بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قبل البدء بالبحث هناك ملاحظة من المفيد الالتفات إليها وهي: لو دققنا في الآيات التي تتحدث عن زمان الألم والبلاء والشدة، أو التي تتحدث عن النعم والانتصارات والتوفيق لوجدنا أن المفردات التي يستعملها هي: المس - والإذاقة، والتي يتصرّف منها أذقنا - مسكم - مستهم - أذاقهم - مس - مسه.
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا﴾.
﴿إِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ﴾.
﴿ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً﴾.
﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ﴾.
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾.
ويمكن القول بأن الإذاقة عادة تستعمل في موارد الرحمة والنصر، ويستعمل المس مع مرودي الخير والشر.
والإذاقة بمعنى الشعور والإحساس، والمس بمعنى المقاربة السطحية. ولعل مراد القرآن الكريم من استعمال هاتين المفردتين هو لتبيان أن الآلام والمصاعب والشدائد تنقضي سريعاً وكلها يعرض بشكل سطحي على الإنسان ولا تدوم كما هو الحال أيضاً بالنسبة للمسرات واللذائذ والانتصارات.
وإذا استغرق المرء في كلا الحالين وراهن عليها فقد اشتبه وأخطأ.
ففي لحظات الألم والهم يجب على المرء أن يتعلق بالأمل ويعلم بأن كل هذه الأمور هي بيد الله الكافي، ويتأكد كذلك بأن الأمور الأخرى من الأفراح والمسرات لن تدوم أيضاً. فلا يستلقي على فراش الغفلة والنسيان. وليتذكر قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.
إن موضوع البلاء وموضوع الرخاء متلازمان، وهذا هو قانون الدنيا، فلا بلاء دائم ولا رخاء دائم فيها.
فعلينا أن نعرف ذلك ونتقبله ونتحمله وليس معنى الصبر إلا هذا...
* الأشخاص المستثنون
ورد في البحثين السابقين "حالات الشدة، وآفات النصر" أن الإنسان غالباً في الشدائد والابتلاءات عندما يشاهد نفسه أسيرة للأسباب المادية يسقط في اليأس والقنوط والكفر.
وحين يتوجه إلى الله يشرع بالإنابة والجزع والدعاء والجؤار - بصورة مؤقتة طبعاً - فتفتح له أبواب الرحمة الإلهية، وعندما يرى النصر... يتيه في النسيان والغفلة والنأي عن الله والشرك والأنانية والمنع وعبادة الذات، والشك في يوم القيامة، واللجاجة في الطغيان والمكر في آيات الله والظلم في الأرض.
لكن يوجد طائفة مستثناة من هذه الحالة العامة، وهؤلاء من خصائصهم أن حالات الشدة لا تزعزعهم ولا يصيبهم النصر والرخاء بالغفلة والنسيان، ويذكر القرآن الكريم صفاتهم:
1 - الصابرون.
2 - الذين يعملون الصالحات.
﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
1 - الصبر:
من إحدى الصفات الرائعة لهؤلاء رضاهم بالقضاء الإلهي وهذا الأمر لا يتحقق بالفكر البسيط الظاهري، بل يحتاج إلى تعمق ومعرفة.
2 - العمل الصالح:
لا يعطي القرآن الكريم قيمة لذات العمل بل لصلاح هذا العمل وارتباطه بالله فعندما يجتمع شرط العمل وشرط أن يكون لله يصبح العمل صالحاً.
فالصابرون الذين يعملون الصالحات هم الذين لا يسقطون في هاوية الكفر أثناء الشدة، ولا يغفلون ويبطرون أيام الرخاء.
عن الصادق عليه السلام: "صبروا في الشدة، وعملوا الصالحات في الرخاء".
3 - المداومون على الصلاة:
﴿إِلاَّ الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾.
الصلاة هي أشرف الأعمال، ولكن أية صلاة؟ هل هي صلاة المرء الذي قضى خمسين عاماً يصلي ولكنه ما زال يغتاب ويغش ويتهم ويفعل المنكرات. مع أن الصلاة يجب أن تنهاه عن ذلك ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾.
4 - ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ *لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
السائل هو الشخص الذي يطلب العون، والمحروم هو الذي لا يطلب.
عن الصادق عليه السلام: "إن الحق المعلوم ليس من الزكاة وإنما هو مقدار معلوم ينفقونه للفقراء".
5 - ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾.
المقصود من التصديق ليس التصديق الفكري فحسب، بل التصديق العملي أيضاً، الذي تظهر آثاره في جميع الحالات على جوارح الإنسان بالتسليم والرضا والطاعة.
6 - الذين يخافون عذاب الله:
﴿وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ *إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾.
من لوازم هذا الخوف، العمل الصالح والجهاد في سبيل الله، الأمر الذي سيعطي الإنسان الصلابة والقوة كيلا ينهزم في الشدائد ولا ينحرف ويبطر في النعم.
7 - المسيطرون على شهواتهم:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾.
هؤلاء الذين لا تملكهم شهواتهم ولا تسيطر عليهم نزواتهم، يتأسون بيوسف عليه السلام في عدم الانهزام أمام الشهوة، ويطيعون الله في اجتناب الحرام فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "ما عبد الله بشيء أفضل من عبادة بطن وفرج".
ومن التعبيرات الرائعة لأمير المؤمنين عليه السلام في صفة من لا تملكه شهوته يقول عليه السلام: "قد خلع سرابيل الشهوات".
8 - ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾.
هؤلاء يعرفون أن الفطرة من أعظم الأمانات الإلهية لديهم فيراعونها. والذي يراعي هكذا أمانة وعهد من المسلم أنه يستطيع الحفاظ والوفاء بأية أمانة أخرى وعهد.
9 - ﴿وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾.
هؤلاء الذين يشهدون بالحق سواء لهم أو عليهم في الرخاء والبلاء، ولا يخرجون عن عبوديتهم لله تعالى ولا يخافون فيه لومة لائم فيقيمون الشهادة له وحده.
10 - ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾.
تختلف المحافظة عن معنى المداومة التي ذكرت سابقاً ففي المداومة يتعلق الحديث عن ارتباط الصلوات في حركة طولية للمصلي، بينما في المحافظة يكون الحديث عن رعاية كمال الصلاة من وقتها إلى كيفيتها والخضوع فيها والمراقبة لمجموعة أذكارها ﴿أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾.
* نموذجان
يتحدث القرآن الكريم في سورة "ص" عن نموذجين بالتوالي:
أحدهما: النبي سليمان عليه السلام الذي كان في أوج القوة والنعمة والانتصار. بحيث كانت الريح مسخّرة له، والجن يعملون بأمره وقد خصه الله بملك عظيم كما أراد بدعائه عليه السلام "هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي".
والنموذج الآخر
هو النبي أيوب عليه السلام الذي كان في أعظم حالات البلاء والمصائب، فقد أولاده، وابتلي بمرض أليم، وأخرج من بلده، وأصيبت امرأته بداء عظيم ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾.
ومع ذلك فإن القرآن الكريم يعتبر كلا النبيين عليهما السلام سواء ويقول عن كل منهما:﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
فهو يقول في شأن سليمان عليه السلام مع كل ما كان له من الملك والقدرة ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
ويقول كذلك في شأن أيوب مع كل ما كان يعانى من بلاء وشدة، ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
فهذا هو رز العبودية لله، ففي كل الحالات لا يُذكر إلا الله ولا يراد سواه.
يجب التأمل والتفكر في هاتين القصتين في هذه السورة المباركة إلى جانب سائر قصص الأنبياء والأولياء، حيث أننا محتاجون أكثر من أي وقت مضى للاقتداء والتأسي بهم، ومن الأمثلة القريبة للقدوة والنموذج الإلهي الرائع هو الإمام الخميني قدس سره الذي شاهدناه وقد لبس ثوب العبودية لله، ولم يرد سوء الله، ولم يذكر غيره سواء في النفي والأبعاد والاعتقال والشدة أم في الانتصار والنعمة والحكم.
فعن الصادق عليه السلام: "ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن، إنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له، فكل ما يصنع الله عز وجل به فهو خير له".
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قبل البدء بالبحث هناك ملاحظة من المفيد الالتفات إليها وهي: لو دققنا في الآيات التي تتحدث عن زمان الألم والبلاء والشدة، أو التي تتحدث عن النعم والانتصارات والتوفيق لوجدنا أن المفردات التي يستعملها هي: المس - والإذاقة، والتي يتصرّف منها أذقنا - مسكم - مستهم - أذاقهم - مس - مسه.
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا﴾.
﴿إِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ﴾.
﴿ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً﴾.
﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ﴾.
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾.
ويمكن القول بأن الإذاقة عادة تستعمل في موارد الرحمة والنصر، ويستعمل المس مع مرودي الخير والشر.
والإذاقة بمعنى الشعور والإحساس، والمس بمعنى المقاربة السطحية. ولعل مراد القرآن الكريم من استعمال هاتين المفردتين هو لتبيان أن الآلام والمصاعب والشدائد تنقضي سريعاً وكلها يعرض بشكل سطحي على الإنسان ولا تدوم كما هو الحال أيضاً بالنسبة للمسرات واللذائذ والانتصارات.
وإذا استغرق المرء في كلا الحالين وراهن عليها فقد اشتبه وأخطأ.
ففي لحظات الألم والهم يجب على المرء أن يتعلق بالأمل ويعلم بأن كل هذه الأمور هي بيد الله الكافي، ويتأكد كذلك بأن الأمور الأخرى من الأفراح والمسرات لن تدوم أيضاً. فلا يستلقي على فراش الغفلة والنسيان. وليتذكر قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.
إن موضوع البلاء وموضوع الرخاء متلازمان، وهذا هو قانون الدنيا، فلا بلاء دائم ولا رخاء دائم فيها.
فعلينا أن نعرف ذلك ونتقبله ونتحمله وليس معنى الصبر إلا هذا...
* الأشخاص المستثنون
ورد في البحثين السابقين "حالات الشدة، وآفات النصر" أن الإنسان غالباً في الشدائد والابتلاءات عندما يشاهد نفسه أسيرة للأسباب المادية يسقط في اليأس والقنوط والكفر.
وحين يتوجه إلى الله يشرع بالإنابة والجزع والدعاء والجؤار - بصورة مؤقتة طبعاً - فتفتح له أبواب الرحمة الإلهية، وعندما يرى النصر... يتيه في النسيان والغفلة والنأي عن الله والشرك والأنانية والمنع وعبادة الذات، والشك في يوم القيامة، واللجاجة في الطغيان والمكر في آيات الله والظلم في الأرض.
لكن يوجد طائفة مستثناة من هذه الحالة العامة، وهؤلاء من خصائصهم أن حالات الشدة لا تزعزعهم ولا يصيبهم النصر والرخاء بالغفلة والنسيان، ويذكر القرآن الكريم صفاتهم:
1 - الصابرون.
2 - الذين يعملون الصالحات.
﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
1 - الصبر:
من إحدى الصفات الرائعة لهؤلاء رضاهم بالقضاء الإلهي وهذا الأمر لا يتحقق بالفكر البسيط الظاهري، بل يحتاج إلى تعمق ومعرفة.
2 - العمل الصالح:
لا يعطي القرآن الكريم قيمة لذات العمل بل لصلاح هذا العمل وارتباطه بالله فعندما يجتمع شرط العمل وشرط أن يكون لله يصبح العمل صالحاً.
فالصابرون الذين يعملون الصالحات هم الذين لا يسقطون في هاوية الكفر أثناء الشدة، ولا يغفلون ويبطرون أيام الرخاء.
عن الصادق عليه السلام: "صبروا في الشدة، وعملوا الصالحات في الرخاء".
3 - المداومون على الصلاة:
﴿إِلاَّ الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾.
الصلاة هي أشرف الأعمال، ولكن أية صلاة؟ هل هي صلاة المرء الذي قضى خمسين عاماً يصلي ولكنه ما زال يغتاب ويغش ويتهم ويفعل المنكرات. مع أن الصلاة يجب أن تنهاه عن ذلك ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾.
4 - ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ *لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
السائل هو الشخص الذي يطلب العون، والمحروم هو الذي لا يطلب.
عن الصادق عليه السلام: "إن الحق المعلوم ليس من الزكاة وإنما هو مقدار معلوم ينفقونه للفقراء".
5 - ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾.
المقصود من التصديق ليس التصديق الفكري فحسب، بل التصديق العملي أيضاً، الذي تظهر آثاره في جميع الحالات على جوارح الإنسان بالتسليم والرضا والطاعة.
6 - الذين يخافون عذاب الله:
﴿وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ *إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾.
من لوازم هذا الخوف، العمل الصالح والجهاد في سبيل الله، الأمر الذي سيعطي الإنسان الصلابة والقوة كيلا ينهزم في الشدائد ولا ينحرف ويبطر في النعم.
7 - المسيطرون على شهواتهم:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾.
هؤلاء الذين لا تملكهم شهواتهم ولا تسيطر عليهم نزواتهم، يتأسون بيوسف عليه السلام في عدم الانهزام أمام الشهوة، ويطيعون الله في اجتناب الحرام فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "ما عبد الله بشيء أفضل من عبادة بطن وفرج".
ومن التعبيرات الرائعة لأمير المؤمنين عليه السلام في صفة من لا تملكه شهوته يقول عليه السلام: "قد خلع سرابيل الشهوات".
8 - ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾.
هؤلاء يعرفون أن الفطرة من أعظم الأمانات الإلهية لديهم فيراعونها. والذي يراعي هكذا أمانة وعهد من المسلم أنه يستطيع الحفاظ والوفاء بأية أمانة أخرى وعهد.
9 - ﴿وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾.
هؤلاء الذين يشهدون بالحق سواء لهم أو عليهم في الرخاء والبلاء، ولا يخرجون عن عبوديتهم لله تعالى ولا يخافون فيه لومة لائم فيقيمون الشهادة له وحده.
10 - ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾.
تختلف المحافظة عن معنى المداومة التي ذكرت سابقاً ففي المداومة يتعلق الحديث عن ارتباط الصلوات في حركة طولية للمصلي، بينما في المحافظة يكون الحديث عن رعاية كمال الصلاة من وقتها إلى كيفيتها والخضوع فيها والمراقبة لمجموعة أذكارها ﴿أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾.
* نموذجان
يتحدث القرآن الكريم في سورة "ص" عن نموذجين بالتوالي:
أحدهما: النبي سليمان عليه السلام الذي كان في أوج القوة والنعمة والانتصار. بحيث كانت الريح مسخّرة له، والجن يعملون بأمره وقد خصه الله بملك عظيم كما أراد بدعائه عليه السلام "هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي".
والنموذج الآخر
هو النبي أيوب عليه السلام الذي كان في أعظم حالات البلاء والمصائب، فقد أولاده، وابتلي بمرض أليم، وأخرج من بلده، وأصيبت امرأته بداء عظيم ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾.
ومع ذلك فإن القرآن الكريم يعتبر كلا النبيين عليهما السلام سواء ويقول عن كل منهما:﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
فهو يقول في شأن سليمان عليه السلام مع كل ما كان له من الملك والقدرة ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
ويقول كذلك في شأن أيوب مع كل ما كان يعانى من بلاء وشدة، ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
فهذا هو رز العبودية لله، ففي كل الحالات لا يُذكر إلا الله ولا يراد سواه.
يجب التأمل والتفكر في هاتين القصتين في هذه السورة المباركة إلى جانب سائر قصص الأنبياء والأولياء، حيث أننا محتاجون أكثر من أي وقت مضى للاقتداء والتأسي بهم، ومن الأمثلة القريبة للقدوة والنموذج الإلهي الرائع هو الإمام الخميني قدس سره الذي شاهدناه وقد لبس ثوب العبودية لله، ولم يرد سوء الله، ولم يذكر غيره سواء في النفي والأبعاد والاعتقال والشدة أم في الانتصار والنعمة والحكم.
فعن الصادق عليه السلام: "ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن، إنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له، فكل ما يصنع الله عز وجل به فهو خير له".