بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
أَفْدِي حُسَيْناً حِيْنَ خَفَّ مُوَدِّعاً
قَبْراً بِهِ ثِقْلَ النُّبُوَّةِ أَوْدَعَا
وَافَى إِلَى تَودِيْعِهِ وَفُؤَادُهُ بِمدَى الفِرَاقِ يَكَادُ أَنْ يَتَقَطَّعَا
وَغَدَا يَبُثُّ لَهُ زَفِيرَ شُجُونِهِ
بِشَكَاتِهِ وَالطَّرفُ يُذرِي الأَدمُعَا
يَا جَدُّ حَسْبِي مَا أُكَابِدُ مِن عَنَا
فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يَقُضُّ المَضْجَعَا
فَأَجَابَهُ: صَبراً بُنَيَّ عَلَى الأَذَى
حَتَّى تَنَالَ بِذَا المَقَامَ الأَرفَعَا
وَلَقَدْ حَبَاكَ اللهُ أَمراً لَم يَكُن
بِسِوَى الشَّهَادَةِ ظَهرُهُ لَكَ طَيِّعَا
وَكَأَنَّنِي بِكَ يَا بُنَيَّ بِكَربَلَا
تُمسِي ذَبِيحاً بِالسُّيُوفِ مُبَضَّعَا
وَلَقَد رَآهُ بِمَشهَدٍ مِن زَينَبٍ
هُوَ والوَصِيُّ وَأُمُّهُ الزَّهرَا مَعَا
مُلقَىً بِرَمضَاءِ الهَجِيرِ عَلَى الثَّرَى تَطَأُ السَّنَابِكُ صَدرَهُ وَالأَضلُعَا
في مَصرَعٍ سُفِكَت عَلَيهِ دِمَاؤُهُ أَفدِي بِنَفسِي مِنهُ ذَاكَ المَصرَعَا
شعبي:
وصل ويلي القبر جده وبكه احسين يودعه والدمع يهمل من العين
هوى فوق الضريح وصاح صوتين يجدي مفارقك غصبن عليه
يجدي بوسط لحدك ضمني وياك تراني الضيم شفته عقب عيناك
يقله يا حبيبي وعدك هناك تروح وتنذبح بالغاضريه
تروح وتنذبح يحسين عطشان وتبقى على الارض مطروح عريان
ويظل جسمك لعند الخيل ميدان ولا تبقى من ضلوعك بقيه
أبوذية:
يحق لاهل السما يحسين تنصاب
مآتم والعيون عليك تنصاب
مصابك ما بمثله الناس تنصاب
يبكّي الصخر واعظم كل رزيه
روى عن جابر، عن محمّد بن عليّ عليهما السلام، قال: لمّا همّ الحسين عليه السلام بالشخوص عن المدينة أقبلت نساء بني عبد المطّلب فاجتمعنَ للنياحة حتّى مشى فيهنّ الحسين عليه السلام، فقال: أنشدكنّ الله أن تبدينَ هذا الأمر معصية لله ولرسوله، فقالت له نساء بني عبد المطّلب: فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ وفاطمة ورقيّة وزينب وأمّ كلثوم, فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
ثمّ إنّ نساء بني هاشم أقبلنَ إلى أمّ هاني عمّة الحسين عليه السلام وقلن لها: يا أمّ هاني أنت جالسة والحسين عليه السلام مع عياله عازم على الخروج! فأقبلت أمّ هاني فلمّا رآها الحسين عليه السلام قال: أَمَا هذه عمّتي أمّ هاني؟ قيل: نعم. فقال: يا عمّه! ما الذي جاء بك وأنت على هذه الحالة؟ فقالت: وكيف لا آتي، وقد بلغني أنّ كفيل الأرامل ذاهب عنّي، ثمّ إنّها انتحبت باكية، وتمثّلت بأبيات أبيها أبي طالب عليه السلام:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
تَطُوفُ بِهِ الهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
فَهُمْ عِنْدَهُ فِيْ نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
ثمّ قالت: سيّدي! وأنا متطيّرة عليك من هذا المسير لهاتف
سمعت البارحة يقول
وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
حَبِيْبُ رَسُولِ اللهِ لَمْ يَكُ فَاحِشاً
أَبَانَتْ مُصِيْبَتُهُ الأُنُوفَ وَجَلَّتِ
فقال لها الحسين عليه السلام: يا عمّه! لا تقولي من قريش، ولكن قولي: أذلّ رقاب المسلمين فذلّت، ثمّ قال: يا عمّه! كلّ الذي مقدّر فهو كائن لا محالة, وقال عليه السلام
وَمَا هُمْ بِقَومٍ يَغْلِبُونَ ابْنَ غَالِبٍ وَلَكِنْ بِعِلمِ الغَيْبِ قَدْ قُدِّرَ الأَمْرُ
فخرجت أمّ هاني من عنده باكية، وهي تقول:
وَمَا أُمُّ هَانِي وَحْدَهَا سَاءَ حَالُهَا
خُرُوْجُ حُسَيْنٍ عَنْ مَدِيْنَةِ جَدِّهِ
وَلَكِنَّمَا القَبْرُ الشَّرِيْفُ وَمَنْ بِهِ
وَمِنْبَرُهُ يَبْكُونَ مِنْ أَجْلِ فَقْدِهِ
وروى عبد الله بن سنان الكوفيّ، عن أبيه، عن جدّه، أنّه قال: خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام، وهو يومئذ بالمدينة، فأتيته فقرأه فعرف معناه فقال: أنظرني إلى ثلاثة أيّام, فبقيت في المدينة ثمّ تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجّه إلى العراق، فقلت في نفسي أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز كيف يركب وكيف جلالة شأنه، فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرّجة، والرجال واقفين، والحسين عليه السلام جالس على كرسيّ، وبنو هاشم حافّون به، وهو بينهم كأنّه البدر ليلة تمامه
وكماله، ورأيت نحواً من أربعين محملاً، وقد زيّنت المحامل بملابس الحرير والديباج. قال: فعند ذلك أمر الحسين عليه السلام بني هاشم بأن يركبوا محارمهنّ على المحامل، فبينما أنا أنظر وإذا بشابٍّ قد خرج من دار الحسين عليه السلام وهو طويل القامة وعلى خدّه علامة ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحّوا يا بني هاشم! وإذا بامرأتين قد خرجتا, من الدار وهما تجرّان أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد حفّت بهما إماؤهما، فتقدّم ذلك الشابّ إلى محمل من المحامل وجثا على ركبتيه، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما فقيل: أمّا إحداهما فزينب، والأخرى أمّ كلثوم بنتا أمير المؤمنين؛ فقلت: ومن هذا الشاب؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العبّاس بن أمير المؤمنين, ثمّ رأيت بنتين صغيرتين كأنّ الله تعالى لم يخلق مثلهما، فجعل واحدة مع زينب، والأخرى مع أمّ كلثوم، فسألت عنهما، فقيل لي: هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين عليه السلام, ثمّ خرج غلام آخر كأنّه البدر الطالع فسألت عنه، فقيل لي: هو عليّ الأكبر ابن الحسين عليه السلام، ثمّ خرج غلام ووجهه كفلقة القمر، ومعه امرأة، فسألت عنهما؟ فقيل لي: أمّا الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى، والامرأة أمّه,
ثمّ خرج شابّ آخر وهو يقول: تنحّوا عنّي يا بني هاشم! تنحّوا عن حرم أبي عبد الله، فتنحّى عنه بنو هاشم، فسألت عنه؟ فقيل لي: هو زين العابدين ابن الإمام، ثمّ اركبوا بقيّة الحرم والأطفال على المحامل, فلمّا تكاملوا نادى الإمام عليه السلام: أين أخي، أين كبش كتيبتي، أين قمر بني هاشم؟ فأجابه العبّاس: لبَّيْك لبَّيك يا سيّدي! فقال له الإمام عليه السلام: قدّم لي يا أخي جوادي, فأتى العبّاس بالجواد إليه وقد حفّت به بنو هاشم، فأخذ العبّاس بركاب الفرس حتّى ركب الإمام، ثمّ ركب بنو هاشم، وركب العبّاس وحمل الراية أمام الإمام.
سار حسين وامسه الحرم مغبر
أويلي والمدينة غدت تصفر
طلعوا آل هاشم عن وطنهم
اوظل خالي حرم جدهم بعدهم
ساروا ليلهم وابعد ظعنهم اولن صوت العليلة ابگلب محتر
وكأنّي بالحسين عليه السلام وقد مرّ على قبور الأحبّة يودّعهم، فمرّ بقبر أخيه الحسن ثمّ مرّ بقبر أُمّه الزهراء فوقف وسلّم عليها, وإذا بالجواب: وعليك السلام يا حبيبي يا حسين...
يحسين يابني هيّجت حزني عليّه
لأجلك بگبري لابسة ثياب العزية
أبكي عليكم ياضحايا الغاضريّه
الله كاتب كربلا تحويك يحسين
يابني مصابك بالطفوف يشيّب الراس گلي عليمن انتحب يا وافي الباس
لابنك عليّ يولا لبو فاضل العبّاس يبگه اعله نهر العلگمي من غير كفين
أقول: مضى الحسين وأهل بيته وأصحابه حتّى نزلوا في أرض كربلاء ورايات الهاشميّين ترفرف فوق رؤوس الهاشميّات فكلّما رفعت إحداهنّ رأسها رأت راية أبي الفضل العبّاس وإخوته وبقيّة آل أبي طالب, ولكنْ حَرّ قلبي لهنّ, كيف خرجنَ من كربلاء؟ خرجنَ والشمر عن يمينهنّ, وزجرٌ عن شمالهنّ، وكلّما رفعت واحدةٌ منهنّ رأسها رأت رؤوس حُماتِها على الرّماحِ العالية:
مشينة والدمع يجري اعله الخدود
وهموم الگلب حملان وتزود
عگب هذا الولي المعروف بالجود
وعگب ذاك الأخو المگطوع الزنود
وعگب شبه النبي العلترب ممدود
وعگب ذيك الأقمار الصيد الأسود
شمر يحدي بضعنة وناگتي يگود
ولكنّ المشهد الأعظم على قلب مولاتنا زينب يوم الحادي عشر من المحرّم عندما أرادوا أن يركبوا النساء والأطفال على النياق, تذكّرت الحوراء خروجها من المدينة بذاك العزّ والدلال فالتفتت إلى ناحية العلقميّ وصاحت: أخي عبّاس, أنت الذي أخرجتني من منزلي, وأركبتني في محملي, قم الآن وركب أختك زينب...
يعبّاس يخويه منته اللي
جبتني وبيدك يعزي ركبتني
وطول الدرب ما فارگتني
إگعد يخويه وشوف متني
ترى سياط زجر الورمتني
هَذِي نِسَاؤُكَ مَنْ يَكُوْنُ إِذَا سَرَتْ
فِي الأَسْرِ سَائِقُهَا وَمَنْ حَادِيهَا؟
أَيَسُوقُهَا زَجْرٌ بِضَربِ مُتُونِهَا
وَالشِّمْرُ يَحْدُوهَا بِسَبِّ أَبِيْهَا؟
عَجَباً لَهَا بِالأَمْسِ أَنْتَ تَصُوْنُهَا
وَاليَوْمَ آلُ أُمَيَّةٍ تُبْدِيَها!
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
أَفْدِي حُسَيْناً حِيْنَ خَفَّ مُوَدِّعاً
قَبْراً بِهِ ثِقْلَ النُّبُوَّةِ أَوْدَعَا
وَافَى إِلَى تَودِيْعِهِ وَفُؤَادُهُ بِمدَى الفِرَاقِ يَكَادُ أَنْ يَتَقَطَّعَا
وَغَدَا يَبُثُّ لَهُ زَفِيرَ شُجُونِهِ
بِشَكَاتِهِ وَالطَّرفُ يُذرِي الأَدمُعَا
يَا جَدُّ حَسْبِي مَا أُكَابِدُ مِن عَنَا
فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يَقُضُّ المَضْجَعَا
فَأَجَابَهُ: صَبراً بُنَيَّ عَلَى الأَذَى
حَتَّى تَنَالَ بِذَا المَقَامَ الأَرفَعَا
وَلَقَدْ حَبَاكَ اللهُ أَمراً لَم يَكُن
بِسِوَى الشَّهَادَةِ ظَهرُهُ لَكَ طَيِّعَا
وَكَأَنَّنِي بِكَ يَا بُنَيَّ بِكَربَلَا
تُمسِي ذَبِيحاً بِالسُّيُوفِ مُبَضَّعَا
وَلَقَد رَآهُ بِمَشهَدٍ مِن زَينَبٍ
هُوَ والوَصِيُّ وَأُمُّهُ الزَّهرَا مَعَا
مُلقَىً بِرَمضَاءِ الهَجِيرِ عَلَى الثَّرَى تَطَأُ السَّنَابِكُ صَدرَهُ وَالأَضلُعَا
في مَصرَعٍ سُفِكَت عَلَيهِ دِمَاؤُهُ أَفدِي بِنَفسِي مِنهُ ذَاكَ المَصرَعَا
شعبي:
وصل ويلي القبر جده وبكه احسين يودعه والدمع يهمل من العين
هوى فوق الضريح وصاح صوتين يجدي مفارقك غصبن عليه
يجدي بوسط لحدك ضمني وياك تراني الضيم شفته عقب عيناك
يقله يا حبيبي وعدك هناك تروح وتنذبح بالغاضريه
تروح وتنذبح يحسين عطشان وتبقى على الارض مطروح عريان
ويظل جسمك لعند الخيل ميدان ولا تبقى من ضلوعك بقيه
أبوذية:
يحق لاهل السما يحسين تنصاب
مآتم والعيون عليك تنصاب
مصابك ما بمثله الناس تنصاب
يبكّي الصخر واعظم كل رزيه
روى عن جابر، عن محمّد بن عليّ عليهما السلام، قال: لمّا همّ الحسين عليه السلام بالشخوص عن المدينة أقبلت نساء بني عبد المطّلب فاجتمعنَ للنياحة حتّى مشى فيهنّ الحسين عليه السلام، فقال: أنشدكنّ الله أن تبدينَ هذا الأمر معصية لله ولرسوله، فقالت له نساء بني عبد المطّلب: فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ وفاطمة ورقيّة وزينب وأمّ كلثوم, فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
ثمّ إنّ نساء بني هاشم أقبلنَ إلى أمّ هاني عمّة الحسين عليه السلام وقلن لها: يا أمّ هاني أنت جالسة والحسين عليه السلام مع عياله عازم على الخروج! فأقبلت أمّ هاني فلمّا رآها الحسين عليه السلام قال: أَمَا هذه عمّتي أمّ هاني؟ قيل: نعم. فقال: يا عمّه! ما الذي جاء بك وأنت على هذه الحالة؟ فقالت: وكيف لا آتي، وقد بلغني أنّ كفيل الأرامل ذاهب عنّي، ثمّ إنّها انتحبت باكية، وتمثّلت بأبيات أبيها أبي طالب عليه السلام:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
تَطُوفُ بِهِ الهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
فَهُمْ عِنْدَهُ فِيْ نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
ثمّ قالت: سيّدي! وأنا متطيّرة عليك من هذا المسير لهاتف
سمعت البارحة يقول
وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
حَبِيْبُ رَسُولِ اللهِ لَمْ يَكُ فَاحِشاً
أَبَانَتْ مُصِيْبَتُهُ الأُنُوفَ وَجَلَّتِ
فقال لها الحسين عليه السلام: يا عمّه! لا تقولي من قريش، ولكن قولي: أذلّ رقاب المسلمين فذلّت، ثمّ قال: يا عمّه! كلّ الذي مقدّر فهو كائن لا محالة, وقال عليه السلام
وَمَا هُمْ بِقَومٍ يَغْلِبُونَ ابْنَ غَالِبٍ وَلَكِنْ بِعِلمِ الغَيْبِ قَدْ قُدِّرَ الأَمْرُ
فخرجت أمّ هاني من عنده باكية، وهي تقول:
وَمَا أُمُّ هَانِي وَحْدَهَا سَاءَ حَالُهَا
خُرُوْجُ حُسَيْنٍ عَنْ مَدِيْنَةِ جَدِّهِ
وَلَكِنَّمَا القَبْرُ الشَّرِيْفُ وَمَنْ بِهِ
وَمِنْبَرُهُ يَبْكُونَ مِنْ أَجْلِ فَقْدِهِ
وروى عبد الله بن سنان الكوفيّ، عن أبيه، عن جدّه، أنّه قال: خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام، وهو يومئذ بالمدينة، فأتيته فقرأه فعرف معناه فقال: أنظرني إلى ثلاثة أيّام, فبقيت في المدينة ثمّ تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجّه إلى العراق، فقلت في نفسي أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز كيف يركب وكيف جلالة شأنه، فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرّجة، والرجال واقفين، والحسين عليه السلام جالس على كرسيّ، وبنو هاشم حافّون به، وهو بينهم كأنّه البدر ليلة تمامه
وكماله، ورأيت نحواً من أربعين محملاً، وقد زيّنت المحامل بملابس الحرير والديباج. قال: فعند ذلك أمر الحسين عليه السلام بني هاشم بأن يركبوا محارمهنّ على المحامل، فبينما أنا أنظر وإذا بشابٍّ قد خرج من دار الحسين عليه السلام وهو طويل القامة وعلى خدّه علامة ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحّوا يا بني هاشم! وإذا بامرأتين قد خرجتا, من الدار وهما تجرّان أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد حفّت بهما إماؤهما، فتقدّم ذلك الشابّ إلى محمل من المحامل وجثا على ركبتيه، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما فقيل: أمّا إحداهما فزينب، والأخرى أمّ كلثوم بنتا أمير المؤمنين؛ فقلت: ومن هذا الشاب؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العبّاس بن أمير المؤمنين, ثمّ رأيت بنتين صغيرتين كأنّ الله تعالى لم يخلق مثلهما، فجعل واحدة مع زينب، والأخرى مع أمّ كلثوم، فسألت عنهما، فقيل لي: هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين عليه السلام, ثمّ خرج غلام آخر كأنّه البدر الطالع فسألت عنه، فقيل لي: هو عليّ الأكبر ابن الحسين عليه السلام، ثمّ خرج غلام ووجهه كفلقة القمر، ومعه امرأة، فسألت عنهما؟ فقيل لي: أمّا الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى، والامرأة أمّه,
ثمّ خرج شابّ آخر وهو يقول: تنحّوا عنّي يا بني هاشم! تنحّوا عن حرم أبي عبد الله، فتنحّى عنه بنو هاشم، فسألت عنه؟ فقيل لي: هو زين العابدين ابن الإمام، ثمّ اركبوا بقيّة الحرم والأطفال على المحامل, فلمّا تكاملوا نادى الإمام عليه السلام: أين أخي، أين كبش كتيبتي، أين قمر بني هاشم؟ فأجابه العبّاس: لبَّيْك لبَّيك يا سيّدي! فقال له الإمام عليه السلام: قدّم لي يا أخي جوادي, فأتى العبّاس بالجواد إليه وقد حفّت به بنو هاشم، فأخذ العبّاس بركاب الفرس حتّى ركب الإمام، ثمّ ركب بنو هاشم، وركب العبّاس وحمل الراية أمام الإمام.
سار حسين وامسه الحرم مغبر
أويلي والمدينة غدت تصفر
طلعوا آل هاشم عن وطنهم
اوظل خالي حرم جدهم بعدهم
ساروا ليلهم وابعد ظعنهم اولن صوت العليلة ابگلب محتر
وكأنّي بالحسين عليه السلام وقد مرّ على قبور الأحبّة يودّعهم، فمرّ بقبر أخيه الحسن ثمّ مرّ بقبر أُمّه الزهراء فوقف وسلّم عليها, وإذا بالجواب: وعليك السلام يا حبيبي يا حسين...
يحسين يابني هيّجت حزني عليّه
لأجلك بگبري لابسة ثياب العزية
أبكي عليكم ياضحايا الغاضريّه
الله كاتب كربلا تحويك يحسين
يابني مصابك بالطفوف يشيّب الراس گلي عليمن انتحب يا وافي الباس
لابنك عليّ يولا لبو فاضل العبّاس يبگه اعله نهر العلگمي من غير كفين
أقول: مضى الحسين وأهل بيته وأصحابه حتّى نزلوا في أرض كربلاء ورايات الهاشميّين ترفرف فوق رؤوس الهاشميّات فكلّما رفعت إحداهنّ رأسها رأت راية أبي الفضل العبّاس وإخوته وبقيّة آل أبي طالب, ولكنْ حَرّ قلبي لهنّ, كيف خرجنَ من كربلاء؟ خرجنَ والشمر عن يمينهنّ, وزجرٌ عن شمالهنّ، وكلّما رفعت واحدةٌ منهنّ رأسها رأت رؤوس حُماتِها على الرّماحِ العالية:
مشينة والدمع يجري اعله الخدود
وهموم الگلب حملان وتزود
عگب هذا الولي المعروف بالجود
وعگب ذاك الأخو المگطوع الزنود
وعگب شبه النبي العلترب ممدود
وعگب ذيك الأقمار الصيد الأسود
شمر يحدي بضعنة وناگتي يگود
ولكنّ المشهد الأعظم على قلب مولاتنا زينب يوم الحادي عشر من المحرّم عندما أرادوا أن يركبوا النساء والأطفال على النياق, تذكّرت الحوراء خروجها من المدينة بذاك العزّ والدلال فالتفتت إلى ناحية العلقميّ وصاحت: أخي عبّاس, أنت الذي أخرجتني من منزلي, وأركبتني في محملي, قم الآن وركب أختك زينب...
يعبّاس يخويه منته اللي
جبتني وبيدك يعزي ركبتني
وطول الدرب ما فارگتني
إگعد يخويه وشوف متني
ترى سياط زجر الورمتني
هَذِي نِسَاؤُكَ مَنْ يَكُوْنُ إِذَا سَرَتْ
فِي الأَسْرِ سَائِقُهَا وَمَنْ حَادِيهَا؟
أَيَسُوقُهَا زَجْرٌ بِضَربِ مُتُونِهَا
وَالشِّمْرُ يَحْدُوهَا بِسَبِّ أَبِيْهَا؟
عَجَباً لَهَا بِالأَمْسِ أَنْتَ تَصُوْنُهَا
وَاليَوْمَ آلُ أُمَيَّةٍ تُبْدِيَها!