عُرف أهل كربلاء بعدة ألقاب مقرونة بالمهن التي كانوا يمارسونها، فهو لم يستقر بمهنة ما، ولذلك يلقبونه تارة بجاسم الحفار، وتارة أخرى بالبقال والنجار، وله ألقاب أخر... كان جاسم فقيرا لا يمتلك من دنياه شيئاً سوى هذه النفس الكريمة المعطاء، هو يحب أن يخدم الناس دون مقابل قربة لوجه الله تعالى، وخاصة زائري الإمام الحسين وزوار كربلاء. كانت أحلام جاسم صغيرة لا تتعدى الأكل والمأوى، وبعض مال يغنيه عن السؤال... عثر جاسم ذات يوم على محفظة نقود، فجلس يفتحها خلسة عن أعين الناس، يكاد لا يصدق عينيه، فهو مال كثير، أوراق نقدية، يعرف بعضها ويجهل البعض الآخر، لكنه شعر بأن المبلغ كبير جداً، فحينها خبأ المحفظة وخرج إلى الناس كأنه لم يعثر على شيء، رأى أحد الباكستانيين من الزوار وهو بحالة يرثى لها يتحدث بلغة عربية مرتبكة، ليفهم الناس أنه ضيّع نقوده، وما أن رأى جاسم دمعات الزائر على خديه حتى جنّ جنونه، وإذا به يسلمه حافظة النقود دون أن يسأل ويتمحص... أخذها الباكستاني بفرح وهو يحتضن جاسم، ولهذا قرر تكريمه جزاء لأمانته، فقال جاسم: لا حاج هذا قليل وأنا طماع لا تكفيني جائزتك مهما كانت كبيرة أريد جائزة من الله وسيدي الحسين.
لهذا الموقف كبر جاسم بعيون أهل كربلاء، فأحبوه وأعزوه، وأصبحت له شعبية كبيرة جذبت إليه الكثير من عروض العمل كان آخرها أنه عمل مع تاجر كبير تغيرت به حاله، فتجول في مدن كثيرة ودول كبيرة وتعرف على مجتمعات أخر متنوعة، وفي إحدى تلك الجولات البحرية حدثت عاصفة تحطمت الباخرة وغرق الجميع، ولم ينجُ منهم أحد إلا هو، ولا يعرف ما الذي جرى حينها سوى أنه حين تيقن من نجاته قام يتجول في أطراف المدينة لا يعرف لغتها، وهم ينظرون إليه بشيء من الرأفة، فجأة رأى مسجدا صغيرا فرح كثيرا، وآوى إليه ليوفر له هذا المسجد مأوى أو عمل وخدمة مخلصة تقربه إلى الله تعالى...
عرفه الناس هناك بـ(جاسم الكربلائي) وصار البعض منهم يتذكر زيارة كربلاء، وإذا بذاك المسافر يتحدث عن الموقف الذي عاشه في كربلاء، عرفه جاسم منذ اللحظة الأولى لكنه لا يريد أن يحمله منة العمل الحسن الذي عمله، فجأة نظر الزائر إلى وجه جاسم ليصرخ بفرح: أووه... هذا أنت أيها الكربلائي الأمين.
عاد جاسم إلى كربلاء بعد سنوات ومعه زوجته الغنية ابنة التاجر وأولاده، وهو في حالة ميسورة يقول للناس: ربحت لأني كنت أسعى لخدمة الحسين ع بأمانة ومن يخدمه بأمانة لا يخيب أبداً...