بسم الله الرحمن الرحيم
واضح، بل معلوم ضرورةً، أنّ الذنوب التي يجترحها الإنسان -عن عمد- سبب تكويني لنزول البلاء بمعنى: المحنة والمصيبة، بل حتى عن غفلة وسهو.
والمصيبة -لغةً- هي: الفجيعة المؤلمة بفقدان عزيزٍ، من مال أو حميم ([1]).
قلت: الموت، والمرض الشديد؛ كالجنون وهلاك الأعضاء، ناهيك عن تسلّط الظالمين على الرقاب والأعراض والأموال، أبرز مصاديق المصيبة وفقدان ما هو عزيز وحميم، وهذه الأمور نتيجة تكوينيّة للذنوب، ولله تعالى المشيّة في خلقه إذا تابوا؛ فإنّه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت وبيده أمّ الكتاب.
ولقد أجمل القرآن هذا الأمر في قوله تعالى: )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير( ([2]).
وقوله سبحانه أيضاً: )أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (([3])
إنّ سبب كلّ المصائب والنوازل، هو ما يجترحه البشر من الذنوب عن عمد، والآية الكريمة تفيد العموم؛ لوقوع النكرة في سياق النفي، وقد تأيد هذا العموم بجملة من الآيات والأحاديث، منها قوله تعالى: )فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً( ([4]).
فتشير مجموع الآيات إلى أنّ سبب البلاء والمصيبة؛ كتضييق الله تعالى رزق الإنسان عليه، ونقصان الثمرات والأولاد والأمراض وتسلّط الظالمين على أهل الدين وغير ذلك، هو الذنوب، التي منها: منع حق اليتيم، وعدم إكرام الفقراء والمساكين؛ فيكون ما يصيب العبد من فقر وذل وإهانة؛ نتيجة لما ارتكبه من ذنب، وجزاء لفعله الإثم.
الزنا والعياذ بالله مثالاً
هذه بعض الآثار التكوينيّة لكبيرة الزنا الذي هو من أشدّ الذنوب العشرة المعروفة في الأديان، وأعراف الأنسان، والتي منها أيضاً: السرقة واللواط والكذب...؛ نسوقه من طرق الفريقين، كالآتي:
الأثر التكويني الأول: موت الفجأة.
روى الكليني بإسناده عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «وجدنا في كتاب علي عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا كثر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة» ([5]).
قال المجلسي الثاني 1 في المرآة: صحيح ([6]).
وقال والده، المجلسي الأوّل 1 في الروضة: صحيح ([7]).
ورواه أهل السنّة بلفظ مقارب، أخرجه الحاكم (405هـ) بإسناده عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: «إذا بخس الميزان حبس القطر، وإذا كثر الزنا كثر القتل ووقع الطاعون، وإذا كثر الكذب كثر الهرج» هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
قال الذهبي في تلخيصه: صحيح على شرط البخاري ومسلم ([8]).
قلت: وهو نصٌ صريح، أنّ كبيرة الزنا تورث -تكويناً- موت الفجأة أو القتل.
الأثر الثاني: محق الرزق.
روى الكليني بإسناده عن علي بن سالم قال: قال أبو إبراهيم عليه السلام: «اتق الزنا؛ فإنّه يمحق الرزق و يبطل الدين» ([9]).
قال المجلسي الأوّل 1في الروضة: موثق كالصحيح ([10]).
قلت: أبو إبراهيم، كنية إمامنا الكاظم صلوات الله عليه.
الأثر الثالث: زنا نساء الزاني؛ كما تدين تدان.
وروى الكليني بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «أما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء، أن يبتلوا بذلك في نسائهم» ([11]).
قال المجلسي الثاني 1 في المرآة: حسن ([12]).
وروى الكليني أيضاً عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أبي العباس الكوفي..
وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن عمرو بن عثمان، عن عبد الله الدهقان، عن درست، عن عبد الحميد، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قال: رسول الله صلى الله عليه وآله: «تزوجوا إلى آل فلان؛ فإنّهم عفوا فعفت نساؤهم، ولا تزوجوا إلى آل فلان؛ فإنهم بغوا فبغت نساؤهم؛ وقال: مكتوب في التوراة: أنا الله قاتل القاتلين، ومفقر الزانين، أيّها النّاس، لا تزنوا فتزني نساؤكم، كما تدين تدان »([13]).
قال المجلسي الأوّل 1في الروضة: قويّ ([14]).
قلت: أصل الحديث حسن؛ لكثرة شواهده واستفاضته، بل شهرته.
بل قد رواه أهل السنة عن أبي هريرة، وجابر، وأمير المؤمنين علي 7.
وأخرج الحاكم في المستدرك بإسناده عن أبي رافع، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم...».
قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ([15]).
وقد رواه الكليني بلفظه بإسناده عن عبيد بن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «بروا آباءكم يبركم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعف نساؤكم» ([16]).
قال المجلسي الثاني في المرآة: ضعيف على المشهور ([17]).
قلت: الحديث بشهادة القرائن المعتبرة ثابت صحيح؛ فيكفي أنّ الأمّة تلقته بالقبول.
فهذه بعض الآثار التكوينيّة والكونيّة للزنا، وهي لا محالة واقعة في الخارج، متحققة في الوجود، وتبقى لله تعالى المشيّة فيمن تاب وآمن وعمل صالحاً من الزناة.
([1]) أنظر تهذيب الأزهري (ت: محمد عوض) 1: 246. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([2]) الشورى: 30.
([3]) آل عمران: 165.
([4]) الفجر: 15-20.
([5]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 541. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([6]) مرآة العقول 20: 386. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([7]) روضة المتقين (=شرح من لا يحضره الفقيه) 9: 441.
([8]) مستدرك الحاكم 4: 549. رقم: 8536. دار الكتب العلمية، بيروت.
([9]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 541. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([10]) روضة المتقين (=شرح من لا يحضره الفقيه) 9: 441.
([11]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 553. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([12]) مرآة العقول 20: 403. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([13]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 541. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([14]) روضة المتقين (=شرح من لا يحضره الفقيه) 9: 439.
([15]) مستدرك الحاكم 4: 170. رقم: 7258. دار الكتب العلمية، بيروت.
([16]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 541. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([17]) مرآة العقول 20: 403. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
واضح، بل معلوم ضرورةً، أنّ الذنوب التي يجترحها الإنسان -عن عمد- سبب تكويني لنزول البلاء بمعنى: المحنة والمصيبة، بل حتى عن غفلة وسهو.
والمصيبة -لغةً- هي: الفجيعة المؤلمة بفقدان عزيزٍ، من مال أو حميم ([1]).
قلت: الموت، والمرض الشديد؛ كالجنون وهلاك الأعضاء، ناهيك عن تسلّط الظالمين على الرقاب والأعراض والأموال، أبرز مصاديق المصيبة وفقدان ما هو عزيز وحميم، وهذه الأمور نتيجة تكوينيّة للذنوب، ولله تعالى المشيّة في خلقه إذا تابوا؛ فإنّه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت وبيده أمّ الكتاب.
ولقد أجمل القرآن هذا الأمر في قوله تعالى: )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير( ([2]).
وقوله سبحانه أيضاً: )أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (([3])
إنّ سبب كلّ المصائب والنوازل، هو ما يجترحه البشر من الذنوب عن عمد، والآية الكريمة تفيد العموم؛ لوقوع النكرة في سياق النفي، وقد تأيد هذا العموم بجملة من الآيات والأحاديث، منها قوله تعالى: )فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً( ([4]).
فتشير مجموع الآيات إلى أنّ سبب البلاء والمصيبة؛ كتضييق الله تعالى رزق الإنسان عليه، ونقصان الثمرات والأولاد والأمراض وتسلّط الظالمين على أهل الدين وغير ذلك، هو الذنوب، التي منها: منع حق اليتيم، وعدم إكرام الفقراء والمساكين؛ فيكون ما يصيب العبد من فقر وذل وإهانة؛ نتيجة لما ارتكبه من ذنب، وجزاء لفعله الإثم.
الزنا والعياذ بالله مثالاً
هذه بعض الآثار التكوينيّة لكبيرة الزنا الذي هو من أشدّ الذنوب العشرة المعروفة في الأديان، وأعراف الأنسان، والتي منها أيضاً: السرقة واللواط والكذب...؛ نسوقه من طرق الفريقين، كالآتي:
الأثر التكويني الأول: موت الفجأة.
روى الكليني بإسناده عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «وجدنا في كتاب علي عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إذا كثر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة» ([5]).
قال المجلسي الثاني 1 في المرآة: صحيح ([6]).
وقال والده، المجلسي الأوّل 1 في الروضة: صحيح ([7]).
ورواه أهل السنّة بلفظ مقارب، أخرجه الحاكم (405هـ) بإسناده عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: «إذا بخس الميزان حبس القطر، وإذا كثر الزنا كثر القتل ووقع الطاعون، وإذا كثر الكذب كثر الهرج» هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
قال الذهبي في تلخيصه: صحيح على شرط البخاري ومسلم ([8]).
قلت: وهو نصٌ صريح، أنّ كبيرة الزنا تورث -تكويناً- موت الفجأة أو القتل.
الأثر الثاني: محق الرزق.
روى الكليني بإسناده عن علي بن سالم قال: قال أبو إبراهيم عليه السلام: «اتق الزنا؛ فإنّه يمحق الرزق و يبطل الدين» ([9]).
قال المجلسي الأوّل 1في الروضة: موثق كالصحيح ([10]).
قلت: أبو إبراهيم، كنية إمامنا الكاظم صلوات الله عليه.
الأثر الثالث: زنا نساء الزاني؛ كما تدين تدان.
وروى الكليني بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «أما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء، أن يبتلوا بذلك في نسائهم» ([11]).
قال المجلسي الثاني 1 في المرآة: حسن ([12]).
وروى الكليني أيضاً عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أبي العباس الكوفي..
وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن عمرو بن عثمان، عن عبد الله الدهقان، عن درست، عن عبد الحميد، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قال: رسول الله صلى الله عليه وآله: «تزوجوا إلى آل فلان؛ فإنّهم عفوا فعفت نساؤهم، ولا تزوجوا إلى آل فلان؛ فإنهم بغوا فبغت نساؤهم؛ وقال: مكتوب في التوراة: أنا الله قاتل القاتلين، ومفقر الزانين، أيّها النّاس، لا تزنوا فتزني نساؤكم، كما تدين تدان »([13]).
قال المجلسي الأوّل 1في الروضة: قويّ ([14]).
قلت: أصل الحديث حسن؛ لكثرة شواهده واستفاضته، بل شهرته.
بل قد رواه أهل السنة عن أبي هريرة، وجابر، وأمير المؤمنين علي 7.
وأخرج الحاكم في المستدرك بإسناده عن أبي رافع، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم...».
قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ([15]).
وقد رواه الكليني بلفظه بإسناده عن عبيد بن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «بروا آباءكم يبركم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعف نساؤكم» ([16]).
قال المجلسي الثاني في المرآة: ضعيف على المشهور ([17]).
قلت: الحديث بشهادة القرائن المعتبرة ثابت صحيح؛ فيكفي أنّ الأمّة تلقته بالقبول.
فهذه بعض الآثار التكوينيّة والكونيّة للزنا، وهي لا محالة واقعة في الخارج، متحققة في الوجود، وتبقى لله تعالى المشيّة فيمن تاب وآمن وعمل صالحاً من الزناة.
([1]) أنظر تهذيب الأزهري (ت: محمد عوض) 1: 246. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([2]) الشورى: 30.
([3]) آل عمران: 165.
([4]) الفجر: 15-20.
([5]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 541. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([6]) مرآة العقول 20: 386. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([7]) روضة المتقين (=شرح من لا يحضره الفقيه) 9: 441.
([8]) مستدرك الحاكم 4: 549. رقم: 8536. دار الكتب العلمية، بيروت.
([9]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 541. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([10]) روضة المتقين (=شرح من لا يحضره الفقيه) 9: 441.
([11]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 553. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([12]) مرآة العقول 20: 403. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([13]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 541. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([14]) روضة المتقين (=شرح من لا يحضره الفقيه) 9: 439.
([15]) مستدرك الحاكم 4: 170. رقم: 7258. دار الكتب العلمية، بيروت.
([16]) الكافي (ت: علي غفاري) 5: 541. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.
([17]) مرآة العقول 20: 403. دار الكتب الإسلاميّة، طهران.