تثير البنية البحثية الكثير من المعاني الإنسانية الهادفة إلى كشف عوالم الجذر الإنساني؛ كون اللغة الرؤيوية تمتلك موازنات عمق الوعي الفكري والفني، فقد ابتدأ البحث بفرضية حلقت بنا إلى عوالم برزخية، تكشف عن سعة يد المعصوم فيها، وهذا المعنى يحقق لنا معنى الزيارة، ومفهوم التأسي بهم، ويحقق تجسيداً كلياً لعملية التواصل الإيماني المستمد من فاعلية الإيمان، وشخصها الشيخ الباحث باللون الإلهي.
وهذا المرتكز يمنحنا البعد التأثيري الموصل الى الاطمئنان، إلى أقرب نقطة في حياة المعصوم، ابتداء بنبي الرسالة المبارك (ص) الى آخر الحجج وسيد الحضور مولاي المهدي المنتظر (عج). سعى الباحث في بحثه لمصالحة تواصلية دنيوية آخروية ترسم ملامح انعتاق الذات من الخسران، وقوفاً عند قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) مع التأكيد على استثناء المعصوم من هذا التشخيص التفسيري، ليرتقي إلى منطقة مؤمنة تأخذه إلى صروح الفوز، إلى التألق الروحي مع مناجاة العصمة، حين ترفع بنورانية الذكر الإلهي لإشغال كل وقت مهدور، بما يحافظ على التوازن الربحي للإنسانية وينميه، ذلك التأسي المتألق الذي لا يستطيع تمام التماثل مع الكمال العاشورائي؛ كونه كان تكليفاً مشرفاً شاء الله سبحانه أن يرى الحسين (ع) في مشهد الخلود الكربلائي.
للتشخيصات المعرفية دور فعال في تسليط الضوء على الأبعاد الإنسانية في موجهات المعصوم الحياتية، حيث شخص سماحة الشيخ حبيب الكاظمي (جامعية التكليف) بشاهد نصي يروي عن آثار جراح توقظ الوجع في صدر الحسين وفي ظهره، طعنات الصدر واضحة المصدر من سيوف آل امية، وبين السجاد (ع) آثار الظهر نتيجة جراب الجود التي كان يحملها إلى المحتاجين في جوف ليل ساتر.
في النص البحثي انسيابية جمالية توقظ العمق الإنساني، وتحرك مشاعر المدرك النصي الذي يعني المعروض لبعد آخر، وهذا الذي يميز المستوثق في الله من خير والزائل الدنيوي... شبكة من الأفكار التي عالجت فاعلية التأسي الراشد، والذي شخصه سماحة الشيخ بالمثل الأعلى، العبودية الشاملة، صبغة اللون الواحد لسيرة حياة، عصمة حسينية قدمت لنا مفهوم العبودية، لا كما يراها الذي قدم العبادة مقابل رفض السجود لآدم، فكانت الحكمة الإلهية أن اعبدني من حيث أريد، لا من حيث تريد.
الموقف الموضوعي المستخلص من عناصر الانصراف الكلي اليقظة البصيرة التي قدمت الحسين (ع) في الطف بعمقه الحقيقي، ليودع تلك التضحيات والدم النازف والعطش عند مصرف الرضا والتسليم، ومن ثم تظهر ملامح البعد الثالث، والذي شخصه سماحة الشيخ بالارتباط المطلق، هذا التسامي الذي يطالب الواقع بورع واجتهاد، نجد أن بحث الشيخ الكاظمي يستند إلى خلفية فكرية، قدمت لنا صورة واعية لبحث وقور.