بسم الله الرحمن الرحيم
النورية : هذا اللقب الشريف النوراني معروف مشهور بين الملائكة وسكان السماوات في حق فاطمة صلوات الله عليها مثل « المنصورة »، وقد عده العلامة المجلسي ( رحمه الله ) في ألقابها المكرمة المفخمة ، وقال « ويقال لها في السماء النورية السماوية » .
وبديهي أن الأنوار الإلهية - بكلياتها - تتجلى لسكان السماوات من العالم الأعلى ، ومع ذلك عرفت عندهم هذه المرأة - وهي من جنس البشر - بهذا اللقب واشتهرت بهذه الصفة ، وفي هذا دليل على عظمة هذه الذات المقدسة ونورانية هذه الحقيقة وشرافتها . والنور من أسماء الله الحسنى ومن إشراقات جلال الحق وسبحات جماله .
وفي الدعاء : « أنت نور السماوات والأرض » أي منورها ومدبرها بحكمة بالغة . وقيل في تعريف النور : « والنور كيفية ظاهرة بنفسها ، مظهرة لغيرها » . وقيل أيضا : « كيفية تدركها الباصرة وبها تدرك المبصرات ، مثل فيضان وإشراق الشمس والقمر على الأجرام الكثيفة المحاذرة لها ، والنور نقيض الظلمة ، وجمعه أنوار ، ومصدره على وزن تفعيل « تنوير » . وقد عبر غالبا عن الوجود الشريف للنبي ( صلى الله عليه وآله ) والولي ( عليه السلام ) في القرآن وفي الحديث ب « النور » بلحاظ آياتهم الباهرة ودلالاتهم الظاهرة . وغالبا ما يكون المراد من التعبير بالنور الهداية والدلالة ، كما ورد في تفسير آية النور ، وهو معنى جامع واضح ، لأن كافة البريات تبحث عن النور في الظلمات وتطلب الهداية ، فإذا أدركوا النور وشملتهم الهداية وصلوا إلى الهدف ونالوا المقصود وفازوا بالمراد ، ويشهد لذلك قوله تعالى ( يهدي الله لنوره من يشاء ) . وهو معنى « أن النور مظهر لغيره » أي أنه الهداية والدلالة ، ويشهد له الحديث الذي سيأتي في خصيصة أخرى وفي خلق القنديل وتعليقه في ذروة السماء وكشف الظلمة به وهدايته الملائكة بنوره ، ومنه يعرف علة تسمية المخدرة الكبرى بالنورية السماوية . وعلى ما هو المعلوم ، فإن أئمة الدين ( عليهم السلام ) كانوا ينشرحون ويسرون لهذا اللقب ، ويفرحون بهذه النسبة التي تصدق في الحقيقة في حق كل واحد منهم . ولقد اشتهر على ألسنة فضلاء العصر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لكعب بن زهير الشاعر لما مدحه بقصيدته التي اعتذر إليه فيها : قال النبي ( صلى الله عليه وآله) : قل : « إن النبي لنور يستضاء به » . وقيل إن كعبا قال : « مهند من سيوف الهند مسلول » فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « من سيوف الله مسلول » . والسيف الهندواني أفضل السيوف بترا وقطعا ولمعانا وبريقا ، فإن صح ذلك فهو أفضل مما قاله كعب وأكثر معنوية ، فالسيف مشتق من « ساف » بمعنى الهلاك ، يقال : ساف ماله أي هلك ، والسيف سبب الهلاك ، فكأنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : إني لم آت للهلاك ، ولست من أهل الغضب والقهر ، بل بعثت رحمة وهدى كباقي الأنبياء ، فهم أيضا أنوار إلهية مضيئة . وقيل : التعبير بالسيف إستعارة ، ووصفه بالمهند لبريقه ولمعانه النافع في الإستضائة والهداية بنور الحق ، فإن كان كذلك ، فالتعبير ب « النور » أقوى وأجلى ، وإذا قيل : أن البيت يجمع الغضب والرحمة بتقدير ضمير محذوف ، فيكون « هو المهند من سيوف الله » كان أملح ، ولكن الحذف خلاف الأصل كما قيل . وإني لم أجد خلال بحثي في شروح القصيدة وترجمتها تغيرا في المصرع الأول بالنحو المشهور ، وإنما وجدته في المصرع الثاني ، والإستضائة بالنور أولى من الإستضائة بالسيف ، ثم إن استعمال « سيف الله » في النبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله ) غير شائع ، بل المعروف أن « سيف الله المسلول » من الألقاب الشريفة لسلطان الأولياء صلوات الله عليه ، وسبب تلقيبه بذلك معلوم . وعلى أية حال فنورانية الزهراء ( عليها السلام ) كانت بأنحاء متعددة ، فهي لأهل السماوات بنحو ، ولأهل الأرض بنحو يختلف باختلاف الأوقات ، ولأمير المؤمنين ( عليه السلام ) بنحو آخر . أما لأهل السماوات فستأتي - إن شاء الله - عند الكلام عن أول خلقتها روايات معتبرة تنص على أنها كانت تزهر في محراب عبادتها كالكوكب الدري وكالنجم الساطع و . . . وقد ورد في تفسير أهل البيت ( عليهم السلام ) في قوله تعالى : ( كأنها كوكب دري ) أنها مأولة في فاطمة ، ولهذا سميت عند الملائكة بالنورية ، يشهد لذلك الأخبار . وأما لأهل الأرض ، فقد مر بيانه من أنها كانت تزهر لأهل المدينة بنور أبيض وأصفر وأحمر ، بل كانت الأنوار الساطعة من خواص تلك المحجوبة الكبرى ، حتى أن جماعة من اليهود اهتدوا وأسلموا لما رأوا نورها ( عليها السلام ) ، وهذا مما ثبت بالتحقيق . أما ما كان لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) فهو مما لا يمكن إنكاره ، وقد ورد في كتب الفريقين « أنها لعلي ( عليه السلام ) في أول النهار كالشمس الضاحية ، وفي وسط النهار كالقمر المنير ، وفي آخر النهار كالكوكب الدري » . ويمكن أن يقال في هذا المقام أن أهل السماوات لم يكن عندهم الاستعداد لمشاهدة نور تلك المخدرة بنحو الكمال ، فلم يروها من أول العمر إلى آخره إلا كوكبا دريا لا شمسا ولا قمرا ، أما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فكان يراها بنحو أكمل وأتم بالبصيرة الكاملة حسب الولاية الحقة والإتحاد الواقعي ، فكان يراها شمسا وقمرا وكوكبا دريا . وقد روى الفريقان في حديث التزويج أن جبرئيل هبط إلى خاتم المرسلين وقال : زوج النور من النور ، قال : من ممن ؟ قال : بنتك فاطمة من ابن عمك علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) . ومنه يعلم أن النور يطلق على المرأة بدون الحاق تاء التأنيث ، والمروي في كتب المناقب « النورية السماوية » ، ويقال للمرأة التقية الورعة « النور » أيضا . تنوير النور - في الحقيقة - ما ينور غيره ويظهره ، وإلا لم يدع نورا ، كالشمس والقمر والنجم والمصباح ، أما المرأة والماء والجواهر وأمثالها فلا يقال لها نور وإن كانت ظاهرة بذاتها . والله سبحانه نور يضيء السماوات والأرض بملائكته وعباده الصالحين . والنور على قسمين : ظاهر وباطن ; أما الظاهر : فمثل نور الشمس وغيرها ، وأما الباطن : فنور التوحيد ونور المعرفة ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) ، ونور الباطن أقوى وأبقى . ولذا قيل : إنهم - أي أهل البيت ( عليهم السلام ) - نور السماوات والأرض ; لأن نور غيرهم إلى الزوال والاضمحلال ، ونورهم باق لا يزول ، وقلوبهم تضيء وتتقد دائما وأبدا ، وهو السبب في بقاءهم ; ولأنهم باقون فالنور يلازمهم في الوجود ملازمة الظل روى علي بن إبراهيم ( رحمه الله ) في المؤمن « فالمؤمن مدخله نور ، ومخرجه نور ، وكلامه نور ، وهو يوم القيامة نور على نور » . فنقول : أصل منشأ هذه الأنوار هو نور التوحيد والإيمان والإسلام ، وهي الشجرة الطيبة التي ( أصلها ثابت وفرعها في السماء ) . وتلك هي الحضرة الفاطمية والمحمدية ، والبضعة الأحمدية ، خلقتها نور ، وطلعتها نور ، وولادتها نور ، ونسبتها نور ، بل منشأها ومبدأها من الأنوار الإلهية ، منتزعة من نور حقيقة الحقائق المحمدية ، ومنها نور الحفظ ، ونور الخوف ، ونور الرجاء ، ونور الحب ، ونور اليقين ، ونور الفكر ، ونور الذكر ، ونور العلم ، ونور الحياء ، ونور الإيمان ، ونور الإحسان ، ونور العطف ، ونور الهيبة ، ونور الحيرة ، ونور الحياة ، ونور الاستقامة ، ونور الإستكانة ، ونور الطمأنينة ، ونور الجلال ، ونور الجمال ، ونور الوحدانية ، ونور الفردانية ، ونور الأبدية ، ونور السرمدية ، ونور الديمومية ، ونور البقاء ، ونور الهوية . وهو جامع جميع الكمالات ، وواضع سمة مراتب الإعتدال الملكي والإنساني ، والعالم كله وآدم وبنيه صور وأجزاء وتفصيل لوجوده ; لقوله ( صلى الله عليه وآله ) « آدم ومن دونه تحت لوائي » وإنه القائم بشرائط العبودية ، وهو من ربه على نور وهو نور على نور . وهو كعبة الجلال ، ونقطة الكمال ، والإنسان الكامل ، ومظهر الاسم الجامع الشامل ، ومقصود الخلق ، والموحد في قصر التوحيد ، وغياث المضطرين ، تنتهي إلى نقطة وجوده الخطوط والدوائر الإمكانية . وهو مجمع الأنوار ، ومطلع الأسرار ، وهو مع الله قلبا ومع الخلق شخصا . وهو المنقطع عما سواه ، وليس له مؤنس إلا الله ، ولا نطق ولا إشارة له إلا بالله وفي الله ومع الله ، وقد قال الله في حقه ( ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ) . وهو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ، بل هو نفس الظهور ، وأجل يالموجودات وأظهرها ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) . والصديقة الطاهرة خلاصة ذلك الوجود المسعود وخاصته وبضعته وثمرة صاحب المقام المحمود . وهي أشبه الناس برسول الله خلقا وخلقا وكلاما وحديثا وهديا وسمتا وقولا وفعلا وعلما وعملا ويقينا ومعرفة ، فورثت أباها ، وما آتاه الله آتاها ، فإذا هي النورية « السماوية » ، بل هي نور في العوالم الشهودية والغيبية . ولقد قلت نظما : مشكاة نور الله جل جلاله * زيتونة عم الورى بركاتها هي قطب دائرة الوجود ونقطة * لما تنزلت أكثرت كثراتها هي أحمد الثاني وأحمد عصرها * هي عنصر التوحيد في عرصاتها وأرجو من عناياتها . وسنذكر - إن شاء الله تعالى - في خصيصة إبداع نور فيض ظهورها أخبارا سارة ، ونقتصر هنا على ذكر حديث واحد - وفاء بالوعد - رواه المرحوم المجلسي عليه الرحمة في المجلد السابع من بحار الأنوار عن تفسير علي بن إبراهيم القمي : عن الصادق ( عليه السلام ) قال في قول الله : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة ) المشكاة فاطمة ( عليها السلام ) ( فيها مصباح المصباح ) الحسن والحسين ( في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ) كأن فاطمة ( عليها السلام ) كوكب دري بين نساء أهل الأرض ( يوقد من شجرة مباركة ) يوقد من إبراهيم « عليه وعلى نبينا وآله السلام » ( لا شرقية ولا غربية ) يعني لا يهودية ولا نصرانية ( يكاد زيتها يضيء ) يكاد العلم يتفجر منها ( ولو لم تمسسه نار نور على نور ) إمام منها بعد إمام . [ ( يهدي الله لنوره من يشاء ) يهدي الله للأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصا ( ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم ) ] . وفي تفسير فرات عنه ( عليه السلام ) قال : ( كأنها كوكب دري ) فاطمة من نساء العالمين ( يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال لا يهودية ولا نصرانية ( يكاد زيتها يضيء ) يكاد العلم ينبع منها سلام الله عليها . وروى مثله في كتاب الطرائف عن ابن المغازلي الشافعي ، عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، والعلامة في كشف الحق عن الحسن البصري ، وابن البطريق عن المناقب لابن المغازلي . وبهذا التفسير تبين أن علم الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) من علم فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، كالزيت يعصر من الزيتونة ، حيث يفاض العلم من أعلى مراقي النبوة على فاطمة الطاهرة مباشرة بدون نزول ملك مقرب ، والأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) يتكلمون عنها ، فكما كان وجودها المقدس سببا لوجود كل واحد من الأئمة ، فكذلك كان علمهم يفاض عليهم بواسطتها . ويظهر من قوله تعالى : ( يوقد من شجرة مباركة ) أن علم فاطمة من الرسول وأن علوم الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) من فاطمة ( عليها السلام ) . وفي هذا كمال الشرف لتلك المخدرة وغاية التمجيد في العلم الموهوب لها ( عليها السلام ) . ولما كان علم فاطمة ( عليها السلام ) منسيا في هذا الزمان ، أفردت له خصيصة خاصة للكلام عنه ، وذكرت الأخبار الدالة على إحاطتها بالعلوم الدينية والمعارف الحقة ، وأنها عالمة بما في الأرض والسماء . ففاطمة الزهراء مشكاة علوم آل محمد ( عليهم السلام ) ، فكما يستفيد الناس من ضوء النجوم ( وبالنجم هم يهتدون ) فكذلك بعلوم فاطمة يهتدون ، فتأمل .
النورية : هذا اللقب الشريف النوراني معروف مشهور بين الملائكة وسكان السماوات في حق فاطمة صلوات الله عليها مثل « المنصورة »، وقد عده العلامة المجلسي ( رحمه الله ) في ألقابها المكرمة المفخمة ، وقال « ويقال لها في السماء النورية السماوية » .
وبديهي أن الأنوار الإلهية - بكلياتها - تتجلى لسكان السماوات من العالم الأعلى ، ومع ذلك عرفت عندهم هذه المرأة - وهي من جنس البشر - بهذا اللقب واشتهرت بهذه الصفة ، وفي هذا دليل على عظمة هذه الذات المقدسة ونورانية هذه الحقيقة وشرافتها . والنور من أسماء الله الحسنى ومن إشراقات جلال الحق وسبحات جماله .
وفي الدعاء : « أنت نور السماوات والأرض » أي منورها ومدبرها بحكمة بالغة . وقيل في تعريف النور : « والنور كيفية ظاهرة بنفسها ، مظهرة لغيرها » . وقيل أيضا : « كيفية تدركها الباصرة وبها تدرك المبصرات ، مثل فيضان وإشراق الشمس والقمر على الأجرام الكثيفة المحاذرة لها ، والنور نقيض الظلمة ، وجمعه أنوار ، ومصدره على وزن تفعيل « تنوير » . وقد عبر غالبا عن الوجود الشريف للنبي ( صلى الله عليه وآله ) والولي ( عليه السلام ) في القرآن وفي الحديث ب « النور » بلحاظ آياتهم الباهرة ودلالاتهم الظاهرة . وغالبا ما يكون المراد من التعبير بالنور الهداية والدلالة ، كما ورد في تفسير آية النور ، وهو معنى جامع واضح ، لأن كافة البريات تبحث عن النور في الظلمات وتطلب الهداية ، فإذا أدركوا النور وشملتهم الهداية وصلوا إلى الهدف ونالوا المقصود وفازوا بالمراد ، ويشهد لذلك قوله تعالى ( يهدي الله لنوره من يشاء ) . وهو معنى « أن النور مظهر لغيره » أي أنه الهداية والدلالة ، ويشهد له الحديث الذي سيأتي في خصيصة أخرى وفي خلق القنديل وتعليقه في ذروة السماء وكشف الظلمة به وهدايته الملائكة بنوره ، ومنه يعرف علة تسمية المخدرة الكبرى بالنورية السماوية . وعلى ما هو المعلوم ، فإن أئمة الدين ( عليهم السلام ) كانوا ينشرحون ويسرون لهذا اللقب ، ويفرحون بهذه النسبة التي تصدق في الحقيقة في حق كل واحد منهم . ولقد اشتهر على ألسنة فضلاء العصر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لكعب بن زهير الشاعر لما مدحه بقصيدته التي اعتذر إليه فيها :
إن النبي لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول