عقيدتنا في البداء
س24 : ماهو البداء ؟
الجواب : تعريف البداء : البداء في اللغة معناه الظهور او الابانة من بدا اي ظهر لي كذا اي بدا لي, او تجلى بعد ان كان خافياً .
واما اصطلاحاً : فيطلق على معنيين
الاول : الظهور بعد الخفاء او الوضوح او التجلي
الثاني : العلم بعد الجهل او ان يبدي للانسان بشيء لم يكن سابقاً عنده
اما الامر الاول الظهور بعد الخفاء فممكن حمله على الله تعالى بأعتبار انه اخفى الاشياء عنا ثم اظهرها من باب التسامح , واما الامر الثاني فهو من المستحيل عليه تعالى, لاستلزامه الجهل وهو محال في حقه تعالى .
س 25 : قال المصنف ره : غير أنّه وردت عن أئمتنا الاطهار (عليهم السلام) روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدِّم، كما ورد عن الصادق (عليه السلام): «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» بين مراد المصنف ره ؟
الجواب : شرع الماتن ره في بيان الايهام الذي توهمه غيرنا من المذاهب على ان الشيعة تنسب الجهل الى الله تعالى ,تعالى الله عنه الروايات التي وردت في المقام ظاهرها ان الله تعالى كان لا يعلم ثم بدا له العلم ,ومنها مانقله المصنف انفاً في قضية اسماعيل الولد الاكبر للامام الصادق عليه السلام من اخترامه , حيث حصل النزاع عند اتباعه في انه هو الامام بعد ابيه الصادق ع ,ثم اخترمه الموت حتى قال الامام الصاق ع مابدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل ابني ,لانه اعظم بداء حيث النزاع كان عن مقام الامامة واخترامه كان محل سد النزاع على تلك الخصوم , والسؤال هل كان الله تعالى لا يعلم بمحل النزاع سابقا ثم علم حتى اخترمه فيما بعد؟ ام كان يعلم من اول الامر ؟ الجواب قطعا يعلم من اول الامر لكن الله تعالى ليري رحمته وعظمته في سد الخصوم والنزاعات على القوم ,فكان البداء رحمة اللهية عظمى في ذلك الامر الخطير.
س26 : والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: (يَمحُوا اللهُ ما يَشَآءُ ويُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ) بين كلام المصنف ره من هذه الاية ؟
الجواب : هذه الاية تشير الى ان الله تعالى ينزَّل الامر من عنده على نحو التدرج ويخفي الله تعالى علمه على الاخرين حفاظا على النظام ,ان الله تعالى يعلم حقائق الاشياء والامر المترتب عليها ,لكن بلحاظنا نحن تكون على نحو البداء ,امثلة على ذلك :
الاول : لو علم الانسان من اول الامر ان الله تعالى يشفيه في يوم كذا هل يحتاج الى الدعاء بالشفاء حينئذٍ ؟.
الثاني : لو علم المجرم انه لا يدخل الجنة وان استحقاقه للنار لا محال هل كان بمقدوره ان يقبل على التوبة ؟
الثالث : لو علم الانسان من اول الامر ان عمره كذا هل يحتاج حينئذٍ الى صلة الرحم ليطول عمره ؟.
الرابع : لو يعلم الانسان بعواقب الامور هل يعمل على وفق مقتضياتها ام يختل نظام الحياة ؟ .
ومن هنا نعلم عظمة ورحمة البداء الالهي في كل شيء ,فانه تعالى عنده لوحين من العلم .
الاول : اللوح المحفوظ الذي لا يعتريه التبديل ولا التغيير .
الثاني : وهو نفس الاول ,لكن بلحاظ نزوله تدريجيا يسمى المحو والاثبات فتدبر جيدا
س27 :قال المصنف ره : وقرب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل نسخ بعض الاحكام التي جاء بها بيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم). بين كلام المصنف ره ؟
الجواب : قلنا سابقا ان البداء على الله تعالى هو من قبيل التجوز بأعتبار ان نزول الفيض تدريجيا وحصول عواقب الامر تدريجيا نصطلح عليه بالبداء ,والسؤال هل ان نسخ الشرائع السابقة كانت فاسدة حتى ينسخها في غير زمن ؟, وهل بعض الاحكام في زمن الاسلام يدل على انه والعياذ بالله غافلا عن المصلحة ثم بدا له بداء ندامة؟ .
الجواب قطعا لا يمكن حمله على هذا المحمل ,لاستلزامه الجهل عليه وهو محال ,وانما يراعي سبحانه المصلحة ,وليظهر رحمته وتسامحه مع الناس والاجيال ويتنازل وهو اللطيف الخبير ليعطي انطباع عن ان شريعته سمحاء ببركة البداء , ولهذا قال الشيخ ره : وقرب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبيّنا .
عقيدتنا في أحكام الدين
س28 : نعتقد: أنّه تعالى جعل أحكامه ـ من الواجبات والمحرّمات وغيرهما ـ طبقاً لمصالح العباد في نفس أفعالهم، فما فيه المصلحة الملزمة جعله واجباً، وما فيه المفسدة البالغة نهى عنه، وما فيه مصلحة راجحة ندبنا إليه,وهكذا في باقي الاحكام، وهذا من عدله ولطفه بعباده. بين كلام الماتن ره ؟
الجواب : شرع المصنف ره في هذا المطلب الى بيان الامر الثالث الذي يتفرع على العدل اللهي حيث تقدم سابقا الكلام حول عقيدتنا بالقضاء والقدر والبداء وهذه المطالب كلها متفرعة عن هذه العقيدة اعني العدل , ان الاحكام الشرعية الخمسة من الوجوب والحرمة والاستحباب و الكراهة والإباحة مشرعة طبق عدله وحكمته تعالى بيان ذلك : انه تعالى نظرا الى طبق مصالح العباد يرى المولى تعالى ان ما فيه المصلحة ضرورية وشديدة يجب ان يكون فرضا وما فيه المفسدة البالغة من الضرر يجب ان يكون محرما ,ولمزيد من البيان علينا بهذا السبر والتقسيم :
ان الفعل اما ان يكون فيه مصلحة ملزمة او لا ,و الاول هو الواجب ,والثاني اما مع جواز فعله ,او لا ,الثاني هو الحرام ,والاخر اما المصلحة راجحة او لا ,الثاني المستحب ,والاخر اما مرجوحة او لا راجحة ولا مرجوحة ,الاول المكروه والثاني المباح ,وهذا وان انسد باب العلم علينا في معرفة الاحكام لبعض الامور والمصاديق الا انا نعلم اجمالا ما من واقعة الا ولها حكم واقعي وان كنا نجهله بعينه قال الشيخ المظفر ره : ولابدّ أن يكون له في كل واقعة حكم، ولا يخلو شيء من الاشياء من حكم واقعي لله فيه، وإن انسدَّ علينا طريق علمه.
س29 : ونقول أيضاً: إنّه من القبيح أن يأمر بما فيه المفسدة، أو ينهى عمّا فيه المصلحة,غير أنّ بعض الفرق من المسلمين يقولون: إنّ القبيح ما نهى الله تعالى عنه، والحسن ما أمر به، فليس في نفس الافعال مصالح أو مفاسد ذاتية، ولا حسن أو قبح ذاتيان، وهذا قول مخالف للضرورة العقلية,كما أنّهم جوَّزوا أن يفعل الله تعالى القبيح فيأمر بها فيه المفسدة، وينهى عمّا فيه المصلحة. وقد تقدَّم أنّ هذا القول فيه مجازفة عظيمة، وذلك لاستلزامه نسبة الجهل أو العجز إليه سبحانه، تعالى علواً كبيراً . بين كلام الماتن ره ؟
الجواب : للاجابة عما عرضه المصنف لابد من بيانه في النقاط التالية :
النقطة الاولى : قوله ره :غير ان بعض المسلمين ... المقصود منهم هم الاشاعرة حيث زعموا ان الله تعالى من الجائز عليه ان يفعل الظلم وينهى عن الحسن ,لانه لاسلطان على الله تعالى حتى العقل ,ولا نقول بالوجوب العقلي لانه لايجب على الله تعالى شيء ,وهؤلاء فهموا من الوجوب على الله تعالى انه كالوجوب الشرعي وهذا الزعم لا قائل به ابدا انما الكلام في ان الله تعالى قد تعبدنا بالعقول فنحن والعقل الذي تعبدنا الله تعالى به فما اوجبه العقل من المؤكد يوجبه المولى تعالى كيف لا وهو سيد العقلاء وهو من خلق العقل على هذا النمط من التحليل .
النقطة الثانية : زعم الأشعري ان الحكام الشرعية المتقدمة ليس فيها مصالح ولا مفاسد ذاتية ,وهذا مايحتاج الى بيانه في مقدمتين :
المقدمة الاولى : ان المصلحة الذاتية او المفسدة الذاتية ,معناها ان الفعل ملازم لماهية الحسن ان كان حسنا , وان كان الفعل فاسد فلابد ان يحتوي على مفسدة من صميمة مندكة فيه ملازمة له ,لكن الأشعري زعم ان هذه الملازمات ممكن التفكيك بينها فممكن ان نرى الافعال الذميمة من دون ملاحظة المفسدة كما لو رأينا حالة سرقة فلا يمكن للعقل ان يحكم انها قبيحة ! وممكن ان نرى الصدق من دون الحكم عليه انه حسن في ذاته !
المقدمة الثانية : ان هذا القول مبني على إنكار الحسن والقبح العقلي ,أي ان العقل لا استقلالية له على حسن الاشياء وقبحها بل الشارع المقدس هو من يحكم بذلك , وفيه انا نجد من أنفسنا ان سيرة العقلاء متفقة على حسن الصدق وقبح الكذب حتى من لا ينتحل دينا فانه يحكم من نفسه انها امور حسنة ,أو قبيحة فلو كان ما زعمتم به وهو ان الحكم للشارع فكيف بمن لا ينتحل دينا أصلا ؟ قال الشيخ المظفر ره : وهذا قول مخالف للضرورة العقلية.
النقطة الثالثة : قوله ره: وقد تقدَّم أنّ هذا القول فيه مجازفة عظيمة، وذلك لاستلزامه نسبة الجهل أو العجز إليه سبحانه . قد مر بيان ذلك في عقيدتنا بالعدل على ماذكرنا هنالك فراجع .
س30 : والخلاصة: أنّ الصحيح في الاعتقاد أن نقول: إنّه تعالى لامصلحة له ولا منفعة في تكليفنا بالواجبات ونهينا عن فعل ما حرَّمه، بل المصلحة والمنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف، ولامعنى لنفي المصالح والمفاسد في الافعال المأمور بها والمنهي عنها، فإنّه تعالى لايأمر عبثاً ولاينهى جزافاً، وهو الغني عن عباده . بين كلام المصنف ره ؟
الجواب : قبل الجواب عن هذا المطلب نود الاشارة الى انه تقدم لدينا مطلبان الاول تقسيم الاحكام الشرعية ,وكونها متفرعة عن عدله تعالى ,والمطلب الثاني زعم الاشاعرة وانكارهم للمصلحة الذاتية , بعد ذلك شرع المصنف ره في بيان المطلب الثالث , وهو عبارة عن سؤال هل الله تعالى يفعل الافعال لغرض ام من دون غاية وغرض ؟
الجواب : زعمت الاشاعرة ان الله تعالى لا يفعل لغرض ,واستدلوا على ذلك :
ان الله تعالى غني بذاته ,والغني بذاته لا يفعل الافعال لغرض, فلو فعل الافعال لغرض ,لكان مستكملا بذلك الغرض ,وقد ثبت ان الله غني فلا يفعل لغرض .
وهذا الدليل فاسد لوجهين :
الاول : انه لِمَ لا يكون الباري يفعل الافعال لغرض ويكون الغرض عائدا الى العبد لا الفاعل وهو الله تعالى فلا يكون مستكملا به.
الثاني : من الذي حكم على ان الله تعالى لا يفعل لغرض هل العقل ام الشرع ؟
فان كان العقل, فقد التزمتم انه لا قابلية له على الحكم بالحسن والقبح ,وان كان الشرع هو من حكم بذلك (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) .
عقيدنا في النبوّة
س31 : نعتقد: أنّ النبوّة وظيفة إلهية وسفارة ربّانية، يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في إنسانيّتهم، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والاخرة... ونعتقد: أنّ قاعدة اللطف ـ على ما سيأتي معناها ـ توجب أن يبعث الخالق ـ اللطيف بعباده ـ رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الاصلاحية ...[ بين كلام المصنف ره] ؟
الجواب : هذا شروع من الماتن في الفصل الثاني من هذا الكتاب حيث ابتدأ المصنف في مباحث التوحيد ثم ما يتعلق بالعدل الى ان وصل المقام الى النبوة ,ولتوضيح المطلب لابد من الشروع بعدة امور :
الامر الاول : ان النبوة تنقسم الى قسمين النبوة العامة والنبوة الخاصة , والمقصود من العامة هي ما تبحث عن مطلق النبوة مع غض النظر عمن يتصف بها فالكلام فيها يكون عن ذلك المقام اللهي الذي اعطاه لبشر خاص ليؤدي ماعليه من التكاليف والقوانين الالهية للناس بغية تحقيق سعادة الدارين ,واما النبوة الخاصة ,هي ما يكون البحث فيها بخصوص نبي خاص ,ونحن في زماننا نبحث عن النبوة الخاصة وهي نبوة الخاتم صلى الله عليه واله , كما سوف يبينه المصنف بعد البحث بالنبوة العامة ,وعليه تكون النبوة العامة محور لمن أراده الله تعالى ان يتصف بها مستجمعة لعدة امور , منها العصمة , الافضلية ,والاعلمية وهكذا .
الامر الثاني : ان النبوة هي سفارة ربانية ,والمقصود ان معنى كلمة نبوة من النبأ الذي يتنبأ من الله تعالى ثم يرسله الى الناس فسمية بالسفير من هذا المعنى ,ويبدو ان الفرق بين النبي والرسول ان الرسول في حالة تلقي العلوم من الله تعالى او الملك يسمى نبي ,ومن حيث انه يبلغ ما تنبأ به يسمى رسول ,والنسبة بينها حينئذٍ تكون كل رسول نبي وليس كل نبي رسول .
الامر الثالث : ماهو دليل لزوم بعث الانبياء؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال نود الاشارة الى انه سوف نبحث قريبا ان شاء الله تعالى في ثلاثة مباحث :
الاول : دليل لزوم بعث الانبياء ونعني به ماهو الدليل على ان الله تعالى بعث الانبياء .
الثاني : ماهو الدليل صدق مدعي النبوة , اي ماهو الدليل على ان هذا المرسل هو نبي ,وهذا ماسوف نبحثه في عقيدتنا في معجزة الانبياء .
الثالث : ماهو الدليل على عصمة الانبياء , اي بعد ان بان ان الله تعالى بعث الانبياء وكونهم اصحاب معاجز ,ماهو الدليل على انهم معصومون .
اذن الجواب سوف يكون على الاول , هو اللطف على مايأتي قريبا ان شاء الله .
وعلى الثاني سوف يكون المعجزة , وعلى الثالث الدليل العقلي الذي ساقه المصنف كما سوف يأتي في محله ان شاء الله تعالى ,وعليه يتضح ما افصح عنه المصنف في قوله ره : ونعتقد: أنّ قاعدة اللطف ـ على ما سيأتي معناها ـ توجب أن يبعث الخالق ـ اللطيف بعباده ـ رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الاصلاحية .
النبوّة لطف
س32 ماهي قاعدة اللطف التي بينها المصنف في مطلبه النبوة لطف ؟
الجواب :هذا شروع من الماتن ره في بيان الدليل الدال على لزوم بعث الانبياء ع ,الا وهو اللطف ولبيان ما افادة المصنف ره نشرع ببيان مقدماته التي اسسها المصنف وهي :
المقدمة الاولى : إنّ الانسان مخلوق غريب الاطوار، معقَّد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيّته وفي عقله، بل في شخصية كلّ فرد من أفراده، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة، وبواعث الخير والصلاح من جهة أخرى فمن جهة: قد جبل على العواطف والغرائز من حب النفس والهوى والاثرة وإطاعة الشهوات، وفطر على حب التغلُّب والاستطالة والاستيلاء على ما سواه، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها، كما قال تعالى: (إنَّ الانسَانَ لَفِي خُسْر)، و (إنّ الانسَانَ لَيَطْغى أن رآهُ استَغنَى)...المقصود من هذه المقدمة ان سبب اختلاف انسان عن انسان ليس هو عامل وراثي او عادة ,او البيئة (عامل مكاني) , نعم قد يؤثر ذلك سلبا او ايجابا على الفرد بل على المجتمع ككل , لكن ليكن في عين الاعتبار ان الله تعالى خلق له عقلا هاديا يرشده الى الخير والصلاح , فأذن عامل الاختلاف هو امر فطري ناتج من عملية التفكير المودوعة في خلقة الانسان مع قطع النظرعن ماهية التفكر .
المقدمة الثانية : ومن جهة ثانية, خلق الله تعالى فيه عقلاً هادياً يرشده إلى الصلاح ومواطن الخير، وضميراً وازعاً يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم,ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الانسانية مستعراً بين العاطفة والعقل، فمن يتغلِّب عقله على عاطفته كان من الاعلين مقاماً والراشدين في انسانيتهم والكاملين في روحانيتهم، ومن تقهره عاطفته كان من الاخسرين منزلة والمتردّين إنسانية والمنحدرين إلى رتبة البهائم,وأشد هذين المتخاصمين مراساً على النفس هي العاطفة وجنودها ,والمقصود من هذه المقدمة ان في نفس الانسان دوامة صراع داخلي , ومنشأ هذا التناحرـ على من هو المنتصر هل العقل وجنوده او الجهل وجنوده ـ هو مافطر عليه اولا من حب الانا وحب التكالب وغيرها من الغرائز, ونورانية العقل تنجلي وتبرز كعامل رادع لهذه الغرائز لمنع وصوله الى كمال الجهل , لكن ينبري هنا سؤال مهم في البين وهو , هل العقل لو خلي ونفسه قادر على انقاذ نفسه من الهلكى ويكون حرا في ما يرسمه ويراه على ما عليه الغرب الان ؟ يجيب المصنف ره قائلاً : على أنّ الانسان لقصوره وعدم اطّلاعه على جميع الحقائق وأسرار الاشياء المحيطة به والمنبثقة من نفسه، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضرّه وينفعه، ولا كل ما يسعده ويشقيه، لا فيما يتعلّق بخاصّة نفسه، ولا فيما يتعلّق بالنوع الانساني ومجتمعه ومحيطه، بل لا يزال جاهلاً بنفسه، ويزيد جهلاً أو إدراكاً لجهله بنفسه كلّما تقدّم العلم عنده بالاشياء الطبيعية والكائنات المادية.
المقدمة الثالثة : ان الانسان اذن بحسب ماتقدم هو في اشد الحاجة الى من يرشده وينير له الطريق ,بل من يوصله الى الطرق , قال المصنف ره : وعلى هذا، فالانسان في أشّد الحاجة ليبلغ درجات السعادة الى من ينصب له الطريق اللاحب، والنهج الواضح إلى الرشاد واتّباع الهدى ; لتقوى بذلك جنود العقل، حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللّدود اللجوج عندما يهيئ الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة.
المقدمة الرابعة : من هو المنقذ في لجاج هذا البحر المتلاطم من الفتن والوغول في الكدورات هل طبيعة الانسان المتمدن قادرة على انقاذ نفسه؟ , باعتبار ان درجة ثقافته عالية نوعا ما بحسب العوامل والظروف , ام الجاهل الغير متحضر؟ ,ام المكاشفة امام الاخرين واجتماع الناس على امر صلاحهم؟ ,نعم يمكن في الامر الثالث ذلك , لكن ليس على مستوى انقاذ النفس لما عرفت من ان الانسان ,بل في كل ماهية انسان مختلفة عن الاخرى ,وكما ترى انّا في اشد الحاجة الى انقاذ كل انسان من حيث نفسه وليس على مستوى البنى التحتية مثلاً . قال المصنف ره : ولاجل هذا يعسر على الانسان المتمدِّن المثقَّف ـ فضلاً عن الوحشي الجاهل ـ أن يصل بنفسه إلى جميع طريق الخير والصلاح، ومعرفة جميع ما ينفعه ويضّره في دنياه وآخرته، فيما يتعلَّق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ممّن هو على شاكلته وتكاشف معهم، ومهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس والاستشارات.
اي ولاجل ماتقدم من انه مفطور على ما بينه, وان دوامة الصراع ما تزال قائمة,و في معركة عارمة ,فيحتاج الى من ينقذه .
اذن لابد على اللطيف الخبير ان يبعث الانبياء التي لاتتغير قوانينهم ولا يعتريها الشك من كون عصمتهم فالنتيجة اذن على ماقاله المصنف ره : فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفاً بهم (رَسُولاً مِنهُم يَتلوُا عَلَيهِم ءايتهِ وَيُزكِّيهِم ويُعلّمُهُمُ الكِتَابَ والحِكمَةَ)، وينذرهم عمّا فيه فسادهم، ويبشّرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم,وإنّما كان اللطف من الله تعالى واجباً، فلانّ اللطف بالعباد من كماله المطلق، وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم، فإذا كان المحل قابلاً ومستعداً لفيض الجود واللطف، فإنّه تعالى لابد أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته، ولا نقص في جوده وكرمه, وليس معنى الوجوب هنا أنّ أحداً يأمره بذلك فيجب عليه أن يطيع، تعالى عن ذلك، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك: إنّه واجب الوجود، أي: اللزوم واستحالة الانفكاك.
يبين المصنف ره ان لابد من وجوب ذلك على الله تعالى ,لكن نبه على ان الوجوب ليس بمعنى انه مكلف ومأمور ,بل ان الوجوب هنا عقلي وهو من كتب ذلك على نفسه ولا ينفك عنه لانه صفته الدائمة الجارية على مر العصور , لا كما فهمه الاشاعرة من كون لا يجب شيء على الله تعالى من جهة انه لا سلطان على الله تعالى ,نعم نحن ايضا نقول بذلك ,لكن لانقصد بالوجوب الا الوجوب بحسب ماتعبدنا الله تعالى في العقل وهو سيد العقلاء وخالق العقل , كما تقول انه واجب الوجود ,اي ان وجود الله تعالى واجب ,وليس انه من الممكن ان يوجد ,اي يستحيل ان ينفك عن ذاته الوجود فهو موجود ابدا ,فكذا اللطف انه واجب من باب انه لا ينفك عن ذاته تبارك وتعالى ففهم .
س24 : ماهو البداء ؟
الجواب : تعريف البداء : البداء في اللغة معناه الظهور او الابانة من بدا اي ظهر لي كذا اي بدا لي, او تجلى بعد ان كان خافياً .
واما اصطلاحاً : فيطلق على معنيين
الاول : الظهور بعد الخفاء او الوضوح او التجلي
الثاني : العلم بعد الجهل او ان يبدي للانسان بشيء لم يكن سابقاً عنده
اما الامر الاول الظهور بعد الخفاء فممكن حمله على الله تعالى بأعتبار انه اخفى الاشياء عنا ثم اظهرها من باب التسامح , واما الامر الثاني فهو من المستحيل عليه تعالى, لاستلزامه الجهل وهو محال في حقه تعالى .
س 25 : قال المصنف ره : غير أنّه وردت عن أئمتنا الاطهار (عليهم السلام) روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدِّم، كما ورد عن الصادق (عليه السلام): «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» بين مراد المصنف ره ؟
الجواب : شرع الماتن ره في بيان الايهام الذي توهمه غيرنا من المذاهب على ان الشيعة تنسب الجهل الى الله تعالى ,تعالى الله عنه الروايات التي وردت في المقام ظاهرها ان الله تعالى كان لا يعلم ثم بدا له العلم ,ومنها مانقله المصنف انفاً في قضية اسماعيل الولد الاكبر للامام الصادق عليه السلام من اخترامه , حيث حصل النزاع عند اتباعه في انه هو الامام بعد ابيه الصادق ع ,ثم اخترمه الموت حتى قال الامام الصاق ع مابدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل ابني ,لانه اعظم بداء حيث النزاع كان عن مقام الامامة واخترامه كان محل سد النزاع على تلك الخصوم , والسؤال هل كان الله تعالى لا يعلم بمحل النزاع سابقا ثم علم حتى اخترمه فيما بعد؟ ام كان يعلم من اول الامر ؟ الجواب قطعا يعلم من اول الامر لكن الله تعالى ليري رحمته وعظمته في سد الخصوم والنزاعات على القوم ,فكان البداء رحمة اللهية عظمى في ذلك الامر الخطير.
س26 : والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: (يَمحُوا اللهُ ما يَشَآءُ ويُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ) بين كلام المصنف ره من هذه الاية ؟
الجواب : هذه الاية تشير الى ان الله تعالى ينزَّل الامر من عنده على نحو التدرج ويخفي الله تعالى علمه على الاخرين حفاظا على النظام ,ان الله تعالى يعلم حقائق الاشياء والامر المترتب عليها ,لكن بلحاظنا نحن تكون على نحو البداء ,امثلة على ذلك :
الاول : لو علم الانسان من اول الامر ان الله تعالى يشفيه في يوم كذا هل يحتاج الى الدعاء بالشفاء حينئذٍ ؟.
الثاني : لو علم المجرم انه لا يدخل الجنة وان استحقاقه للنار لا محال هل كان بمقدوره ان يقبل على التوبة ؟
الثالث : لو علم الانسان من اول الامر ان عمره كذا هل يحتاج حينئذٍ الى صلة الرحم ليطول عمره ؟.
الرابع : لو يعلم الانسان بعواقب الامور هل يعمل على وفق مقتضياتها ام يختل نظام الحياة ؟ .
ومن هنا نعلم عظمة ورحمة البداء الالهي في كل شيء ,فانه تعالى عنده لوحين من العلم .
الاول : اللوح المحفوظ الذي لا يعتريه التبديل ولا التغيير .
الثاني : وهو نفس الاول ,لكن بلحاظ نزوله تدريجيا يسمى المحو والاثبات فتدبر جيدا
س27 :قال المصنف ره : وقرب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل نسخ بعض الاحكام التي جاء بها بيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم). بين كلام المصنف ره ؟
الجواب : قلنا سابقا ان البداء على الله تعالى هو من قبيل التجوز بأعتبار ان نزول الفيض تدريجيا وحصول عواقب الامر تدريجيا نصطلح عليه بالبداء ,والسؤال هل ان نسخ الشرائع السابقة كانت فاسدة حتى ينسخها في غير زمن ؟, وهل بعض الاحكام في زمن الاسلام يدل على انه والعياذ بالله غافلا عن المصلحة ثم بدا له بداء ندامة؟ .
الجواب قطعا لا يمكن حمله على هذا المحمل ,لاستلزامه الجهل عليه وهو محال ,وانما يراعي سبحانه المصلحة ,وليظهر رحمته وتسامحه مع الناس والاجيال ويتنازل وهو اللطيف الخبير ليعطي انطباع عن ان شريعته سمحاء ببركة البداء , ولهذا قال الشيخ ره : وقرب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبيّنا .
عقيدتنا في أحكام الدين
س28 : نعتقد: أنّه تعالى جعل أحكامه ـ من الواجبات والمحرّمات وغيرهما ـ طبقاً لمصالح العباد في نفس أفعالهم، فما فيه المصلحة الملزمة جعله واجباً، وما فيه المفسدة البالغة نهى عنه، وما فيه مصلحة راجحة ندبنا إليه,وهكذا في باقي الاحكام، وهذا من عدله ولطفه بعباده. بين كلام الماتن ره ؟
الجواب : شرع المصنف ره في هذا المطلب الى بيان الامر الثالث الذي يتفرع على العدل اللهي حيث تقدم سابقا الكلام حول عقيدتنا بالقضاء والقدر والبداء وهذه المطالب كلها متفرعة عن هذه العقيدة اعني العدل , ان الاحكام الشرعية الخمسة من الوجوب والحرمة والاستحباب و الكراهة والإباحة مشرعة طبق عدله وحكمته تعالى بيان ذلك : انه تعالى نظرا الى طبق مصالح العباد يرى المولى تعالى ان ما فيه المصلحة ضرورية وشديدة يجب ان يكون فرضا وما فيه المفسدة البالغة من الضرر يجب ان يكون محرما ,ولمزيد من البيان علينا بهذا السبر والتقسيم :
ان الفعل اما ان يكون فيه مصلحة ملزمة او لا ,و الاول هو الواجب ,والثاني اما مع جواز فعله ,او لا ,الثاني هو الحرام ,والاخر اما المصلحة راجحة او لا ,الثاني المستحب ,والاخر اما مرجوحة او لا راجحة ولا مرجوحة ,الاول المكروه والثاني المباح ,وهذا وان انسد باب العلم علينا في معرفة الاحكام لبعض الامور والمصاديق الا انا نعلم اجمالا ما من واقعة الا ولها حكم واقعي وان كنا نجهله بعينه قال الشيخ المظفر ره : ولابدّ أن يكون له في كل واقعة حكم، ولا يخلو شيء من الاشياء من حكم واقعي لله فيه، وإن انسدَّ علينا طريق علمه.
س29 : ونقول أيضاً: إنّه من القبيح أن يأمر بما فيه المفسدة، أو ينهى عمّا فيه المصلحة,غير أنّ بعض الفرق من المسلمين يقولون: إنّ القبيح ما نهى الله تعالى عنه، والحسن ما أمر به، فليس في نفس الافعال مصالح أو مفاسد ذاتية، ولا حسن أو قبح ذاتيان، وهذا قول مخالف للضرورة العقلية,كما أنّهم جوَّزوا أن يفعل الله تعالى القبيح فيأمر بها فيه المفسدة، وينهى عمّا فيه المصلحة. وقد تقدَّم أنّ هذا القول فيه مجازفة عظيمة، وذلك لاستلزامه نسبة الجهل أو العجز إليه سبحانه، تعالى علواً كبيراً . بين كلام الماتن ره ؟
الجواب : للاجابة عما عرضه المصنف لابد من بيانه في النقاط التالية :
النقطة الاولى : قوله ره :غير ان بعض المسلمين ... المقصود منهم هم الاشاعرة حيث زعموا ان الله تعالى من الجائز عليه ان يفعل الظلم وينهى عن الحسن ,لانه لاسلطان على الله تعالى حتى العقل ,ولا نقول بالوجوب العقلي لانه لايجب على الله تعالى شيء ,وهؤلاء فهموا من الوجوب على الله تعالى انه كالوجوب الشرعي وهذا الزعم لا قائل به ابدا انما الكلام في ان الله تعالى قد تعبدنا بالعقول فنحن والعقل الذي تعبدنا الله تعالى به فما اوجبه العقل من المؤكد يوجبه المولى تعالى كيف لا وهو سيد العقلاء وهو من خلق العقل على هذا النمط من التحليل .
النقطة الثانية : زعم الأشعري ان الحكام الشرعية المتقدمة ليس فيها مصالح ولا مفاسد ذاتية ,وهذا مايحتاج الى بيانه في مقدمتين :
المقدمة الاولى : ان المصلحة الذاتية او المفسدة الذاتية ,معناها ان الفعل ملازم لماهية الحسن ان كان حسنا , وان كان الفعل فاسد فلابد ان يحتوي على مفسدة من صميمة مندكة فيه ملازمة له ,لكن الأشعري زعم ان هذه الملازمات ممكن التفكيك بينها فممكن ان نرى الافعال الذميمة من دون ملاحظة المفسدة كما لو رأينا حالة سرقة فلا يمكن للعقل ان يحكم انها قبيحة ! وممكن ان نرى الصدق من دون الحكم عليه انه حسن في ذاته !
المقدمة الثانية : ان هذا القول مبني على إنكار الحسن والقبح العقلي ,أي ان العقل لا استقلالية له على حسن الاشياء وقبحها بل الشارع المقدس هو من يحكم بذلك , وفيه انا نجد من أنفسنا ان سيرة العقلاء متفقة على حسن الصدق وقبح الكذب حتى من لا ينتحل دينا فانه يحكم من نفسه انها امور حسنة ,أو قبيحة فلو كان ما زعمتم به وهو ان الحكم للشارع فكيف بمن لا ينتحل دينا أصلا ؟ قال الشيخ المظفر ره : وهذا قول مخالف للضرورة العقلية.
النقطة الثالثة : قوله ره: وقد تقدَّم أنّ هذا القول فيه مجازفة عظيمة، وذلك لاستلزامه نسبة الجهل أو العجز إليه سبحانه . قد مر بيان ذلك في عقيدتنا بالعدل على ماذكرنا هنالك فراجع .
س30 : والخلاصة: أنّ الصحيح في الاعتقاد أن نقول: إنّه تعالى لامصلحة له ولا منفعة في تكليفنا بالواجبات ونهينا عن فعل ما حرَّمه، بل المصلحة والمنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف، ولامعنى لنفي المصالح والمفاسد في الافعال المأمور بها والمنهي عنها، فإنّه تعالى لايأمر عبثاً ولاينهى جزافاً، وهو الغني عن عباده . بين كلام المصنف ره ؟
الجواب : قبل الجواب عن هذا المطلب نود الاشارة الى انه تقدم لدينا مطلبان الاول تقسيم الاحكام الشرعية ,وكونها متفرعة عن عدله تعالى ,والمطلب الثاني زعم الاشاعرة وانكارهم للمصلحة الذاتية , بعد ذلك شرع المصنف ره في بيان المطلب الثالث , وهو عبارة عن سؤال هل الله تعالى يفعل الافعال لغرض ام من دون غاية وغرض ؟
الجواب : زعمت الاشاعرة ان الله تعالى لا يفعل لغرض ,واستدلوا على ذلك :
ان الله تعالى غني بذاته ,والغني بذاته لا يفعل الافعال لغرض, فلو فعل الافعال لغرض ,لكان مستكملا بذلك الغرض ,وقد ثبت ان الله غني فلا يفعل لغرض .
وهذا الدليل فاسد لوجهين :
الاول : انه لِمَ لا يكون الباري يفعل الافعال لغرض ويكون الغرض عائدا الى العبد لا الفاعل وهو الله تعالى فلا يكون مستكملا به.
الثاني : من الذي حكم على ان الله تعالى لا يفعل لغرض هل العقل ام الشرع ؟
فان كان العقل, فقد التزمتم انه لا قابلية له على الحكم بالحسن والقبح ,وان كان الشرع هو من حكم بذلك (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) .
عقيدنا في النبوّة
س31 : نعتقد: أنّ النبوّة وظيفة إلهية وسفارة ربّانية، يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في إنسانيّتهم، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والاخرة... ونعتقد: أنّ قاعدة اللطف ـ على ما سيأتي معناها ـ توجب أن يبعث الخالق ـ اللطيف بعباده ـ رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الاصلاحية ...[ بين كلام المصنف ره] ؟
الجواب : هذا شروع من الماتن في الفصل الثاني من هذا الكتاب حيث ابتدأ المصنف في مباحث التوحيد ثم ما يتعلق بالعدل الى ان وصل المقام الى النبوة ,ولتوضيح المطلب لابد من الشروع بعدة امور :
الامر الاول : ان النبوة تنقسم الى قسمين النبوة العامة والنبوة الخاصة , والمقصود من العامة هي ما تبحث عن مطلق النبوة مع غض النظر عمن يتصف بها فالكلام فيها يكون عن ذلك المقام اللهي الذي اعطاه لبشر خاص ليؤدي ماعليه من التكاليف والقوانين الالهية للناس بغية تحقيق سعادة الدارين ,واما النبوة الخاصة ,هي ما يكون البحث فيها بخصوص نبي خاص ,ونحن في زماننا نبحث عن النبوة الخاصة وهي نبوة الخاتم صلى الله عليه واله , كما سوف يبينه المصنف بعد البحث بالنبوة العامة ,وعليه تكون النبوة العامة محور لمن أراده الله تعالى ان يتصف بها مستجمعة لعدة امور , منها العصمة , الافضلية ,والاعلمية وهكذا .
الامر الثاني : ان النبوة هي سفارة ربانية ,والمقصود ان معنى كلمة نبوة من النبأ الذي يتنبأ من الله تعالى ثم يرسله الى الناس فسمية بالسفير من هذا المعنى ,ويبدو ان الفرق بين النبي والرسول ان الرسول في حالة تلقي العلوم من الله تعالى او الملك يسمى نبي ,ومن حيث انه يبلغ ما تنبأ به يسمى رسول ,والنسبة بينها حينئذٍ تكون كل رسول نبي وليس كل نبي رسول .
الامر الثالث : ماهو دليل لزوم بعث الانبياء؟ قبل الاجابة عن هذا السؤال نود الاشارة الى انه سوف نبحث قريبا ان شاء الله تعالى في ثلاثة مباحث :
الاول : دليل لزوم بعث الانبياء ونعني به ماهو الدليل على ان الله تعالى بعث الانبياء .
الثاني : ماهو الدليل صدق مدعي النبوة , اي ماهو الدليل على ان هذا المرسل هو نبي ,وهذا ماسوف نبحثه في عقيدتنا في معجزة الانبياء .
الثالث : ماهو الدليل على عصمة الانبياء , اي بعد ان بان ان الله تعالى بعث الانبياء وكونهم اصحاب معاجز ,ماهو الدليل على انهم معصومون .
اذن الجواب سوف يكون على الاول , هو اللطف على مايأتي قريبا ان شاء الله .
وعلى الثاني سوف يكون المعجزة , وعلى الثالث الدليل العقلي الذي ساقه المصنف كما سوف يأتي في محله ان شاء الله تعالى ,وعليه يتضح ما افصح عنه المصنف في قوله ره : ونعتقد: أنّ قاعدة اللطف ـ على ما سيأتي معناها ـ توجب أن يبعث الخالق ـ اللطيف بعباده ـ رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الاصلاحية .
النبوّة لطف
س32 ماهي قاعدة اللطف التي بينها المصنف في مطلبه النبوة لطف ؟
الجواب :هذا شروع من الماتن ره في بيان الدليل الدال على لزوم بعث الانبياء ع ,الا وهو اللطف ولبيان ما افادة المصنف ره نشرع ببيان مقدماته التي اسسها المصنف وهي :
المقدمة الاولى : إنّ الانسان مخلوق غريب الاطوار، معقَّد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيّته وفي عقله، بل في شخصية كلّ فرد من أفراده، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة، وبواعث الخير والصلاح من جهة أخرى فمن جهة: قد جبل على العواطف والغرائز من حب النفس والهوى والاثرة وإطاعة الشهوات، وفطر على حب التغلُّب والاستطالة والاستيلاء على ما سواه، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها، كما قال تعالى: (إنَّ الانسَانَ لَفِي خُسْر)، و (إنّ الانسَانَ لَيَطْغى أن رآهُ استَغنَى)...المقصود من هذه المقدمة ان سبب اختلاف انسان عن انسان ليس هو عامل وراثي او عادة ,او البيئة (عامل مكاني) , نعم قد يؤثر ذلك سلبا او ايجابا على الفرد بل على المجتمع ككل , لكن ليكن في عين الاعتبار ان الله تعالى خلق له عقلا هاديا يرشده الى الخير والصلاح , فأذن عامل الاختلاف هو امر فطري ناتج من عملية التفكير المودوعة في خلقة الانسان مع قطع النظرعن ماهية التفكر .
المقدمة الثانية : ومن جهة ثانية, خلق الله تعالى فيه عقلاً هادياً يرشده إلى الصلاح ومواطن الخير، وضميراً وازعاً يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم,ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الانسانية مستعراً بين العاطفة والعقل، فمن يتغلِّب عقله على عاطفته كان من الاعلين مقاماً والراشدين في انسانيتهم والكاملين في روحانيتهم، ومن تقهره عاطفته كان من الاخسرين منزلة والمتردّين إنسانية والمنحدرين إلى رتبة البهائم,وأشد هذين المتخاصمين مراساً على النفس هي العاطفة وجنودها ,والمقصود من هذه المقدمة ان في نفس الانسان دوامة صراع داخلي , ومنشأ هذا التناحرـ على من هو المنتصر هل العقل وجنوده او الجهل وجنوده ـ هو مافطر عليه اولا من حب الانا وحب التكالب وغيرها من الغرائز, ونورانية العقل تنجلي وتبرز كعامل رادع لهذه الغرائز لمنع وصوله الى كمال الجهل , لكن ينبري هنا سؤال مهم في البين وهو , هل العقل لو خلي ونفسه قادر على انقاذ نفسه من الهلكى ويكون حرا في ما يرسمه ويراه على ما عليه الغرب الان ؟ يجيب المصنف ره قائلاً : على أنّ الانسان لقصوره وعدم اطّلاعه على جميع الحقائق وأسرار الاشياء المحيطة به والمنبثقة من نفسه، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضرّه وينفعه، ولا كل ما يسعده ويشقيه، لا فيما يتعلّق بخاصّة نفسه، ولا فيما يتعلّق بالنوع الانساني ومجتمعه ومحيطه، بل لا يزال جاهلاً بنفسه، ويزيد جهلاً أو إدراكاً لجهله بنفسه كلّما تقدّم العلم عنده بالاشياء الطبيعية والكائنات المادية.
المقدمة الثالثة : ان الانسان اذن بحسب ماتقدم هو في اشد الحاجة الى من يرشده وينير له الطريق ,بل من يوصله الى الطرق , قال المصنف ره : وعلى هذا، فالانسان في أشّد الحاجة ليبلغ درجات السعادة الى من ينصب له الطريق اللاحب، والنهج الواضح إلى الرشاد واتّباع الهدى ; لتقوى بذلك جنود العقل، حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللّدود اللجوج عندما يهيئ الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة.
المقدمة الرابعة : من هو المنقذ في لجاج هذا البحر المتلاطم من الفتن والوغول في الكدورات هل طبيعة الانسان المتمدن قادرة على انقاذ نفسه؟ , باعتبار ان درجة ثقافته عالية نوعا ما بحسب العوامل والظروف , ام الجاهل الغير متحضر؟ ,ام المكاشفة امام الاخرين واجتماع الناس على امر صلاحهم؟ ,نعم يمكن في الامر الثالث ذلك , لكن ليس على مستوى انقاذ النفس لما عرفت من ان الانسان ,بل في كل ماهية انسان مختلفة عن الاخرى ,وكما ترى انّا في اشد الحاجة الى انقاذ كل انسان من حيث نفسه وليس على مستوى البنى التحتية مثلاً . قال المصنف ره : ولاجل هذا يعسر على الانسان المتمدِّن المثقَّف ـ فضلاً عن الوحشي الجاهل ـ أن يصل بنفسه إلى جميع طريق الخير والصلاح، ومعرفة جميع ما ينفعه ويضّره في دنياه وآخرته، فيما يتعلَّق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ممّن هو على شاكلته وتكاشف معهم، ومهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس والاستشارات.
اي ولاجل ماتقدم من انه مفطور على ما بينه, وان دوامة الصراع ما تزال قائمة,و في معركة عارمة ,فيحتاج الى من ينقذه .
اذن لابد على اللطيف الخبير ان يبعث الانبياء التي لاتتغير قوانينهم ولا يعتريها الشك من كون عصمتهم فالنتيجة اذن على ماقاله المصنف ره : فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفاً بهم (رَسُولاً مِنهُم يَتلوُا عَلَيهِم ءايتهِ وَيُزكِّيهِم ويُعلّمُهُمُ الكِتَابَ والحِكمَةَ)، وينذرهم عمّا فيه فسادهم، ويبشّرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم,وإنّما كان اللطف من الله تعالى واجباً، فلانّ اللطف بالعباد من كماله المطلق، وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم، فإذا كان المحل قابلاً ومستعداً لفيض الجود واللطف، فإنّه تعالى لابد أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته، ولا نقص في جوده وكرمه, وليس معنى الوجوب هنا أنّ أحداً يأمره بذلك فيجب عليه أن يطيع، تعالى عن ذلك، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك: إنّه واجب الوجود، أي: اللزوم واستحالة الانفكاك.
يبين المصنف ره ان لابد من وجوب ذلك على الله تعالى ,لكن نبه على ان الوجوب ليس بمعنى انه مكلف ومأمور ,بل ان الوجوب هنا عقلي وهو من كتب ذلك على نفسه ولا ينفك عنه لانه صفته الدائمة الجارية على مر العصور , لا كما فهمه الاشاعرة من كون لا يجب شيء على الله تعالى من جهة انه لا سلطان على الله تعالى ,نعم نحن ايضا نقول بذلك ,لكن لانقصد بالوجوب الا الوجوب بحسب ماتعبدنا الله تعالى في العقل وهو سيد العقلاء وخالق العقل , كما تقول انه واجب الوجود ,اي ان وجود الله تعالى واجب ,وليس انه من الممكن ان يوجد ,اي يستحيل ان ينفك عن ذاته الوجود فهو موجود ابدا ,فكذا اللطف انه واجب من باب انه لا ينفك عن ذاته تبارك وتعالى ففهم .