بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
روى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : خطب أبو بكر وعمر - يعني فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عليهما ، فقال عمر : أنت لها يا علي ، فقلت : ما
لي من شئ إلا درعي أرهنها ، فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاطمة ، فلما بلغ ذلك فاطمة بكت ، قال : فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ما لك تبكين يا فاطمة ، فوالله ، فقد
ج 2 - ص 241
أنكحتك أكثرهم علما ، وأفضلهم حلما ، وأولهم إسلاما ( 1 ) .
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنها صغيرة ) ، فخطبها علي فزوجها منه. والحديث أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم والقطيعي وابن المؤيد الجويني وابن سعد والبزار ( 2 ) .
وعن ابن مسعود، رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال : إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي ( 3 )
وروى الهيثمي في مجمعه بسنده عن أنس قال : إن عمر بن الخطاب، أتى أبا بكر فقال : ما يمنعك أن تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا يزوجني ، قال : إذا لم يزوجك فمن يزوج ؟ وإنك من أكرم الناس عليه ، وأقدمهم في
الإسلام ، قال : فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة ، فقال : يا عائشة ، إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، طيب نفس ، وإقبالا عليك ، فاذكري له ، أني ذكرت فاطمة ، فلعل الله عز وجل أن ييسرها لي ، قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فرأيت منه طيب نفس ، وإقبالا ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا بكر ذكر فاطمة ، وأمرني أن أذكرها ، قال : حتى ينزل القضاء ، قال : فرجع إليها أبو بكر فقالت : يا أبتاه ، وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت ، فلقي أبو بكر عمر ، فذكر
أبو بكر لعمر ، ما أخبرته عائشة ، فانطلق عمر إلى حفصة ، فقال : يا حفصة ، إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إقبالا - يعني عليك - فاذكريني له ، واذكري فاطمة ، لعل الله أن ييسرها لي ، قال : فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
حفصة ، فرأت طيب نفس ، ورأت منه إقبالا فذكرت له فاطمة ، رضي الله عنها ، فقال : حتى ينزل القضاء ، فلقي عمر
* هامش *
( 1 ) أسد الغابة 7 / 221 .
( 2 ) سنن النسائي 6 / 62 ، ابن حبان ( 549 موارد ) ، المستدرك للحاكم 2 / 1267 ، زوائد الفضائل للقطيعي ( 1051 ) ، فرائد السمطين لابن المؤيد الجويني 1 / 88 ، طبقات ابن سعد 8 / 19 ، مختصر زوائد مسند البزار ( 376 ) ، محمد عبده يماني : علموا أولادكم محبة آل بيت النبي ص 75 .
( 3 ) أنظر : مجمع الزوائد 9 / 202 . ( * )
حفصة فقالت له : ( يا أبتاه ، وددت أني لم أكن ذكرت له شيئا ) . ( فانطلق عمر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال : ما يمنعك من فاطمة ؟ فقال : أخشى أن لا يزوجني ، قال : فإن لم يزوجك فمن يزوج ، وأنت أقرب خلق الله إليه ، فانطلق
علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن له مثل عائشة ، أو مثل حفصة ، قال : فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أريد أن أتزوج فاطمة ، قال : فافعل ، قال : ما عندي إلا درعي الحطمية ، قال : فاجمع ما قدرت عليه ،
وائتني به ، قال : ( فأتى باثنتي عشرة أوقية ، أربعمائة وثمانين ، فأتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوجه فاطمة رضي الله عنها ، فقبض ثلاث قبضات ، فدفعها إلى أم أيمن ، فقال : إجعلي منها قبضة في الطيب ، أحسبه قال :
والباقي فيما يصلح المرأة من المتاع ، فلما فرغت من الجهاز ، وأدخلتهم بيتا ) . قال : ( يا علي لا تحدثن إلى أهلك شيئا حتى آتيك ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا فاطمة متقنعة ، وعلي قاعد ، وأم أيمن في البيت ، فقال : يا أم أيمن ،
آتيني بقدح من ماء ، فأتته بقعب فيه ماء ، فشرب منه ، ثم مج فيه ، ثم ناوله فاطمة فشربت ، وأخذ منه ، فضرب به جبينها ، وبين كتفيها وصدرها ، ثم دفعها إلى علي ، فقال : يا علي ، إشرب ، ثم أخذ منه ، فضرب به جبينه وبين كتفيه ، ثم قال :
أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأم أيمن ، وقال : يا علي ، أهلك - ثم قال : رواه البزار ( 1 ) .
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه : أن أبا بكر وعمر خطبا فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنها صغيرة ، فخطبها علي ، فزوجها منه ( 2 ) .
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة ،
وفي ذخائر العقبى بسنده عن
* هامش *
( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 206 . ( 2 ) الإمام أحمد بن حنبل : فضائل الصحابة 2 / 614 . ( * )
أنس بن مالك قال : جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقعد بين يديه فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام ، وإني وإني ، قال : وما ذاك ؟ قال : تزوجني فاطمة ، قال : فسكت عنه ، قال : فرجع أبو بكر إلى
عمر ، فقال : هلكت وأهلكت ، قال : وما ذاك ، قال : خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عني ، قال : مكانك حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام ،
وإني وإني ، قال : وما ذاك ؟ قال : تزوجني فاطمة ، فسكت عنه ، فرجع إلى أبي بكر ، فقال : إنه ينتظر أمر الله فيها ، قم بنا إل علي حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا ، قال علي : فأتياني ، وأنا أعالج فسيلا لي ، فقالا : إنا جئناك من عند ابن
عمك بخطبة ) . ( قال علي : فنبهاني لأمر ، فقمت أجر ردائي ، حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقعدت بين يديه ، فقلت : يا رسول الله ، قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي ، وإني وإني ، قال : وما ذاك ، قلت : تزوجني فاطمة ، قال :
وما عندك ؟ قلت : فرسي وبزتي ، قال : أما فرسك ، فلا بد لك منها ، وأما بزتك فبعها ، قال : فبعتها بأربعمائة وثمانين ) . ( قال : فجئت بها حتى وضعتها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبض منها قبضة ، فقال : أي بلال ، أبغنا بها
طيبا ، وأمرهم أن يجهزوها ، فحمل لها سريرا مشرطا بالشرط ، ووسادة من أدم ، حشوه ليف ، وقال لعلي : إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك ، فجاءت مع أم أيمن ، حتى قعدت في جانب البيت ، وأنا في جانب ) . ( وجاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقال : هاهنا أخي ، قالت أم أيمن : أخوك وقد زوجته ابنتك ، قال : نعم ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ، فقال لفاطمة : ائتني بماء ، فقامت إلى قعب في البيت ، فأتت به ماء ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومج فيه ،
ثم قال : تقدمي ، فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها ، وقال : اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، ثم قال لها : أدبري ، فأدبرت فصب بين
كتفيها ، وقال : اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرحيم ) . ( ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إئتوني بماء ، قال علي : فعلمت الذي يريد ، فقمت فملأت القعب ماء وأتيته به ، فأخذه ومج فيه ، ثم قال : تقدم فصب على رأسي وبين
ثديي ، ثم قال : اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ، ثم قال : أدبر فأدبرت ، فصب بين كتفي ، وقال : اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ، ثم قال لعلي : أدخل بأهلك باسم الله والبركة ( 1 ) .
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : خطب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ابنته فاطمة ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر لم ينزل القضاء بعد ، ثم خطبها عمر ، مع عدة من قريش ،
كلهم يقول له مثل قوله لأبي بكر ، فقيل لعلي : لو خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ، لخليق أن يزوجكها ، قال : وكيف وقد خطبها أشراف قريش ، فلم يزوجها ، قال : فخطبها ، فقال صلى الله عليه وسلم : قد أمرني ربي عز وجل بذلك .
قال أنس : ثم دعاني النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : يا أنس ، اخرج وادع لي أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ، وبعدتهم من الأنصار ، قال : فدعوتهم ، فلما
اجتمعوا عنده صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا مجالسهم ، وكان علي غائبا ، في حاجة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم . ( الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المرهوب من عذابه وسطوته ، النافذ
أمره في سمائه وأرضه ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميزهم بأحكامه ، وأعزهم بدينه ، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، إن الله تبارك اسمه ، وتعالت عظمته ، جعل المصاهرة سببا لا حقا ، وأمرا مفترضا ، أوشج به الأرحام ،
* هامش *
( 1 ) الرياض النضرة 2 / 238 - 239 ، ذخائر العقبى ص 29 . ( * )
وألزم الأنام ، فقال عز من قائل : ( وهو الذي خلق من الماء بشرا ، فجعله نسبا وصهرا ، وكان ربك قديرا )، فأمر الله تعالى يجري إلى قضائه ، قضاؤه يجري إلى قدره ، ولكل قدر أجل ، ولكل أجل كتاب ، يمحو الله ويثبت ، وعنده أم الكتاب ) .
( ثم إن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة بنت خديجة على أربعمائة مثقال فضة ، إن رضي بذلك علي بن أبي طالب ، ثم دعا بطبق من بسر فوضعه بين أيدينا ، ثم قال : انهبوا ، فنهبنا ، فبينا نحن ننتهب ، إذ دخل علي على النبي صلى الله عليه
وسلم ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه ، ثم قال : إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة ، إن رضيت بذلك ، فقال : قد رضيت بذلك يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : جمع الله شملكما ، وأسعد جدكما ،
وبارك عليكما وأخرج منكما كثيرا طيبا ) . قال أنس : فوالله لقد أخرج منها كثيرا طيبا - أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي ( 1 ) .
وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن علباء بن أحمد اليشكري : أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : يا أبا بكر انتظر بها القضاء ، فذكر ذلك أبو بكر لعمر ، فقال عمر : ردك با أبا بكر ، ثم إن أبا بكر قال لعمر : أخطب فاطمة
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر : انتظر بها القضاء ، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره ، فقال له : ردك يا عمر ، ثم إن أهل علي قالوا لعلي : أخطب فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بعد أبي بكر
وعمر ؟ فذكروا له قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم ، فخطبها فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ، فباع علي بعيرا له ، وبعض متاعه ، فبلغ أربعمائة وثمانين ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إجعل ثلثين في الطيب ، وثلثا في المتاع ( 2 ) .
* هامش *
( 1 ) الرياض النضرة 2 / 240 - 241 . ( 2 ) الطبقات الكبرى 8 / 11 - 12 . ( * )
وروى ابن سعد أيضا بسنده عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال نفر من الأنصار لعلي : عندك فاطمة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم عليه ، فقال : ما حاجة ابن أبي طالب ؟ قال : ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
مرحبا وأهلا ، ولم يزده عليهما ، خرج علي على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه قالوا : ما وراءك ؟ ما أدري ، غير أنه قال لي : مرحبا وأهلا ، قالوا : يكفيك من رسول الله إحداهما ، أعطاك الأهل وأعطاك المرحب ، فلما كان بعد ما زوجه
قال : يا علي ، إنه لا بد للعروس من وليمة ، فقال سعد : عندي كبش ، وجمع له رهط من الأنصار أصعا من ذرة ، فلما كان ليلة البناء قال : لا تحدث شيئا حتى تلقاني ، قال : فدعا رسول الله بإناء فتوضأ فيه ، ثم أفرغه على علي ، ثم قال : اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما ( 1 ) .
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها صغيرة ، فخطبها علي رضي الله عنه ، فزوجها منه ( 2 ) .
وروى البلاذري في أنساب الأشراف بسنده عن محمد بن سعد عن الواقدي وعن هشام بن محمد الكلبي قال : كان أبو بكر خطب فاطمة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أنتظر بها القضاء ، ثم خطبها عمر فقال له مثل ذلك ، فقيل
لعلي : لو خطبت فاطمة ؟ فقال منعها أبا بكر وعمر ، ولا آمن من أن يمنعنيها ، فحمل على خطبتها ، فخطبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوجه إياها ، فباع بعيرا له ، ومتاعا ، فبلغ ثمن ذلك أربعمائة وثمانين درهما ، ويقال أربعمائة درهم ، فأمره أن يجعل ثلثها في الطيب ، وثلثها في المتاع ، ففعل ، وكان علي يقول : ما كان
* هامش *
( 1 ) الطبقات الكبرى 8 / 12 - 13 .
( 2 ) تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ص 70 ( عالم الكتب - بيروت 1983 ) . ( * )
لنا إلا إهاب كبش ، ننام على ناحية منه ، وتعجن فاطمة على ناحية ( 1 ) .
وفي كنوز الحقائق للمناوي : لو لم يخلق علي ، ما كان لفاطمة كفؤ - قال أخرجه الديلمي ؟ ( 2 ) .
ولعل سائلا يتساءل : ما في هذا الزواج من ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من فضل يختص به الإمام علي وحده ، دون غيره ، ممن تزوجوا من بنات النبي صلى الله عليه وسلم :
من البدهي أن الصهر إلى سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شرف ما بعده شرف ، وقد تزوج الخليفة الراشد عثمان بن عفان ، رضوان الله عليه ، بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم - السيدة رقية والسيدة أم كلثوم ،
رضوان الله عليهما - فاكتسب بذلك لقب ( ذي النورين ) ، كما تزوج أبو العاص بن الربيع السيدة زينب ، رضوان الله عليها ، بنت النبي صلى الله عليه وسلم . غير أن الزواج من السيدة فاطمة الزهراء، أمر آخر ، ذلك لأن فاطمة - سيدة نساء العالمين
- إنما قد اختصت ، من بين أخواتها ، بهذه الدرجة التي رفعها الله إليها ، فوصفها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأنها خير نساء العالمين ، أو سيدة نساء العالمين .
هذا فضلا عن السيدة فاطمة الزهراء ، إنما كانت وحدها ، من دون أبناء وبنات النبي صلى الله عليه وسلم ، هي التي كان منها سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب - .
وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد بسنده عن جابر بن عبد الله ( الأنصاري ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في
* هامش *
( 1 ) أنساب الأشرف 1 / 402 - 403 ( تحقيق محمد حميد الله - دار المعارف - القاهرة 1959 ) .
( 2 ) كنوز الحقائق ص 124 . ( * )
صلبه ، وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب - قال رواه الطبراني ( 1 ) .
وروى المتقي الهندي في كنز العمال ، والمناوي في فيض القدير ، وابن حجر الهيثمي في صواعقه قالوا جميعا : أخرج الطبراني عن جابر ، والخطيب عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ( 2 ) .
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده إلى المنصور بن العباس إلى عبد الله بن العباس قال : كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ دخل علي بن أبي طالب ، فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وبش به ، وقام إليه واعتنقه وقبل بين عينيه ، وأجلسه عن يمينه ، فقال العباس : يا رسول الله أتحب هذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عم رسول الله ، والله لله أشد حبا له مني ، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب هذا ( 3 ) .
وقال ابن حجر في صواعقه : أخرج الطبراني عن جابر والخطيب عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ( 4 ) .
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة ( 5 ) عن عبد الله بن عباس قال : كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ دخل علي بن أبي طالب ، فسلم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام وعانقه ، وقبل ما بين عينيه ، وأجلسه عن يمينه ،
* هامش *
( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 172 كنز العمال 6 / 152 ، فيض القدير 2 / 223 ، الصواعق المحرقة ص 192 .
( 2 ) كنز العمال 6 / 152 .
( 3 ) تاريخ بغداد 1 / 316 .
( 4 ) الصواعق المحرقة ص 192 .
( 5 ) الرياض النضرة 2 / 222 . ( * )
فقال العباس : يا رسول الله أتحب هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم ، والله لله أشد حبا له مني ، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب هذا . قال : ، أخرجه أبو الخير الحاكمي .
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن شبيب بن غرقدة عن المستظل ، أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ، أم كلثوم ، فاعتل علي بصغرها ، فقال : إني لم أرد الباه ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة ، ما خلا سببي ونسبي ، كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم ( 1 ) .
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى بسنده عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه الإمام محمد الباقر ، عليهما السلام ، أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم ، فقال علي : إنما حبست بناتي على بني جعفر ( يعني جعفر بن أبي
طالب ) ، فقال عمر : أنكحنيها يا علي ، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ، ما أرصد ، فقال علي : قد فعلت ، فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر ، وكانوا يجلسون ، ثم علي وعثمان والزبير وطلحة و
عبد الرحمن بن عوف ، فإذا كان الشئ يأتي عمر من الآفاق ، جاءهم فأخبرهم ذلك ، واستشارهم فيه ، فجاء عمر فقال : رفئوني ، فرفئوه ، وقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟ قال : بابنة علي بن أبي طالب ، ثم أنشأ يخبرهم فقال : إن النبي رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة ، إلا نسبي وسببي ، وكنت قد صحبته ، فأحببت أن يكون هذا أيضا ( 2 ) .
هذا وقد أجمع المسلمون على أن سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم - الإمام الحسن
* هامش *
( 1 ) ابن حنبل : فضائل الصحابة 2 / 626 . وذكره المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 121 ، 129 ،
والخطيب البغدادي في تاريخه ( 11 / 285 ) وابن الجوزي في العلل ( 1 / 258 ) والهيثمي في مجمع الزوائد ( 9 / 173 ) .
( 2 ) الطبقات الكبرى 8 / 339 - 340 ، وانظر روايات أخرى ( 8 / 340 - 341 ) . ( * )
والإمام الحسين - أبناء سيدة نساء العالمين ، السيدة فاطمة الزهراء ، عليها السلام، من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وذريتهما ، رضوان الله عليهم ، إنما هم ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ، المطلوب لهم من الله الصلاة ، وذلك لأن أحدا من
بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يعقب غير السيدة فاطمة الزهراء ، فمن انتسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، من أولاد بناته ، إنما هم من أولاد السيدة فاطمة الزهراء ( 1 ) .
ومن ثم فقد اعتبر بيت الزهراء هو ( بيت النبوة ) ، روى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر ، إذا خرج إلى صلاة الصبح ، ويقول : الصلاة الصلاة ، ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 2 ) .
وعن أنس أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يأتي بيت فاطمة ، ستة أشهر ، إذا خرج من صلاة الفجر يقول : يا أهل البيت ، الصلاة الصلاة يا أهل البيت ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا ) ( 3 ) .
وهكذا أكرم الله تعالى السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، بأن حفظ ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم ، في ذريتها، وأبقى عقبه في عقبها ، فهي وحدها - دون بناته وبينه - أم السلالة الطاهرة ، والعترة الخيرة ، والصفوة المختارة من عباد الله ، من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ذلك لأن أبناء النبي الذكور ماتوا جميعا ، وهم أطفال لم يشبوا عن الطوق، ولم يبلغوا الحلم بعد.
وأما بناته صلى الله عليه وسلم ، فلم يتركن وراءهن أطفالا ، ما عدا السيدة زينب ، رضوان الله عليها ، فلم تنجب سوى ( علي ) الذي مات صغيرا و ( أمامة ) التي
* هامش *
( 1 ) أنظر : ابن قيم الجوزية : جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص 150 - 153 ( تحقيق طه يوسف شاهين - القاهرة 1972 ) .
( 2 ) فضائل الصحابة 2 / 761 - وانظر : المستدرك للحاكم 3 / 158 ، الهيثمي : مجمع الزوائد 9 / 168 .
( 3 ) فضائل الصحابة لابن حنبل 2 / 761 ( بيروت 1983 ) . ( * )
تزوجها الإمام علي بن أبي طالب - بعد وفاة الزهراء ، وبوصية منها - ولكنها لم تنجب له أولادا .
ولم يبق بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، من بناته الطاهرات ، غير الزهراء البتول ، وقد أنجبت من الإمام علي بن أبي طالب : الحسن والحسين ( ومحسن الذي مات صغيرا ) ، وأم كلثوم وزينب الكبرى ، الشهيرة ( بعقيلة بني هاشم ) - ذات المقام المشهور في القاهرة ، حيث شرفت مصر كلها - .
وهكذا لم يكن لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عقب إلا من سيدة نساء العالمين ، السيدة فاطمة الزهراء ، وأعظم بها مفخرة ، وهكذا كان من ذرية الزهراء ، عليها السلام ، من أبناء الإمام الحسن والإمام الحسين ، عليهما السلام ، جميع إخواننا وأهلنا ، السادة الأشراف ، ذرية مولانا وسيدنا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما كان يدعو الحسن والحسين ابنيه ، فيقول صلى الله عليه وسلم عن الحسن ( إن ابني هذا سيد ) ، كما كان يقول للسيدة فاطمة ، عليهما السلام : ( ادعي ابني فيشمهما ويضمهما إليه ) .
وروى الإمام أحمد والحاكم وأبو نعيم والطبراني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : حسين مني ، وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط ( 1 ) .
هذا فضلا عن أنه لما نزلت آية المباهلة ( آل عمران : آية 61 ) دعا النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عليا وفاطمة والحسن والحسين ، وخرج للمباهلة ( 2 ) - كما أشرنا إلى ذلك من قبل بالتفصيل - .
وهكذا يصبح النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يرى له ولدا ، غير ولد الإمام علي بن
* هامش *
( 1 ) أنظر : صحيح البخاري 4 / 249 ، ابن حنبل : فضائل الصحابة 2 / 761 - 772 ،
مسند الإمام أحمد 4 / 172 ، 5 / 37 ، المستدرك للحاكم 3 / 177 ، كنز العمال 7 / 107 .
( 2 ) صحيح مسلم 15 / 175 - 176 . ( * )
أبي طالب من السيدة فاطمة الزهراء ، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أنه كان لا يرى له نسلا متصلا ، إلا من كان من نسل علي وفاطمة عليهما السلام .
فإذا ما تذكرنا كذلك ، أنه ما من أمر كان يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، في شخصه ، وفي خاصة نفسه ، إلا وكان الإمام علي بن أبي طالب ، هو الذي يندب للقيام بهذا الأمر ، وليحل محل النبي فيه ، وليأخذ مكانه الذي تركه وراءه ، فمبيت علي
في برد النبي ، وعلى فراشه ليلة الهجرة ، وقراءة علي ما نزل من سورة ( براءة ) على أهل الموسم من المسلمين والمشركين ، سواء بسواء ، وخلافة الإمام علي النبي صلى الله عليه وسلم ، على آل البيت في غزوة تبوك .
أفلا يسوغ لنا - كما يقول الأستاذ الخطيب - ذلك كله ، أن نذكر معه ، خلافة الإمام علي بن أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم ، في أن يكون منه نسل النبي - دون غيره من الناس جميعا - وأن يكون ولد علي وفاطمة ، نسلا مباركا للنبي ولعلي معا - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ( 1 ) .
* هامش *
( 1 ) أنظر : عبد الكريم الخطيب : علي بن أبي طالب - بقية النبوة وخاتم الخلافة - بيروت 1975 ،
محمد بيومي مهران الإمام علي بن أبي طالب - جزءان - السيدة فاطمة الزهراء - ( بيروت 1990 ) . ( * )
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
روى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : خطب أبو بكر وعمر - يعني فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عليهما ، فقال عمر : أنت لها يا علي ، فقلت : ما
لي من شئ إلا درعي أرهنها ، فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاطمة ، فلما بلغ ذلك فاطمة بكت ، قال : فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ما لك تبكين يا فاطمة ، فوالله ، فقد
ج 2 - ص 241
أنكحتك أكثرهم علما ، وأفضلهم حلما ، وأولهم إسلاما ( 1 ) .
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنها صغيرة ) ، فخطبها علي فزوجها منه. والحديث أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم والقطيعي وابن المؤيد الجويني وابن سعد والبزار ( 2 ) .
وعن ابن مسعود، رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال : إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي ( 3 )
وروى الهيثمي في مجمعه بسنده عن أنس قال : إن عمر بن الخطاب، أتى أبا بكر فقال : ما يمنعك أن تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا يزوجني ، قال : إذا لم يزوجك فمن يزوج ؟ وإنك من أكرم الناس عليه ، وأقدمهم في
الإسلام ، قال : فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة ، فقال : يا عائشة ، إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، طيب نفس ، وإقبالا عليك ، فاذكري له ، أني ذكرت فاطمة ، فلعل الله عز وجل أن ييسرها لي ، قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فرأيت منه طيب نفس ، وإقبالا ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا بكر ذكر فاطمة ، وأمرني أن أذكرها ، قال : حتى ينزل القضاء ، قال : فرجع إليها أبو بكر فقالت : يا أبتاه ، وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت ، فلقي أبو بكر عمر ، فذكر
أبو بكر لعمر ، ما أخبرته عائشة ، فانطلق عمر إلى حفصة ، فقال : يا حفصة ، إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إقبالا - يعني عليك - فاذكريني له ، واذكري فاطمة ، لعل الله أن ييسرها لي ، قال : فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
حفصة ، فرأت طيب نفس ، ورأت منه إقبالا فذكرت له فاطمة ، رضي الله عنها ، فقال : حتى ينزل القضاء ، فلقي عمر
* هامش *
( 1 ) أسد الغابة 7 / 221 .
( 2 ) سنن النسائي 6 / 62 ، ابن حبان ( 549 موارد ) ، المستدرك للحاكم 2 / 1267 ، زوائد الفضائل للقطيعي ( 1051 ) ، فرائد السمطين لابن المؤيد الجويني 1 / 88 ، طبقات ابن سعد 8 / 19 ، مختصر زوائد مسند البزار ( 376 ) ، محمد عبده يماني : علموا أولادكم محبة آل بيت النبي ص 75 .
( 3 ) أنظر : مجمع الزوائد 9 / 202 . ( * )
حفصة فقالت له : ( يا أبتاه ، وددت أني لم أكن ذكرت له شيئا ) . ( فانطلق عمر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال : ما يمنعك من فاطمة ؟ فقال : أخشى أن لا يزوجني ، قال : فإن لم يزوجك فمن يزوج ، وأنت أقرب خلق الله إليه ، فانطلق
علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن له مثل عائشة ، أو مثل حفصة ، قال : فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أريد أن أتزوج فاطمة ، قال : فافعل ، قال : ما عندي إلا درعي الحطمية ، قال : فاجمع ما قدرت عليه ،
وائتني به ، قال : ( فأتى باثنتي عشرة أوقية ، أربعمائة وثمانين ، فأتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوجه فاطمة رضي الله عنها ، فقبض ثلاث قبضات ، فدفعها إلى أم أيمن ، فقال : إجعلي منها قبضة في الطيب ، أحسبه قال :
والباقي فيما يصلح المرأة من المتاع ، فلما فرغت من الجهاز ، وأدخلتهم بيتا ) . قال : ( يا علي لا تحدثن إلى أهلك شيئا حتى آتيك ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا فاطمة متقنعة ، وعلي قاعد ، وأم أيمن في البيت ، فقال : يا أم أيمن ،
آتيني بقدح من ماء ، فأتته بقعب فيه ماء ، فشرب منه ، ثم مج فيه ، ثم ناوله فاطمة فشربت ، وأخذ منه ، فضرب به جبينها ، وبين كتفيها وصدرها ، ثم دفعها إلى علي ، فقال : يا علي ، إشرب ، ثم أخذ منه ، فضرب به جبينه وبين كتفيه ، ثم قال :
أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأم أيمن ، وقال : يا علي ، أهلك - ثم قال : رواه البزار ( 1 ) .
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه : أن أبا بكر وعمر خطبا فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنها صغيرة ، فخطبها علي ، فزوجها منه ( 2 ) .
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة ،
وفي ذخائر العقبى بسنده عن
* هامش *
( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 206 . ( 2 ) الإمام أحمد بن حنبل : فضائل الصحابة 2 / 614 . ( * )
أنس بن مالك قال : جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقعد بين يديه فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام ، وإني وإني ، قال : وما ذاك ؟ قال : تزوجني فاطمة ، قال : فسكت عنه ، قال : فرجع أبو بكر إلى
عمر ، فقال : هلكت وأهلكت ، قال : وما ذاك ، قال : خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عني ، قال : مكانك حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام ،
وإني وإني ، قال : وما ذاك ؟ قال : تزوجني فاطمة ، فسكت عنه ، فرجع إلى أبي بكر ، فقال : إنه ينتظر أمر الله فيها ، قم بنا إل علي حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا ، قال علي : فأتياني ، وأنا أعالج فسيلا لي ، فقالا : إنا جئناك من عند ابن
عمك بخطبة ) . ( قال علي : فنبهاني لأمر ، فقمت أجر ردائي ، حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقعدت بين يديه ، فقلت : يا رسول الله ، قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي ، وإني وإني ، قال : وما ذاك ، قلت : تزوجني فاطمة ، قال :
وما عندك ؟ قلت : فرسي وبزتي ، قال : أما فرسك ، فلا بد لك منها ، وأما بزتك فبعها ، قال : فبعتها بأربعمائة وثمانين ) . ( قال : فجئت بها حتى وضعتها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبض منها قبضة ، فقال : أي بلال ، أبغنا بها
طيبا ، وأمرهم أن يجهزوها ، فحمل لها سريرا مشرطا بالشرط ، ووسادة من أدم ، حشوه ليف ، وقال لعلي : إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك ، فجاءت مع أم أيمن ، حتى قعدت في جانب البيت ، وأنا في جانب ) . ( وجاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقال : هاهنا أخي ، قالت أم أيمن : أخوك وقد زوجته ابنتك ، قال : نعم ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ، فقال لفاطمة : ائتني بماء ، فقامت إلى قعب في البيت ، فأتت به ماء ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومج فيه ،
ثم قال : تقدمي ، فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها ، وقال : اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، ثم قال لها : أدبري ، فأدبرت فصب بين
كتفيها ، وقال : اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرحيم ) . ( ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إئتوني بماء ، قال علي : فعلمت الذي يريد ، فقمت فملأت القعب ماء وأتيته به ، فأخذه ومج فيه ، ثم قال : تقدم فصب على رأسي وبين
ثديي ، ثم قال : اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ، ثم قال : أدبر فأدبرت ، فصب بين كتفي ، وقال : اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ، ثم قال لعلي : أدخل بأهلك باسم الله والبركة ( 1 ) .
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال : خطب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ابنته فاطمة ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر لم ينزل القضاء بعد ، ثم خطبها عمر ، مع عدة من قريش ،
كلهم يقول له مثل قوله لأبي بكر ، فقيل لعلي : لو خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ، لخليق أن يزوجكها ، قال : وكيف وقد خطبها أشراف قريش ، فلم يزوجها ، قال : فخطبها ، فقال صلى الله عليه وسلم : قد أمرني ربي عز وجل بذلك .
قال أنس : ثم دعاني النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : يا أنس ، اخرج وادع لي أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ، وبعدتهم من الأنصار ، قال : فدعوتهم ، فلما
اجتمعوا عنده صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا مجالسهم ، وكان علي غائبا ، في حاجة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم . ( الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المرهوب من عذابه وسطوته ، النافذ
أمره في سمائه وأرضه ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميزهم بأحكامه ، وأعزهم بدينه ، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، إن الله تبارك اسمه ، وتعالت عظمته ، جعل المصاهرة سببا لا حقا ، وأمرا مفترضا ، أوشج به الأرحام ،
* هامش *
( 1 ) الرياض النضرة 2 / 238 - 239 ، ذخائر العقبى ص 29 . ( * )
وألزم الأنام ، فقال عز من قائل : ( وهو الذي خلق من الماء بشرا ، فجعله نسبا وصهرا ، وكان ربك قديرا )، فأمر الله تعالى يجري إلى قضائه ، قضاؤه يجري إلى قدره ، ولكل قدر أجل ، ولكل أجل كتاب ، يمحو الله ويثبت ، وعنده أم الكتاب ) .
( ثم إن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة بنت خديجة على أربعمائة مثقال فضة ، إن رضي بذلك علي بن أبي طالب ، ثم دعا بطبق من بسر فوضعه بين أيدينا ، ثم قال : انهبوا ، فنهبنا ، فبينا نحن ننتهب ، إذ دخل علي على النبي صلى الله عليه
وسلم ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه ، ثم قال : إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة ، إن رضيت بذلك ، فقال : قد رضيت بذلك يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : جمع الله شملكما ، وأسعد جدكما ،
وبارك عليكما وأخرج منكما كثيرا طيبا ) . قال أنس : فوالله لقد أخرج منها كثيرا طيبا - أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي ( 1 ) .
وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن علباء بن أحمد اليشكري : أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : يا أبا بكر انتظر بها القضاء ، فذكر ذلك أبو بكر لعمر ، فقال عمر : ردك با أبا بكر ، ثم إن أبا بكر قال لعمر : أخطب فاطمة
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر : انتظر بها القضاء ، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره ، فقال له : ردك يا عمر ، ثم إن أهل علي قالوا لعلي : أخطب فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بعد أبي بكر
وعمر ؟ فذكروا له قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم ، فخطبها فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ، فباع علي بعيرا له ، وبعض متاعه ، فبلغ أربعمائة وثمانين ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إجعل ثلثين في الطيب ، وثلثا في المتاع ( 2 ) .
* هامش *
( 1 ) الرياض النضرة 2 / 240 - 241 . ( 2 ) الطبقات الكبرى 8 / 11 - 12 . ( * )
وروى ابن سعد أيضا بسنده عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال نفر من الأنصار لعلي : عندك فاطمة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم عليه ، فقال : ما حاجة ابن أبي طالب ؟ قال : ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
مرحبا وأهلا ، ولم يزده عليهما ، خرج علي على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه قالوا : ما وراءك ؟ ما أدري ، غير أنه قال لي : مرحبا وأهلا ، قالوا : يكفيك من رسول الله إحداهما ، أعطاك الأهل وأعطاك المرحب ، فلما كان بعد ما زوجه
قال : يا علي ، إنه لا بد للعروس من وليمة ، فقال سعد : عندي كبش ، وجمع له رهط من الأنصار أصعا من ذرة ، فلما كان ليلة البناء قال : لا تحدث شيئا حتى تلقاني ، قال : فدعا رسول الله بإناء فتوضأ فيه ، ثم أفرغه على علي ، ثم قال : اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما ( 1 ) .
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها صغيرة ، فخطبها علي رضي الله عنه ، فزوجها منه ( 2 ) .
وروى البلاذري في أنساب الأشراف بسنده عن محمد بن سعد عن الواقدي وعن هشام بن محمد الكلبي قال : كان أبو بكر خطب فاطمة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أنتظر بها القضاء ، ثم خطبها عمر فقال له مثل ذلك ، فقيل
لعلي : لو خطبت فاطمة ؟ فقال منعها أبا بكر وعمر ، ولا آمن من أن يمنعنيها ، فحمل على خطبتها ، فخطبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزوجه إياها ، فباع بعيرا له ، ومتاعا ، فبلغ ثمن ذلك أربعمائة وثمانين درهما ، ويقال أربعمائة درهم ، فأمره أن يجعل ثلثها في الطيب ، وثلثها في المتاع ، ففعل ، وكان علي يقول : ما كان
* هامش *
( 1 ) الطبقات الكبرى 8 / 12 - 13 .
( 2 ) تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ص 70 ( عالم الكتب - بيروت 1983 ) . ( * )
لنا إلا إهاب كبش ، ننام على ناحية منه ، وتعجن فاطمة على ناحية ( 1 ) .
وفي كنوز الحقائق للمناوي : لو لم يخلق علي ، ما كان لفاطمة كفؤ - قال أخرجه الديلمي ؟ ( 2 ) .
ولعل سائلا يتساءل : ما في هذا الزواج من ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من فضل يختص به الإمام علي وحده ، دون غيره ، ممن تزوجوا من بنات النبي صلى الله عليه وسلم :
من البدهي أن الصهر إلى سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شرف ما بعده شرف ، وقد تزوج الخليفة الراشد عثمان بن عفان ، رضوان الله عليه ، بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم - السيدة رقية والسيدة أم كلثوم ،
رضوان الله عليهما - فاكتسب بذلك لقب ( ذي النورين ) ، كما تزوج أبو العاص بن الربيع السيدة زينب ، رضوان الله عليها ، بنت النبي صلى الله عليه وسلم . غير أن الزواج من السيدة فاطمة الزهراء، أمر آخر ، ذلك لأن فاطمة - سيدة نساء العالمين
- إنما قد اختصت ، من بين أخواتها ، بهذه الدرجة التي رفعها الله إليها ، فوصفها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأنها خير نساء العالمين ، أو سيدة نساء العالمين .
هذا فضلا عن السيدة فاطمة الزهراء ، إنما كانت وحدها ، من دون أبناء وبنات النبي صلى الله عليه وسلم ، هي التي كان منها سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب - .
وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد بسنده عن جابر بن عبد الله ( الأنصاري ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في
* هامش *
( 1 ) أنساب الأشرف 1 / 402 - 403 ( تحقيق محمد حميد الله - دار المعارف - القاهرة 1959 ) .
( 2 ) كنوز الحقائق ص 124 . ( * )
صلبه ، وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب - قال رواه الطبراني ( 1 ) .
وروى المتقي الهندي في كنز العمال ، والمناوي في فيض القدير ، وابن حجر الهيثمي في صواعقه قالوا جميعا : أخرج الطبراني عن جابر ، والخطيب عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ( 2 ) .
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده إلى المنصور بن العباس إلى عبد الله بن العباس قال : كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ دخل علي بن أبي طالب ، فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وبش به ، وقام إليه واعتنقه وقبل بين عينيه ، وأجلسه عن يمينه ، فقال العباس : يا رسول الله أتحب هذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عم رسول الله ، والله لله أشد حبا له مني ، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب هذا ( 3 ) .
وقال ابن حجر في صواعقه : أخرج الطبراني عن جابر والخطيب عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ( 4 ) .
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة ( 5 ) عن عبد الله بن عباس قال : كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ دخل علي بن أبي طالب ، فسلم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام وعانقه ، وقبل ما بين عينيه ، وأجلسه عن يمينه ،
* هامش *
( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 172 كنز العمال 6 / 152 ، فيض القدير 2 / 223 ، الصواعق المحرقة ص 192 .
( 2 ) كنز العمال 6 / 152 .
( 3 ) تاريخ بغداد 1 / 316 .
( 4 ) الصواعق المحرقة ص 192 .
( 5 ) الرياض النضرة 2 / 222 . ( * )
فقال العباس : يا رسول الله أتحب هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم ، والله لله أشد حبا له مني ، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب هذا . قال : ، أخرجه أبو الخير الحاكمي .
وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن شبيب بن غرقدة عن المستظل ، أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ، أم كلثوم ، فاعتل علي بصغرها ، فقال : إني لم أرد الباه ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة ، ما خلا سببي ونسبي ، كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم ( 1 ) .
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى بسنده عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه الإمام محمد الباقر ، عليهما السلام ، أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم ، فقال علي : إنما حبست بناتي على بني جعفر ( يعني جعفر بن أبي
طالب ) ، فقال عمر : أنكحنيها يا علي ، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ، ما أرصد ، فقال علي : قد فعلت ، فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر ، وكانوا يجلسون ، ثم علي وعثمان والزبير وطلحة و
عبد الرحمن بن عوف ، فإذا كان الشئ يأتي عمر من الآفاق ، جاءهم فأخبرهم ذلك ، واستشارهم فيه ، فجاء عمر فقال : رفئوني ، فرفئوه ، وقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟ قال : بابنة علي بن أبي طالب ، ثم أنشأ يخبرهم فقال : إن النبي رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة ، إلا نسبي وسببي ، وكنت قد صحبته ، فأحببت أن يكون هذا أيضا ( 2 ) .
هذا وقد أجمع المسلمون على أن سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم - الإمام الحسن
* هامش *
( 1 ) ابن حنبل : فضائل الصحابة 2 / 626 . وذكره المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 121 ، 129 ،
والخطيب البغدادي في تاريخه ( 11 / 285 ) وابن الجوزي في العلل ( 1 / 258 ) والهيثمي في مجمع الزوائد ( 9 / 173 ) .
( 2 ) الطبقات الكبرى 8 / 339 - 340 ، وانظر روايات أخرى ( 8 / 340 - 341 ) . ( * )
والإمام الحسين - أبناء سيدة نساء العالمين ، السيدة فاطمة الزهراء ، عليها السلام، من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وذريتهما ، رضوان الله عليهم ، إنما هم ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ، المطلوب لهم من الله الصلاة ، وذلك لأن أحدا من
بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يعقب غير السيدة فاطمة الزهراء ، فمن انتسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، من أولاد بناته ، إنما هم من أولاد السيدة فاطمة الزهراء ( 1 ) .
ومن ثم فقد اعتبر بيت الزهراء هو ( بيت النبوة ) ، روى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر ، إذا خرج إلى صلاة الصبح ، ويقول : الصلاة الصلاة ، ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 2 ) .
وعن أنس أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يأتي بيت فاطمة ، ستة أشهر ، إذا خرج من صلاة الفجر يقول : يا أهل البيت ، الصلاة الصلاة يا أهل البيت ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا ) ( 3 ) .
وهكذا أكرم الله تعالى السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، بأن حفظ ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم ، في ذريتها، وأبقى عقبه في عقبها ، فهي وحدها - دون بناته وبينه - أم السلالة الطاهرة ، والعترة الخيرة ، والصفوة المختارة من عباد الله ، من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ذلك لأن أبناء النبي الذكور ماتوا جميعا ، وهم أطفال لم يشبوا عن الطوق، ولم يبلغوا الحلم بعد.
وأما بناته صلى الله عليه وسلم ، فلم يتركن وراءهن أطفالا ، ما عدا السيدة زينب ، رضوان الله عليها ، فلم تنجب سوى ( علي ) الذي مات صغيرا و ( أمامة ) التي
* هامش *
( 1 ) أنظر : ابن قيم الجوزية : جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص 150 - 153 ( تحقيق طه يوسف شاهين - القاهرة 1972 ) .
( 2 ) فضائل الصحابة 2 / 761 - وانظر : المستدرك للحاكم 3 / 158 ، الهيثمي : مجمع الزوائد 9 / 168 .
( 3 ) فضائل الصحابة لابن حنبل 2 / 761 ( بيروت 1983 ) . ( * )
تزوجها الإمام علي بن أبي طالب - بعد وفاة الزهراء ، وبوصية منها - ولكنها لم تنجب له أولادا .
ولم يبق بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، من بناته الطاهرات ، غير الزهراء البتول ، وقد أنجبت من الإمام علي بن أبي طالب : الحسن والحسين ( ومحسن الذي مات صغيرا ) ، وأم كلثوم وزينب الكبرى ، الشهيرة ( بعقيلة بني هاشم ) - ذات المقام المشهور في القاهرة ، حيث شرفت مصر كلها - .
وهكذا لم يكن لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عقب إلا من سيدة نساء العالمين ، السيدة فاطمة الزهراء ، وأعظم بها مفخرة ، وهكذا كان من ذرية الزهراء ، عليها السلام ، من أبناء الإمام الحسن والإمام الحسين ، عليهما السلام ، جميع إخواننا وأهلنا ، السادة الأشراف ، ذرية مولانا وسيدنا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما كان يدعو الحسن والحسين ابنيه ، فيقول صلى الله عليه وسلم عن الحسن ( إن ابني هذا سيد ) ، كما كان يقول للسيدة فاطمة ، عليهما السلام : ( ادعي ابني فيشمهما ويضمهما إليه ) .
وروى الإمام أحمد والحاكم وأبو نعيم والطبراني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : حسين مني ، وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط ( 1 ) .
هذا فضلا عن أنه لما نزلت آية المباهلة ( آل عمران : آية 61 ) دعا النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عليا وفاطمة والحسن والحسين ، وخرج للمباهلة ( 2 ) - كما أشرنا إلى ذلك من قبل بالتفصيل - .
وهكذا يصبح النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يرى له ولدا ، غير ولد الإمام علي بن
* هامش *
( 1 ) أنظر : صحيح البخاري 4 / 249 ، ابن حنبل : فضائل الصحابة 2 / 761 - 772 ،
مسند الإمام أحمد 4 / 172 ، 5 / 37 ، المستدرك للحاكم 3 / 177 ، كنز العمال 7 / 107 .
( 2 ) صحيح مسلم 15 / 175 - 176 . ( * )
أبي طالب من السيدة فاطمة الزهراء ، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أنه كان لا يرى له نسلا متصلا ، إلا من كان من نسل علي وفاطمة عليهما السلام .
فإذا ما تذكرنا كذلك ، أنه ما من أمر كان يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، في شخصه ، وفي خاصة نفسه ، إلا وكان الإمام علي بن أبي طالب ، هو الذي يندب للقيام بهذا الأمر ، وليحل محل النبي فيه ، وليأخذ مكانه الذي تركه وراءه ، فمبيت علي
في برد النبي ، وعلى فراشه ليلة الهجرة ، وقراءة علي ما نزل من سورة ( براءة ) على أهل الموسم من المسلمين والمشركين ، سواء بسواء ، وخلافة الإمام علي النبي صلى الله عليه وسلم ، على آل البيت في غزوة تبوك .
أفلا يسوغ لنا - كما يقول الأستاذ الخطيب - ذلك كله ، أن نذكر معه ، خلافة الإمام علي بن أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم ، في أن يكون منه نسل النبي - دون غيره من الناس جميعا - وأن يكون ولد علي وفاطمة ، نسلا مباركا للنبي ولعلي معا - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ( 1 ) .
* هامش *
( 1 ) أنظر : عبد الكريم الخطيب : علي بن أبي طالب - بقية النبوة وخاتم الخلافة - بيروت 1975 ،
محمد بيومي مهران الإمام علي بن أبي طالب - جزءان - السيدة فاطمة الزهراء - ( بيروت 1990 ) . ( * )