الفرق بين ( الجِدَال ) و( النِّقَاش ) و( الحِوَار ) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
هذه ثلاث كلمات تُسْتَعْمل في الكلام الذي يجول بين طرفين أو أكثر ، وهي ذات معانٍ متقاربة وليست مترادفةً كما يحسب الكثيرون ، فإنَّ بين معانيها فروقاً طفيفة وموائز طريفة .
• فإنَّ ( الجِدَال ) حوارٌ الغرض منه الغَلَبة وأن يفحم أحد الطَّرفين الآخر وينتصر عليه ، كأنَّه يحاول أن يجدله أي : يصرعه على الجَدالَة ، و( الجَدالَة ) في الُّلغة وجه الأرض .
والجدال ضربان : مذموم إذا كان الغرض منه الغلبة ليس إلاَّ كما في قوله تعالى { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } ، ومحمود إذا كان الغرض منه الانتصار للحقِّ وإظهاره للمعاند ، ولهذا ارتضاه القرآن بشرط أن يكون بالحسنى فقال الله تعالى { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .
والجدل المغالبي طبيعةٌ حيوانيَّة في النَّفس الإنسانيَّة نابعةٌ من الاعتزاز بالذات وحبِّ الملذَّات بالانتصار للنفس وحلاوة هزيمة الغير { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } .
• أمَّا ( النِّقَاش ) فهو حوارٌ الغرض منه الوصول إلى الحقيقة الدَّقيقة ، مأخوذٌ من ( نقش الشَّوكة ) الداخلة في لحم اليد أو الرِّجل ومحاولة استخراجها ، قال أمير المؤمنين عليه السلام (أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائي ، كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا ) .
والنِّقاش في حقيقته ومقتضى طبيعته لا يكون إلاَّ محموداً ، الَّلهم إلاَّ إذا لم يلتزم المناقش بآداب النِّقاش ولم يراعِها في نقاشه .
• وأمَّا ( الحِوَار ) فهو الكلام الذي يدور بين طرفين يتجاذبان أطراف الحديث أيَّاً كان الغرض منه ، قال الله تعالى { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا } وهو مأخوذٌ من الفعل ( حَارَ يَحُورُ ) بمعنى : دار ورجع إلى المكان الذي بدأ منه ، قال الله تعالى { إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ } أي : يرجع إلينا .
فالحِوار مطلق ما يدور من الكلام بين طرفين أعمَّ من الجدال والنِّقاش وغيرهما قال الله سبحانه { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا } .
• أمَّا ( البَحْث ) فهو التَّفتيش عن الحقيقة ، ولكنَّه لا يقتضي تعدُّد أطرافه كالجدال والنِّقاش والحوار ، فقد يكون الباحث أكثر من شخصٍ وقد يكون شخصاً واحداً يبحث عن الحقِّ في مسألةٍ ما ، وهو في الأصل من البحث في التُّراب والنَّبش فيه كما تفعل الطُّيور بأرجلها لاستخراج ما قدَّر الله لها ، قال الله عزَّ وجلَّ { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ } .