بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن من أعظم دلائل صدق القرآن الكريم، واقعية نهجه، وموضوعية تناوله للقضية الدينية في حياة البشر.فمع تأكيد القرآن الجازم المدعّم بالأدلة والبراهين على حقانية الإسلام، وأنه وحده دين الله، وما عداه لن يقبله الله تعالى، ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... ﴾ 1، ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ 2، إلا أن القرآن يؤكد -إلى جانب ذلك- على حرية الإنسان في هذه الحياة، حيث ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ... ﴾ 3، ﴿ ... فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ... ﴾ 4، ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ 5.
وتقتصر مهمة الأنبياء في منطق القرآن على التبليغ والتذكير، وليس لأحد منهم ممارسة الفرض والهيمنة على الناس: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ 6 ، ﴿ ... وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ 7، ﴿ ... فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ... ﴾ 8.
وعلى النبي ألَّا ينزعج إذا لم يستجب الناس لدعوته، فهم يمارسون حقهم الطبيعي في الاختيار، ويتحملون مسؤولية أنفسهم أمام الله تعالى: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ 9،﴿ ... طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ ﴾ 10.
ويعترف القرآن بوجود أتباع الديانات الأخرى، إلى جانب وجود أتباعه المؤمنين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ 11.
ويوصي القرآن أتباعه بحسن التعامل مع المخالفين لهم في الدين، ما لم يكونوا معتدين: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ 12.ويلفت القرآن النظر إلى أن المسألة الدينية لا تخضع عند أبناء البشر في الغالب لمنطق الدليل والبرهان، وإنما تتأثر بالميول والانشدادات، وتعتريها حالات التعصب والعناد. يقول تعالى:﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ... ﴾ 13.
ويروّض القرآن الكريم نفوس المؤمنين ليتعايشوا مع واقع التنوع الديني، فهو قدر البشرية إلى يوم القيامة، فلا يتوهمنّ أحد بإمكانية الفصل والحسم بين الديانات في هذه الحياة الدنيا، إذ إنها مهمة مؤجلة إلى يوم القيامة، وتتم بين يدي الله سبحانه وتعالى: ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... ﴾ 11، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ 14، ﴿ ... إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ 15.
هذه الرؤية القرآنية تؤسس لنهج التعايش والتسامح بين أبناء البشر على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وتحمي أجواء السلم والوئام داخل المجتمعات المتنوعة الانتماءات، وبغياب هذه الرؤية الواقعية تقرع طبول الحروب الدينية، وتتوالى نُذُر صدام الحضارات، وتعاني المجتمعات من التمزق الداخلي والاحتراب المذهبي.
ومن المؤسف جدًّا أن تسود أجواء الصراع المذهبي والنزاع الطائفي في ساحة أمة يتلو أبناؤها مثل هذه الآيات من القرآن الكريم كل صبح ومساء ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ 16.
المصادر
1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 19، الصفحة: 52.
2. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 85، الصفحة: 61.
3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 256، الصفحة: 42.
4. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 29، الصفحة: 297.
5. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 99، الصفحة: 220.
6. القران الكريم: سورة الغاشية (88)، الآية: 21 و 22، الصفحة: 592.
7. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 6، الصفحة: 483.
8. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 48، الصفحة: 488.
9. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 3، الصفحة: 367.
10. القران الكريم: سورة طه (20)، من بداية السورة إلى الآية 3، الصفحة: 312.
11. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 17، الصفحة: 334.
12. القران الكريم: سورة الممتحنة (60)، الآية: 8، الصفحة: 550.
13. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 145، الصفحة: 22.
14. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 25، الصفحة: 417.
15. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 164، الصفحة: 150.
16. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآية: 24، الصفحة: 509.
وتقتصر مهمة الأنبياء في منطق القرآن على التبليغ والتذكير، وليس لأحد منهم ممارسة الفرض والهيمنة على الناس: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ 6 ، ﴿ ... وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ 7، ﴿ ... فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ... ﴾ 8.
وعلى النبي ألَّا ينزعج إذا لم يستجب الناس لدعوته، فهم يمارسون حقهم الطبيعي في الاختيار، ويتحملون مسؤولية أنفسهم أمام الله تعالى: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ 9،﴿ ... طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ ﴾ 10.
ويعترف القرآن بوجود أتباع الديانات الأخرى، إلى جانب وجود أتباعه المؤمنين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ 11.
ويوصي القرآن أتباعه بحسن التعامل مع المخالفين لهم في الدين، ما لم يكونوا معتدين: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ 12.ويلفت القرآن النظر إلى أن المسألة الدينية لا تخضع عند أبناء البشر في الغالب لمنطق الدليل والبرهان، وإنما تتأثر بالميول والانشدادات، وتعتريها حالات التعصب والعناد. يقول تعالى:﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ... ﴾ 13.
ويروّض القرآن الكريم نفوس المؤمنين ليتعايشوا مع واقع التنوع الديني، فهو قدر البشرية إلى يوم القيامة، فلا يتوهمنّ أحد بإمكانية الفصل والحسم بين الديانات في هذه الحياة الدنيا، إذ إنها مهمة مؤجلة إلى يوم القيامة، وتتم بين يدي الله سبحانه وتعالى: ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... ﴾ 11، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ 14، ﴿ ... إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ 15.
هذه الرؤية القرآنية تؤسس لنهج التعايش والتسامح بين أبناء البشر على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وتحمي أجواء السلم والوئام داخل المجتمعات المتنوعة الانتماءات، وبغياب هذه الرؤية الواقعية تقرع طبول الحروب الدينية، وتتوالى نُذُر صدام الحضارات، وتعاني المجتمعات من التمزق الداخلي والاحتراب المذهبي.
ومن المؤسف جدًّا أن تسود أجواء الصراع المذهبي والنزاع الطائفي في ساحة أمة يتلو أبناؤها مثل هذه الآيات من القرآن الكريم كل صبح ومساء ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ 16.
المصادر
1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 19، الصفحة: 52.
2. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 85، الصفحة: 61.
3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 256، الصفحة: 42.
4. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 29، الصفحة: 297.
5. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 99، الصفحة: 220.
6. القران الكريم: سورة الغاشية (88)، الآية: 21 و 22، الصفحة: 592.
7. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 6، الصفحة: 483.
8. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 48، الصفحة: 488.
9. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 3، الصفحة: 367.
10. القران الكريم: سورة طه (20)، من بداية السورة إلى الآية 3، الصفحة: 312.
11. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 17، الصفحة: 334.
12. القران الكريم: سورة الممتحنة (60)، الآية: 8، الصفحة: 550.
13. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 145، الصفحة: 22.
14. القران الكريم: سورة السجدة (32)، الآية: 25، الصفحة: 417.
15. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 164، الصفحة: 150.
16. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآية: 24، الصفحة: 509.