بسم الله الرحمن الرحيم
في قوله تعالى عندما نقل محاورة موسى مع السامري: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾([1]1) أجابه متذرِّعاً ومبرِّراً لما فعله من تضليل بني إسرائيل: ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِه فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُول﴾([2]2)، والآية تحكي عن رؤية السامري للرسول وهو جبرئيل وانه قد قبض من اثره وخلطه بما صاغه من حلي القوم فأخرج عجلاً له خوار، أي فيه آثار الحياة وهو الصوت، فهل ما ادعاه السامري من الرؤية والأخذ من أثر الرسول من صحة؟
ليس في القرآن الكريم ما يدلُّ دلالة بيِّنة على انَّ السامري هو وحده الذي رأى الرسول (جبرئيل) ، فهو مَن يدَّعي انَّه أبصر مالم يُبصره غيره، فلعلَّه كان كاذباً أو لعلَّه كان واهماً معتقداً خلاف الواقع انَّ غيره لم يُبصر ما أبصره هو، والقرآن لم يُثبت دعواه انَّ غيره لم يُبصر ما كان قد أبصره كما انَّه لم ينفِ ذلك بل سكت عنه، وعليه فلا طريق للتثبُّت من صدق دعوى السامري انَّ غيره لم يُبصر ما أبصره هو هذا لو كان المراد من الإبصار هو الرؤية بجارحة العين، وأما لو كان الإبصار بمعنى البصيرة والمعرفة والتفطُّن فإنَّ مفاد قوله حينئذٍ: "بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ" انَّه تفطَّن لما لم يتفطنوا له، أي علم انَّ لأثر أقدام الرسول أو أثر أقدام مايركبه خاصِّية خارقة للعادة، لذلك قبض قبضةً من أثر أقدامه ليتوسَّل بها إلى تضليل بني إسرائيل، فغايته كانت هي التضليل كما يُشعر به قوله بعد ذلك: ﴿ وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾([3]).
فبناءً على الإحتمال الثاني لا يكون في قوله: ﴿بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ نفيٌ لرؤية غيره للرسول (جبرئيل)، غايته انَّه إختصَّ -بحسب زعمه أو وهمه-عن سائر بني إسرائيل أنَّه تفطَّن إلى إمكانيَّة الإستفادة من آثار قدمي الرسول لغرض التضليل أو التميُّز عن سائر الناس، لذلك بادر إلى أخذ قبضةٍ من أثر الرسول والإحتفاظ بها.
وليس في القرآن أيضاً ما يدلُّ على انَّ دعواه عدم تفطُّن غيره كانت صحيحة، فلعلَّ غيره قد تفطَّن أيضاً إلى ما تفطَّن هو له ولكنَّه لم يفعل ما فعله السامري خشيةَ انَّ ذلك ليس مرضياً لله تعالى أو لمانعٍ آخر.
ثم إنّ الإبصار الذي إدعاه السامري سواءً كان بمعنى الرؤية البصرية أو كان بمعنى البصيرة والمعرفة فإنَّه ليس في الآيات ما يدلُّ على انَّ ما رآه أو تفطَّن له كان له التأثير في صياغة العجل، فهو قد صاغ العجل من الحِلي والذهب أو مع إضافة موادٍّ أُخرى كما يصوغ النحَّاتون التماثيل، وأما إلقاؤه القبضة التي قبضها من أثر الرسول، فلم يثبت انَّها كانت المؤثِّرة في صيرورته عجلاً له خوار، فهو إنَّما فعل ذلك بعد صياغة العجل ليُوهم بني إسرائيل انَّ خواره كان بسبب القبضة التي أخذها من أثر الرسول، وهذا واضح من قول بني إسرائيل لموسى إعتذاراً لما إجترحوه من عبادتهم للعجل: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار﴾ ([4]).
فإنَّ الظاهر من الآية المباركة انَّ السامري ضلَّل بني إسرائيل، وذلك بالإيعاز إليهم انْ يجمعوا الحِلى الذي غنموه من قوم فرعون ليصوغ لهم منه العجل فيكون مظهراً للإله -بحسب زعمه - حيث انَّه سوف يمزج ذلك الحِلي بما قبضه من أثر الرسول، وهكذا ألقى السامري ما قبضه من أثر الرسول فأخرج لهم العجل فكان جسداً له خوار، فكان خواره مبعثاً لإذعانهم وتصديقهم أنَّه الإله أو المظهر للإله، لذلك قالوا: "مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا" فدعوى انَّ الخوار كان من أثر القبضة التي قبضها السامري من أثر الرسول كانت من تضليل السامري ولم يثبت من القرآن انَّها كانت واقعاً هي المؤثِّرة في صدور الخوار من العجل، والذي يؤكد انَّ السامري كان قاصداَ للتضليل من قذف القبضة في جسد العجل قوله: ﴿فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ فكان مدركاً لكونه كاذباً مضلِّلاً كما يقتضيه إقراره بأنَّ نفسه قد سوَّلت له ذلك.
وأما ماهو سبب الخوار الذي كان يصدر من العجل إذا لم يكن من أثر القبضة فجوابه انَّ سبب ذلك هو الكيفية التي صِيغ على هيئتها جسد العجل، وذلك ليس عزيزاً على المهَرة من الصنَّاع كما هو مشاهدٌ في العصر الحاضر أو كان منشأ صدور الصوت هي حيلةٌ إحتالها السامري فأوهمَ السوقة من بني إسرائيل انَّ صوت الخوار كان يصدر من العجل، أو لعلَّ الصوت الذي كان يخرج من جسد العجل كان من فعل إبليس أو بعض جنوده كما كانوا يفعلون ذلك مع عرب الجاهلية، فقد كانوا يُصدرون أصواتا بجانب أصنامهم فيتوهَّم المشركون أنها صادرة من الأصنام.
1- سورة طه آية رقم/95.
2- سورة طه آية رقم /96.
3- سورة طه آية رقم /96.
4- سورة طه آية رقم /87.
في قوله تعالى عندما نقل محاورة موسى مع السامري: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾([1]1) أجابه متذرِّعاً ومبرِّراً لما فعله من تضليل بني إسرائيل: ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِه فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُول﴾([2]2)، والآية تحكي عن رؤية السامري للرسول وهو جبرئيل وانه قد قبض من اثره وخلطه بما صاغه من حلي القوم فأخرج عجلاً له خوار، أي فيه آثار الحياة وهو الصوت، فهل ما ادعاه السامري من الرؤية والأخذ من أثر الرسول من صحة؟
ليس في القرآن الكريم ما يدلُّ دلالة بيِّنة على انَّ السامري هو وحده الذي رأى الرسول (جبرئيل) ، فهو مَن يدَّعي انَّه أبصر مالم يُبصره غيره، فلعلَّه كان كاذباً أو لعلَّه كان واهماً معتقداً خلاف الواقع انَّ غيره لم يُبصر ما أبصره هو، والقرآن لم يُثبت دعواه انَّ غيره لم يُبصر ما كان قد أبصره كما انَّه لم ينفِ ذلك بل سكت عنه، وعليه فلا طريق للتثبُّت من صدق دعوى السامري انَّ غيره لم يُبصر ما أبصره هو هذا لو كان المراد من الإبصار هو الرؤية بجارحة العين، وأما لو كان الإبصار بمعنى البصيرة والمعرفة والتفطُّن فإنَّ مفاد قوله حينئذٍ: "بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ" انَّه تفطَّن لما لم يتفطنوا له، أي علم انَّ لأثر أقدام الرسول أو أثر أقدام مايركبه خاصِّية خارقة للعادة، لذلك قبض قبضةً من أثر أقدامه ليتوسَّل بها إلى تضليل بني إسرائيل، فغايته كانت هي التضليل كما يُشعر به قوله بعد ذلك: ﴿ وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾([3]).
فبناءً على الإحتمال الثاني لا يكون في قوله: ﴿بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ نفيٌ لرؤية غيره للرسول (جبرئيل)، غايته انَّه إختصَّ -بحسب زعمه أو وهمه-عن سائر بني إسرائيل أنَّه تفطَّن إلى إمكانيَّة الإستفادة من آثار قدمي الرسول لغرض التضليل أو التميُّز عن سائر الناس، لذلك بادر إلى أخذ قبضةٍ من أثر الرسول والإحتفاظ بها.
وليس في القرآن أيضاً ما يدلُّ على انَّ دعواه عدم تفطُّن غيره كانت صحيحة، فلعلَّ غيره قد تفطَّن أيضاً إلى ما تفطَّن هو له ولكنَّه لم يفعل ما فعله السامري خشيةَ انَّ ذلك ليس مرضياً لله تعالى أو لمانعٍ آخر.
ثم إنّ الإبصار الذي إدعاه السامري سواءً كان بمعنى الرؤية البصرية أو كان بمعنى البصيرة والمعرفة فإنَّه ليس في الآيات ما يدلُّ على انَّ ما رآه أو تفطَّن له كان له التأثير في صياغة العجل، فهو قد صاغ العجل من الحِلي والذهب أو مع إضافة موادٍّ أُخرى كما يصوغ النحَّاتون التماثيل، وأما إلقاؤه القبضة التي قبضها من أثر الرسول، فلم يثبت انَّها كانت المؤثِّرة في صيرورته عجلاً له خوار، فهو إنَّما فعل ذلك بعد صياغة العجل ليُوهم بني إسرائيل انَّ خواره كان بسبب القبضة التي أخذها من أثر الرسول، وهذا واضح من قول بني إسرائيل لموسى إعتذاراً لما إجترحوه من عبادتهم للعجل: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار﴾ ([4]).
فإنَّ الظاهر من الآية المباركة انَّ السامري ضلَّل بني إسرائيل، وذلك بالإيعاز إليهم انْ يجمعوا الحِلى الذي غنموه من قوم فرعون ليصوغ لهم منه العجل فيكون مظهراً للإله -بحسب زعمه - حيث انَّه سوف يمزج ذلك الحِلي بما قبضه من أثر الرسول، وهكذا ألقى السامري ما قبضه من أثر الرسول فأخرج لهم العجل فكان جسداً له خوار، فكان خواره مبعثاً لإذعانهم وتصديقهم أنَّه الإله أو المظهر للإله، لذلك قالوا: "مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا" فدعوى انَّ الخوار كان من أثر القبضة التي قبضها السامري من أثر الرسول كانت من تضليل السامري ولم يثبت من القرآن انَّها كانت واقعاً هي المؤثِّرة في صدور الخوار من العجل، والذي يؤكد انَّ السامري كان قاصداَ للتضليل من قذف القبضة في جسد العجل قوله: ﴿فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ فكان مدركاً لكونه كاذباً مضلِّلاً كما يقتضيه إقراره بأنَّ نفسه قد سوَّلت له ذلك.
وأما ماهو سبب الخوار الذي كان يصدر من العجل إذا لم يكن من أثر القبضة فجوابه انَّ سبب ذلك هو الكيفية التي صِيغ على هيئتها جسد العجل، وذلك ليس عزيزاً على المهَرة من الصنَّاع كما هو مشاهدٌ في العصر الحاضر أو كان منشأ صدور الصوت هي حيلةٌ إحتالها السامري فأوهمَ السوقة من بني إسرائيل انَّ صوت الخوار كان يصدر من العجل، أو لعلَّ الصوت الذي كان يخرج من جسد العجل كان من فعل إبليس أو بعض جنوده كما كانوا يفعلون ذلك مع عرب الجاهلية، فقد كانوا يُصدرون أصواتا بجانب أصنامهم فيتوهَّم المشركون أنها صادرة من الأصنام.
1- سورة طه آية رقم/95.
2- سورة طه آية رقم /96.
3- سورة طه آية رقم /96.
4- سورة طه آية رقم /87.