الشاعرالكبير السيد الحميري ( ت 178هـ) كان كيسانيا يعتقد برجعة محمد بن الحنفية ثم تاب على يد جعفر الصادق ع.
ترجم له الذهبي
فقال : ( من فحول الشعراء لكنه رافضي جلد ...فقيل: إنه اجتمع بجعفر الصادق فبين له ضلالته فتاب ) سير أعلام النبلاء ج8 ص 46وفي لسان الميزان لابن حجر، ج 1 - ص 436 – 438 : ( (إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة السيد الحميري الشاعر المفلق يكنى أبا هاشم كان رافضيا خبيثا ، قال الدارقطني كان يسب السلف في شعره ويمدح عليا رضي الله عنه ... وكان يقول بإمامة محمد ابن الحنفية وقد زعم بعض الناس انه رجع عن مذهبه وقال بامامة جعفر الصادق ولم نجد ذلك في رواية صحيحة)
أقول : عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود !
قال أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني ، ج 7 - ص 176:
( كان يقول بالرجعة : وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال : جاء رجل إلى السيّد فقال : بلغني أنك تقول بالرّجعة؛ فقال : صدق الذي أخبرك ، وهذا ديني . قال : أفتعطيني دينارا بمائة دينار إلى الرّجعة ؟ قال السيّد : نعم وأكثر من ذلك إن وثّقت لي بأنك ترجع إنسانا . قال : وأيّ شيء أرجع ! قال : أخشى أن ترجع كلبا أو خنزيرا فيذهب مالي ؛ فأفحمه)وممن ذكر توبته وتركه للكيسانية الصفدي في الوافي بالوفيات ، ج 9 - ص 119 فقال: ( وقال الصولي حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود حدثنا علي بن محمد بن سليمان قال كان السيد كيسانيا ثم رجع وقال قصيدته التي أولها من الطويل تجعفرت باسم الله والله أكبر وأيقنت أن الله يقضي ويقدر )وقال عبد الله بن محمد ابن المعتز العباسي ( المتوفى : 296 هـ )في طبقات الشعراء، ج 1 - ص 33 : ( قال السدري راوية السيد : كان السيد أول زمانه كيسانيا يقول برجعة محمد بن الحنيفة وأنشدني في ذلك : حتى متى ؟ وإلى متى ؟ ومتى المدى ؟ . . . يا بن الوصي وأنت حي ترزق والقصيدة مشهورة . وحدثني محمد بن عبد الله قال : قال السدري : ما زال السيد يقول : بذلك حتى لقي الصادق عليه السلام . بمكة أيام الحج ، فناظره وألزمه الحجة فرجع عن ذلك . فذلك قوله في تركه تلك المقالة ،
ورجوعه عما كان عليه ويذكر الصادق عليه السلام :
تجعفرت باسم الله والله أكبر . . . وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ويثبت مهما شاء ربي بأمره . . . ويمحو ويقضي في الأمور ويقدر)ولا خلاف بين الإمامية في توبته واتباعه لجعفر الصادق ع.
جاء في ترجمته في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي، ج 4 - ص 93 – 94 : ( وقال ابن شهرآشوب في المعالم : في فصل الشعراء المجاهرين : " السيد أبو هاشم ، إسماعيل بن محمد بن مزيد بن محمد بن وداع بن مفر الحميري : من أصحاب الصادق ، ولقي الكاظم عليهما السلام ، وكان في بدء الامر خارجيا ، ثم كيسانيا ، ثم إماميا " ( انتهى ) .
وقال العلامة في الخلاصة ، في القسم الأول ، الباب 2 ، من فصل الهمزة ( 22 ) : " إسماعيل بن محمد الحميري ، ثقة ، جليل القدر ، عظيم الشأن والمنزلة ، رحمه الله تعالى " . وذكره ابن داود ، في الممدوحين ( 193 ) . وقال في الوجيزة : إنه ممدوح )
قال عبد الحسين الشبستري في الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق ( ع ) ، ج 1 - ص 183 – 184 : ( ولد بعمان ( كورة على بحر اليمن ) سنة 105 من أبوين أباضيين خارجيين ، ونشأ بالبصرة ، وكان يتردد إليها والى الكوفة والأهواز . ترك دين أبويه وصار كيسانيا ، ثم عرف الحق وصار اماميا مخلصا ، ومن ثقاتهم الممدوحين . لقبه الإمام الصادق عليه السلام بسيد الشعراء )روى الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة ص 33 - 35 رواية تبين توبته فقال... عن حيان السراج قال : سمعت السيد بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي - ابن الحنفية - قد ضللت في ذلك زمانا ، فمن الله علي بالصادق جعفر بن - محمد عليهما السلام وأنقذني به من النار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وأنه الامام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به ،
فقلت له ، : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما)
نظم السيد الحميري قصيدة يذكر فيها توبته وعقيدته بالمهدي وغيبته ، وردت هذه القصيدة في اكثر من مصدر تاريخي وأدبي قديم، من غير مصادر الإمامية، مما يدل على صحتها وانتشارها، ولا زالت مثبتة في ديوان السيد الحميري ص 166 - 167، وهو مطبوع .ونحن نذكر قصيدته نقلا عن أحد أهل الأدب والتاريخ الثقات، حيث ذكرها
المرزباني الخراساني ( ت 384هـ) في كتابه (أخبار السيد الحميري) ص 141
وثق المرزباني ووصفه بالصدق أكثر من واحد منهم : الخطيب البغدادي وابن حجر وابن العماد الحنبلي والحموي وابن النديم وابن خلكان وغيرهم.
قال الشاعر الحميري :أيا راكبا نحو المدينة جسرة ... عذافرة يطوي بها كل سبب
إذا ما هداك الله عاينت جعفرا ... فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه ... أتوب إلى الرحمان ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مبطنا ... معاندة مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد ... وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن ولي الأمر يفقد لا يرى ... ستيرا كفعل الخائف المترقب
فيقسم أموال الفقيد كأنما ... تعيبه بين الصفى المنصب
فيمكث حينا ثم ينبع نبعة ... كنبعة جدي من الأفق كوكب
يسير بنصر الله من بيت ربه ... على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه ... فيقتلهم قتلا كحران مغضب
فلما روى أن ابن خولة غايب... صرفنا إليه قولنا لم نكذب
وقلنا هو المهدي والقائم الذي ... يعيش به من عدله كل مجدب
فإن قلت لا فالحق قولك ... والذي أمرت فحتم غير ما متعصب
وأشهد ربي أن قولك حجة ... على الخلق طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي... تطلع نفسي نحوه يتطرب
له غيبة لا بد من أن يغيبها ... فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه ... فيملأ عدلا كل شرق ومغرب
بذاك أدين الله سرا وجهرة ... ولست وإن عوتبت فيه بمعتب )
ذكر مقطعا من هذه القصيدة وابيات الغيبة الأخيرة القاضي الإسماعيلي النعمان المغربي في شرح الأخبار ، ج 3 - ص 293 – 295 ، والمصادر الإمامية متفقة على روايتها .
والذي نلاحظه في هذه القصيدة، إنها نفسُ الشاعر الحميري وأسلوبه، يدرك هذا كل من راجع ديوانه واستأنس به.
والشاعر وصله خبر الغيبة ع عن وصي محمد صلى الله عليه وله وسلم ، وهو علي ع، قال :ولكن روينا عن وصي محمد ... وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن ولي الأمر يفقد لا يرى ... ستيرا كفعل الخائف المترقبوهذا يدل على ذكر الأمام لها، ووصول خبرها للبعض ومنهم الحميري، لكنه أخطأ في تشخيصها ، يظهر ذلك في قوله :فلما روى أن ابن خولة غايب... صرفنا إليه قولنا لم نكذب
وقلنا هو المهدي والقائم الذي ... يعيش به من عدله كل مجدب
وابن خولة هو محمد بن الحنفية، وأمه هي خولة، وفي البيت اشارة الى اعتقاده بمهدويته .
ثم يعود الشاعرالحميري ويؤكد على اعتقاده بالمهدي ع وغيبته بعد تصحيح جعفر الصادق ع الأمر له وتجعفره ! فيقول :وأشهد ربي أن قولك حجة ... على الخلق طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي... تطلع نفسي نحوه يتطرب
له غيبة لا بد من أن يغيبها ... فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه ... فيملأ عدلا كل شرق ومغربهذا النص الشعري البديع يدل على تداول خبر الغيبة والمهدي ع في القرن الثاني الهجري، وآل الأمر إلى اعتقاد السيد الحميري به بصورة صحيحة، بعد لقائه بالإمام الصادق ع، وفي هذا رد واضح على بعض المغرضين الذين يشككون بالقضية المهدوية ومن يزعمون جهلا بظهورها في القرن الرابع الهجري.
هذه عقيدة الشيعة بالمهدي ع وغيبته، جاءت على لسان هذا الشعر المبدع الذي عاش في القرن الثاني الهجري ونظم قصيدته قبل سنة 148هـ ،
رحمه الله والحمد لله رب العالمين، وصل يا رب على محمد وآله الطاهرين !