نص الشبهة:
لقد كان الخليفة بعد رسول الله (صلي الله علیه وآله) هو أبو بكر الصديق؛ والدليل على هذا:اتفاق الصحابة وإجماعهم على طاعته، وانقيادهم لأوامره ونواهيه، وتركهم الإنكار عليه. ولو لم يكن خليفة حقاً لما تركوا ذلك، ولما أطاعوه، وهم من هم زهداً وورعاً وديانة، وكانت لا تأخذهم في الله لومة لائم.
2 ـ أن علياً «رضي الله عنه» ما خالفه ولا قاتله، ولا يخلو: إما أن يكون تركه لقتاله خوفاً من الفتنة والشر، أو لعجز، أو لعلمه أن الحق مع أبي بكر. ولا يمكن أن يكون تركه لأجل اتقاء الفتنة وخوف الشر؛ لأنه قاتل معاوية ، وقتل في الحرب الخلق الكثير، وقاتل طلحة والزبير ، وقاتل عائشة حين علم أن الحق له، ولم يترك ذلك خوفاً من الفتنة! ولا يمكن أن يكون عاجزاً؛ لأن الذين نصروه في زمن معاوية كانوا على الإيمان يوم السقيفة، ويوم إستخلاف عمر، ويوم الشورى.
فلو علموا أن الحق له لنصروه أمام أبي بكر ؛ لأنه أولى من معاوية, بالمحاربة والقتال. فثبت أنه ترك ذلك لعلمه أن الحق مع أبي بكر .
2 ـ أن علياً «رضي الله عنه» ما خالفه ولا قاتله، ولا يخلو: إما أن يكون تركه لقتاله خوفاً من الفتنة والشر، أو لعجز، أو لعلمه أن الحق مع أبي بكر. ولا يمكن أن يكون تركه لأجل اتقاء الفتنة وخوف الشر؛ لأنه قاتل معاوية ، وقتل في الحرب الخلق الكثير، وقاتل طلحة والزبير ، وقاتل عائشة حين علم أن الحق له، ولم يترك ذلك خوفاً من الفتنة! ولا يمكن أن يكون عاجزاً؛ لأن الذين نصروه في زمن معاوية كانوا على الإيمان يوم السقيفة، ويوم إستخلاف عمر، ويوم الشورى.
فلو علموا أن الحق له لنصروه أمام أبي بكر ؛ لأنه أولى من معاوية, بالمحاربة والقتال. فثبت أنه ترك ذلك لعلمه أن الحق مع أبي بكر .
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن طاعة الصحابة لأبي بكر، وانقيادهم لأوامره ونواهيه لا يدلُّ على أنه محق في استيلائه على الخلافة، وأخذ فدك، فقد يطاع أحدهم، بسبب خوف الناس منه، ولا سيما بعد أن رأوا ما فعل بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء «عليها السلام» من ضرب، وإسقاط لجنينها، ومحاولة إحراق بيتها عليها وعلى زوجها علي، وابنيها الحسن والحسين «عليهم السلام».. ويرى ما جرى لمالك بن نويرة ومن معه من بني حنيفة.. فإن خالداً قد قتل هذا الصحابي الجليل مع عشرات من المسلمين صبراً، وزنى بزوجته في ليلة قتله.. ومن الذي يتجرأ على المخالفة، وهو يرى ما فعلوه بسعد بن عبادة و.. و.. ؟!
من أجل ذلك نقول:
إن زهد الصحابة وديانتهم يفرض عليهم حفظ أنفسهم، حيث لا فائدة من التصدي سوى هدر الطاقات، وزيادة المشكلات، وزيادة المصائب والبلايا، وإعطاء الفرصة لأعداء الدين، لمحق دين محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
وقد تأكد للصحابة عدم إمكان المواجهة، حين رأوا كيف أن الخليفة قد بسط يده بإعطاء الأموال، حتى إن بعض النساء قد اعتبرت ذلك رشوة لها على دينها 1.
و أعطى أبا سفيان ما كان قد جمعه من أموال الصدقات، وولى أبو بكر ابنه، فأرضاه ذلك وسكت عن معارضتهم، بالرغم من أنه كان قد عرض على علي «عليه السلام» أن يقوم معه ضدهم 2.
ثانياً: هناك فرق بين الإجماع على إستخلاف أبي بكر، وبين الإجماع على طاعته بعد أن كرس نفسه خليفة، استناداً إلى ما ذكرناه من استخدام القوة والعنف، على فريق، والرشوة بالأموال والمناصب لفريق آخر. فإن الإجماع على الطاعة لا يدلُّ على صحة الخلافة، وهذا هو الذي حصل..
والإجماع على الإستخلاف لم يتحقق، فقد عارضه بنو هاشم، وعلى رأسهم أمير المؤمنين «عليه السلام»، وسعد بن عبادة وفريقه من الخزرج والأنصار، وأبو سفيان، وخالد بن سعيد، وأبي بن كعب، والزبير بن العوام، وسلمان، وأبو ذر والمقداد، وعمار، وغيرهم كثير..
ثالثاً: بالنسبة لعدم تصدي علي «عليه السلام» لحرب أبي بكر نقول:
قد ذكر علي «عليه السلام» نفسه: أن حربه لهم كانت ستنتهي إلى مصائب وويلات لا يمكن القبول بها، بل قد يصل الأمر إلى محق دين محمد «صلى الله عليه وآله»، وقد قال «عليه السلام»: « وطفقت أرتأى بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء » كما في الخطبة المعروفة بالشقشقية.
ومما قاله «عليه السلام»: « فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى ثلماً، أو هدماً تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم » 3.
رابعاً: إنه «عليه السلام» لم يكن هو الذي قرَّر قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، بل كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي عهد إليه بقتالهم.
وكان الناكثون، والقاسطون والمارقون هم الذين خرجوا عليه، وبدأوه بالقتال، فدافع عن نفسه، ولم يكن هو البادئ.
خامساً: إن ثمة فرقاً بين حال علي «عليه السلام» أيام خلافته، وبين يوم السقيفة، حيث لم يكن عنده أنصار في يوم السقيفة، وكان الناس حديثي عهد بالجاهلية، وكان الإسلام محصوراً في الجزيرة العربية، والمنافقون في أوج قوتهم، وهم يتربصون بالإسلام شراً، وحوله أقوى ممالك الأرض.
أما في أيام خلافته، فقد كانت الأمور بيده، وقد سقطت ممالك الإستكبار من حوله، وأصبح الإسلام حقيقة واقعة، وتلاشت آمال المنافقين بالتخلص منه، وإقامة حكم الجاهلية.
وإنما كان معاوية من إنتاج يوم السقيفة. وقد اجتمع عنده الفريق الأموي، الذي كان أساسياً في تشييد الأمر لأبي بكر.
فتركه «عليه السلام» الحرب في يوم السقيفة كان حرصاً على الإسلام وأهله، لا لأنه يرى الحق لأبي بكر كما ذكره المستدل..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 4.
المصادر
1. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص182 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص276 وقاموس الرجال ج12 ص21 و 109 وبحار الأنوار ج28 ص327 وكنز العمال ج5 ص606 و 607 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص53 وحياة الصحابة ج1 ص420 وأنساب الأشراف ج3 ص388.
2. راجع: تاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الإستقامة) و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص449 ودلائل الصدق ج2 ص39 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص44 وقاموس الرجال ج12 ص117 والغدير ج9 ص254 عن العقد الفريد ج2 ص249 والسقيفة وفدك للجوهري ص39.
3. نهج البلاغة الكتاب رقم 63.
4. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي .
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن طاعة الصحابة لأبي بكر، وانقيادهم لأوامره ونواهيه لا يدلُّ على أنه محق في استيلائه على الخلافة، وأخذ فدك، فقد يطاع أحدهم، بسبب خوف الناس منه، ولا سيما بعد أن رأوا ما فعل بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء «عليها السلام» من ضرب، وإسقاط لجنينها، ومحاولة إحراق بيتها عليها وعلى زوجها علي، وابنيها الحسن والحسين «عليهم السلام».. ويرى ما جرى لمالك بن نويرة ومن معه من بني حنيفة.. فإن خالداً قد قتل هذا الصحابي الجليل مع عشرات من المسلمين صبراً، وزنى بزوجته في ليلة قتله.. ومن الذي يتجرأ على المخالفة، وهو يرى ما فعلوه بسعد بن عبادة و.. و.. ؟!
من أجل ذلك نقول:
إن زهد الصحابة وديانتهم يفرض عليهم حفظ أنفسهم، حيث لا فائدة من التصدي سوى هدر الطاقات، وزيادة المشكلات، وزيادة المصائب والبلايا، وإعطاء الفرصة لأعداء الدين، لمحق دين محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
وقد تأكد للصحابة عدم إمكان المواجهة، حين رأوا كيف أن الخليفة قد بسط يده بإعطاء الأموال، حتى إن بعض النساء قد اعتبرت ذلك رشوة لها على دينها 1.
و أعطى أبا سفيان ما كان قد جمعه من أموال الصدقات، وولى أبو بكر ابنه، فأرضاه ذلك وسكت عن معارضتهم، بالرغم من أنه كان قد عرض على علي «عليه السلام» أن يقوم معه ضدهم 2.
ثانياً: هناك فرق بين الإجماع على إستخلاف أبي بكر، وبين الإجماع على طاعته بعد أن كرس نفسه خليفة، استناداً إلى ما ذكرناه من استخدام القوة والعنف، على فريق، والرشوة بالأموال والمناصب لفريق آخر. فإن الإجماع على الطاعة لا يدلُّ على صحة الخلافة، وهذا هو الذي حصل..
والإجماع على الإستخلاف لم يتحقق، فقد عارضه بنو هاشم، وعلى رأسهم أمير المؤمنين «عليه السلام»، وسعد بن عبادة وفريقه من الخزرج والأنصار، وأبو سفيان، وخالد بن سعيد، وأبي بن كعب، والزبير بن العوام، وسلمان، وأبو ذر والمقداد، وعمار، وغيرهم كثير..
ثالثاً: بالنسبة لعدم تصدي علي «عليه السلام» لحرب أبي بكر نقول:
قد ذكر علي «عليه السلام» نفسه: أن حربه لهم كانت ستنتهي إلى مصائب وويلات لا يمكن القبول بها، بل قد يصل الأمر إلى محق دين محمد «صلى الله عليه وآله»، وقد قال «عليه السلام»: « وطفقت أرتأى بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء » كما في الخطبة المعروفة بالشقشقية.
ومما قاله «عليه السلام»: « فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى ثلماً، أو هدماً تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم » 3.
رابعاً: إنه «عليه السلام» لم يكن هو الذي قرَّر قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، بل كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي عهد إليه بقتالهم.
وكان الناكثون، والقاسطون والمارقون هم الذين خرجوا عليه، وبدأوه بالقتال، فدافع عن نفسه، ولم يكن هو البادئ.
خامساً: إن ثمة فرقاً بين حال علي «عليه السلام» أيام خلافته، وبين يوم السقيفة، حيث لم يكن عنده أنصار في يوم السقيفة، وكان الناس حديثي عهد بالجاهلية، وكان الإسلام محصوراً في الجزيرة العربية، والمنافقون في أوج قوتهم، وهم يتربصون بالإسلام شراً، وحوله أقوى ممالك الأرض.
أما في أيام خلافته، فقد كانت الأمور بيده، وقد سقطت ممالك الإستكبار من حوله، وأصبح الإسلام حقيقة واقعة، وتلاشت آمال المنافقين بالتخلص منه، وإقامة حكم الجاهلية.
وإنما كان معاوية من إنتاج يوم السقيفة. وقد اجتمع عنده الفريق الأموي، الذي كان أساسياً في تشييد الأمر لأبي بكر.
فتركه «عليه السلام» الحرب في يوم السقيفة كان حرصاً على الإسلام وأهله، لا لأنه يرى الحق لأبي بكر كما ذكره المستدل..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 4.
المصادر
1. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص182 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص276 وقاموس الرجال ج12 ص21 و 109 وبحار الأنوار ج28 ص327 وكنز العمال ج5 ص606 و 607 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص53 وحياة الصحابة ج1 ص420 وأنساب الأشراف ج3 ص388.
2. راجع: تاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الإستقامة) و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص449 ودلائل الصدق ج2 ص39 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص44 وقاموس الرجال ج12 ص117 والغدير ج9 ص254 عن العقد الفريد ج2 ص249 والسقيفة وفدك للجوهري ص39.
3. نهج البلاغة الكتاب رقم 63.
4. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي .