وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(140)فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ(142) فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَـهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِين (146) وَأَرْسَلْنَــهُ إِلَى مِائَةِ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ(147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَـهُمْ إِلَى حِين (148)ï´¾
التّفسير
يونس في بوتقة الإمتحان:
الحديث هنا عن قصّة نبي الله "يونس" (ع) وقومه التائبين، والتي هي سادس وآخر قصّة تتناول قصص الأنبياء والاُمم السابقة، والذي يلفت النظر أنّ القصص الخمس التي تحدّثت عن قوم (نوح) و (إبراهيم) و (موسى وهارون) و (الياس) و (لوط) أشارت إلى أنّ تلك الأقوام لم تصغ لنصائح الأنبياء الذين بعثوا إليها وبقيت غارقة في نومها، فعمّها العذاب الإلهي، فيما أنقذ الله سبحانه وتعالى الأنبياء العظام الذين أرسلهم إلى تلك الأقوام مع القلّة القليلة ممّن اتّبعهم.
إلاّ أنّ قضيّة نبي الله يونس تنتهي أحداثها بشكل معاكس لما إنتهت إليه تلك القصص، إذ أنّ قوم يونس صحوا من غفلتهم وتابوا إلى الله فور مشاهدتهم دلائل العذاب الإلهي الذي سيحلّ لهم إن لم يؤمنوا، وأنّ الله شملهم بلطفه وأنزل عليهم بركاته الماديّة والمعنوية، وفي المقابل فإنّ نبي الله يونس إبتلي ببعض الإبتلاءات والمشاكل لأنّه تعجّل في ترك قومه وهجره إيّاهم، حتّى أنّ القرآن المجيد أطلق عليه كلمة (أبق) والتي تعني هرب العبد من مولاه!
نبي الله "يونس" (ع) كسائر الأنبياء العظام بدأ بالدعوة إلى توحيد الله ومجاهدة عبدة الأصنام، ومن ثمّ محاربة الأوضاع الفاسدة التي كانت منتشرة في مجتمعه آنذاك، إلاّ أنّ قومه المتعصّبين الذين كانوا يقلّدون أجدادهم الأوائل رفضوا الإستجابة لدعوته.
إستمرّ يونس (ع) بوعظ قومه بقلب حزين لأجلهم، مريداً لهم الخير وكأنّه أب رحيم لهم، في حين كانوا يواجهون منطقه الحكيم بالسفسطة والمغالطة، عدا مجموعة قليلة منهم، يحتمل أن لا تتعدّى الشخصين (أحدهما يسمّى بالعابد والثاني بالعالم) آمنت برسالته.
وبعد فترة طويلة من دعوته إيّاهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام، يئس يونس من هدايتهم، وكما جاء في بعض الروايات، فإنّ يونس (ع) قرّر طبقاً لإقتراح الرجل العابد، مع ملاحظة أوضاع وأحوال قومه الضالّين، قرّر الدعاء عليهم(2).
يونس (ع) إنتبه بسرعة للحادث، وتوجّه على الفور إلى الله سبحانه وتعالى وتكامل وجوده مستغفراً الله على تركه العمل بالأولى، وطالباً العفو منه.
ونقلت الآية (87) في سورة الأنبياء صورة توجّه يونس (ع) بالدعاء الذي يسمّيه أهل العرفان باليونسية، قال تعالى: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين).
أي إنّه نادى من بطن الحوت بأن لا معبود سواك، وأنّني كنت من الظالمين، إذ ظلمت نفسي وإبتعدت عن باب رحمتك.
إعتراف يونس الخالص بالظلم، وتسبيحه الله المرافق للندم أدّى مفعوله، إذ إستجاب الله له وأنقذه من الغمّ، كما جاء في الآية (88) من سورة الأنبياء، (فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين).
ونلاحظ الآن ماذا تقول الآيات بشأن يونس (ع)، قال تعالى: (فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) أي لو لم يكن من المسبّحين لأبقيناه في بطن الحوت حتّى يوم القيامة، ويعني تبديل سجنه المؤقّت إلى سجن دائم، ومن ثمّ تبديل سجنه الدائم إلى مقبرة له.
وقيل: إنّ أوراق شجرة القرع، إضافةً إلى أنّها كانت كبيرة ورطبة جدّاً ويمكن الإستفادة منها كظلّ جيّد، فإنّ الذباب لا يتجمّع حول هذه الأوراق، ولهذا فإنّ يونس (ع) التصق بتلك الأوراق كي يرتاح من حرقة الشمس ومن الحشرات في
نفس الوقت، إذ أنّ بقاءه في داخل بطن الحوت أدّى إلى أن يصبح جلده رقيقاً جدّاً وحسّاساً، بحيث يتألّم إن استقرّت عليه حشرة.
بعد هذا عاد يونس إلى قومه ليرى ماذا صنع بهم العذاب الإلهي؟ ولكن ما إن عاد إلى قومه حتّى فوجىء بأمر أثار عنده الدهشة والعجب، وهو أنّه ترك قومه في ذلك اليوم يعبدون الأصنام، وهم اليوم يوحّدون الله سبحان
لقرآن يقول هنا: (وأرسلناه إلى مائة الف أو يزيدون) كانوا قد آمنوا بالله، واُغدقت عليهم النعم الإلهية المادية والمعنوية لمدّة معيّنة، (فآمنوا فمتّعناهم إلى حين).
والذي يثير العجب أكثر أنّ التوراة تقول: إنّ يونس تألّم وغضب كثيراً عندما أزال الله سبحانه وتعالى العذاب عن قومه بعد ما أعلنوا توبتهم(10).
وهذا المعنى ورد بصراحة في حديث لرسول الله (ص)، قال فيه: "ليس من قوم تنازعوا (تقارعوا) ثمّ فوّضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج لهم المحقّ"
تفسير الامثل للقران
التّفسير
يونس في بوتقة الإمتحان:
الحديث هنا عن قصّة نبي الله "يونس" (ع) وقومه التائبين، والتي هي سادس وآخر قصّة تتناول قصص الأنبياء والاُمم السابقة، والذي يلفت النظر أنّ القصص الخمس التي تحدّثت عن قوم (نوح) و (إبراهيم) و (موسى وهارون) و (الياس) و (لوط) أشارت إلى أنّ تلك الأقوام لم تصغ لنصائح الأنبياء الذين بعثوا إليها وبقيت غارقة في نومها، فعمّها العذاب الإلهي، فيما أنقذ الله سبحانه وتعالى الأنبياء العظام الذين أرسلهم إلى تلك الأقوام مع القلّة القليلة ممّن اتّبعهم.
إلاّ أنّ قضيّة نبي الله يونس تنتهي أحداثها بشكل معاكس لما إنتهت إليه تلك القصص، إذ أنّ قوم يونس صحوا من غفلتهم وتابوا إلى الله فور مشاهدتهم دلائل العذاب الإلهي الذي سيحلّ لهم إن لم يؤمنوا، وأنّ الله شملهم بلطفه وأنزل عليهم بركاته الماديّة والمعنوية، وفي المقابل فإنّ نبي الله يونس إبتلي ببعض الإبتلاءات والمشاكل لأنّه تعجّل في ترك قومه وهجره إيّاهم، حتّى أنّ القرآن المجيد أطلق عليه كلمة (أبق) والتي تعني هرب العبد من مولاه!
نبي الله "يونس" (ع) كسائر الأنبياء العظام بدأ بالدعوة إلى توحيد الله ومجاهدة عبدة الأصنام، ومن ثمّ محاربة الأوضاع الفاسدة التي كانت منتشرة في مجتمعه آنذاك، إلاّ أنّ قومه المتعصّبين الذين كانوا يقلّدون أجدادهم الأوائل رفضوا الإستجابة لدعوته.
إستمرّ يونس (ع) بوعظ قومه بقلب حزين لأجلهم، مريداً لهم الخير وكأنّه أب رحيم لهم، في حين كانوا يواجهون منطقه الحكيم بالسفسطة والمغالطة، عدا مجموعة قليلة منهم، يحتمل أن لا تتعدّى الشخصين (أحدهما يسمّى بالعابد والثاني بالعالم) آمنت برسالته.
وبعد فترة طويلة من دعوته إيّاهم إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام، يئس يونس من هدايتهم، وكما جاء في بعض الروايات، فإنّ يونس (ع) قرّر طبقاً لإقتراح الرجل العابد، مع ملاحظة أوضاع وأحوال قومه الضالّين، قرّر الدعاء عليهم(2).
يونس (ع) إنتبه بسرعة للحادث، وتوجّه على الفور إلى الله سبحانه وتعالى وتكامل وجوده مستغفراً الله على تركه العمل بالأولى، وطالباً العفو منه.
ونقلت الآية (87) في سورة الأنبياء صورة توجّه يونس (ع) بالدعاء الذي يسمّيه أهل العرفان باليونسية، قال تعالى: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين).
أي إنّه نادى من بطن الحوت بأن لا معبود سواك، وأنّني كنت من الظالمين، إذ ظلمت نفسي وإبتعدت عن باب رحمتك.
إعتراف يونس الخالص بالظلم، وتسبيحه الله المرافق للندم أدّى مفعوله، إذ إستجاب الله له وأنقذه من الغمّ، كما جاء في الآية (88) من سورة الأنبياء، (فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين).
ونلاحظ الآن ماذا تقول الآيات بشأن يونس (ع)، قال تعالى: (فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) أي لو لم يكن من المسبّحين لأبقيناه في بطن الحوت حتّى يوم القيامة، ويعني تبديل سجنه المؤقّت إلى سجن دائم، ومن ثمّ تبديل سجنه الدائم إلى مقبرة له.
وقيل: إنّ أوراق شجرة القرع، إضافةً إلى أنّها كانت كبيرة ورطبة جدّاً ويمكن الإستفادة منها كظلّ جيّد، فإنّ الذباب لا يتجمّع حول هذه الأوراق، ولهذا فإنّ يونس (ع) التصق بتلك الأوراق كي يرتاح من حرقة الشمس ومن الحشرات في
نفس الوقت، إذ أنّ بقاءه في داخل بطن الحوت أدّى إلى أن يصبح جلده رقيقاً جدّاً وحسّاساً، بحيث يتألّم إن استقرّت عليه حشرة.
بعد هذا عاد يونس إلى قومه ليرى ماذا صنع بهم العذاب الإلهي؟ ولكن ما إن عاد إلى قومه حتّى فوجىء بأمر أثار عنده الدهشة والعجب، وهو أنّه ترك قومه في ذلك اليوم يعبدون الأصنام، وهم اليوم يوحّدون الله سبحان
لقرآن يقول هنا: (وأرسلناه إلى مائة الف أو يزيدون) كانوا قد آمنوا بالله، واُغدقت عليهم النعم الإلهية المادية والمعنوية لمدّة معيّنة، (فآمنوا فمتّعناهم إلى حين).
والذي يثير العجب أكثر أنّ التوراة تقول: إنّ يونس تألّم وغضب كثيراً عندما أزال الله سبحانه وتعالى العذاب عن قومه بعد ما أعلنوا توبتهم(10).
وهذا المعنى ورد بصراحة في حديث لرسول الله (ص)، قال فيه: "ليس من قوم تنازعوا (تقارعوا) ثمّ فوّضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج لهم المحقّ"
تفسير الامثل للقران