بسم الله الرحمن الرحيم
التاريخ النقلي و نعني به ضبط الحوادث الكلية و الجزئية بالنقل و الحديث مما لم يزل الإنسان من أقدم عهود حياته و أزمان وجوده في الأرض مهتما به، ففي كل عصر من الأعصار على ما نعلمه عدة من حفظته أو كتابه و المؤلفين فيه، و آخرون يعتورون ما ضبطه أولئك و يأخذون ما أتحفوهم به، و الإنسان ينتفع به في جهات شتى من حياته كالاجتماع و الاعتبار و القص و الحديث و التفكه و أمور أخرى سياسية أو اقتصادية أو صناعية و غير ذلك.
و أنه على شرافته و كثرة منافعه لم يزل و لا يزال يعمل فيه عاملان بالفساد يوجبان انحرافه عن صحة الطبع و صدق البيان إلى الباطل و الكذب: أحدهما: أنه لا يزال في كل عصر محكوما للحكومة الحاضرة التي بيدها القوة و القدرة يميل إلى إظهار ما ينفعها و يغمض عما يضرها و يفسد الأمر عليها، و ليس ذلك إلا ما لا نشك فيه أن الحكومات المقتدرة في كل عصر تهتم بإفشاء ما تنتفع به من الحقائق و ستر ما تستضر به أو تلبيسها بلباس تنتفع به أو تصوير الباطل و الكذب بصورة الحق و الصدق، فإن الفرد من الإنسان و المجتمع منه مفطوران على جلب النفع و دفع الضرر بأي نحو أمكن، و هذا أمر لا يشك فيه من له أدنى شعور يشعر به الأوضاع العامة الحاضرة في زمان حياته و يتأمل به في تاريخ الأمم الماضية و البعيدة.
و ثانيهما: أن المتحملين للأخبار و الناقلين لها و المؤلفين فيها جميعهم لا يخلون من إعمال الإحساسات الباطنية و العصبيات القومية فيما يتحملون منها أو يقضون فيها، فإن جملة الأخبار في الماضين، و الحكومة في أعصارهم حكومة الدين، كانوا منتحلين بنحلة و متدينين كل بدين، و كانت الإحساسات المذهبية فيهم قوية و العصبيات القومية شديدة فلا محالة كانت تداخل الأخبار التاريخية من حيث اشتمالها على أحكام و أقضية كما أن العصبية المادية و الإحساسات القوية اليوم للحرية على الدين و للهوى على العقل يوجب مداخلات من أهل الأخبار اليوم نظير مداخلات القدماء فيما ضبطوه أو نقلوه، و من هنا أنك لا ترى أهل دين و نحلة فيما ألف أو جمع من الأخبار أودع شيئا يخالف مذهبه فما ضبطه أهل كل مذهب موافق لأصول مذهبه، و كذا الأمر في النقل اليوم لا ترى كلمة تاريخية عملته أيديهم إلا و فيه بعض التأييد للمذهب المادي.
على أن هاهنا عوامل أخرى تستدعي فساد التاريخ، و هو فقدان وسائل الضبط و الأخذ و التحمل و النقل و التأليف و الحفظ عن التغير و الفقدان سابقا و هذه النقيصة و إن ارتفعت اليوم بتقارب البلاد و تراكم وسائل الاتصال و سهولة نقل الأخبار و الانتقال و التحول لكن عمت البلية من جهة أخرى و هي: أن السياسة داخلت جميع شئون الإنسان في حياته، فالدنيا اليوم تدور مدار السياسة الفنية، و بحسب تحولها تتحول الأخبار من حال إلى حال، و هذا مما يوجب سوء الظن بالتاريخ حتى كاد أن يورده مورد السقوط، و وجود هذه النواقص أو النواقض في التاريخ النقلي هو السبب أو عمدة السبب في إعراض العلماء اليوم عنه إلى تأسيس القضايا التاريخية على أساس الآثار الأرضية، و هذا و إن سلمت عن بعض الإشكالات المذكورة كالأول مثلا، لكنها غير خالية عن الباقي، و عمدته مداخلة المؤرخ بما عنده من الإحساس و العصبية في الأقضية، و تصرف السياسة فيها إفشاء و كتمانا و تغييرا و تبديلا، فهذا حال التاريخ و ما معه من جهات الفساد الذي لا يقبل الإصلاح أبدا.
و من هنا يظهر: أن القرآن الشريف لا يعارض في قصصه بالتاريخ إذا خالفه، فإنه وحي إلهي منزه عن الخطأ مبرأ عن الكذب، فلا يعارضه من التاريخ ما لا مؤمن له يؤمنه من الكذب و الخطأ، فأغلب القصص القرآنية كنفس هذه القصة قصة طالوت يخالف ما يوجد في كتب العهدين، و لا ضير فيه فإن كتب العهدين لا تزيد على التواريخ المعمولة التي قد علمت كيفية تلاعب الأيدي فيها و بها، على أن مؤلف هذه القصة و هي قصة صموئيل و شارل بلسان العهدين، غير معلوم الشخص أصلا، و كيف كان فلا نبالي بمخالفة القرآن لما يوجد منافيا له في التواريخ و خاصة في كتب العهدين، فالقرآن هو الكلام الحق من الحق عز اسمه.
على أن القرآن ليس بكتاب تاريخ و لا أنه يريد في قصصه بيان التاريخ على حد ما يرومه كتاب التاريخ، و إنما هو كلام إلهي مفرغ في قالب الوحي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، و لذلك لا تراه يقص قصة بتمام أطرافها و جهات وقوعها، و إنما يأخذ من القصة نكات متفرقة يوجب الإمعان و التأمل فيها حصول الغاية من عبرة أو حكمة أو موعظة أو غيرها.
كما هو مشهود في هذه القصة قصة طالوت و جالوت حيث يقول تعالى: أ لم تر إلى الملإ من بني إسرائيل، ثم يقول: و قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا "إلخ"، ثم يقول: و قال لهم نبيهم: إن آية ملكه، ثم يقول: فلما فصل طالوت "إلخ"، ثم يقول و لما برزوا لجالوت، و من المعلوم أن اتصال هذه الجمل بعضها إلى بعض في تمام الكلام يحتاج إلى قصة طويلة، و قد نبهناك بمثله فيما مر من قصة البقرة، و هو مطرد في جميع القصص المقتصة في القرآن، لا يختص بالذكر منها إلا مواضع الحاجة فيها: من عبرة و موعظة و حكمة أو سنة إلهية في الأيام الخالية و الأمم الدارجة، قال تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب": يوسف - 111، و قال تعالى: "يريد الله ليبين لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم:" النساء - 26، و قال تعالى: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس و هدى و موعظة للمتقين:" آل عمران - 138، إلى غير ذلك من الآيات.
التاريخ النقلي و نعني به ضبط الحوادث الكلية و الجزئية بالنقل و الحديث مما لم يزل الإنسان من أقدم عهود حياته و أزمان وجوده في الأرض مهتما به، ففي كل عصر من الأعصار على ما نعلمه عدة من حفظته أو كتابه و المؤلفين فيه، و آخرون يعتورون ما ضبطه أولئك و يأخذون ما أتحفوهم به، و الإنسان ينتفع به في جهات شتى من حياته كالاجتماع و الاعتبار و القص و الحديث و التفكه و أمور أخرى سياسية أو اقتصادية أو صناعية و غير ذلك.
و أنه على شرافته و كثرة منافعه لم يزل و لا يزال يعمل فيه عاملان بالفساد يوجبان انحرافه عن صحة الطبع و صدق البيان إلى الباطل و الكذب: أحدهما: أنه لا يزال في كل عصر محكوما للحكومة الحاضرة التي بيدها القوة و القدرة يميل إلى إظهار ما ينفعها و يغمض عما يضرها و يفسد الأمر عليها، و ليس ذلك إلا ما لا نشك فيه أن الحكومات المقتدرة في كل عصر تهتم بإفشاء ما تنتفع به من الحقائق و ستر ما تستضر به أو تلبيسها بلباس تنتفع به أو تصوير الباطل و الكذب بصورة الحق و الصدق، فإن الفرد من الإنسان و المجتمع منه مفطوران على جلب النفع و دفع الضرر بأي نحو أمكن، و هذا أمر لا يشك فيه من له أدنى شعور يشعر به الأوضاع العامة الحاضرة في زمان حياته و يتأمل به في تاريخ الأمم الماضية و البعيدة.
و ثانيهما: أن المتحملين للأخبار و الناقلين لها و المؤلفين فيها جميعهم لا يخلون من إعمال الإحساسات الباطنية و العصبيات القومية فيما يتحملون منها أو يقضون فيها، فإن جملة الأخبار في الماضين، و الحكومة في أعصارهم حكومة الدين، كانوا منتحلين بنحلة و متدينين كل بدين، و كانت الإحساسات المذهبية فيهم قوية و العصبيات القومية شديدة فلا محالة كانت تداخل الأخبار التاريخية من حيث اشتمالها على أحكام و أقضية كما أن العصبية المادية و الإحساسات القوية اليوم للحرية على الدين و للهوى على العقل يوجب مداخلات من أهل الأخبار اليوم نظير مداخلات القدماء فيما ضبطوه أو نقلوه، و من هنا أنك لا ترى أهل دين و نحلة فيما ألف أو جمع من الأخبار أودع شيئا يخالف مذهبه فما ضبطه أهل كل مذهب موافق لأصول مذهبه، و كذا الأمر في النقل اليوم لا ترى كلمة تاريخية عملته أيديهم إلا و فيه بعض التأييد للمذهب المادي.
على أن هاهنا عوامل أخرى تستدعي فساد التاريخ، و هو فقدان وسائل الضبط و الأخذ و التحمل و النقل و التأليف و الحفظ عن التغير و الفقدان سابقا و هذه النقيصة و إن ارتفعت اليوم بتقارب البلاد و تراكم وسائل الاتصال و سهولة نقل الأخبار و الانتقال و التحول لكن عمت البلية من جهة أخرى و هي: أن السياسة داخلت جميع شئون الإنسان في حياته، فالدنيا اليوم تدور مدار السياسة الفنية، و بحسب تحولها تتحول الأخبار من حال إلى حال، و هذا مما يوجب سوء الظن بالتاريخ حتى كاد أن يورده مورد السقوط، و وجود هذه النواقص أو النواقض في التاريخ النقلي هو السبب أو عمدة السبب في إعراض العلماء اليوم عنه إلى تأسيس القضايا التاريخية على أساس الآثار الأرضية، و هذا و إن سلمت عن بعض الإشكالات المذكورة كالأول مثلا، لكنها غير خالية عن الباقي، و عمدته مداخلة المؤرخ بما عنده من الإحساس و العصبية في الأقضية، و تصرف السياسة فيها إفشاء و كتمانا و تغييرا و تبديلا، فهذا حال التاريخ و ما معه من جهات الفساد الذي لا يقبل الإصلاح أبدا.
و من هنا يظهر: أن القرآن الشريف لا يعارض في قصصه بالتاريخ إذا خالفه، فإنه وحي إلهي منزه عن الخطأ مبرأ عن الكذب، فلا يعارضه من التاريخ ما لا مؤمن له يؤمنه من الكذب و الخطأ، فأغلب القصص القرآنية كنفس هذه القصة قصة طالوت يخالف ما يوجد في كتب العهدين، و لا ضير فيه فإن كتب العهدين لا تزيد على التواريخ المعمولة التي قد علمت كيفية تلاعب الأيدي فيها و بها، على أن مؤلف هذه القصة و هي قصة صموئيل و شارل بلسان العهدين، غير معلوم الشخص أصلا، و كيف كان فلا نبالي بمخالفة القرآن لما يوجد منافيا له في التواريخ و خاصة في كتب العهدين، فالقرآن هو الكلام الحق من الحق عز اسمه.
على أن القرآن ليس بكتاب تاريخ و لا أنه يريد في قصصه بيان التاريخ على حد ما يرومه كتاب التاريخ، و إنما هو كلام إلهي مفرغ في قالب الوحي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، و لذلك لا تراه يقص قصة بتمام أطرافها و جهات وقوعها، و إنما يأخذ من القصة نكات متفرقة يوجب الإمعان و التأمل فيها حصول الغاية من عبرة أو حكمة أو موعظة أو غيرها.
كما هو مشهود في هذه القصة قصة طالوت و جالوت حيث يقول تعالى: أ لم تر إلى الملإ من بني إسرائيل، ثم يقول: و قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا "إلخ"، ثم يقول: و قال لهم نبيهم: إن آية ملكه، ثم يقول: فلما فصل طالوت "إلخ"، ثم يقول و لما برزوا لجالوت، و من المعلوم أن اتصال هذه الجمل بعضها إلى بعض في تمام الكلام يحتاج إلى قصة طويلة، و قد نبهناك بمثله فيما مر من قصة البقرة، و هو مطرد في جميع القصص المقتصة في القرآن، لا يختص بالذكر منها إلا مواضع الحاجة فيها: من عبرة و موعظة و حكمة أو سنة إلهية في الأيام الخالية و الأمم الدارجة، قال تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب": يوسف - 111، و قال تعالى: "يريد الله ليبين لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم:" النساء - 26، و قال تعالى: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس و هدى و موعظة للمتقين:" آل عمران - 138، إلى غير ذلك من الآيات.