القسم: يمين توكيدي، وهو معنى مهم من معاني القرآن السامية، ومن معاني القوة، إذ حلف سبحانه تعالى بذاته وبالقرآن، وحلف بلفظ الكتاب مرتين... ووقوع القسم في ابتداء السور له أثر نفسي وجلب لانتباه التلقي، ويشكل استعدادات نفسية، كما يمنحا البهجة. وورود بعض القسَم بالحروف المقطعة التي جُمعت بجملة (صراطُ عليٍّ حق نمسكه). وقد أقسم سبحانه تعالى بما يألفه العرب ويحبونه ويمجدونه، فهو أقسم بالبلد الأمين، وبمكة وبالخيل التي تشكل عالماً كبيراً من عوالم العربي، وكذلك أقسم بصحة نبوة النبي محمد (ص)، وعلى جزائه في الآخرة والملائكة والنفس. وقد أقسم الله سبحانه بالعصر كقوله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، وبالضحى وبالصبح، والقسم بالنجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى). وأقسم بمواقع النجوم التي هي مطالع كما يراها بعض المفسرين... والغاية من هذا القسم هو المسعى القصدي، وتوجيه الانظار نحو المهم، وهذا يساهم في خلق حراك فكري توكيدي، يستخدم التكرار للتوكيد، وللإفادة في السياقات الاسلوبية الساعية لتمكين التلقي، أي للإيقاظ والتنبيه، وإثارة نفسية التلقي، كجاذب أسلوبي، وتجهيز المتلقي للاستقبال. ويقسم أحياناً بالأزمان، وبأوقات مختلفة بالنهار والليل والضحى، وللدعوة إلى الايمان، والإذعان للحق، أو إلفات النظر، وبيان قداسة.
وهناك قسم مفرد: كالقسم بلفظ الجلالة (تالله): (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم)، وورد أيضاً بلفظ (رب) (فَلاَ وَرَبِّكَ...)، (بَلَى وَرَبِّي...)، وورد القسم مضمر بلفظ (ما) كقوله تعالى: (وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا). وقد ورد القسم الرباني بالنبي (ص): (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ). وورد بعض منها بصفات الرسول الكريم (ص) وسمات شخصيته، وبالبلد الذي يحيى فيه، وأقسم الله تعالى في سورة الطور بستة أمور: بالطور، اسم جبل خاص، وهو اسم لكل جبل، وينظر إلى الجبل الذي كلم الله به موسى (ع) - محل نزول الوحي -، وهناك رأي جميل، إذ يرى أن ذكر الطور والبيت المعمور والبحر المسجور، جمعها في الحلف؛ لأنها أماكن لثلاثة أنبياء: (موسى، محمد، يونس عليهم السلام)، والمسطور: المراد بكتاب الله (القرآن)، والرق: ما يدون فيه، والمسجور: من السجر (تهييج النار)، ويفسر بالامتلاء أيضاً، والمنشور: صحائف اللوح المحفوظ.
وقد أقسم الله تعالى بالقلم، والقمر، والليل، والصبح، وبيوم القيامة، والنفس اللوامة... يعني أن الله قد أقسم بالضمير، وأورد القسم القرآني بزيادة لا (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ)، و(لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعني: لا أقسم إلا إعظاماً... أسلوب تضخيمي وضع لجلب الاهتمام، ثم كرر للتوكيد.
والقسم القرآني برمته يعد من المؤكدات المشهورة التي تمكن التلقي من الاستجابة، واحتواء شمولية القبول، فالقسم في كلام الله يزيل الشكوك، ويحبط الشبهات، ويقيم الحجة، ويؤكد الإخبار، ويقرر الحكم في أكمل صوره.