🌟 أصالة الوجود و اعتبارية الماهية 🌟
💎 إن المباحث الفلسفية قبل الفارابي كانت كلها تدور - تقريباً - حول محور الماهية ، و على أقل تقدير فهي مبنية - بشكل لا شعوري - على أصالة الماهية .
و لا توجد في كلمات فلاسفة اليونان القدماء ما يدلّ بشكل واضح على أصالة الوجود .
نعم يوجد مبحث أصالة الوجود بين فلاسفة المسلمين أمثال الفارابي و ابن سينا و بهمنيار ، بل قد توجد في تضاعيف كلامهم تصريحات بذلك أيضاً .
💎 و أول من صاغ أصالة الوجود بشكل نظري و بصورة واضحة هو صدر المتألهين في مدرسة الحكمة المتعالية بحيث جعله الأساس لحل المسائل الأخرى .
و قد أشار الى هذا المبحث بقوله : " و إني قد كنت شديد الذب عنهم في اعتبارية الوجود و تأصّل الماهيات ، حتى ان هداني ربي و انكشف لي انكشافاً بيناً أن الامر بعكس ذلك ، و هو أن الوجودات هي الحقائق المتأصلة الواقعة في العين ... " الأسفار العقلية الاربعة ج ٢ ص ٤٩
💎 و لهذا أصبح مبحث ( أصالة الوجود ) العمود الفقري و المحور الأساسي الذي تبتني عليه مدرسة الحكمة المتعالية ...
و لذا يقول العلامة الطباطبائي : " افتتح صدر المتألهين فلسفته مع أصالة الوجود ، ثم التشكيك في الوجود ، و استطاع أن يؤسس مدرسته الفلسفية على أساس هاتين المسألتين " . مجموعة مقالات ج ٢ ص ٧
و يقول الشهيد المطهري : " إن القول بأصالة الوجود تترتب عليه نتائج كثيرة في الفلسفة ، بل قد لا نجد مسألة فلسفية إلاّ و يرتبط مصيرها بذلك " . من تعليقته على أصول الفلسفة ص ٣٨٣
💎 و يقول الشيخ مصباح اليزدي في كتابه المنهج الجديد : ( ... و سوف يتضح في البحوث اللاحقة أن حلّ كثير من المسائل الفلسفية المهمة يتوقف على أصالة الوجود ، و كل طرق الحلّ التي تُقترح على أساس أصالة الماهية لا تنفع و تؤدي بالتالي الى طريق مسدود ، .... فإنه لا يوجد لها حلّ صحيح على أساس أصالة الماهية . ..... و نشير هنا الى مسألتين فلسفيتين مهمتين ، .... احداهما مسألة العلية و حقيقة علاقة المعلول بالعلة ، و نتيجتها - على أساس أصالة الوجود - عدم استقلال المعلول بالنسبة لعلته المانحة للوجود ، و على أساس ذلك تحلّ كثير من المسائل المهمة من قبيل نفي الجبر و التفويض و إثبات التوحيد الأفعالي .
و الأخرى : مسألة الحركة الجوهرية الاشتدادية و التكاملية ، فإن تبيينها متوقف أيضاً على التسليم بأصالة الوجود . إذن مسألة أصالة الوجود مسألة جادة و أساسية و تستحق الاهتمام المضاعف ... " . المنهج الجديد ج ١ ص ٣٢٦
💎 بهذا اتضحت لدينا الثمرات المترتبة على أصالة الوجود - كمسألة العلية و مسألة الحركة الجوهرية و غيرهما - و بالتالي يتضح لنا ما يترتب على القول بأصالة الماهية لأنها في قبال القول بأصالة الوجود ، و كما ذكر الشيخ المصباح بأن الكثير من الشبهات لن تحل بناءًا على القول بأصالة الماهية ، بينما يوجد لها حلّ بناءًا على أصالة الوجود .
💎 و سأذكر لكم ايضاً بعض الثمرات التي تترتب على القول بأصالة الوجود ، وذلك من كتاب بداية الحكمة للعلامة الطباطبائي ، حيث أشار العلامة الى ثمرات كثيرة تترتب على أصالة الوجود ، و منها :
1️⃣- ذكر العلامة الطباطبائي في الفصل الثامن من المرحلة الرابعة : مسألة ( علة حاجة الممكن الى العلة ) :
و هذه المسألة فيها عدة نظريات ، و منها : أن علة حاجة الممكن إلى العلة هي الإمكان ، و ذهب الى هذه النظرية بعض المتكلمين .
و منها : أن علة الاحتياج هي كون الممكن حادثاً ، و ذهب الى هذه النظرية بعض الفلاسفة بناءًا على أصالة الماهية .
و منها : أن علة الاحتياج هي أن وجود المعلول هو وجود رابط متعلق الذات بعلته ، غير مستقل بدونها ، فوجوده وجود فقير متعلق بالوجود الغني و هو الله تعالى ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُإِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " فاطر آية ١٥ .
و هذه النظرية تتناسب مع القول بأصالة الوجود .
2️⃣- ذكر العلامة في الفصل التاسع من المرحلة الرابعة : " أن المعلول كما أنه محتاج الى علته حدوثاً فكذلك محتاج الى علته بقاءًا ؛ و ذلك لأنه وجود رابط متعلق الذات بالعلة ، متقوّم بها ، فحاله في الحاجة الى العلة حدوثاً و بقاءًا واحد " .
و هذا الاستدلال مبني على أصالة الوجود كما هو واضح .
3️⃣- في المرحلة الثانية عشرة في الفصل الاول ، استدل العلامة الطباطبائي على إثبات وجود الله تعالى بدليلين ، و الاول منهما هو :
" حقيقة الوجود - التي هي أصيلة لا أصيل دونها ، و صرفة لا يخالطها غيرها ، لبطلان الغير ، فلا ثاني لها - واجبة الوجود ، لضرورة ثبوت الشئىء لنفسه ، و امتناع صدق نقيضه - وهو العدم - عليه ، و وجوبها إما بالذات أو بالغير ، لكن كون وجوبها بالغير خلف ، إذ لا غير هناك ، و لا ثاني لها ، فهي واجبة الوجود بالذات " .
و من الواضح أنّ المقدمة الاولى في هذا الدليل و هي ( حقيقة الوجود واجبة الوجود ) تبتني على أصالة الوجود
4️⃣- في المرحلة الثانية عشرة في الفصل الثاني ، تحت عنوان ( في أن الواجب تعالى هو المبدأ المفيض لكل وجود و كمال وجودي ) ، ذكر العلامة دليلين ، و الدليل الثاني يبتني على أصالة الوجود و حاصل الدليل هو : " ما سواه تعالى من الموجودات الإمكانية ، فقراء في أنفسها ، متعلقات في حدود ذواتها ، فهي وجودات رابطة ، لا استقلال لها حدوثاً و لا بقاءًا و إنما تتقوّم بغيرها ، و ينتهي ذلك الى وجود مستقل في نفسه ، غني في ذاته ، لا تعلّق له بشيء تعلق الفقر و الحاجة ، و هو الواجب الوجود تعالى و تقدس . فتبين أن الواجب الوجود تعالى هو المفيض لوجود ما سواه " .
🔵 اذن توجد ثمرات كثيرة ترتبط بمسألة أصالة الوجود من خلال اقامة الأدلة على الكثير من المطالب الفلسفية ، و من خلال الأدلة التي ترتبط بإثبات وجود واجب الوجود و بتوحيده و صفاته ، و كذلك بأصالة الوجود تندفع الكثير من الشبهات التي ترتبط بالحكمة الإلهية بالمعنى الاعم و الحكمة الإلهية بالمعنى الأخص المختصة بواجب الوجود تبارك و تعالى و بصفاته .
----------------------
منقول
منقول