بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم


وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىظ° رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) / القيامة


الرؤية الحسية الى الله تعالى في الآخرة بآلة العين البشرية المادية هل هو ممكن وهل ظاهر الآية ممكن أخذه ليفسر الامكان ام لا .
سؤال ( واشكال ) ظهر خاصة عند كثير من مذاهب وعلماء اهل العامة ويذهب البعض الى القول بالامكان ( امكان الرؤية الحسية )




اقول ( الباحث الطائي ) - هذه المسألة يمكن ان تبحث على مستويين ، المبحث الروائي ، والمبحث القرآني
فروائيا وكما في المذهب الشيعي الاثني عشري ، فانه بلا شك وقطعا تنفي امكان الرؤية البصرية سواء في الدنيا او الاخرة والروايات كثيرة بخصوصه لذلك لا ادخل فيها وهذا سنخصصه كبحث قرآني .




اما المبحث القرآني , فان آية ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىظ° رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) .


فأولا - لا يمكن الاخذ بظاهرها بل تحتاج الى تأويل بعد ارجاعها الى المحكم .
والمحكم قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) , وهذا بمعنى ليس كمثله شيء لا لانه تعالى فريد من نوعه وشكله , حتى يكون هو له هيئة وشكل ولا شيء مثله يمكن ان يشبهه ، وبالتالي سيمكن رؤيته في الاخرة والنظر اليه وليس له شبيه ومثيل فيكون ليس كمثله شيء ،،، لا ليس كذلك ، بل لانه تعالى هو خالق كل شيء ( الله خالق كل شيء ) فهو ليس شيء (1) وما ليس بشيء فهو إما العدم وإما هو خالق الاشياء من العدم وذاك هو الله فقط فهو ليس شيء وليس عدم ، وكل شيء فقير في ذاته وفقير الى غيره سوى الله ، وعليه امكان الرؤية سيجعل منه صيرورته كشيء ، وحيث ان هذا منتفي عن الله فمحال رؤيته بعين الحس المادية ، هذا فضلا عن الاشكالات الاخرى المتفرعة عن خصائص الاشياء كالجهة والحدود والمكان والزمان وغيرها .




ثم لنتأمل الآيات اعلاه مرة اخرى فكلمة ناظرة في قوله تعالى ( الى ربها ناظرة ) لا يساعد سياق الآيات التي بعدها على فهمها كون هناك امكان تحقق النظر الحسي المادي لله تعالى ! لان بعدها ذكر الله ما يقابل هذه الوجوه الناضرة والتي الى ربها ناظرة بوجوه اخرى " باسرة " وهي ( تظن ان يفعل بها فاقرة ) ! فهي ايضا تنظر الى الله لا بمعنى شكله وماهيته بل تنظر وتنتظر الى فعله ( غضبه وعقابه ) وهذا معنى تظن ان يفعل بها فاقرة ، وعليه سيكون الوجوه الناضرة التي قبلها هي ناظرة الى فعل ربها من حيث تنظر وتنتظر رحمة الله وحسن جزائه بها ، والارجح بنظري استعمل تعبير النظر الى ربها كون طبيعة الانسان اذا عَلـِم او تأمّل خيراً من جهة يتوجه اليها بحسّه وقلبه ، لذلك لم يقل الله في حق المجرمين الظالمين مثلا ( تنظر لله ان يفعل بها فاقرة ) لانها بطبيعة حالها ستنفر ولا تتوجه الى الجهة التي سيأتي منها العذاب فتحاول صرف حسّها ( نظرها ) عنه ولكن لا تستطيع صرف حقيقة تحقق وقوع العذاب عليها فلذلك هي ( تظن ان يفعل بها فاقرة ) وإنْ حاولت ان لا تكون اليه ناظرة ،،، بل - حتى هذه لا تتسنى لهم , لان الله تعالى يقول ( مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ غ– وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) ، ( وَاقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) , وهذ من شدة هول ما هو آتيهم من عذاب ، وعظيم موقف مشهود ، فتأمل .


وعليه ما سيكون عليه المؤمنون في الاخرة : سيتوجهون الى الله تعالى بـقلوبـهــمْ ، والى فعله وعطائه وخيره بـحسّـهــمْ ، فما يمكن ان تناله انظارهم هو فعل الله بهم فيصدق القول هنا انها ( الى ربها ناظرة ) كون انها من الله وبالله ولكن ! هي ليست الله تعالى الذي ليس كمثله شيء ولا تدركه الابصار ولا طريق الى النظر الحسي ليناله , بل فقط النظر القلبي او المعنوي ( البصيرة ) الذي يمكن ان ينال تجليات قبسات نوره تعالى ، او نظر الروح / النفس الى الله كجهة وهذه الجهة ليست جهة مكانية حيث انها ممتنعة بل جهة مصدرية كون تعلق نفوسهم بجهة الحق تعالى مصدر الخير لهم ، وهنا في كليهما يمكن ايضا ان يصدق تحقق ( الى ربها ناظرة ) بجنبته المعنوية لا الحسية ! فافهم ... وعليه فالتعبير لا يؤخذ بظاهره من الوصف ، كما في قوله تعالى ( يد الله فوق ايديهم ) بمعنى قدرة الله واستعمل المجاز بما يناسب فصاحة وذوق اللغة العربية التي جاء القرآن بغاية بلاغتها ودقتها ، والله اعلم .


والله اعلم
الباحث الطائي


--------------


(1) : - عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): إن فلاناً زعم أن الله جسم ليس كمثله شيء ، عالم، سميع، بصير، قادر، متكلم، ناطق، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد، ليس شيء منها مخلوقاً.
فقال (عليه السلام): قاتله الله أما علم أن الجسم محدود والكلام غير المتكلم معاذ الله وأبرأ إلى الله من هذا القول، لا جسم ولا صورة ولا تحديد وكل شيء سواه مخلوق ، إنما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق بلسان. إن الله لا يشبهه شيء . انتهــــى


اقول : قول الامام ع " فكل شيء سواه مخلوق " يعنــي اذا كان الله شيئا فهو مخلوق وليس خالق ، فترتب عليه ان الله لا يوصف بانه شيء ( كما يصفه البعض جهلا بهذه الحقيقة ) ولذلك ختم الامام ع قوله بـ " ان الله لا يشبهه شيء " وهو قريب جدا من وصف القران ( ليس كمثله شيء ) وتفسيرا له من حيث كونه لا يشبه شيء لانه ليس شيء ، لا كونه تعالى شيء لا مثيل له . فتأمل ، والله اعلم