، من أمر القرآن بما حضرني ، وإني أسأل الله عز وجل أن يديم توفيق أمير المؤمنين أعزه الله بتأييده ، فقد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد ينغمسون فيه ، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين أيده الله عز وجل ، فنفى الله تعالى بأمير المؤمنين أعزه الله كل بدعة وانجلى عن الناس كل ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس ، فصرف الله عز وجل ذلك كله ، وذهب به بأمير المؤمنين أعز الله نصره ، ووقع ذلك من المسلمين موقعاً عظيماً ، ودعوا الله عز وجل لأمير المؤمنين . فأسأل الله تعالى أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء .
وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين أدام الله عزه ، وأن يزيد في نيته ويعينه .
قال الخلال في كتابه السنة « ١ / ٨٤ » : أخبرنا أبو بكر المروذي قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ، وذكر الخليفة المتوكل رحمهالله فقال : إني لأدعو له بالصلاح والعافية ، وقال: لئن حدث به حدث لتنظرن ما يحل بالإسلام .
قال العباسي السلفي : وهذا من أصح الأسانيد للإمام أحمد رحمهالله .
الإمام الدارمي رحمهالله : قال في نقضه على المريسي الجهمي العنيد « ١ / ٥٣٤ » : فلم تزل الجهمية سنوات يركبون فيها أهل السنة والجماعة ، بقوة ابن أبي داؤد المحاد لله ولرسوله ، حتى استخلف المتوكل رحمهالله ، فطمس الله به آثارهم ، وقمع به أنصارهم حتى استقام أكثر الناس على السنة الأولى ، والمنهاج الأول .
الإمام شيخ الإسلام بن تيمية رحمهالله : قال في مجموع الفتاوى « ٤ / ٢١ » : وكان في أيام المتوكل قد عز الإسلام ، حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية ، وألزموا الصغار ، فعزت السنة والجماعة ، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم . ففي عهده رفعت المحنة بخلق القرآن .
وقال في مجموع الفتاوى « ٣ / ٢٥ » : ثم إن الله كشف الغمة عن الأمة في ولاية المتوكل على الله ، الذي جعل الله عامة خلفاء بني العباس من ذريته دون ذرية الذين أقاموا المحنة لأهل السنة ، فأمر المتوكل برفع المحنة وإظهار الكتاب والسنة ، وأن يروى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين .
الإمام بن كثير رحمهالله : قال في البداية والنهاية « ١٤ / ٣١٧ » : وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكناني ، صاحب كتاب الحِيدة ، على المتوكل وكان من خيار الخلفاء .
وقال أيضاً « ١٤ / ٤٥٤ » : وكان المتوكل محبباً إلى رعيته قائماً في نصرة أهل السنة ، وقد شبهه بعضهم بالصديق في قتله أهل الردة ، لأنه نصر الحق ورده عليهم حتى رجعوا إلى الدين . وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني أمية .
وقد أظهر السنة بعد البدعة ، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها واشتهارها فرحمه الله . وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهو جالس في نور ، قال فقلت : المتوكل ؟ قال : المتوكل . قلت : فما فعل بك ربك ؟ قال : غفر لي . قلت : بماذا ؟ قال : بقليل من السنة أحييتها .
قال الشريف أبو عبد الرحمن العباسي السلفي حفيد المتوكل : فالحمد لله أن أهل السنة الفرقة الناجية أهل الحديث والأثر ، يعرفون فضل هذا الإمام قديماً وحديثاً ، ويثنون عليه ويترحمون عليه ولا يذكرونه إلا بالجميل ، ولا يتتبعون زلاته ، لأنهم يعلمون أنه لا أحد معصوم من الزلل ، ولأنهم يعلمون حسناته الكبيرة وجهوده العظيمة في نصرة السنة وأهلها ، ويعلمون مدى بغض أهل البدع له ، وخاصة الروافض والمعتزلة .
وقد كتب في ذمه في هذا العصر المبتدع حسن المالكي ، وقد رد عليه أهل السنة وذبوا عن المتوكل رحمهالله ، راجع كتاب قمع الدجاجلة لعبد العزيز الراجحي ، تقديم العلامة الفوزان .
وأما اتهامك له بالنصب رحمهالله فلنا مقال في تبرئته من هذه التهمة الخبيثة ، والرد على ما استند عليه في اتهامه بذلك رحمهالله وأعلى درجته ، وهي ثلاث حوادث أو قصص ، فصلنا الكلام عنها في مقالنا ذلك .
وأنت في تسويدك هذا قد ذكرت كلام ثلاثة من المؤرخين ، الأول منهم وهو إمامهم ابن جرير الطبري ولم يذكر شيئاً من النُّصب ، بل نقل عملاً عظيماً من أعمال جدي « ! » الخليفة المتوكل الجليلة في نصرة العقيدة والسنة ، وهو هدم ما بني على قبر سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه ، وقد ذكرنا هذا ضمن جهوده في نصرة العقيدة والسنة ، في كتابنا عقيدة بني العباس .
والثاني هو الإمام الذهبي رحمهالله وقد اضطرب كلامه في هذا ، فمرة يقول : وكان في المتوكل نصب . ومرة يقول : وكان معروفاً بالنصب . ومرة قال : ولم يصح عنه النصب . كما في تاريخ الإسلام . فلذلك كان لابد من الرجوع لما يذكرونه من قصص وحوادث يستدلون بها على نصبه رحمهالله ، وحاشاه ، فهو الذي قال عنه أحمد : إن الله نفى به كل بدعة ، وهذا الذي فعلناه في مقالنا الآنف الذكر . انتهى .
أقول : لاحظ ما في جواب هذا الناصبي من عجرفة وتزوير :
١. فقد بدأ بالفخر بنفسه بأنه من خيرهم قبيلةً وعشيرةً وبيتاً ! لأنه هاشمي عباسي كما يدعي ، ففضل نفسه على الناس ، لأنه من عشيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله !
٢. ثم تغاضى عن ظلامة العترة النبوية وهم أقرب منه الى النبي صلىاللهعليهوآله ، ودافع عمن ظلمهم ! فهو يفتخر بابن العشيرة ويغمط حق الإبن الصلب !
ويعطي الحق لنفسه بقرابة العشيرة ، وينكر حق العترة بنص القرآن والسنة !
٣. وبَّخ مخاطبه بأن كلامه فيه نَفَسٌ شيعي ، فالنفَس المحب لعترة النبي صلىاللهعليهوآله جريمة ، لكنه يفتخر بالنفس العباسي وكأنه هو الإسلام !
٤. دافع عن المتوكل بكلمات من مؤيديه : ابن حنبل ، والخلال ، والدارمي ، وابن تيمية ، والذهبي ، وابن كثير . فهل انتهى علماء الإسلام بهؤلاء ؟
وأين آراء الذامين وهم أعظم منهم ؟ ثم ماذا قال هؤلاء ، وهل نفوا عنه النُّصب ونفوا عنه شرب الخمر ، والتخنث ، والزنا ، والقتل ، وهدم قبر الحسين عليهالسلام ؟
ثم لاحظ قوله : « فالحمد لله أن أهل السنة الفرقة الناجية أهل الحديث والأثر ، يعرفون فضل هذا الإمام قديماً وحديثاً ، ويثنون عليه ويترحمون عليه ولا يذكرونه إلا بالجميل » .
فهو يُدّلِّسُ على القارئ بأن أهل الحديث والأثر هم أهل السنة والجماعة ، وأنهم يمدحون المتوكل ، وإنما يثني عليه مجسمة الحنابلة ، الذين نصحهم ابن الجوزي بكتابه : رد شبه التشبيه ، وقال إنهم شانوا مذهب ابن حنبل وشوهوه !
٥. وإذا كان المتوكل من أئمة الهدى كما زعم ، فلماذا يمدحون ابن حنبل بأنه لم يدخل بيته ، ولم يأكل من طعامه ، ولا أخذ من ماله ، لأنه حرام أو مشبوه !
٦. ثم كابر الناصبي وأنكر أن المتوكل ناصبيٌّ ، وهو أمرٌ أوضح من الشمس قال : وأما اتهامك له بالنصب رحمهالله فلنا مقال في تبرئته من هذه التهمة الخبيثة !